في خضم زحمة الحياة المعاصرة ، و في ظلّ الثّورة التّكنلوجيّة التي أحدث انقلاباً و تغييراً كبيراً في حياة الإنسان ، برزت الحاجة الملحّة إلى الرّاحة و الهدوء بعيداً عن ضوضاء الحياة و منغّصاتها ، فالتّكنلوجيا بلا شكٍّ قد أفادت الإنسان إفادةً كبيرة ، فسهّلت له عمله و حياته كلّها ، و لكن للأسف لم تنجح التّكنلوجيا في أحياناً كثيرةً في منح الرّاحة و الهدوء لنفوس النّاس ، فالسّيارة من حيث أنّها اختراعٌ سهّل على الإنسان طريقة تنقّله فأصبح يقضي دقائق لقطع مسافاتٍ طويلةٍ ، شكّلت عبئاً على النّفس الإنسانيّة من حيث أنّها مصدرٌ للتّلوث بما يخرج من عوادم السّيارت من غازاتٍ مضرّةٍ بالصّحة ، كما يساهم الإزعاج الذي تتسبّب به زوامير السّيارات و صوت محرّكاتها في بثّ القلق و التّوتر في حياة النّاس ، فترى كثيراً من النّاس الآن يتمنّى أن يخرج بعيداً عن تلك الضّوضاء و مسبّباتها ليسكن في الأرياف حيث الماء و الخضرة و أصوات العصافير التي تبعث على الرّاحة النّفسيّة و الهدوء ، و إنّ المتتبّع لأحوال النّاس يرى انتشاراً كبيراً للأمراض النّفسيّة و القلق و التّوتر ، حيث تؤشّر الإحصائيّات على نسبةٍ كبيرةٍ متزايدةٍ من النّاس الذين يراجعون العيادات النّفسيّة ، و الحقيقة التي تغيب عن كثيرٍ من النّاس أنّ ديننا الإسلامي و شريعتنا الرّبانيّة هي الكفيلة باخراج النّاس من ضنك الحياة إلى نورها و فسحتها ، حيث تطمئن النّفس و تهدأ .
و إنّ أوّل شيءٍ ينبغي على الإنسان السّاعي إلى الهدوء أن يدركه ، ذكر الله تعالى ، فهو الباعث على الطّمأنينة و الهدوء ، فحين يذكر الإنسان ربّه يشعر و كأنّما رحمات الله سبحانه و تعالى تتزّل عليه ، كما أنّ للعبادة و التّهجد دورٌ رئيسيّ في اكساب النّفس الهدوء ، فترى المتهجّد كما قيل قديماً في الأثر أحسن النّاس وجوها ، و ذلك بسبب اختلائه بالرّحمن فيلبسه نوراً من نوره ، كما يبثّ الله تعالى في نفسه طمأنينةً عجيبةً ، فيدرك أن لن يصيبه إلا ما كتبه الله له ، كما يسهم التّخلق بأخلاق الإسلام في اكساب النّفس الهدوء ، فعندما تكون متسامحاً تغفر زلات النّاس فإنّ ذلك يكسبك الهدوء ، و عندما تكون صادقاً فإنّ ذلك يكسبك الهدوء و السّلام الدّاخلي الذي يملىء قلبك و وجدانك .