بعد كل طاعة وعبادة سواءً كانت عمرة، حج، صيام - صلاة - صدقة، أي عمل صالح، لا بُد من وقفات وتأملات بعد هذه الطاعة من صيام وقيام أو حج أو عمرة هل أنا من المقبولين أم من المحرومين، هل أنا من الفائزين أم من الخاسرين.
أولاً: إن العمل الصالح ليكون مقبولاً لا بد أن يكون خالصاً وصالحاً.
خالصاً لا يشوبه رياء أو سمعه أو ليقال، وكذلك لا بد أن يكون العمل صالحاً، على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد جمع الله المعنيين في قوله: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، ولهذا في الحديث: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً» [متفق عليه عن أبي هريرة].، وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً» [صحيح البخاري «1901»، صحيح مسلم «760»]، «من قام رمضان إيماناً واحتساباً» [مسلم عن أبي هريرة].، فلا بد من إخلاص، ولا بد من موافقة شرع الله.
ثانياً: أيها المسلم، من وفقك لأداء العمل الصالح، من أعانك على الصيام والقيام؟ إنه الله، فلو وكلك الله إلى نفسك لهلكت، فالشيطان متسلط عليك، كل لحظة يتمنى أن يضلك ويغويك، ولكن الله عصم منه عباده المخلصين: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [الحجر: 42].
الله جل جلاله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ... ﴾ [الإسراء: 74، 75].
إذاً يا أخي، إذا وُفقت لعمل صالح فاعلم أن هذا فضل من الله عليك، وكرمٌ من الله عليك، وكم ضل أقوام وزاغت قلوب أقوام ما وفقهم الله للصواب، والله يقول لنبيه: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [النساء: 113].
عباد الله:
كلنا يردد هتاف علي رضي الله عنه يقول: «ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه».
وبعد كل طاعة نردد أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه: «أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك». ولذلك كان الصحابة الكرام يدعون الله ستة أشهر بقبول رمضان، من منا لا زال إلى اليوم يدعو بقبول رمضان.
ولقد قال عليّ رضي الله عنه: «لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول»، ألم تسمعوا الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27].
أخي الحبيب:
لا تكن مثل بعض المسلمين، الذين ليسوا حريصين على قبول طاعاتهم، فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول.
عباد الله:
هناك أسباب لقبول الأعمال وهناك علامات للمقبولين نسأل الله أن نكون منهم، فمن وجدها في نفسه فليحمد الله، وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها، ومن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى.
فما هي أسباب القبول أو ما هي علامات المقبولين:
أولا: عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة:
فإن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران، قال يحي بن معاذ رحمه الله: «من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول في وجهه مسدود».
إن كثيراً من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل: إن شاء الله لن أعود " تحقيقا لا تعليقا".. واستعن بالله واعزم على عدم العودة..
ثانياً: الوجل والخوف من عدم قبول العمل: فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7]]، وجاء في الحديث القدسي: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على صعيد واحد فسألني كل واحد منهم مسألته فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً» [أخرجه مسلم [2577] من حديث أبي ذر].
والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: «لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات» [أخرجه أحمد«6/205»، والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي «2537»].
فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده، ولا يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.
لقد سُئل حاتم الأصم كيف يؤدي صلاته فقال: «أُكبّر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأرفع ركوعاً بخضوع، وأسجد سجوداً بتذلل، وأعتبر الجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي، وملك الموت على رأسي، وذنوبي محيطة بي، وعين الله ناظرة إلي وأعدها آخر صلاة في عمري، وأتبعها الإخلاص ما استطعت ثم أسلم، ولا أدري بعدها أيقبلها الله مني أم يقول: اضربوا بها وجه من صلاها». هكذا كانت صلاتهم.
ثالثاً: التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها:
إن علامة قبول الطاعة أن يوفّق العبد لطاعة بعدها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً. ومن هنا فإن من علامات القبول صيام الست من شوال.
فالعمل الصالح شجرةٌ طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتُؤتي ثمارها، وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.
