الشرح
هذا الحديث ساقه المؤلف ـ رحمه الله ـ في باب المبادرة إلى فعل الخيرات ، وعدم التردد في فعلها إذا أقبل عليها .
فإن هذا الرجل سأل النبي أي الصدقة أفضل ؟
وهو لا يريد أي الصدقة أفضل في نوعها ، ولا في كميتها ، وإنما يريد ما هو الوقت الذي
تكون فيه الصدقة أفضل من غيرها ، فقال له :
( أن تصدق وأنت صحيح شحيح ) يعني صحيح البدن شحيح النفس ؛
لأن الإنسان إذا كان صحيحاً كان شحيحاً بالمال ؛ لأنه يأمل البقاء ، ويخشى الفقر ، أما إذا كان مريضاً ،
فإن الدنيا ترخص عنده ، ولا تساوي شيئاً فتهون عليه الصدقة .
قال : ( أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تأمل البقاء وتخشى الفقر )
وفي رواية : ( تخشى الفقر وتأمل الغنى ) ، ولكن الرواية الأولى أحسن ،
وقوله : ( تأمل البقاء ) يعني : أنك لكونك صحيحاً تأمل البقاء وطول الحياة ؛
لأن الإنسان الصحيح يستبعد الموت ، وإن كان الموت قد يفجأ الإنسان ، بخلاف المريض ؛ فإنه يتقارب الموت .
وقوله : ( وتخشى الفقر ) يعني : لطول حياتك ، فإن الإنسان يخشى الفقر إذا طالت به الحياة ؛
لأن ما عنده ينفد ، فهذا أفضل ما يكون ؛ أن تتصدق في حال صحتك وشحك .
( ولا تهمل ) أي لا تترك الصدقة ،
( حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت لفلان كذا ولفلان كذا ) يعني لا تمهل ، وتؤخر الصدقة ،
حتى إذا جاءك الموت وبلغت روحك حلقومك ،وعرفت أنك خارج من الدنيا،
( قلت : لفلان كذا ) يعني صدقة ،
( ولفلان كذا ) يعني صدقة ،
( وقد كان لفلان ) أي قد كان المال لغيرك ،
( لفلان ) : يعني للذي يرثك . فإن الإنسان إذا مات انتقل ملكه ، ولم يبق له شيء من المال .
ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه الموت ،
وأنه إذا تصدق في حال حضور الأجل ، كان ذلك أقل فضلاً مما لو تصدق وهو صحيح شحيح .
وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنه يعتبر كلامه إذا لم يذهل ،
فإن أذهل حتى صار لا يشعر بما يقول فإنه لا عبرة بكلامه، لقوله :
( حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان : كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ) .
وفيه دليل على أن الروح تخرج من أسفل البدن ، تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن ، ثم تقبض من هناك ،
ولهذا قال : ( حتى إذا بلغت الحلقوم )،
وهذا كقوله تعالى : ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) (الواقعة:83-84)
فأول ما يموت من الإنسان أسفله ، تخرج الروح بأن تصعد في البدن، إلى أن تصل إلى الحلقوم ،
ثم يقبضها ملك الموت ، نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة .
والله الموفق .