أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير سورة الأحقاف ومحمد


تفسير سورة الأحقاف ومحمد



الآية 1: ﴿ حم: سَبَقَ الكلام على الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.

الآية 2: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ إنما هو ﴿ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الذي لا يمنعه شيءٌ مِن فِعل ما يريد، ﴿ الْحَكِيمِفي أفعاله وأحكامه.

الآية 3: ﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ أي ليَعرف العباد عظمة خالقهما فيعبدوه وحده، ويقيموا الحق والعدل فيما بينهم، وللدلالة على قدرته تعالى على البعث بعد الموت (لأنّ ذلك أهون عليه مِن خَلْق السماوات والأرض)، ﴿ وَأَجَلٍ مُسَمًّى أي خُلِقَت السماوات والأرض وما بينهما بوقتٍ معلوم تفنَى عنده(وهو يوم القيامة)، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَأي مُعرضونَ عما أنذرهم به القرآن، فلا يتفكرون في أدلته ولا يتعظون.

الآية 4: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المُشرِكين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الآلهة الباطلة ﴿ أَرُونِييعني أخبروني ﴿ مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يعني أيُّ جُزءٍ خلقوه منها حتى يَستحقوا عبادتكم؟!، ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ: يعني أم أنّلهم شِركًا مع الله في خَلْق السماوات؟!، ﴿ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أي بكتاب مُنَزَّل من قبل هذا القرآن يَشهد لكم بصحة عبادة أصنام لم تخلق شيئاً!﴿ أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: يعني أو ائتوني بأثَر مِن عِلمٍ صحيح - يُروَى عن أهل العلم السابقين - يدل على أن الأصنام تشفع لكم عند ربكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فيما تزعمون.

الآية 5، والآية 6: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ يعني: ومن أشد ضلالاً ﴿ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ دعاءه ﴿ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأنها من الأموات أو الأحجار أو الأشجار، ﴿ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ يعني: وهذه المخلوقات غافلة عن دعاء مَن يعبدها، عاجزة عن نفعه أو ضره، ﴿ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ يعني إذا جُمِعوا يوم القيامة للحساب والجزاء ﴿ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً: أي كانت هذه الآلهة المزعومة أعداءً لمن عبدها في الدنيا ﴿ وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ يعني إنها تتبرأ منهم، وتُنكِر عبادتهم لها.

الآية 7: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ أي على هؤلاء المُشرِكين ﴿ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ أي واضحاتِ الدلالة على حقيقة التوحيد والبعث والنُبُوّة: ﴿ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِين: يعني إنهم قالوا عن القرآن حين جاءهم: (هذا سحرٌ ظاهر) (وهم يَعلمون أنهم كاذبونَ في ذلك، فلقد اعترف لهم أحد رؤسائهم - وهو الوليدُ بن المُغِيرة - أنّ ما يَقوله السَحَرةُ شيئ، وأنَّ هذا القرآن شيئٌ آخر، وأنه ليس بكلامِ بَشَر (وذلك عندما سمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجْبَره المُشرِكون بعد ذلك أن يقولَ للناس إنه سِحر).

الآية 8: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ يعني بل يقولون: (إنّ هذا القرآن قد افتراه محمد مِن عند نفسه)، مع أنهم يَعلمون أنه بَشَرٌمِثلهم، إذاً فلماذا لا يأتونَ بمِثله كما تحَدّاهم؟! ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ إِنِ افْتَرَيْتُهُ على اللهِ كما تزعمون ﴿ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا: يعني فإنكم لن تقدروا أن تدفعوا عني شيئًا من عقاب الله لي، ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ: أي هو سبحانه أعلم مِن كل أحد بما تقولونه في هذا القرآن من الأقوال الباطلة، ﴿ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فشهادته لي بالنُبُوَّة هي ماأعطاهُ لي من المُعجِزات الباهرات (كانشقاق القمر وغيرها)، وكذلك وَحْيُهُإليَّ بهذا القرآن الذي أُنذِرُكُم به، والذي لا يستطيعُ أن يقوله بَشَر، وأنتم تعلمون ذلك لأنكم أبْلغ البَشَر، ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الْغَفُورُ لمن تاب إليه من عباده، ﴿ الرَّحِيمُ بهم، حيثُ جعل التوبة نجاةً لهم من عذابه.

الآية 9: ﴿ قُلْ أيها الرسول لمُشرِكي قومك: ﴿ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ: يعني ما كنتُ أوّل رُسُل الله إلى خلقه، ولم آمُركم بشيءٍ جديد، فإنّ جميع الرُسُل قبلي قد دَعَتْ أقوامها إلى التوحيد، وأخبرتهم بحقيقة البعث بعد الموت، ﴿ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ: يعني ما أدري ما يفعله الله بي ولا بكم في هذه الحياة الدنيا مُستقبَلاً: (هل سأخرج من بلدي أو أقتل؟، أو تُقبَل دعوتي ويَنصرني ربي؟ وهل سيُعَجّل الله لكم العذاب في الدنيا أو يُمهلكم إلى عذاب الآخرة؟ أو يهديكم إلى الإسلام؟ لا أدري) ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ: يعني ما أتّبع - في أفعالي وأقوالي وفيما أبلِّغه للناس - إلا ما يُوحِيه إليَّ ربي، ﴿ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مِن عذاب اللهِ تعالى لأُخَوّفكم عقوبة الشِرك والمعاصي، ﴿ مُبِينٌأي أُوَضِّح لكم ما أُرْسِلتُ به إليكم.

