قبل أن تفكر خارج الصندوق..فكر داخله
كانت الساعة في مكاتب "شعاع" في "القاهرة" تشير إلى الثالثة عصرًا يوم الخميس، عندما اتصل عميل من مدينة "جدة" أعرب عن حاجته إلى قراءة كتاب Thinking Inside the Box والذي لخصناه عام 2004 بعنوان "التفكيرداخل الصندوق: 12 قاعدة لإدارة أعمالك الصاعدة."
لم نجد الكتاب في مكتبتنا التي تضم آلاف الكتب، فالكتب المتميزة يشتريها العملاء بعد قراءة خلاصاتها مباشرة. وعندما اقترحنا على العميل أن نشتري له نسخة جديدة تصله بعد 5 أيام، قال بأنه يريد الكتاب فورًا لأنه سيقدم محاضرة حول الموضوع بعد 48 ساعة.
أعلنا حالة الطوارىء في الشركة، وقلت لفريقي: سأعثر على نسخة إلكترونية على الإنترنت خلال ساعتين، وذلك لإيماني بأهمية الخدمة التي نقدمها للعميل، ولثقتي بقدرتي على البحث والوصول إلى أية معلومة يمكن أن تكون منشورة على الإنترنت، مهما كانت معقدة، ومهما كانت التكاليف.
وجدت على "جوجل" رابطين يعرضان بيع نسخ إلكترونية من الكتاب، ولكن الموقعين يتطلبان التسجيل والدفع الإلكتروني. ولما كان البنك الأمريكي الذي نسدد من خلاله قد جمد بطاقتي الائتمانية نظرًا لكثرة استخدامها في اليومين الأخيرين، ومحاولة شراء منتج من "لبنان"، فقد صار هذا الخيار صعبًا. اتصلت بالبنك طالبًا إعادة تشغيل البطاقة، فأفادوا بأنهم ألغوها عندما شكوا بنشاط مريب في حسابي، وأنهم أرسلوا عبر البريد السريع بطاقة بديلة ستصلني بعد أسبوع.
حاولت استخدام بطاقة الشركة التي نستخدمها في دفع تكاليف تشغيل السيرفر، وفي سداد تكاليف حملات البريد الإلكتروني. لكن الموقعين اللذين يتيحان الكتاب إلكترونيًا رفضا قبول بطاقة صادرة من "مصر"، لأنه غير مسموح للموقع الإلكتروني بالبيع إلا في "أمريكا" و"أوروبا" و"أستراليا". وهذا يعني أن التمييز العنصري الإلكتروني والاقتصادي والمعرفي طال الكتب التي نظنها متاحة للقاصي والداني.
كانت الساعة قد جاوزت السابعة، عندما طلبت من الزميل القائم على خدمة العميل أن أكلم العميل مباشرة لأعرف لماذا يريد (قواعد التفكير داخل الصندوق)، وهل يريدها مختصرة أم مفصلة، وبأية لغة. كلمت العميل وهو مدير تطوير أعمال في شركة سعودية كبرى، فقال بأنه يريدها بالإنجليزية، وليس ضروريًا أن تكون مطولة. فخطر لي أن أراجع تلك القواعد في الخلاصة رقم 279، المنشورة عام 2004، وأبحث عنها على الإنترنت بمسمياتها الدقيقة، فوجدت أمامي داخل الصندوق مجموعة من قواعد إدارة الأعمال الأصيلة التي تكوّن صندوق أي مشروع أعمال بقواعده وأعمدته وأركانه وأبعاده، وهي:
1. هناك أشياء أبدًا لا تتغير؛
2. هدف الأعمال الأساسي والدائم هو الربح؛
3. السيولة هي دائمًا الأولوية الأولى؛
4. التحكم في النفقات أسهل من التحكم في الإيرادات؛
5. العملاء هم الرؤساء؛
6. التسويق هو القاسم المشترك بين كل أنشطة الأعمال؛
7. شراء المشروعات الجاهزة أفضل من إعادة بنائها؛
8. وظف الأذكياء حتى لا تدير الأغبياء؛
9. الأصول هي الأصل في كل الأحيان وكل الفصول؛
10. النتائج والمخرجات أهم من الشكليات والعمليات؛
11. من لا يتجدد، يتبدد.
12. استعد للخروج من الصندوق، وأنت تدخله، فأنت لن تقيم فيه إلى الأبد.
وجدت مكونات صندوق الأعمال تؤكد أن فهم الثوابت والعمل بما لا يتغير، أفضل من محاولة تغيير كل شيء. فرغم انتشار واشتهار الدعوة للتفكير خارج الصندوق، صار من الأجدى قبل أن نفكر خارجه أو داخله، أن نعرف حدوده وأبعاده. وهذا ما فعلته لحل مشكلة العميل. فالإدارة في نهاية المطاف مجموعة من المهارات والنظريات والافتراضات. وبدلاً من مواصلة البحث في محركات "جوجل" لساعات، بحثت في محرك "ياهو" الأقل حظًا لهنيهات. فكانت النتيجة هي أم المفاجآت، وجدت قواعد إدارة الأعمال سالفة الذكر في لحظات. وفي هذه اللحظة قلت لنفسي: "قبل أن تفكر خارج الصندوق – دائمًا – فكر داخله".
"جوجل" هو الموقع ومحرك البحث الأول عالميًا، و"ياهو" هو الموقع الرابع في الانتشار، بعد "جوجل" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، ومحرك البحث الثاني عالميًا. لكن الافتراض بأن كل شيء موجود على "جوجل" هو افتراض خاطىء. فما زال "ياهو" أقل ازدحامًا رغم ضخامته. ومن الإبداع وعدم الاتباع أن نبحث على المحرك الأصغر لأن نتائجه ستكون أقل، فيمكن استعراضها بسرعة وسهولة. وهذا ما كان وثبت بالتجربة والبرهان.
نسيم الصمادي