رابعاً: استصغار العمل وعدم العُجب والغرور به:
إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة، فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة. ومما يُعين على استصغار العمل: معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 1 - 6]. فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري رحمه الله: «لا تمنن بعملك على ربك تستكثره».
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «كلما شهدت حقيقة الربوبية وحقيقة العبودية، وعرفت الله، وعرفت النفس، وتبيَّن لك أنَّ ما معك من البضاعة لا يصلح للملك الحق، ولو جئت بعمل الثقلين؛ خشيت عاقبته، وإنما يقبله بكرمه وجوده وتفضله، ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله» [مدارج السالكين، «439/2»].
وفي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن يدخُلَ الجنّةَ أحدٌ منكم بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا إلاّ أن يتغمَّدني الله برحمته» [أخرجه البخاري في صحيحه في الرقاق باب القصد والمداومة على العمل «5 /2373»].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد..
ومن علامات قبول الطاعة:
خامساً: حُب الطاعة وكره المعصية:
من علامات القبول، أن يُحبّب الله في قلبك الطاعة، فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، ومن علامات القبول أن تكره المعصية والقرب منها وتدعو الله أن يُبعدك عنها قائلاً: اللهم حبّب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.
سادساً: الرجاء وكثرة الدعاء:
إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.
ورجاء قبول العمل مع الخوف من رده يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه. وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال: ﴿
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127].
سابعاً: التيسير للطاعة والإبعاد عن المعصية:
سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان، بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها.
قال تعالى: ﴿
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].
ثامناً: حب الصالحين وبغض أهل المعاصي:
من علامات قبول الطاعة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي، ولقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب ا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله».
أخي الحبيب:
قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت، ولله در عطاء الله السكندري حين قال: «إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك».
والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله لا شريك له، ممتثلين قوله، «من أَحبَّ لله، وأبغضَ لله، وأَعطى لله، ومنَعَ الله، فقد استكمل الإيمان» [رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره]..
تاسعاً: كُثرة الاستغفار:
المتأمل في كثيرٍ من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالاستغفار، فإنه مهما حرَص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى: ﴿
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199].
وبعد الصلاة علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثلاثاً، وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم يختمون ذلك بالاستغفار في الأسحار، قال تعالى: ﴿
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، وأوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول {﴿
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19]، وأمره أيضاً أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال:
﴿
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3] فكان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده: « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي» [رواه البخاري].
عاشراً: المداومة على الأعمال الصالحة:
كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته» [رواه مسلم].
وأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل». [رواه البخاري (6462) في الرقاق، باب القصد والمداومة في العمل، ومسلم (782) في الصلاة، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، واللفظ له والموطأ (1/ 118)].
وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً» [رواه البخاري]، و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه». [رواه في الموطأ 1 / 117 في صلاة الليل، باب ما جاء في صلاة الليل، وأبو داود رقم (1314) في الصلاة، باب من نوى القيام فنام، والنسائي 3 / 257 في قيام الليل، باب من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم، من حديث سعيد بن جبير].
والمداومة سبب للنجاة من الشدائد، وفي الحديث: «احفظ الله يحفظك، تعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة» [رواه أحمد]. و المداومة سبب لحسن الختام، أسأل الله لي ولكم حسن الختام، قال الله تعالى: ﴿
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]. ومنها أنها صفة عباد الله المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23].
أيها المسلمون: كان السلف رحمهم الله في غاية الحرص على دوام العمل وإثباته وعدم تركه، فكانت عائشة ب تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: «لو نُشِر لي أبواي ما تركتهنّ»، وحين عَلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا ما يقوله عند نومه قال علي رضي الله عنه: «والله ما تركتها بعد»، فقال له رجل: ولا ليلة صِفّين؟ قال علي: «ولا ليلة صِفّين».
أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار.
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين. هذا وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله فقد أمركم الله بذلك فقال تعالى: ﴿
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
د. أمير بن محمد المدري
شبكة الالوكة