الآية 10: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المُكَذِّبين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ يعني أخبِروني ﴿ إِنْ كَانَ هذا القرآن ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِاستكباراً وعِناداً﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وهو عبد الله بن سَلام (الذي شهد له اليهود بأنه أعلمهم)، فإنه قد شهد ﴿ عَلَى مِثْلِهِ أي على مِثل هذا القرآن (وهو ما في التوراة من التصديق بنُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ فَآَمَنَ أي صدَّقَ بالقرآن وعمل بما به، ﴿ وَاسْتَكْبَرْتُمْ يا كفار قريش عن الإيمان به والانقياد له، فأخبِروني إذاً: أليس هذا أعظم الظلم وأشد الجحود؟! ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي لا يوفِّقهم سبحانه إلى طريق الرُشد والصواب، بسبب عنادهم واستكبارهم من بعد وضوح الحق.

الآية 11: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من قريش ﴿ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أي قالوا في شأن المؤمنين: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا يعني: لو كان الإسلام يعود علينا بالخير والمصلحة المادية: ﴿ مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ أي ما سبقنا إليه هؤلاء المؤمنون الفقراء، لأننا أولى بالخير منهم، (وذلك حسب زعْمهم الفاسد، وإلاَّ فإنهم قد عانَدوا مِن أجل الحفاظ على مَناصبهم الفانية، ورضوا بأن يَتَّخذوا آلهةً من الحَجَر يَتقربون إليها ويَسجدون لها، على العكس من المؤمنين الذين انقادوا للحق بمجرد ظهوره)، ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ يعني: وإنْ ظَهَرَ عنادهم وعَظُمَ استكبارهم فأعماهم الله عن الهداية بالقرآن ﴿ فَسَيَقُولُونَ: ﴿ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ يعني هذا كذب مأخوذ مِن كَذِب الأوّلين.

الآية 12: ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ يعني: ومِن قبل هذا القرآن - الذي أنكره المُشرِكون - أنزل الله التوراة، وهي ﴿ كِتَابُ مُوسَى الذي أنزله اللهُعليه ليكونَ ﴿ إِمَامًا يُقتَدَى به ﴿ وَرَحْمَةً لمن آمَنَ به وعمل بما فيه (وذلك قبل بعثة محمد عليه الصلاةوالسلام)، ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ يعني: وهذا القرآن هو كتابٌ مُوافقٌ لِمَا قبله من الكُتُب (فهو مُصَدِّقٌ لِمَا فيها مِن صِحَّة، ومُبَيِّنٌ لِمَا فيها من تحريف)، وقد جعله الله ﴿ لِسَانًا عَرَبِيًّا أي أنزله بلُغة عربية واضحة، في غاية الفصاحة والبلاغة ﴿ لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي ليُخوّف الذين ظلموا أنفسهم - بالشِرك والمعاصي - من النار ﴿ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ بالجنة، وهم الذين يُراقبون ربهم في كل شؤونهم، ويُحسنون عبادتهم له (بتخليصها من الشِرك والرياء، وبأدائها كما شَرَعَها لهم).

الآية 13، والآية 14: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ إذ هو الذي خلقنا وحده، فلذلك لن نعبد غيره، ﴿ ثُمَّ اسْتَقَامُوا على شريعة ربهم ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من فزع يوم القيامة وأهواله، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما تركوه وراءهم بعد موتهم من أمور الدنيا، ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أي هم أهل الجنة ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا (إذ حياتهم فيها أبديةٌ، وسعادتهم فيها لا توصَف) ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي بسبب أعمالهم الصالحة التي كانت سبباً في إدخالهم الجنة برحمة ربهم.

الآية 15، والآية 16: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا يعني وَصّيناه أن يبِرّهما، وأن يُحسِن إليهما بالقول والعمل، وأن يدعو لهما بعد موتهما، - وخاصةً أمّه - فقد ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا أي حَمَلَته في بطنها على مَشقةٍ وتعب ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا: أي وَلَدَته أيضًا على مَشقةٍ وتعب (ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم برّها فوق بر الوالد مرتين، كما ثبت ذلك في الصحيحين)، ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا يعني: ومدة حَمْله وفطامه ثلاثون شهرًا، (واعلم أنّ لفظ "فِصاله" للإشارة إلى أنه يُفصَل حينئذٍ عن الرضاعة)، ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ: يعني حتى إذا بلغ هذا الإنسان البارّ مُنتهَى قوته البدنية والعقلية ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (لأنه عندئذٍ يكون أكثر انشغالاً بأمور الدنيا)﴿ قَالَ داعياً ربه - طالباً إعانته -: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي يعني ألْهِمْني ووفقني ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ عملاً ﴿ صَالِحًا تَرْضَاهُ مني ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيأي اجعل الصلاح سارياً في ذريتي حتى يَشملهم جميعاً، ليكونوا في ميزان حسناتي، ويدعوا لي بعد موتي، ﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من ذنوبي الماضية وندمتُ عليها ﴿ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي الخاضعينَ لك بالطاعة، المُستسلمينَ لأمرك ونَهْيك، المُنقادينَ لحُكمك، ثم قال تعالى عن هذا الصنف الصالح: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا أي نتقبل أحسن أعمالهم (وهو كل عمل صالح، كان خالصاً لله تعالى، موافقاً لشرعه) ﴿ وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فلا نعاقبهم عليها بعد توبتهم منها، ونرحمهم بإدخالهم ﴿ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ أي في جُملة أصحاب الجنة، وقد كانَ ذلك الإدخال ﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ أي الذي وعدناهم به في كُتُبنا وعلى ألسنة رُسُلنا.

