السلام عليكم
عندما نتحدث عن الأسماك تقفز إلى أذهاننا افتراضات معينة. فهناك أسماك ذكور وأخرى إناث وهذه الأسماك تتناسل لإنجاب أسماك صغيرة ترث صفات وراثية من الأبوين.
وعلى مدى بضع سنوات تكبر الأسماك الصغيرة إلى أن تصبح أسماكا كبيرة.
الأسماك تتنفس من الخياشيم
يعيش السمك في الماء ونأخذ هذه الحقائق كمسلمات ومن هنا جاءت عبارة "كسمكة خارج الماء" لتشير إلى شيء غريب أو شاذ أو شيء لا ينبغي أن يحدث .
السمك لايمكن أن يعيش خارج الماء.
تتحرك الأسماك بالسباحة في مساحات عريضة من المياه مثل الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات وهذا هو الوضع المثالي، الا أن هناك مجموعة واحدة من الأسماك لا تتبع أياً من هذه القواعد المسلم بها.
هناك مجموعة من الأسماك تسمى "كيليفيش" وهذه الأسماك الصغيرة التي يبدو أنها غير مؤذية يصل طولها إلى بضعة بوصات فقط.
والكثير من أنواع هذه الأسماك ذات ألوان لامعة ويحتفظ بها كأسماك زينة في أحواض صناعية لكن البعض الآخر يبدو عاديأ وتشكل في حد ذاتها من بين أغرب أنواع الأسماك على كوكب الأرض، وبعضها يمكن أن يكون هو الأكثر غرابة في العالم إذا صح التعبير.
ويرجع ذلك إلى أن بعض أسماك كيليفيش لا تتناسل كغيرها من الأسماك بل إن أحد أنواعها لا تتناسل بالطريقة نفسها التي تتناسل بها غيرها من الفقاريات.
لا تحب كيليفيش أن تكبر في السن، ولكن هذا ليس بالمعنى التقليدي الذي يتبادر للأذهان فهي لا تبلغ أو تنضج مثل الأسماك الأخرى والكثير من أنواع كيليفيش تعيش وتموت خلال عام واحد فقط بل إن أحد أنواعها لايتجاوز عمره الثلاثة أشهر، مما يجعلها واحدة من أقصر الفقاريات المعروفة عمراً قاطبة.
وهذا النوع من الأسماك له وسائل أخرى للتنفس بالإضافة إلى استخدام خياشيمها.
سمكة كيليفيش المنجروفية هو النوع الوحيد من الفقريات المخنثة التي يمكن أن تخصب نفسها بنفسها وتولد أفرادا متماثلين من الناحية الجينية
والسباحة في الماء ليس الأمر المفضل لديها اذ أنها تفضل العيش في البريكات والبرك وطورت من استراتيجية حياتها لتصبح قادرة على العيش من دون ماء.
بعض هذه الفصائل يمكنها العيش خارج الماء لأكثر من شهرين وتترك المياه لتتمشى خارجها، بل تسعى لصيد فرائس في البر.
بل عثر على بعضها يعيش في الأشجار.
العيش من دون ماء
هناك عدد من أنواع كيليفيش يعيش في أفريقيا وأمريكا الجنوبية ومعظمها تكيف مع العيش في أماكن تندر فيها المياه أو في أماكن تتغير فيها مستويات المياه بشكل كبير جداً من موسم لآخر.
يعيش بعض هذه الأنواع بالفعل في مساحات أكبر من المياه لكن العديد منها يظل على قيد الحياة في برك منعزلة تتشكل عندما تجف البحيرات والأنهار من فترة لأخرى .
ويشكل هذا تحديا أساسيا إذ أنه كيف تعيش الأسماك وتتناسل عندما تنحسر المياه بل تنفد في نهاية المطاف؟
دراسة جديدة لكيفية تكيف كيليفيش مع هذا الوضع نشرها اندرو فيرنس من جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد بالولايات المتحدة في دورية "بايلوجيكال ريفيو".
ثمة طريقة أساسية للتكيف طورتها أنواع مختلفة من أسماك كيليفيش على نحو مستقل تتمثل في أنها تعيش حياتها جميعاً في غضون عام واحد فقط مستخدمة عدداً من الحيل الفريدة.
خلال الموسم المطير، عندما تكون البرك ممتلئة، يفقس بيض السمك وماتلبث أن تنمو إلى حد البلوغ ثم تبدأ في وضع بيضها وتستمر في هذا الأمر إلى أن تبدأ البرك المائية في أن تجف وعند هذه المرحلة تفنى جميع الأسماك.
ويمكن أن تكون دورة الحياة هذه سريعة ومثال على ذلك هو سمكة "كيليفيش التركواز" الموجودة في أفريقيا الاستوائية تعيش في المتوسط عشرة أسابيع فقط.
لكنها تترك وراءها بيضا في التربة وهذا البيض يمثل جميع أنواع أسماك كيليفيش التي تظل على قيد الحياة.
هذا البيض ينجو من موسم الجفاف بالبقاء في حالة ثبات او كمون ويدفن في التربة الى أن يحل الموسم المطير التالي. وتساعد عودة الأمطار البيض على أن يفقس وتبدأ دورة الحياة من جديد، بحسب فيرنس.
هذه السمكة واحدة من أقصر الفقاريات عمرا في العالم
وللقيام بذلك، تتمكن أنواع مختلفة من كيليفيش من التوقف عن النمو كأجنة ثم تبدأ في النمو مرة أخرى عنما تكون الظروف ملائمة . وبوسعها كذلك أن تتوقف في أوقات مختلفة اثناء نموها مما يرجيء نمو الأعضاء الرئيسية مثل الجمجمة والقلب والدورة الدموية ومن ثم يمكنها إرجاء فقس البيض لأيام أو أسابيع أو أشهر.
