يعتبر اللسان عضواً أساسيا يساهم في المضغ والبلع والكلام، ويتعرض لأمراض مختلفة في أسبابها وأعراضها.
وقد تحدث ابن سينا في كتابه القانون عن تشريح اللسان وعضلاته وأعصابه وعن أمراضه بنوعيها الحسية والحركية كما شرح الأمراض الخاصة باللسان ثم تحدث عن أمراض اللسان عندما تكون إصابة اللسان عرضاً لمرض عام، وقد خصص للسان أكثر من أربعة عشر فصلا.
وقد تحدث في هذه الفصول عن فساد الذوق والأورام وعن قصر اللسان الذي نسميه اليوم (اللسان المربوط)، وفصل لنا أسباب خلل الكلام وفيما يتعلق بحرقة اللسان فقد ذكر أن لذلك أسباباً عصبية كما انتبه إلى الأثر السيئ للتنفس الفموي وأشار إلى ذلك إشارة واضحة.
وتظهر لنا دراسة أمراض اللسان عند ابن سينا مدى الإحاطة والدقة والتصنيف المنطقي للأسباب ووضوح المعالجات، حيث لا يزال الطب الحديث موافقاً بالكلية في بعض الموضوعات لما كتبه ابن سينا.
المقدمة
لا يخلو كتاب من كتب الطب العربية القديمة من فصول مخصصة لدراسة أمراض اللسان فعلى سبيل المثال في الجزء الثالث من الحاوي للرازي نجد باباً لحس الذوق[i] وآخر لأمراض الحلق واللسان واللهاة[ii]؛ كما يخصص الرازي الباب التاسع والأربعين من كتابه التقسيم والتشجير لعلل اللسان ويتحدث فيه بإيجاز شديد عن تسع علل هي الورم والشقاق والخشونة والقروح والشنج والثقل والضفدع قصر الرباط وعِظَمُ اللسان[iii]؛ أما أبو الحسن الطبري صاحب كتاب المعالجات البقراطية فهو يخصص للأمراض الخاصة باللسان عشرة أبواب يتحدث فيها عن أمراض اللسان كالإدلاع[iv] والضفدع[v] وخالج اللسان وتغير الكلام وفساد حس اللسان[vi]…… وهكذا لا يخلو كتاب طبي في تراثنا من فصول يتحدث فيها المؤلف عن أمراض اللسان وعلاجاتها .
ويعتبر كتاب القانون في الطب لابن سينا أحد أبرز المؤلفات الطبية فهو يتسم بالوضوح والشمول وحسن العرض وتعطي دراسته صورة واضحة عن العلوم الطبية في عصره ونجد في الجزء الثاني من الكتاب أربعة عشر فصلاً مخصصة لأمراض اللسان[vii] إضافة إلى بعض الفقرات الأخرى في سياق أبحاث التشريح في الجزء الأول من الكتاب[viii].
وسنتحدث هنا عما كتبه ابن سينا عن اللسان في كتاب القانون في الطب حيث ندرس الفصول التي تحدث فيها عن اللسان كما رتبها ابن سينا:
تشريح عضل اللسان
ويذكر أن فيه أربع أزواج يشكلون ثمان عضلات وعضلة مفردة وهي العضلة اللسانية العلوية التي يصفها بدقة شديدة وبذلك يذكر للسان تسع عضلات بينما المعروف أن اللسان يحوي بالإضافة للعضلة اللسانية العلوية المفردة ثمانية أزواج أخرى من العضلات بدلاً من أربعة وبذلك يكون عدد العضلات سبع عشرة عضلة[ix] .
تشريح أعصاب اللسان
وقد تكلم عن عصب مثلث التوائم الخامس ويسميه الزوج الثالث من الأزواج السبعة ويصف فروع هذا العصب وصفاً دقيقاً مطابقاً للتشريح الحالي ذاكراً الفرع الذي يعصب اللسان حسياً لنقل حاسة الذوق[x] وهو الذي نطلق عليه اليوم العصب اللساني شعبة العصب الفكي السفلي من مثلث التوائم .