الآية 17، والآية 18: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا يعني: وأما الذي قال لوالديه - حينَ دَعَواه إلى التوحيد والإقرار بالبعث -: قُبحًا لكما ﴿ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ مِن قبري حيًا بعد موتي ﴿ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي يعني: وقد مضت الأمم من قبلي، فلم يُبعث منهم أحد؟، ﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ يعني: ووالداه يسألان الله هدايته، قائلَين له: ﴿ وَيْلَكَ آَمِنْ يعني صَدِّق واعمل صالحًا، فـ ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث ﴿ حَقٌّ ﴿ فَيَقُولُ لهما: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعني: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها،ثم قال تعالى عن هذا الصنف الفاسد: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي وَجَبَ عليهم حُكم الله بالعذاب ﴿ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ: يعني في جُملة أمم قد مضت مِن قبلهم على الكفر والتكذيب ﴿ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (لأنهم اشتروا الضلالَ بالهدى، واستبدلوا النعيم المُقيم بالعذاب الأليم).

الآية 19: ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا يعني: ولكل فريق من أهل الخير وأهل الشر منازل عند الله يوم القيامة، بحسب أعمالهم التي عملوها (كلٌّ بحسب مَرتبته)، ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ أي: وقد فَعَلَ سبحانه ذلك، ليُوَفيهم جزاء أعمالهم كاملة يوم القيامة ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ.


الآية 20: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ليُعَذَّبوا فيها، فيُقال لهم توبيخًا: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا (وذلك بإقبالكم على الشهوات والمَلَذّات وانشغالكم بها)، حتى نسيتم الآخرة فلم تعملوا لها، (ولَعَلّ المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ﴾ أي ثواب أعمالكم الخيرية، كإطعام الطعام وصلة الأرحام وغير ذلك، لأن هذه الأعمال لم تكن عن إيمان، فأعطاكم الله جزاءها في الدنيا من المُتَع الرخيصة، فاستمتعتم بها، ولم يُبقِ لكم شيئاً مِن نعيم الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾).

﴿ فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ أي عذاب الذل والإهانة في النار ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أي بسبب استكباركم ﴿ فِي الْأَرْضِ التى خلقها الله لكم ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ إذ لا حقّ لكم في ذلك الاستكبار، لضَعفكم وعَجزكم (فالكبرياء لله وحده، وهو لم يأذن لكم بالكِبر)، ولأنّ حُجَج الله وأدلته كانت واضحة، ولكنكم تكبرتم عن الانقياد لها ﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ يعني: وبسبب خروجكم عن طاعة الله ورسوله.

الآية 21: ﴿ وَاذْكُرْ - أيها الرسول - ﴿ أَخَا عَادٍ (وهو هود عليه السلام)، الذي أرسله الله إلى قبيلة عاد، ﴿ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ: أي اذكر حين أنذر قومه أن يَنزل بهم عذاب الله، وهم في منازلهم المعروفة بـ "الأحقاف" ﴿ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يعني: وقد مضت الرُسُل بإنذار أقوامها - قبل هود وبعده - بـ ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ إن أشركتم به ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهو يوم القيامة.

الآية 22، والآية 23: ﴿ قَالُوا أي قالت عادٌ لهود: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا أي لتصرفنا عن عبادة آلهتنا؟ ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا من العذاب ﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فـ ﴿ قَالَ لهم: ﴿ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ: يعني إنما العلم بوقت مَجيئ هذا العذاب عند الله، ﴿ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ يعني: وإنما أبلّغكم ما أرسلني الله به إليكم، ﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ بسبب استعجالكم بالعذاب، وجُرأتكم على ربكم.

الآية 24، والآية 25: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ: يعني فلمّا رأوا العذاب عارضاً (أي على هيئة سحاب يَعرض في الأفق)، وكان متجهًا إلى أوديتهم: ﴿ قَالُوا: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا: أي هذا سحابٌ مُمطر لنا، فقال لهم هود عليه السلام: ﴿ بَلْ أي ليس هذا عارضُ مطر ورحمة كما ظننتم، ولكنْ ﴿ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ أي هو عارضُ العذاب الذي استعجلتموه: ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا (ما أعظمك يا رب)،﴿ فَأَصْبَحُوا أي صاروا ﴿ لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ أي لا يُرى في بلادهم شيءٌ إلا آثار مساكنهم (إذ أهلك الله قوم عادٍ عن آخرهم، واقتلعت الريح مُعظم مساكنهم)، ولم يَنجُ إلا هود والذين آمنوا معه برحمة خاصة من الله تعالى، و﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(وفي هذا تهديدٌ لقريش لكي يتوبوا من شِركهم وتكذيبهم).

الآية 26: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ يعني أعطينا لعاد أسباب التمكين في الأرض - من القوة المادية وغيرها - ﴿ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ يعني في الذي لم نُمَكِّنكم فيه يا كفار قريش من القوة والإمكانيات،﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا يَسمعون به، ﴿ وَأَبْصَارًا يُبصرون بها، ﴿ وَأَفْئِدَةً أي قلوباً يَعقلون بها، ﴿ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ: يعني إنهم لم يَنتفعوا بهذه الحواس، ولكنهم استعملوها فيما يُغضب ربهم ﴿ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ الواضحة، ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ: يعني أحاط بهم العذاب الذي كانوا يَسخرون منه، فلم يستطيعوا النجاة والفرار.





