التخلص من الكرش و شحوم البطن
الكرش وشحوم البطن المسافة بين الـ “كرش”، المتدلية للأمام، وبين امتلاك بطن “سمبتيك”، ذات شريطين من ستة مقاطع عضلية، هي لدى البعض مسافة بين الواقع الصعب والخيال المستحيل. ولئن كان الواقع يقول أن ثمة أكثر من مبرر لضيق النفْس وضيق النفَس جراء المعاناة من كبر حجم البطن وزيادة محتواها من الشحوم، إلا أن الحقيقة الطبية تقول لنا بوضوح أن تلك مشكلة لا مبرر لاستمرارها، ولا مبرر للنظر إليه كمعضلة لا حل لها.
إزاء فريق يتقبلها، باعتبارها شيئاً لا مفر منه ويصنفها بالتالي كجزء من “الوجاهة”، وفريق آخر يائس من زوال ثقلها البدني والنفسي عنه، فإن الأطباء لا يقفون عاجزين البتة عن حل هذه المشكلة الصحية والنفسية والتجميلية والاجتماعية
وعلينا أن نعترف بأن الكثيرين يعانون من مشكلة كبر حجم البطن – الكرش – وزيادة تراكم الشحوم فيها، وأن الأمر لا علاقة له البتة بشكل مباشر، ولدى الجنسين، بمقدار عمر الإنسان. ولدى النساء على وجه الخصوص، المشكلة لا علاقة لها بشكل مباشر لا بالحمل أو بتكراره. لكنها مشكلة ذات علاقة مباشرة بسلوكيات حياتية معينة. متى ما سلكنا الوجهة غير الصحية فيها، ظهرت البطن، ومتى ما عدلنا البوصلة باتجاه “نجم الصحة”، وسرنا نحوه، زالت عنا همومها. ولأن حديث الأطباء ليس بيعاً للوهم، بل سرداً للحقيقة المعروفة والمثبتة علمياً، فإن هذه النوعية من العرض الطبي، قد لا تُفيد منْ يُريد أن تهبط عليه من السحاب حلولٌ لمشاكله أو متاعبه الصحية، بينما هو قابع في مكانه. إنما هي موجهة لمن تستشرف نفسه، بهمة الإتباع، معرفة الفهم الطبي لهذه المشكلة وكيفية حلها ومدى إمكانية الوصول إلى ذلك.
شحوم البطن
صحيح أن السمنة وتراكم الشحوم في الجسم عموماً شيء مزعج لمنظر الإنسان، إلا أن ما يُشير إليه الخبراء الصحيين تحديداً هو أن الذين يكتنزون الكثير من الشحوم في بطونهم عُرضة بشكل أكبر لمجموعة من المخاطر الصحية.
والأصل هو أن الجسم وأنظمته مُصممة بطريقة تجعل من تكوين الشحوم في الأنسجة الشحمية وسيلة لخزن الطاقة فيها. وذلك كي يتم استخدامها حينما لا يتوفر لنا تناول الغذاء. والإشكالية تنشأ حينما يتم تكرار تراكم خزن الشحوم دونما سحب للطاقة من ذلك الرصيد الدهني المتنامي حجماً ووزناً. وخاصة حينما تتراكم الشحوم في عمق البطن وحول أعضائها الداخلية. وتنشأ آلية حصول تبعات هذه المشكلة من “سوء التصرف مع الغير” الصادر عن تلك النوعية من الخلايا الشحمية البيضاء في البطن، حينما تُصبح مثخنة بكميات كبيرة من الشحوم.
وسوء التصرف، أو العربدة، يتمثل في “دلعها” و “عصيانها” للتفاعل الطبيعي مع الأنسولين، أي ظهور حالة من مقاومة الأنسولين Insulin resistance ، وذلك إما بشكل مباشر من تلك الخلايا الشحمية، أو بشكل غير مباشر عبر إنتاجها لهرمونات تُعيق عمل هرمون الأنسولين.