ثمة أنواع اخرى طورت أنماط حياة أخرى بالغة الغرابة.
فصيلة كيليفيش المنجروفية ،على سبيل المثال، فصيلة خنثوية ولها أعضاء تناسلية ذكورية وأنثوية وهناك حيوانات أخرى يمكنها أن تفعل ذلك، لكن كيليفيش المنجروفية تستطيع أيضا أن تظهر مايعرف "بالعضو الجنسي الايلاجي" الذي تضعه في نوع آخر لتخصيب البيض داخليا، وهذا أمر نادر في عالم الأسماك التي تضع عادة بيضها المخصب خارجياً بحيوان منوي في الماء ويمكن لفقاريات أخرى أن تفعل ذلك أيضا.
ولكن سمك كيليفيش المنجروفية هو النوع الوحيد من الفقريات المخنثة التي يمكن أن تخصب نفسها بنفسها وتولد أفرادا متماثلين من الناحية الجينية. ولكن هناك عدد قليل من ذكور اسماك الكيليفيش المنجروفية التي تتناسل بالطريقة التقليدية مع الأسماك المخنثة التي تتصرف في هذه الحالة كإناث .
ومعظم الأسماك تتنفس من الخياشيم وتمرر المياه عبرها لاستخراج الأوكسجين، لكن أسماك الكيليفيش المنجروفية يمكنها ايضا التنفس من خلال الجلد.
وهذا أمر حيوي لبقاء الأسماك على قيد الحياة نظرا لأن اسماك كيليفيش المنجروفية تعيش في البيئات الطبيعية الأشد قسوة داخل غابات المنجروف غربي المحيط الأطلسي وفي جذور الأشجار الكثيفة والطين الغائر.
تغوص الأوراق المتحللة من أشجار المنجروف الحمراء في الطين وتتفتت بفعل البكتيريا، وتنفث هذه الأوراق غاز كبريتيد الهيدروجين الضار وتحتوي المياه على كمية قليلة من الأوكسجين.
هناك أنواع أخرى من الأسماك تلجأ إلى أشجار المنجروف، لكنها تدخل وتخرج مع اختلاف ظروف المياه، أما أسماك كيليفيش المنجروفية فتقضي كل حياتها هنا، ثم تختفي المياه اثناء موسم الجفاف مما يترك الأسماك دون ماء في محيط جاف.
تظل بعض هذه الأسماك على قيد الحياة في البرك التي توشك أن تنضب فيها المياه، بينما هناك أسماك أخرى ينتهي بها المطاف متشبثة بالطين أو أفرع الشجر .
والأسماك في الأساس تكون قد تحركت إلى اليابسة مع انحسار المياه وتظل على قيد الحياة عن طريق تنفس الهواء من خلال الجلد، بل إنها تخرج الفضلات عن طريق الجلد وأظهرت التجارب ان أسماك كيليفيش المنجروف يمكنها أن تحيا خارج المياه لمدة تصل الى 66 يوما.
واحدة من أسماك "ريفولو سارتي" التي تعيش في الإكوادور
وهذ ه النوعية من الأسماك تتكيف بشكل جيد مع الحياة على اليابسة لدرجة أنها تضع بيضها في الطين الرطب ومن آن لآخر تطوف بحثا عن الطعام في الطين فوق خط المد والجزر.
وتتغلب على ذلك بأن تجثم على بطونها ثم تتهادى بجسمها لاستكشاف البيئة
المحيطة .
بل إنها تستخدم ذيلها لتتقلب في الهواء.
وهذه الحركات في الهواء على هذا النحو هو أمر صعب جداً خاصة بالنسبة للأسماك نظراً لأن هذه البيئة غريبة عليها تماما فالأسماك لها أجسام مصممة للتحرك في مياه أكثر كثافة تدعم وزن جسمها.
تقوم أسماك كيليفيش بهذه الحركة بأن تتخذ وضع الانبطاح أو تستقرعلى جنبيها ثم ترفع رأسها وتقوس جسمها ثم تجعل ظهرها في وضع مستقيم وتدفع بذيلها الى أسفل ناحية الأرض.
وتفعل ذلك بقوة كبيرة لتحول جمسها إلى ما يشبه صاروخ باليستي وتدفع به بخطوات كبيرة في الهواء متتبعة مسارا باليستياً قبل الهبوط، وفقا لبحث نشر في دورية "علم الحيوان" للدكتور مريام اشلي روس من جامعة "ويك فورست" بولاية نورث كارولاينا الأمريكية.
يظهر الفيديو أعلاه سمكة الحمار الوحشي وهي تقفز ويبين المباديء الأساسية لطريقة قفز بعض الأسماك .
ولكن أسماك كيليفيش يمكنها استخدام هذا الأسلوب للاصطياد والانقضاض على الحيوانات الأخرى وقد ظهرت في تجارب مختبرية وهي تصيد وتمسك بصراصير الليل كما أن بوسعها انتزاع الحشرات من أوراق الشجر التي تعلوها بكثير قبل أن تهوى بها في الماء لتتغذى بها.
ويعرف عن نوع من الأسماك يدعى "ريفولو سارتي" أنه يمكنه اصطياد الفريسة بالقفز مسافة 14 سنتيمترا في الهواء .
ثمة نوع آخر من أسماك ريفولو سارتي تستوطن غابات منجروف في بنما تترك أيضا المياه حتى لا تلتهمها الأسماك المفترسة الأكبر حجما ....إنها حقا سمكة مثيرة للدهشة.
مع السلامة