الآية 27، والآية 28: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ يا أهل مكة ﴿ مِنَ الْقُرَى كعادٍ وثمود، ﴿ وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ يعني: وبيَّنَّا لهم أنواع الحُجَج والأدلة والمواعظ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن كُفرهم وعِصيانهم إلى توحيد الله وطاعته، ﴿ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً: يعني فهَلاّ نَصَرَتهم آلهتُهم التي عبدوها لتشفع لهم عنده كما يزعمون! ﴿ بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ: يعني بل غابوا عنهم عند نزول العذاب فلم يجيبوهم، ولم يدفعوا عنهم شيئاً من عذاب الله، ﴿ وَذَلِكَ أي غياب آلهتهم عنهم وعدم نَصْرهم لهم هو ﴿ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ أي هو نتيجة كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يعيشون عليه من أنهم شفعاء لهم عند ربهم.

من الآية 29 إلى الآية 32: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ: أي اذكر أيها الرسول حين بَعَثنا إليك عدداً من الجن ﴿ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ الذي تتلوه ﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ: يعني فلمّا حضروا سماع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَالُوا لبعضهم: ﴿ أَنْصِتُوا لنستمع إلى هذا القرآن، ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ يعني فلما فَرَغَ الرسول صلى الله عليه وسلم من تلاوة القرآن - وقد فَهِمَه هؤلاء الجن وأثَّرَ فيهم -: ﴿ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ أي رجعوا إلى قومهم مُحَذرين لهم من عذاب الله إن لم يؤمنوا به، فـ﴿ قَالُوا لقومهم من الجن: ﴿ يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى ثم وَصَفوا لهم القرآن بقولهم: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ: أي مُوافقاً لِمَا قبله مِن كُتُب الله التي أنزلها على رُسُله ﴿ يَهْدِي أي يُرشد الناس ﴿ إِلَى الْحَقِّ﴿ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يُوَصّلهم إلى الجنة ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ - وهو رسوله محمد - فأجيبوه إلى ما يدعوكم إليه ﴿ وَآَمِنُوا بِهِ، فإن تفعلوا ذلك ﴿ يَغْفِرْ اللهُ ﴿ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (وهي كل الذنوب التي بينكم وبين ربكم، وأمّا مَظالم الناس: فرُدُّوها إليهم تُغفَر لكم)، ﴿ وَيُجِرْكُمْ أي يُنقذكم سبحانه ﴿ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وهو عذاب جهنم.

♦ ثم قالوا لهم: ﴿ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ يعني: ومَن لم يَستجب إلى ما دعا إليه رسول الله ﴿ فَلَيْسَ بِمُعجِز فِي الْأَرْضِ يعني لن يُعجز اللهَ تعالى إذا حاول الهرب في الأرض (إذا أراد الله عقوبته) ﴿ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أي ليس له أنصارٌ يَمنعونه مِن عذاب الله﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍأي في ضلالٍ واضح عن الحق.

الآية 33: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وما فيهنّ مِن المخلوقات العظيمة، ﴿ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ: أي لم يُعجزه خلق ذلك كله ولم يتعب مِنه، ألم يَعلموا أنه ﴿ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى الذين خَلَقهم أوّلاً مِن نُطفة؟ ﴿ بَلَى إنّ ذلك أمْرٌ يسير على الله تعالى﴿ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يُعجزه شيء.

الآية 34: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ليُعَذَّبوا فيها، فيُقال لهم توبيخًا: ﴿ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ؟ يعني أليس هذا العذاب الذي أنكرتموه حق؟ ﴿ قَالُوا - مُقسِمين بالله تعالى -: ﴿ بَلَى وَرَبِّنَا إنه حَقّ، ﴿ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.


الآية 35: ﴿ فَاصْبِرْ - أيها الرسول - على تكذيب قومك وإيذائهم لك ﴿ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ أي أصحاب الصبر والعزم ﴿ مِنَ الرُّسُلِ وهم (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد) عليهم جميعاً الصلاة والسلام (وذلك على المشهور من أقوال العلماء)، وعلى هذا يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يقتدي بهؤلاء الأنبياء (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى) عليهم الصلاة والسلام، ﴿ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ: أي لا تستعجل العذاب لقومك أيها الرسول، فإنه آتيهم لا مَحالة، و﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ - أي العذاب في الآخرة - ﴿ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ: يعني كأنهم لم يمكثوافي الدنيا (وهم أحياء) ولا في قبورهم (وهم أموات)إلا ساعة من نهار (بسبب رؤيتهم لجهنم التي سيُعذبون فيها) (والإنسانُ إذا عَظُمَ خوفه: نَسِيَ كل ما مَرَّ به من نعيمٍ أو عذاب، خاصةً إذا قارنَ ذلك بعذاب الآخرة الأبدي)، ﴿ بَلَاغٌ: يعني هذا القرآنُ بلاغٌ لقومك ولغيرهم، ﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (والسؤال غرضه النفي)، يعني إنه لا يُهْلَكُ بعذاب الله إلا القوم الخارجون عن أمْره وطاعته.