وبالنتيجة، تعلن تلك الخلايا طلبها للمزيد من كميات الأنسولين، كي تتفاعل معه وتقوم بما هو مطلوب منها. ولأن البنكرياس عضو مسالم وإيجابي، فإنه يغدو مجبراً، بضغط الواقع الشاذ، على إنتاج المزيد من الأنسولين كي تسير “الحياة بشكل طبيعي” في الجسم. وإن لم يُدرك أحدنا خطر هذا التواجد الشحمي المتعاظم، وتبعات ذلك على مستوى عمليات الأيض metabolism ، أو ما يُسمى بالتمثيل الغذائي، فإن الاحتمالات ترتفع لخطورة الإصابة بسلسلة من الأمراض المهمة.
وهي تحديداً، مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الدهون الثلاثية triglycerides وانخفاض الكولسترول الثقيل والحميد HDL (“good” cholesterol) ، وهي ما تجمعها المُصطلح الطبي المعروف بـ “متلازمة الأيض” Metabolic syndrome. هذا بالإضافة إلى المعاناة من نوبات توقف التنفس أثناء النوم Sleep apnea .
كما أن إنتاج الخلايا الشحمية لهرمون الإستروجين الأنثوي estrogen يرتفع، ما يعني ارتفاع احتمالات الإصابة بأنواع من السرطان. والواقع أن الأبحاث الطبية لا تزال تجري على قدم وساق لجلاء كافة جوانب الحقائق المتعلقة بالاضطرابات الهرمونية لحالات تراكم الشحوم في البطن بالذات.
حجم البطن ووزن الجسم
[IMG]https://mag.***- /wp-content/uploads/2011/06/554.jpg[/IMG]
وللدكتور مايكل جينسن، البروفسور في الطب الباطني والباحث في الغدد الصماء والسمنة بمايو كلينك، عبارات تُلخص أهم الحقائق الطبية حول شحوم البطن. وهي حقائق طبية لو تأملناها لوجدنا أنها واقعية في حديثها عن الأمل لحل مشكلة الكثيرين.
ويقول: لا توجد ثمة “رصاصة سحرية”، أو خطة حمية غذائية، أو أطعمة معينة، أو نوع من التمارين الرياضية، التي يستهدف أي منها إزالة شحوم البطن وكبر حجمها. لكن الأخبار الجيدة تقول أن شحوم البطن هي أول شحوم تزول من الجسم عندما يُقلل أحدنا من مقدار، عدد كيلوغرامات، وزن جسمه.
ذلك أنه حينما يفقد أحدنا كمية من وزن جسمه، فإن غالبية النقص ستكون في كتلة منطقة البطن مقارنة ببقية أجزاء الجسم. وهذه الحقيقة حاصلة سواءً كان الشخص لديه “سمنة التفاحة”، أي سمنة كبر حجم وسط الجسم، أو لديه “سمنة الكُمثرى”، أي سمنة كبر حجم الأرداف الأفخاذ.
ويضيف الدكتور جينسن قائلاً، 99% من الناس الذين يُنقصون وزن أجسامهم، سيفقدون غالبية ذلك أولاً من وزن وحجم كتلة منطقة البطن، أي قبل المناطق الأخرى في الجسم.
وقد يسأل البعض، لماذا؟ والجواب، ببساطة، أن نوعية الشحوم التي في البطن، أو ما تُسمى شحوم الأحشاء Visceral fat ، تختلف عن شحوم ما تحت الجلد subcutaneous fat. وأيضاً عن تلك الشحوم البنية brown fat التي في أعلى ما بين الكتفين. وتشير المصادر الطبية إلى أن شحوم البطن تُعتبر نشطة جداً من الناحية عمليات الأيض metabolically active ، أي من ناحية تفاعلات التمثيل الغذائي.
أي كما أن أضرارها وتأثيراتها السلبية متواصلة على الجسم، فإنه بالمقابل من السهل على الجسم فقدها وإزالتها بسرعة، مقارنة مع شحوم ما تحت الجلد. وخاصة حينما تكون كمية الشحوم في البطن كبيرة. وكلما زاد النقص في وزن الجسم، كلما بدأ النقص في كمية شحم البطن.
ولذا يقول خبراء التغذية بجامعة جورجيا، إن الناس البدينين غالباً ما يُلاحظون نتائج أسرع، لفقد وزن الجسم، في منطقة البطن. بخلاف ما يحصل حال فقد شيء من وزن الجسم لدى الأشخاص الآخرين الذين أوزانهم بالأصل ليست عالية جداً.