فصل في تشريح الفم واللسان
يتحدث ابن سينا عن اللسان ويذكر وظائفه حيث يقول: (اللسان عضو من الفم وهو من آلات تقليب الممضوغ وتقطيع الصوت و إخراج الحروف وإليه تمييز الذوق وجلدة سطحه الأسفل متصلة بجلدة المريء وباطن المعدة وجلدة النطع مقسومة منصفة بحذاء الدرز السهمي وبينهما مشاركة في أربطة واتصال وفيه أعصاب كثيرة متشعبة من أعصاب أربعة ناتئة وفيه من العروق والأعصاب فوق ما يتوقع في مثله ومن تحته فوهتان يدخلهما الميل هما منبع اللعاب يفضيان إلى اللحم الغددي الذي في اصله المسمى مولد اللعاب وهذان المنبعان يسميان ساكبي اللعاب يحفظان نداوة اللسان والغشاء الجاري عليه متصل بغشاء جملة الفم)[xi].
وهكذا نرى ذكره لاستمرار الغشاء المخاطي لباطن اللسان وقاع الفم مع الغشاء المخاطي للسبيل الهضمي ملاحظته وجود تروية دموية غزيرة وتعصيب كثيف في اللسان وذكر وجود فوهتين للعاب وأنهما يخرجان اللعاب من الغدد اللعابية التي يسميها ( اللحم الغددي ) ويقول ابن سينا أن الفوهتين تسميان (ساكبي اللعاب ) إضافة إلى تعداده لوظائف اللسان واللعاب.
فصل في أمراض اللسان
ويفصل ابن سينا هنا أمراض اللسان ويصنفها فيقول: (قد يحدث في اللسان أمراض تحدث آفة في حركته وقد يحدث له أمراض تحدث آفة في حسه اللامس والذائق وربما بطل أحد حسيه دون الآخر كالذوق دون اللمس وقد يكون مرضا مركبا وربما كانت الآفة خاصة به وربما كانت لمشاركة الدماغ وحينئذ لا يخلو عن مشاركة الوجنتين والشفتين في أكثر الأمر وربما شاركه سائر الحواس إذا لم تكن آفة في نفس شعبة العصب الذي يخصه وقد يؤلم أيضا بمشاركة المعدة وأحياناً بمشاركة الرئة والصدر)[xii].
حفظ حاسة اللسان
لقد أولى الإسلام عناية كبيرة لموضوع اللسان و ذلك لما له من دور خطير في المجال التواصلي فرغب في قول الخير و الحق و حذر من قول السوء و الباطل فما هي توجيهات الإسلام في هذا المجال ؟
تحذير الإسلام من آفة اللسان:
اللسان نعمة عظيمة من الله و قد أرشد الإسلام إلى استعماله بما يعود على المسلم بالخير و نيل مرضاة الله و حذر من استعمال اللسان في الشر مما يؤدي إلى سخط الله فعن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث النزي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : < إن الرجل ليتكم بالكلمة من رضوان الله كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه و إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطة إلى يوم يلقاه >
ومن صور آفات اللسان ما يلي : الكذب ، السخرية ، و الغيبة ، و النميمية ، و التنابز بالألقاب ، و الشتم ، و الفحش ، و اللعن
قال تعالى : < يا أيها الذين أنوا لا سخر قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألاب بيس الإسم الفسوق بعد الإيمان > الحجرات و قال عز وجل : < ولا يغتب بعضكم بعضا > الحجرات . وعن حذية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " لا دخل الجنة نمام " و النمام هو الذي ينقل الكلام بين الناس قصد الإفساد بينهم و عن عبد الله بن مسعودان رسول الله صلى الله عليه و سلم ال : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاش و لا البذئ ".
توجيهات الإسلام لحفظ حاسة اللسان :
أرشدنا الإسلام إلى جملة من الأمور نحفظ بها ألسنتنا و نطهر بها نفوسنا منها :
1 - التزم الصمت ما لم يكن في الكلام خير فإن كان فيه خير فالوجب على المسلم ان يقوله لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس فعن أبي شريح الخزعي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من كان يؤمن بالله و اليوم الأخر فليقل خيرا أو ليسكت "
2 - البعد عن مواطن اللغو قال تعالى : < فذالح المومنون الذين هم في صلاتهم خاشعون و الذين هم عن اللغو معرضون >.
3 المجادلة بالتي هي أحسن : فقد أوصى الإسلام بمخالطة الناس بالكلام الحسن فإنه يدهم المودة و يطرد الشيطان و يمنع كيده و سعيه لإيقاع العداوة و البغضاء بين الناس قال تعالى : < وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا >كما أن الكلام الحسن يحد من خصومه الأعداء و يمنع شرورهم