من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




رامى حنفى محمود
شبكة الألوكة


تفسير سورة الأحقاف ومحمد



#2

افتراضي تفسير سورة محمد

تفسير سورة محمد


الآية 1، والآية 2: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا أي جَحَدوا أن الله هو الإله الحق ﴿ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي مَنَعوا الناس عن الدخول في دين الله تعالى، أولئك ﴿ أَضَلَّ ﴾ اللهُ ﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعني أبطل أعمالهم الخيرية (كإطعام الطعام وصلة الأرحام)، فلم يجدوا ثوابها في الآخرة، بل ضَلَّت عنهم (لأنها لم تكن عن إيمان ولم تكن خالصةً لله تعالى)، ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ باللهِ ورُسُله ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ - بإخلاصٍ للهِ تعالى، وعلى النحو الذي شَرَعه - ﴿ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﴾ يعني آمَنوا بالقرآن ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ أولئك ﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ: أي مَحا الله عنهم خطيئاتهم، فلم يعاقبهم عليها بسبب توبتهم ﴿ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ أي أصلح شأنهم وحالهم في الدنيا والآخرة (واعلم أن البال يُطلَق أيضاً على القلب والعقل وعلى ما يَخطر للمرء من تفكير).

الآية 3: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الإضلال والهدى ﴿ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ: أي بسبب أن الذين كفروا اتَّبَعوا الشيطان فأطاعوه فأضلهم الله، ﴿ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ: أي اتَّبَعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاءَ به من الهدى، فزادهم الله هدىً، ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾يعني: وكما بيَّن الله حال الفريقين وما يَستحقانه، فكذلك يُبَيِّن الله للناس أمثالهم، بأنْ يُظهر لهم حال الناجينَ الفائزين من الناس، وحال الهالكينَ الخاسرين منهم ليعتبروا.

الآية 4، والآية 5، والآية 6: ﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا - أيها المؤمنون - ﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ: يعني فأحكِموا قيد الأسرَى: ﴿ فَإِمَّا مَنًّا: يعني فإما أن تَمُنُّوا عليهم بفك أسْرهم "مجاناً"، وذلك ﴿ بَعْدُ ﴾ أي بعد انتهاء المعركة، ﴿ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ يعني: وإما أن يُفادوا أنفسهم بالمال، أو مُقابل إطلاق سَراح أسير مسلم عند المُشرِكين أو غير ذلك.

واستمِرُّوا ﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا: أي حتى تضع الحرب أثقالها، وهي معداتها، (وهذه الجملة كناية عن انتهاء الحرب بنصر الإسلام والمسلمين)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ابتلاء المؤمنين بقتال الكافرين ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ أي لاَنتصر من الكافرين بغير قتال (كأنْ يَخسف بهم الأرض أو يصيبهم بوَباءٍ قاتل أو غير ذلك) ﴿ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ يعني: ولكنه جعل عقوبتهم على أيديكم، فشَرَعَ الجهاد؛ ليختبر صِدْق المؤمنين بالقتال، وليَنصر بكم دينه، ويُوصلكمبالجهاد إلى أعلى الدرجات، ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ من المؤمنين المخلصين - الذين يُقبِلونَ على عدوهم غير هاربين - ﴿ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعني لن يُبْطِل الله ثواب أعمالهم، ﴿ سَيَهْدِيهِمْ ﴾ إلى إجابة سؤال المَلَكَين في القبر، وسيَهديهم إلى سلوك طريق الجنة بعد موتهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾، وقال عن الضالين يوم القيامة: ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، ﴿ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ يعني: وسيُصلِح أمورهم التي تركوها في الدنيا بعد موتهم، وسيُصلِح بالهم في الجنة، فلا تصيبهم الهموم والأحزان،﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ﴾﴿ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ أي عَرَّفهم بها وَوَصَفها لهم، ثم عرَّفهم بمنازلهم فيها إذا دخلوها.

الآية 7: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يعني إن تنصروا دينَ الله تعالى (بالجهاد في سبيله والحُكم بكتابه، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه): ﴿ يَنْصُرْكُمْ ﴾ على أعدائكم، ﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ عند القتال.

الآية 8، والآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ أي هلاكًا لهم وشقاءً ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ يعني: وأذهب الله ثواب أعمالهم الحسنة (كصلة الرحم وإكرام الضيف وفك الأسرى)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي شقاؤهم وإبطال أعمالهم ﴿ بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم ﴿ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ (وهو القرآن المشتمل على أنواع الهدايات و الإصلاحات) ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ: يعني فلذلك أبطل الله أعمالهم.

الآية 10، والآية 11: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا- أي هؤلاء المُكَذّبون - ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ متأملينَمُعتبِرين، ﴿ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾: يعني كيف كانَ مصير المُكَذِّبين قبلهم (كعادٍ وثمود وقوم لوط)؟ وما نزل بهم من الهلاك؟، فقد ﴿ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ ديارهم، ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ يعني: وللكافرين أمثال تلك العقوبة التي نزلت بتلك الأمم، (وفي هذا تهديدٌ لكفار مكة)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك الذي فعلناه (مِن نجاة فريق الإيمان وإهلاك فريق الكفر) ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا: أي بسبب أن الله وليُّ المؤمنين ونصيرهم ﴿ وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ يعني لا أحد يتولى أمورهم وينفعهم، ولا نصيرٌ لهم ينقذهم من عذاب ربهم.

الآية 12: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ أي حدائق وبساتين عجيبة المَنظر تَسُرّ أنظارهم ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ أي تجري الأنهار من تحت أشجارها المُتدلّية، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ ﴾ يعني: ومَثَلُ الذين كفروا في أكلهم وتمتعهم بالدنيا، كمثل البهائم التي لا هَمَّ لها إلا الأكل، ﴿ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾ يعني: ونارُ جهنم هي مَسكن الكافرين ومأواهم يوم القيامة.