وسيلة مجربة
ويُعيد الدكتور جينسن التأكيد على أن الوسيلة المُجرّبة والصادقة tried-and-true method لفقد شحوم البطن هي:
* تقليل كمية الطاقة في الغذاء المُتناول يومياً، وذلك بتناول وجبات ذات كمية قليلة من الأطعمة المتدنية المحتوى من طاقة السعرات الحرارية، أو كالورى.
* التخلص من الدهون وحرقها باستهلاكها في إنتاج طاقة للمجهود البدني اليومي، وذلك بممارسة الرياضة يومياً. ويؤكد على أمر مهم للحفاظ على الصحة، وهو استمرارية المحافظة على ما تم التخلص منه من وزن الجسم. بمعنى استمرار مراقبة الوزن وعدم إتاحة الفرصة لزيادته.
الغذاء وإزالة شحم البطن
مفتاح التخلص من سمنة البطن، والشحوم المتراكمة فيها، هو إتباع نمط صحي في تغذية الجسم. لأن سبب مشكلة ظهور “الكرش”، هو اختلال التوازن بين كمية ما يدخل إلى الجسم وما تم التخلص منه. وعليه فإن الخطوة الأهم، بالرغم من عدم تقبل أو تصديق الكثيرين، لإزالة “الكرش” هي الحمية الغذائية.
ولا توجد حمية خاصة موجهه للتحكم في حجم البطن، بل هي الحمية الصحية الطبيعية التي على كل إنسان أن يتبعها في تغذيته. وأي كلام غير هذا غير صحيح البتة إذا أردنا تخليص الجسم من تراكم الشحوم في منطقة البطن دون الإضرار بالصحة العامة للجسم كله. وملخص الأمر هو تناول كميات قليلة من طاقة الطعام اليومي. مع الحرص تحديداً على تجنب الأطعمة العالية المحتوى من السكريات البسيطة simple carbohydrates والدهون المشبعة saturated fats. أي إحلال الدهون غير المشبعة unsaturated fats والسكريات المعقدة complex carbohydrates محل الأنواع الضارة منهما.
وعليه، فإن ثمة عنصران ثبت تأثيرهما الإيجابي في إزالة شحوم البطن وتقليل احتمالات كبر حجمها، وهما:
تناول السكريات المعقدة الصحية
وهي مثل الخبز الأسمر المصنوع من دقيق الحبوب الكاملة غير المقشرة whole grains ، ومثل الذرة والشوفان والسكريات المتوفرة في الفواكه والخضار الطازجة. وذلك بدلاً من تناول السكريات البسيطة، السهلة الهضم والامتصاص، كالسكر العادي والخبز الأبيض والمعجنات المصنوعة منه كالمكرونة وغيرها. وكانت دراسات منشورة في المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية قد دلت على أن تناول وجبات غنية بالحبوب الكاملة، ضمن ضبط كمية طاقة الطعام اليومي، يُسهل التخلص من شحوم البطن لدى البدينين.
وعلل الباحثون من جامعة ولاية بنسيلفينيا ذلك التأثير بأن تناول الحبوب الكاملة يعني تناول سكريات معقدة، وهو ما يؤثر بطريقة مختلفة على نسبة سكر الدم، وتفاعل إفراز الأنسولين، مقارنة بتناول سكريات الخبز الأبيض.
والسر في الحبوب الكاملة غير المقشرة هو وجود الألياف فيها. ومعلوم أن امتصاص الأمعاء للسكريات في الحبوب الكاملة أبطأ بالمقارنة مع تلك التي في الخبز الأبيض. وبالتالي فإن استخدام الجسم للطاقة من شحوم البطن سيكون أعلى، واحتمالات تكوين شحم في البطن ستكون أقل. ولذا فإن نصائح التغذية، الصادرة عن إدارة التغذية بوزارة الزراعة الأميركية، تتضمن أن تكون نصف كمية الحبوب التي نتناولها يومياً، من الأنواع الكاملة غير المقشرة.