الآية 13: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ يعني: وكثير مِن أهل القرى الذين كانوا أشد قوة من أهل قريتك أيها الرسول - وهي مكة - ﴿ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ﴾ أي التي أخرجك أهلها، (ولَعَلّ المقصود هنا أنهم كانوا سبب إخراجه - بإيذائهم له ولأصحابه ومحاربة دعوته - لأنه صلى الله عليه وسلم خرج باختياره ولم يُكرِهه المُشرِكون على الخروج، بل كانوا يحاولون مَنْعه من الخروج لكي يقتلوه، واللهُ أعلم)، ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ أي دمَّرنا هذه القرى المُكَذّبة بأنواع العذاب ﴿ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ: يعني فلم يكن لهم نصيرٌ ينقذهم من عذاب ربهم، ولم تنفعهم قوتهم (وفي هذا تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم بسبب خروجه من بلده التي يحبها، وفيه أيضاً تهديدٌ لمُشرِكي مكة أن يصيبهم ما أصاب المُكَذِّبين قبلهم إن لم يتوبوا، وقد تاب الكثير منهم والحمد لله).

الآية 14: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ: يعني أفمَن كان على حُجَّة واضحة من ربه (والمقصود بهذه الحُجَّة: القرآن الكريم، الذي أنزلاللهُ فيه البراهين، وتَحَدَّى به المُشرِكين)، فهل هذا الذي على بصيرةٍ مِن أمْر دينه ﴿ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ: أي كمَن حسَّن لهم الشيطان قبيح أعمالهم﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ في فِعل المعاصي وعبادة غير الله تعالى، مِن غير حُجَّة ولا برهان إلا التقليد الأعمى؟! لا يستويان أبداً.

الآية 15: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ يعني: وَصْف الجنة - التي وَعَدَ اللهُ بها عباده المتقين - أنها ﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ ﴾ أي غير متغيِّر في ريحه أو طعمه بسبب طول مُكثه ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أي لم تُصِبه "حُموضة" أو غيرها كما يحدث في ألبان الدنيا ﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴾أي يَتلذذ بها الشاربون﴿ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ﴾ (من الشمع والشوائب)، ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ أي من مختلف الفواكه وغيرها (مِمّا لم يذوقوا طعمه في الدنيا، ولم يتخيلوا لذَّته) ﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ يعني: وأعظم من ذلك النعيم: (سِتر ربهم وتجاوزُه عن ذنوبهم)، فلذلك عاشوا في الجنة سعداء بمغفرة ربهم لهم ورضاه عنهم.

فهل هذا المتقي - الخائف من عذاب ربه، الذي يفعل ما يُرضيه ويَجتنب ما يُغضبه - فلذلك نَعَّمه الله في هذه الجنة ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ﴾ ﴿ وَسُقُوا ﴾ أي تَسقيهم ملائكة العذاب ﴿ مَاءً حَمِيمًا ﴾ أي شديد السخونة ﴿ فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾؟! لا يستويان أبداً.

الآية 16، والآية 17: ﴿ وَمِنْهُمْ يعني: ومِن المنافقين الكفار ﴿ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ أي يستمع إلى حديثك - أيها النبي - ﴿ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ﴾ أي انصرفوا من مجلسك: ﴿ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: أي قال هؤلاء المنافقون لمن حضروا مجلسك من أهل العلم بكتاب الله - على سبيل الاستهزاء -: ﴿ مَاذَا قَالَ آَنِفًا ﴾؟ يعني ماذا قال محمد قبل قليل؟ (يشيرون بذلك إلى أنهم لم يكونوا مهتمين بحديثه صلى الله عليه وسلم) ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ أي ختم على قلوبهم، فلا تفهم الحق ولا تهتدي إليه، ﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ في الكفر والضلال،﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ يعني: وأما الذين اتَّبَعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من الحق، ولم يتَّبعوا أهوائهم: ﴿ زَادَهُمْ ﴾ الله ﴿ هُدًى ﴾ ليَثبتوا على الحق ﴿ وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ: أي وفقهم للتقوى، ويَسَّرها لهم، فحَبَّبَ إليهم الطاعات، وكَرَّهَ إليهم المعاصي.

الآية 18: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ يعني فهل ينتظر هؤلاء المكذبون إلا القيامة التي وُعدوا بها ﴿ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ﴾ أي فجأةً﴿ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ أي حين تأتي شروط الساعة وعلاماتها الكبرى، وساعتها سيؤمنون؟!، (ولَعَلّ الله تعالى عَبَّرَ عن مَجيئ علامات الساعة الكُبرَى بصيغة الماضي - مع أنها لم تأتِ بعد - لتأكيد وقوعها في عِلمه سبحانه)، ﴿ فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ: يعني فمِن أين لهم التذكر - الذي ينفعهم - إذا جاءتهم الساعة؟! (إذ حِينها يُغلَق باب التوبة).

وقد قال بعض المُفسِّرين بأن المقصود مِن قوله تعالى: ﴿ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ﴾أي جاء بعض شروط الساعة، وهي بعثة محمد عليه الصلاة والسلام وانشقاق القمر، واللهُ أعلم.