وعلل الباحثون ذلك بأن الجسم يُفتت الأطعمة المختلفة بطرق مختلفة. والعدس، كما قالوا، يُؤمن توفير السكريات للأمعاء ببطء ولفترة طويلة، وبالتالي يتم امتصاصها ببطء ولفترة طويلة. أما الخبز الأبيض، المصنوع من دقيق القمح المُقشّر، يدفع إلى الأمعاء بكميات عالية من السكر، وفي وقت قصير، ما يرفع نسبة السكر سريعاً في الدم، بكل تبعات ذلك الضارة على البنكرياس وتكوين الشحوم.
وأحد وسائل إقناع الإنسان بالحرص على تناول الحبوب الكاملة أو العدس أو الفاصوليا، إضافة لإزالة شحوم البطن وتقليل احتمالات نشوء كبرها، هو أنها تُساعد على الشعور بالشبع فترات أطول مما يُوفره تناول الأطعمة المصنوعة من دقيق الحبوب المقشرة.
تناول الزيوت الأحادية غير المشبعة
والدهون غير المشبعة، بنوعيها الأحادي والعديدة، متوفرة في البيض والأسماك والمكسرات والبقول والزيوت النباتية الطبيعية غير المُهدرجة، كزيت الزيتون والسمسم والذرة والكانولا وغيرهم. والدهون المشبعة هي تلك الموجودة في لحوم الحيوانات البرية والدواجن ومشتقات الألبان، وفي زيت النخيل وجوز الهند.
والنوع الأحادي خصوصاً، الموجود في الأفوكادو والفستق الحلبي وزيت الزيتون والكانولا، هي الاختيارات الأفضل. ومع ذلك تبقى هذه الدهون الأحادية الصحية دهوناً في نهاية الأمر، ويحمل كل غرام منها ضعف كمية الطاقة الموجودة في غرام من البروتينات أو السكريات، أي حوالي 9 كالورى. ولذا فإن المطلوب إحلالها بدلاً من الدهون المشبعة، كما أن من المطلوب احتساب كمية الطاقة فيها.
التمارين الرياضية وحجم البطنحجم البطن لا يكبر نتيجة عدم قوة، وزيادة حجم، عضلات غطاء البطن. والدليل أن ثمة كثيرين لديهم عضلات عادية في غطاء البطن، ومع ذلك لا تُوجد لديهم مشكلة كبر حجم البطن، لأنهم ببساطة من ذوي الأوزان الطبيعية.
ولذا فإن حل مشكلة كبر حجم البطن لا يكون بالتركيز على تمارين “شد عضلات البطن”، وتكبير كتلتها، أي العمل على بروزها كمقاطع ستة ضمن شريطين بارزين في مقدمة البطن! ومع ذلك، ثمة اعتقاد شائع بأن كبر حجم البطن إنما هو نتيجة لترهل وارتخاء وعدم وجود كتلة للعضلات المصفوفة كشريطين على جانبي البطن. وأن الخطوة الأهم لشد البطن والظهور بشكل متناسق القوام فيها، هي ممارسة تمارين شد عضلات البطن وبناء كتلة لها.
وهذا، اضافة الى أنه غير صحيح من جوانب عدة، قد يُؤدي بالبعض إلى إهمال حل المشكلة، باعتبار أن حلها يتطلب تهيئة ظروف خاصة لممارسة تمارين معينة، لا تتوفر تلك الظروف لكل الناس وفي كل وقت.
وما تشير إليه المصادر الطبية، هو أن للرياضة دور مهم جداً في حل مشكلة كبر حجم البطن، وهذا الدور يكون بصحبة الحمية الغذائية لخفض وزن الجسم. ولكن نوعية الرياضة التي علينا ممارستها، هي التمارين الهوائية، إيروبيك، الهادفة إلى توجيه الجسم نحو استهلاك كمية الطاقة في كتل الشحوم المتراكمة عميقاً فيما بين أحشاء البطن.
وتمارين إيروبيك، كما سبق الحديث عنها من جوانب عدة في مجلة صحتك، وفي ملحق الصحة سابقاً، ب”الشرق الأوسط”، تعني القيام بمجهود بدني هوائي لمدة لا تقل عن نصف ساعة يومياً، وفي كل أيام الأسبوع، مثل الهرولة أو ركوب الدراجة الهوائية أو السباحة، وفق معايير تتطلب رفع النبض أثناء أداء ذلك المجهود البدني بمقادير منضبطة.