الآية 19: ﴿ فَاعْلَمْ أيها النبي ﴿ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ أي لا معبود بحق إلا الله، فاعبده وتوكل عليه ﴿ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ﴾ مِمّا عاتَبَكَ فيه ربك ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ أي استغفر للمؤمنين والمؤمنات ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ: أي يعلم تصرفكم في يقظتكم نهارًا ﴿ وَمَثْوَاكُمْ أي يعلم مستقركم في نومكم ليلاً، (فهو سبحانه يراكم ويعلم حالكم في كل ساعةٍ مِن ليلٍ أو نهار، ألاَ فاخشوه واحذروا أن يراكم على معصية، حتى تفوزوا برضاه في جنات النعيم)، (واعلم أن قوله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ فيه دليل على وجوب العلم قبل القول والعمل)، واعلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قالمَن استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كَتَبَ الله له بكل مؤمن ومؤمنة حَسَنة) (انظر صحيح الجامع حديث: 6026)، فاللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

الآية 20، والآية 21: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا - مُتَمَنّين الجهاد، شوقاً لِمَا أعَدّه الله للمجاهدين في الجنة -: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ: يعني هَلاّ نُزِّلت سورة من الله تأمرنا بجهاد الكفار، ﴿ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ يعني لم يُنسَخ شيءٌ من أوامرها ونواهيها، بل جَعَلتْ الجهادَ فرضاً عليهم لا يتبدل ﴿ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ أي ذُكَرَ الله فيها الأمر بالجهاد والترغيب فيه: ﴿ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ أي الذين في قلوبهم شَكٌّ وضَعفٌ في الإيمان﴿ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ ﴾ أيها النبي - وهم خائفون من القتال - ﴿ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ أي كنَظَر المحتضر الذي يصيبه الإغماء خوفاً من الموت، ﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ: يعني فالأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض أن يطيعوا أمْرَ الله تعالى، ﴿ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ: يعني وأن يقولوا قولاً حسناً، كأن يقولوا للرسول: (سمعنا وأطعنا)، ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ: يعني فإذا وَجَبَ أمْر الله بفرض القتال عليكم: كَرِهَوا القتال، ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ يعني لو وَفّوا بما عاهدوا اللهَ عليه من أنهم سيقاتلون مع رسوله ﴿ لَكَانَ ﴾ الوفاءُ بالعهد ﴿ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ في الدنيا والآخرة.

الآية 22، والآية 23: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بعمل المعاصي ونَشْر الشِرك والفساد ﴿ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ فلا تصلوا أقاربكم المؤمنينَ الصادقين، بل تُعلِنوا الحرب عليهم ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي أبعدهم الله من رحمته ﴿ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ: أي جعلهم لا يَسمعون ما ينَفعهم ولا يُبصرون حُجَج الله مع كثرتها.

وقد قال صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: (لا يدخل الجنة قاطع) أي قاطع رحم، وقال أيضاً - كما في الصحيحين -: (مَن سَرّهُ أن يُبسَط له - (أي يُوَسَّع له) - في رزقه، ويُنسَأ له - (أي يُؤخَّر له) - في أجَله: فليَصِل رَحِمَه)، (وقد وَضَّحنا معنى تأخير الأجل عند تفسير الربع الأخير من سورة الرعد، فراجِعه إن شئت).

الآية 24: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ: يعني أفلا يتفكرون في أدلة القرآن ومواعظه، ليعرفوا الحق من الباطل، ويفعلوا ما يَنفعهم، ويَجتنبوا ما يَضُرّهم؟! ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ يعني بل قلوبهم مغلَقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن، فلا تتدبر مواعظ الله وحُجَجه (والله سبحانه هو الذي يفتح لهم تلك الأقفال، إذا طلبوا منه الهداية بصدق، وتخلّوا عن أهوائهم وشهواتهم).

الآية 25، والآية 26: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ أي ارتدُّوا عن الهدى والإيمان ورجعوا على أعقابهم كفارًا ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ واتضح لهم الحق: ﴿ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ ﴾ أي حَسَّنَ لهم نفاقهم ﴿ وَأَمْلَى لَهُمْ أي مَدَّ لهم في الأمل - فوعدهم بطول العمر - ليُجَرئهم على الكفر والمعاصي، ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الإضلال ﴿ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ: أي بسبب أنهم قالوا لليهود والمُشرِكون الذين كرهوا القرآن: ﴿ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ﴾ (بأنْ نتعاون معكم على عداوة الرسول وترغيب المؤمنين في التخلف عن الجهاد)، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾أي يعلم ما يتحدثون به سراً مع اليهود والمُشرِكين، ويعلم ما يخفونه في نفوسهم، فأظهرَ الله ذلك لرسوله.

الآية 27، والآية 28: ﴿ فَكَيْفَ يكون حالهم ﴿ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ أي قبضتْ أرواحهم، وهم ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ أي يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد؟،﴿ ذَلِكَ ﴾ العذاب الذي أصابهم ﴿ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ ﴾ أي بسبب أنهم فعلوا ما أغضب الله عليهم من الشِرك والمعاصي، ﴿ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ﴾ يعني: وبسبب أنهم كرهوا أن يفعلوا ما يُرضِي اللهَ عنهم من العمل الصالح (ومِن ذلك: كُرههم لقتال الكفار بعدما فرضه الله عليهم) ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ:يعني فأبطل الله ثواب أعمالهم الحسنة (كصِلة الرَحِم وإطعام الطعام وغير ذلك).

الآية 29، والآية 30: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني أم ظن هؤلاء المنافقون ﴿ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴾يعني هل ظنوا أن الله لن يُخْرِج ما في قلوبهم من الحسد والحقد للإسلام وأهله؟! بلى، سيُظهره سبحانه للناس، لأنه يُميّز الصادق من الكاذب، ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ ﴾ يعني: ولو نشاء لأريناك أيها النبي أشخاص هؤلاء المنافقين ﴿ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ﴾ أي فحينئذٍ ستعرفهم بعلاماتٍ ظاهرة فيهم، ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ: أي سوف تعرفهم فيما يَظهر من كلامهم الدالّ على نواياهم السيئة وعداوتهم للمسلمين والذم فيهم (ولحن القول: هو ما يُفهَم من الكلام بالتعريض والتلميح والإشارة، ويُطلَق أيضاً على الخطأ أثناء الكلام) ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ - أيها الناس - فلا تَخفَى عليه طاعة مَن أطاعه، ولا معصية مَن عصاه، وسيَجزي كُلاً بما يَستحق.

الآية 31: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ: أي سوف نختبركم أيها المؤمنون بالشدائد والقتال ﴿ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ ﴾ أي حتى يَظهر للناس ما عَلِمناه في قديم الأزل؛ لنميز أهل الجهاد منكم ﴿ وَالصَّابِرِينَ ﴾ على قتال أعداء الله، ﴿ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ يعني: ونُظهِر أخباركم للناس (أي نختبر صحة ما تخبرون به عن أنفسكم من الإيمان والطاعة).

وقد كان أحد الصالحين يقولُ - مناجياً ربه -: (اللهم لا تَبتَلِنا، فإنك إذا بَلَوتنا: فضحتَنا وهتكتَ أستارنا).

الآية 32: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدانية اللهِ تعالى ونُبُوَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي منعوا الناسَ عن الدخول في سبيل الله (وهو الإسلام) ﴿ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ: أي خالفوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فحاربوه ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ أي من بعد ما جاءتهم الحُجَج والآيات أنه نبي من عند الله، فهؤلاء ﴿ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا بأفعالهم،بل إنّ ضَرَرها سيَعودُ عليهم ﴿ وَسَيُحْبِطُ ﴾ الله ﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي سيُبْطِل ثواب أعمالهم التي عملوها في الدنيا، لأنها لم تكن عن إيمان، ولأنهم لم يريدوا بها وجه الله تعالى.

الآية 33: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ باتّباع كِتابه ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ باتّباع سُنته ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ: أي لا تبطلوا ثواب أعمالكم بالرياء والشِرك والمعاصي، وبأداء الأعمال على غير النحو الذي شَرَعه الله لكم.

الآية 34: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي صَدُّوا الناسَ عن الإسلام (بالتعذيب والتخويف ونشر الأكاذيب الباطلة)﴿ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ ﴿ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾(وسيُعَذّبهم على كُفرهم).

الآية 35: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ يعني: ولا تبدأوا بدعوتهم إلى الصُلح والمُسالَمة على سبيل الخوف منهموإظهار العجز أمامهم ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾ أي طالما أنكم الغالبونَ لهم، بل هم الذين يطلبونَ منكم الصُلح ﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ بنصره وتأييده ﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ: يعني لن يُنْقصكم ثواب أعمالكم.

الآية 36، والآية 37: ﴿ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌأي تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان (لِما فيها من الزينة والشهوات)، ثم تزول سريعًا، ﴿ وَإِنْ تُؤْمِنُوا ﴾ بالله ورسوله، ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ عذابَ ربكم (بأداء فرائضه واجتناب معاصيه): ﴿ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ﴾ أي يُعطكم ثواب أعمالكم كاملاً، بل ويَزيدكم من فضله ﴿ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ: أي لا يسألْكم سبحانه إخراج جميع أموالكم، بل يأمركم بالإنفاق في سبيله بقدر طاقتكم، فإنه ﴿ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا ﴾ يعني إن يسألكم إخراج جميع أموالكم ﴿ فَيُحْفِكُمْ ﴾ أي يُلِحَّ عليكم في إخراجها، فحينئذٍ ﴿ تَبْخَلُوا ﴾ بها، فلا تخرجونها ﴿ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ﴾ يعني: ويُظهِر سبحانه ما في قلوبكم من الكراهية لهذا التكليف الذي يأمركم بإخراج جميع أموالكم (بسبب حُبُّكم الشديد للمال)، ولكنه سبحانه رَحِمَكم فلم يأمركم بذلك.

الآية 38: ﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ أيها المؤمنون ﴿ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: أي يدعوكم الرسول إلى النفقة لجهاد أعداء الله ونُصرة دينه، ﴿ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ ﴾ بالنفقة في سبيل الله، ﴿ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ لأنه يَحرمها ثواباً عظيماً، ﴿ وَاللَّهُ هو ﴿ الْغَنِيُّ ﴾ عنكم وعن مالكم ﴿ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ﴾ المحتاجونَ إليه في كل أموركم، ولا تستغنون عنه طرفة عين، ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا: يعني إن تعرضوا عن امتثال أمْره: ﴿ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ: أي يُهلككم، ويأت بقوم آخرين ﴿ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ أي لا يكونوا مِثلكم في الإعراض عن أمْره، بل يطيعونه ويطيعون رسوله، ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم.


من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير. واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


رامى حنفى محمود
شبكة الألوكة



تفسير سورة محمد




قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
أسئلة وأجوبة عن القرآن الكريم ... ومعلومات #!# للجنة اسعى❤ القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2025 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
مصحف الشيخ ماهر المعيقلي كاملاً بجودة عالية mp3 عاشقة الفردوس القرآن الكريم
مسابقة عدلات الدينية السؤال الثالث شقاوة آنثى المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 05:39 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل