أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي علاج رباني لأخطر مرض

قال تعالى عن أصحاب الكهف وهم نيام: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]، قد لا ننتبه إلى أن هذه الكلمات القليلة تُمثِّل إعجازًا علميًّا يفوق حدَّ الخيال؛ فإنَّ مِن الأمراض الخطيرة التي يعاني منها المرضى في المشافي (قرحة الفراش)، فالمرضى الذين تضطرهم أمراضُهم إلى البقاء طويلًا على السرير ككسر في الحوض، أو العمود الفقري، أو شلل، أو في حالات النوم الطويل، هذه الحالاتُ المرضية تستوجب أن يبقى المريضُ مستلقيًا على ظهره أيامًا طويلة بل شهورًا!


فالإنسانُ له وزن كليٌّ، لكن إذا استلقى على السرير فإن وزن هيكله العظمي مع ما فوقه من عضلات وأنسجة يضغط على الجزء الذي تحت الهيكل العظمي، وإذا ضغطت العضلات والنسيج، فالأوعيةُ الدموية التي في هذه العضلات والنسيج تَضيق؛ فيقلّ وصولُ الدم إلى هذه الأماكن، وينشأ حولها تقرُّحات مُزعجة جدًّا.
فلو نظرنا إلى الإنسان وهو نائمٌ يتقلَّب في الليلة الواحدة ما يزيد على أربعين مرة، وهو لا يدري ذلك؛ لأن الجسم إذا ضغط على جهة معينة ضاقت الشرايين فيَضْعُف وصول الدم، ومن ثَم ينتقل هذا الإحساسُ بالضغط إلى المخ والإنسان نائم، والمخ يصدر أمرًا بالحركة، ومن الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]، لو قلَّبَهم في جهة واحدة لوقعوا من المكان الذي ينامون عليه، ولكن التقلُّب ذات اليمين وذات الشمال لكي يبقوا في إطار المكان.
فالمرضى الذين لا بد مِن أن يبقوا على السرير مدةً طويلةً تزيد على بضعة أشهر، لا بد من تقليبهم باليد، وإلا تقرَّحتْ أجسامهم وتسلَّختْ، وقد يُشفى المريض من المرض الذي أقعده، ويموت بسبب هذا المرض اللعين (قرحة الفراش)، ومِن هنا قدَّم التقدم العلمي بعض الأسِرَّة التي تهتزُّ بشكل دائم بفعل مُحرِّك كهربائي مِن أجل أن تقي المريض قرحةَ السرير، فلولا أن الله قلَّب أهل الكهف ذات اليمين وذات الشمال، لما بقَوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعًا، دون أن يُصابوا بهذه التقرُّحات.
إنَّ أكثرَ الأجزاء مِن الجسد إصابةً بهذا المرض الخطير: المنطقة العضدية والأليتان، ولوحا الكتفين، وكعبا القدمين، هذه الأماكن فيها عظام فيضغط وينعدم وصول الدم [إليها] فيموت النسيج، ويسود ويتقرَّح الجلد عفنًا، عافاكم الله.
أثبت الأطباءُ الحكمة مِن وراء فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتمَّ أسدل طرفي العمامة بين منكبيه، وكما هي هيئة رجال الجمعية الشرعية لأَخْذِهم مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
فإسدالُ العذبة على منطقة جذع المخ يُؤدي إلى حماية مراكز تحكُّم وتنظيم درجة حرارة الجسم الموجودة في جذع المخ؛ فإسدال العذبة حمايةٌ لهذه المنطقة، ومظلة لها مِن ضربة الشمس.
وقد وَرَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذيُّ وحسَّنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسدل عمامته بين كتفيه، وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: دَخَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم فَتْح مكة، وعليه عمامة سوداء، زاد النسائي: قد أرخى طرف العذبة بين كتفيه، ورُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بالعمائم؛ فإنها سيماء الملائكة، وأرخوها خلْفَ ظهوركم »؛ رواه الطبراني عن طريق عيسى بن يونس عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وروى أبو يعلى والبزار - برجال ثقات - وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي في الزُّهد، وحَسَّن إسناده أبو الحسن الهيثمي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهَّز لسرية يَبْعَثُها، فأصبح عبدالرحمن وقد اعتمَّ بعمامة كرابيس سوداء، فنقضها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعمَّمه، وأرخى له أربع أصابع، أو قريبًا مِن شبرٍ، ثم قال: « هكذا فاعتم يا بن عوف؛ فإنه أعرب وأحسن ».
لو أَطْلَقْنا لأنفسنا العنان في تدبُّر عظمة الخالق في خَلْق الإنسان، فلن ننتهي مِن الحديث عنه أبدًا.
ويطول بنا المقامُ لو تتبَّعنا عمل الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان، وما فيها مِن خوارق ومعجزاتٍ، وإنما نضرب الأمثلةَ لبعض هذه المعجزات التي يحتويها جسمُ الإنسان، وما ذاك إلا قطرة مِن هذا البحر الزاخر من الإعجاز الرباني والإبداع الإلهي في خلق الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]،وقال:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].
لقد أجهد العلماء في البحث عن إبراز هذه الحقائق الثابتة في الخلق، وما زال البحثُ مستمرًّا للكشف عما تحتويه كلماتُ القرآن الكريم.
مِن المعلوم أن جهاز المناعة في جسم الإنسان هو المسؤول عن حمايته مِن الجراثيم والميكروبات، فهو أشبه بجيشٍ يمتلك أعظمَ الأسلحة الحديثة لمواجهة الأعداء، فالجهاز المناعي لا يترك ثغرةً يتسلَّل منها عدوٌّ لمهاجمة الجسم، وهناك أربعة خطوط للدفاع عن الجسم:
الأول: يتمثَّل في الجلد وإفرازاته التي تُقاوم الفطريات والميكروبات، ودموع العين التي تحتوي على أملاح مقاومة لبعض الميكروبات.
الثاني: يتمثَّل في الخلايا الليمفاوية التي تعمل على مدار 24 ساعة بيقظةٍ ونشاطٍ.
الثالث: يتمثَّل في نوعٍ مِن الخلايا المقاتلة، تتمُّ صناعتها بسرعة بعد الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ عن نوع العدو الذي عجزتْ خطوط الدفاع الأخرى عن مواجهتها؛ لكي تتمكَّن وتُصبح قادرةً على هزيمتها.
الرابع: كرات الدم البيضاء، وعددها 5000 - 11 ألفًا، تزداد في حالة هجوم ميكروبي للجسم، وتقلُّ إذا حدَث خلل في الجهاز المناعي، وهذا يُؤدي إلى تعرُّض الجسم إلى أقل وأضعف ميكروب؛ ولهذا فإن مدافع وصواريخ جهاز المناعة تُصاب أحيانًا بخللٍ يُفقدها الاتجاه الصحيح؛ فتنطلق بعضُ قذائفها ضد أحد أعضاء الجسم بدلًا مِن تصويبها نحو العدو، فعند إصابة هذا الجهاز بالمرض أو العَجْز، تتسلَّل إلى الجسم الميكروبات بلا حاجزٍ أو رادعٍ بسبب عجزه عن مواجهتها، ولعل مرض الإيدز خيرُ مثالٍ على هذا، فلا يمكن محاسبة جهاز المناعة عن هجوم فيروس الإيدز عليه؛ لأنه يكون في حالة عجزٍ عن مواجهة الميكروبات، وهناك جدلٌ بين العلماء والأبحاث العلمية حول عَجْز المناعة عن التمييز بين العدو والصديق أو القريب، فإذا حدث خللٌ في الجهاز توهَّم أنَّ أحد أجزاء الجسم دخيلٌ عليه أو عدوٌّ فيُعلن التعبئة العامة، ويحشد جيوشه لتبدأ أغرب مأساة داخل الجسم الواحد، فيُهاجم جهازُ المناعة جزءًا مِن كيانه بسبب اضطرابٍ في التمييز بين العدوِّ والصديق، أو بين جزء من الجسم أو مِن خارجه؛ لذلك ظهرتْ مجموعة أمراض سُميتْ أمراض المناعة الذاتية وهي كثيرةٌ، ومِن أشهر أمراض المناعة المعروفة لدى الجميع (الروماتويد)؛ حيث تهاجم أسلحة جهاز المناعة المفاصل والغضاريف مما يُسفر عن آلامٍ صعبة، وغالبًا ما يتركَّز في الأطراف مثل مفاصل اليد وأصابعها.
فالأبحاثُ العلمية الحديثة أشارتْ إلى اتهام جهاز المناعة بمسؤوليته عن الإصابة بمرض السكر، فهو الذي يهاجم الخلايا الحيوية في البنكرياس المسؤولة عن إفراز هرمون الأنسولين، واقترحتْ بعض الدراسات إعطاء بعض العقاقير منذ الصغر حتى يتمَّ وقف الهجوم ضد خلايا البنكرياس!
وهذه الحركاتُ كثيرة داخل الإنسان؛ حيث إنها تبدأ مع السطور الأولى للحياة منذ أن كان المرء طفلًا، ففي أقل من ربع ثانية يحدث تنسيقٌ دقيق لثلاث عمليات أثناء بلع الطعام هي:
1- ينفتح المدخل التنفُّسي للقصبة الهوائية بواسطة لسان المزمار.
2- ينفتح مدخل المريء.
3- يتوقَّف الجهاز التنفُّسي لفترة قصيرة جدًّا.
وهذه الحركاتُ اللاإرادية واللاشعورية تحدث في اليوم الواحد آلاف المرات، ولا يشعر بها الإنسانُ.
وإذا أردتَ أن تحسَّ بذلك، فاصرفْ حسَّك وشعورك وركِّزهما عند حركات فمك الداخلية عند بَلْع الريق، مُركزًا الانتباه لما يحدث عند قاع الفم، وستشعر أن هناك مجرًى قد انفتح وآخر قد انغلق، وأنك لا يمكنك أن تُخرج أو تُدخل النفَس في تلك اللحظة، وتتكرر العملية نفسها حركيًّا وديناميكيًّا أثناء المعاشرة الجنسية عند قذف السائل المنوي، في تلك اللحظة يكون الجهاز التناسلي كلُّه محتقنًا، وإفرازات البروستاتا جاهزة، وعندما تتوتَّر العضلات ويأذن لها المؤثِّر الخارجي بالإفراغ، يُعطيها العصب السمبثاوي الإشارة؛ فيقوم صمام المثانة مباشرةً بغلق ممرِّ البول، وفتح ممرِّ البروستاتا والسائل المنوي مِن الخصية، فتحدث عمليتان في لحظة خروج السائل هما:
1- غلق ممر ماء البول.
2- فتح قناة البروستاتا؛ حتى لا يختلطَ البول بالسائل المنوي.
وللتأكُّد مِن ذلك: يُلاحظ الرجلُ أنه بعد الممارسة الجنسية، وبعد عملية القذف مباشرةً، لو حاول التبوُّل لوَجَد شبه احتباس بولي مؤقَّت، ويحتاج إلى شيء من الضغط حتى ينزل البول؛ لأن الصمام البولي للمثانة ما زال تحت تأثير الإشارات العصبية القوية.
إنها الناصية التي ذُكِرَتْ في القرآن الكريم منذ ما يزيد عن 1400 سنة في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16]، والناصيةُ: هي مُقدمة الرأس، وقد أُجريت العديد مِن الأبحاث والتجارب، وتم الْتِقاط العديد مِن الصور لجميع أجزاء الدماغ، فوَجَد العلماء أن الإنسان عندما يكذب، فإنَّ هناك نشاطًا كثيرًا تُظهره الصورُ المغناطيسية في منطقةٍ محددةٍ في المخ، وهي أعلى مُقدمة الرأس، وعندما يكون الإنسان صادقًا تكون هذه المنطقة مِن الدماغ في حالة نشاط أيضًا؛ فأمكن للعلماء استنتاج أن منطقة الناصية هي المسؤولة عن الصدق والكذب، ولقد أثبتت التجارب الجديدة على المخ بطريقة التصوير بالرنين المغناطيسي أن الإنسان عندما يكذب فإن دماغه يعمل أكثر، ومن ثَم يتطلَّب طاقةً أكبرَ، وهذا يعني: أن الصدق يُوفِّر طاقةً للمخ.
واستطاع العلماءُ الكَشْف عن الكذب عند المجرمين الذين يخدعون أجهزة الكشف عن الكذب باستخدام تقنية مسح المخ؛ حيث إن الإنسان لا يستطيع التحكُّم في المنطقة الأمامية في دماغه التي تكون أكثر نشاطًا عندما يكذب، وذلك برصد حركة الدم وسرعة تدفُّق الدم، وبالطبع فإن المنطقة ذات التدفُّق الأكبر تكون هي الأنشط، وكما هو معروف فإن الجزء الأمامي من الدماغ هو أهم جزء في الدماغ؛ حيث يتمُّ فيه توجيه الإنسان والحيوان، ويتمُّ فيه اتخاذ القرارات المهمة والتخطيط للخير والشر؛ فبهذه الأبحاث أُكِّدتْ هذه الحقائق منذ سنواتٍ قليلة، مع أن القرآن الكريم أول كتاب تحدَّث عن هذه المنطقة؛ يقول ربُّ العزة: ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56] ، وقال سبحانه: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16]،هكذا ينسب القرآن الكذب والخطأ إلى الناصية منذ أكثر مِن أربعة عشر قرنًا، وفي الحديث الشريف قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمَتِك، ناصيتي بيدِك))؛(أخرجه أحمد والطبراني)، فمن هنا يُفهم أيضًا أن الناصية مركز القيادة، ولحكمةٍ يعلمها الله شرَع الله أن تسجدَ هذه الناصية لله تعالى.
لقد توصَّل العلم إلى البصمة في القرن التاسع عشر، وبيَّن أن البصمةَ تتكوَّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد، تجاورها منخفضات، ويوجد بها فتحات المسام العَرَقية، وتتلوَّى هذه الخطوط، وتتفرَّع فروعًا لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلًا مميزًا.
وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثَل في شخصينِ في العالم، حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها مِن بويضةٍ واحدة، وإن تشابهتْ في (DNA)؛ حيث تتكوَّن البصمة في الجنين في الشهر الرابع، وتظلُّ ثابتةً ومميزةً له طوال حياته؛ ولذلك تعدُّ البصمة دليلًا قاطعًا ومميزًا لشخصية الإنسان، معمولًا بها في أنحاء العالم للكشف عن المجرمين واللصوص.
ويلفت القرآنُ الكريم الانتباه إلى أطراف الإنسان بصفة خاصةٍ في قوله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4]؛ ليبين للإنسان ولو بعد قرون مِن نزول القرآن أنَّ الله قادر على أن يُعيد بناء ما يميِّزه عن باقي بني البشر مِن سيدنا آدم إلى قيام الساعة، وهذا بيانٌ كافٍ لأن يؤمن الإنسانُ بأن البعث حقٌّ، كما أن الموت حقٌّ.
روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه خُلِقَ كلُّ إنسان مِن بني آدم على ستين وثلاثمائة مَفْصلٍ؛ فمَنْ كبَّر الله، وحمد الله، وسبَّح الله، واستغفر الله، وعزَلَ حجرًا عن طريق الناس أو شوكةً أو عظمًا عن طريق الناس، وأَمَر بمعروفٍ، ونهى عن منكرٍ، عَدَدَ تلك الستين والثلاثمائة السُّلامى، فإنه يمشي يومئذٍ وقد زَحْزَحَ نفسه عن النار)).
فالمفاصلُ هي التقاءُ العظام بعضها مع بعض، وأغلبها مُتحرِّك، ولكن بعضها ثابت كمفاصل جمجمة الرأس.
والأمرُ المُعجِز في هذا الحديث: أن يُحدِّد المصطفى صلى الله عليه وسلم عددَ مفاصل جسم الإنسان هذا التحديد الدقيق في زمنٍ لا يعرف الإنسانُ فيه أدنى علم عن تشريح الإنسان! وقد أثبت العلمُ الحديث هذه الحقيقة في أواخر القرن العشرين، وبيَّن أن منها 147 مفصلًا بالعمود الفقري، و24 مفصلًا بالصدر، و86 مفصلًا بالنصف العلوي مِن الجسم، و88 مفصلًا بنصفه السفلي، و15 مفصلًا بالحوض.
فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة العلمية إعجازٌ رباني؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الإنسانَ سيصل في يوم من الأيام إلى إدراك هذه الحقيقة التشريحية لجسم الإنسان، فتكون معجزةً له صلى الله عليه وسلم دالةً على صِدْق النبوة واتصاله بوحي السماء.
والمعجزةُ الإلهية أنه مِن البدهي أن أية مادة تحتكُّ وتتحرَّك بالنسبة لمادة أخرى، لا بد أن تبلى، طال الزمانُ أو قَصُر، وإنْ توافر لها عواملُ التزييت والتشحيم، أما مفاصل الإنسان فقد امتلكت الحيوية والكفاءة الربانية التي تمدها (بزيتها) العمر كله، وهو زيتٌ يختلف كل الاختلاف عن زيوتنا وشحوماتنا؛ لأن زيت الحياة سائلٌ مائي أشبه ما يكون ببلازما الدم، وهذا السائلُ يخرج مِن نهاية المفاصل، ونهاية المفاصل بدورها محاطة بطبقة مِن النسيج الغضروفي المرن، ويحيط به غشاء صُلْب نسبيًّا يُعرف باسم: الغشاء المزلقي، وللعلم فإنَّ سُمك السائل الفاصل بين المفاصل يقع في حدود جزءٍ مِن عشرة ملايين جزء مِن المليمتر، وهذه دقة في الصنع ما بعدها دقة! فتبارك الله أحسن الخالقين.
لما كان الإنسانُ كثيرَ النسيان، فقد أمره الله سبحانه وتعالى بالتأمُّل في ذاته؛ ليرى العجائبَ والمعجزات الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، ويرى كيف ركب في هذا البناء الدقيق الذي يحتوي بداخله على أسرار وألغازٍ يُظهرها البحث العلمي بين الحين والحين.
حين نُجيب عن ذلك: نجد أن هيئة الإنسان بها صناديق متعددة لتحويَ بداخلها أعضاء مهمة وخطيرة؛ فالقلبُ والرئتان داخل قفص عظميٍّ يتكون من العمود الفقري وضلوع الصدر لحمايتهما مِن أي مؤثرات خارجية، فتخيَّل لو أن القلبَ في متناول الصدمات والكدمات لحدثتْ مشكلات كثيرة تضرُّ بالإنسان!
وكذلك نجد الأعضاء الرقيقة - كالمخ والنخاع - تحتويها صناديقُ عظمية، مُبطَّنة بأغشية ومواد سائلة لَزِجة لحمايتها مِن الصدمات.
نجد المثانة والرحم والمبايض في صندوقٍ عظميٍّ فيما يُسمَّى بعظم الحوض لحمايتها مِن العبَث بها.
وإذا دقَّقْنا النظر في عِلْم التشريح نجد أن الأعضاء الزوجية تقع على بُعدٍ متساوٍ تمامًا، سواء أكانتْ هذه الأعضاءُ ظاهرةً أم باطنةً، فإذا مُدَّ خط وهمي رأسي مِن منتصف الرأس ليقسم الإنسان إلى قسمين، نرى أن كل عين على مسافة متساوية مِن هذا الخط مع العين الأخرى، وكذلك الأنف والأذن والكليتان والمبايض والخصيتان والثديان والرجلان واليدان وغير ذلك، فإن وَضْع أعضاء الجسم في هذا النظام الرباني يُحقِّق أحسنَ تقويم للإنسان، وصدَق رب العزة إذ يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين:4].
أخي الكريم، انظرْ إلى أي عضو في جسمك، وركِّز النظرَ لتجد آيةً مِن آيات الله تنطق بحال لسان هذا العضو على عظَمة الخالق سبحانه، فمثلًا الأوعية الدموية التي تجعل الدم يسير في اتجاهٍ واحدٍ مهما تغيَّرتْ أوضاع الإنسان.
ولو نظرتَ إلى قدرة الله التي جعلت القصبة الهوائية مفتوحةً على الدوام بأنْ خَلَقَها على هيئة حلقات غضروفية مفتوحة باستمرار مِن حيث إنَّ حاجة الجسم إلى الهواء مستمرة.
وانظر إلى العين تجد بها جفنًا يحميها مِن الأذى، وكذلك للجفن شعر يعكس الشمس عنها كمظلة إلهية لهذا العضو الحساس، وكذلك تجد للعين ماءً تفرزه غُددٌ، يجعلها لا تجفُّ ويحميها مِن الإصابة بالأمراض والميكروبات؛ حيث أثبت العلم الحديث أن ماء العين به مواد كيميائية تحمي العين مِن غَزْو الميكروبات.
وتجد في الأنف شعيرات تحجز الأتربة، وتدفئ الهواء ليدخل التجويف، وهو متلائم مع درجة الحرارة الداخلية.
وانظرْ كيف تخرج إفرازات الأذن مِن الداخل إلى الخارج بواسطة الأهداب التي لا تُرى بالعين المجرَّدة، كما أنه توجد أهداب تُساعد على دخول أشياء مثل أهداب قناة فالوب التي تلتقم البويضة مِن المبيض، ثم تُدخلها إلى القناة، ثم إلى تجويف الرحم.
فلو نَظَرْنا إلى عظَمة خلق الخصية، وهي العضوُ الوحيد الذي يقوم بوظائفه المتعددة في درجة حرارة أقل مِن درجة حرارة الجسم، وهي لذلك جعلها رب العزة خارج الجسم، وبداخل كيس الصفن الذي يحتوي على خلايا مُنظِّمة لدرجة الحرارة (تكييف رباني) لإنتاج الحيوانات المنوية، فإذا بقيت الخصيةُ داخل جسم الإنسان (الخصية المعلقة)؛ أي: التي لم تنزل في الكيس - فإن الخصية تتعرَّض للتلف الأبدي، فتفقد المقدرة على تكوين النُّطَف المنوية؛ ومن ثَم قد يُصاب هذا الذكَرُ بالعقم، وسبب تلف الخصية المستوقفة أنها وُضعتْ في مكانٍ لا يتلاءم مع الحرارة المطلوبة لتكوين الحيوانات المنوية؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].
كلُّ هذه الظواهر وغيرها تُشير إلى أن وراءها خالقًا حكيمًا سبحانه، جَعَل هذه الأجهزة تتناغم مع بعضها بعضًا، كلُّ عضو بل كل خلية تقوم بدورها على أحسن وجهٍ، حتى وقت نوم الإنسان وذهاب الوعي لا تتوقف عن العمل، فالتنفُّس يعمل، والدورة الدموية لا تنام، والقلب يَقِظ للعمل بانتظام.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشُّرب قائمًا؛ (رواه مسلم)، وهناك أحاديثُ كثيرة في هذا الشأن، ولكن حسبي هنا أن أبرز البحث العلمي، وما توصَّل إليه العلماءُ في ذلك؛ فالشُّربُ وتناول الطعام جالسًا أصحُّ وأسلمُ وأهنأُ؛ حيث ينزل الماء والأكل على جدران المعدة بتُؤَدة ولطفٍ، وأما الشرب واقفًا فيؤدي إلى تساقُط السائل بعنف إلى قعر المعدة، ويصدمها صدمًا، وإن تَكرار هذه العملية يؤدي إلى استرخاء المعدة، وعُسر الهضم، وقرحة المعدة!
ويرى الأطباء أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوترًا، ويكون الجهاز العصبي نشطًا للسيطرة على عضلات الجسم؛ لكي تتمَّ عملية التوازن والوقوف منتصبًا.
وأثبت العلمُ أن الطعام والشراب قد يؤدي تناولهما في حالة الوقوف إلى إحداث انعكاساتٍ عصبيةٍ شديدةٍ، تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة ببطانة المعدة، هذا العصب مربوط بالمعدة والقلب؛ فالتنبيه العنيف لهذا العصب بالماء البارد مثلًا يؤدي إلى انعكاساتٍ خطيرة، وإطلاق شرارة النهي العصبي الخطيرة ربما نبَّه القلب فأوقفه عن العمل، وهناك حالات موت مفاجئ كثيرة بسبب التنبيه الشديد جدًّا لهذا العصب المبهم!
وأثبت أطباء الأشعة أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون عرضةً لصدمات اللقم وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95% مِن حالات الإصابة بالقرحة.
كما أثبت الطب الحديث أن عملية التوازن أثناء الوقوف تُرافقها تشنُّجات عضَلية في المريء تُعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة.
ومِن هنا ننصح في حالات الحر الشديد، وفي الجهد العالي - أن يشرب الماء القليل وعلى فترات، وهذا ما أرشدنا إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثه عن أنس بن مالك، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفَّس في الشراب ثلاثًا، ويقول: ((إنه أَمْرَأُ وأَرْوَى))؛ (رواه مسلم)؛ أي: إنه يشرب على ثلاث دفعات.
أثبت العلم الحديث أنَّ الإنسان الذي يتوضَّأ في اليوم خمس مرات، يُنظف أنفه وفمه مِن الجراثيم والأتربة والمتعلقات.
ولقد أُجري العديد مِن الفحوصات على عددٍ مِن الذين يتوضَّؤون باستمرار، وظَهَر عندهم الأنفُ والفم نظيفينِ خاليينِ مِن الميكروبات، أمَّا الذين لا يتوضَّؤون فقد وُجِدَتْ عندهم كميات كبيرة مِن الميكروبات العنقودية الشديدة العدوى والكروية السبحية السريعة الانتشار وغير ذلك، وأثبت العلماء أن التسمُّم الذاتي يحدث نتيجة نمو وتكاثُر الميكروبات الضارة في تجويفي الأنف والفم، ومنهما إلى داخل المعدة والأمعاء، وتؤدي إلى الالتهابات المتعددة؛ لذلك شرع الاستنشاق بصورة متكررة ثلاث مرات في كل وضوء.
أما المضمضة فقد ثبت علميًّا أنها تحفظ الفم والبلعوم مِن الالتهابات وتقيُّح اللثة، وتقي الأسنان مِن التسوس، وإضافة إلى ذلك فإن المضمضة تُنمِّي وتقوِّي بعض عضلات الوجه، أمَّا غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والقدمين - فيزيل الغبار وما يحتوي عليه من الجراثيم، فضلًا عن تنظيف البشرة مِن المواد الدهنية التي تُفرزها الغُدد الجلدية، بالإضافة إلى إزالة العرق، فإذا أهمل الإنسانُ في نظافة جلده فترةً طويلةً بدون غسلٍ، فإن إفرازات الجلد المختلفة مِن دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد مُحدثةً حكَّةً شديدةً.
وهناك فائدة أخرى للوضوء، وهي تنشيط الدورة الدموية في الأطراف العلوية مِن اليدين والساعدين، والأطراف السفلية مِن القدمين والساقين، فإن تدليكها يُنشِّط الأطراف، ويزيد مِن نشاطها وفعاليتها.
كما توصَّل أحدُ العلماء إلى أنَّ سقوط أشعة الضوء على الماء أثناء الوضوء يُؤدي إلى انطلاق أيونات سالبة، ويُقلِّل الأيونات الموجبة؛ مما يُؤدي إلى استرخاء الأعصاب والعضلات، ويتخلَّص الجسم مِن ارتفاع ضغط الدم والآلام العضليَّة، وحالات القلق والأرق؛ إذًا فالوضوء هو أفضل وسيلة للاسترخاء وإزالة التوتر، ومِن هنا يتجلَّى الإعجاز العلمي في شرعية الوضوء في الإسلام لمصلحة جسم الإنسان.
لقد ثبَت طبيًّا أن أمراض الحساسية في الجلد يكون سببها ناشئًا مِن بين أصابع الرجلين؛ خاصة لأنَّ أصابع الرجلين محبوسة طوال اليوم، وبخاصة في فترة العمل تكون داخل الحذاء؛ مما يؤدي إلى أمراض والتهابات وتكوين فطريات.
أما بالنسبة لليدين: فالأصابع فيهما عرضةٌ للتلوث؛ لأنهما أداة العمل، والأخذ والعطاء، وعادة تتراكم القاذورات والأوساخ بين الأصابع؛ لذلك اعتنت السنة المطهَّرة بتخليل الأصابع؛ صيانةً للجسد من الأذى، ومعلوم أن صحة الأبدان لها أثرها الفعَّال في أداء العبادات، والقدرة على أداء مهام حياة الإنسان، وهناك فوائدُ كثيرة، وإنما هذا غيضٌ من فيض، وقليلٌ مِن كثير.
الصلاة هي الدواء الناجع، والشفاء الرباني لكل أمراض الدنيا البدنية والعضوية والنفسية والعصبية؛ ففي عملية الصلاة تتحرَّك كلُّ عضلة مِن عضلات الجسم، صغرتْ أم كبرتْ، وفي هذا صيانةٌ لها، وتدريبٌ لتقويتها.
فجِسْمُ الإنسان يتكوَّن مِن عظامٍ ومفاصل وعضلات وشرايين وأوردة وأعصاب وأجهزة، ولكنها تحتاج إلى تزييتٍ وتشحيمٍ كلَّ يومٍ بالحركة المنتظمة، فالنومُ والراحة التامة يصيبانها بالكسل والملل والتيبُّس، ولعل وجَع الظهر أو جلطة الساقين الوريدية تأتي للأفراد الذين يُؤْثِرون الراحة التامة.
تحسينُ عمَل القلب، وتوسيعُ الشرايين والأوردة، وإنعاش الخلايا، وتنشيط الجهاز الهضمي، ومكافحة الإمساك، وإزالة العصبية والأرق، وزيادة المناعة، وتقوية العضلات، وزيادة مُرونة المفاصل، وإزالة التيبُّس، وتقوية الأوتار والأربطة، وزيادة مرونتها، وإصلاح العيوب الجسمية، وتشوُّهات القوام والوقاية منها.
وقد ثبَت علميًّا أنه يندر بين المصلين ضيق الصدر الذي هو بسبب تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الرئتين؛ فأداءُ الصلاة خمس مرات كلَّ يومٍ - خيرُ وسيلة لجني فوائد التمرينات الرياضية، فأوقاتها أنسب الأوقات التي يُوصى فيها بأداء التمارين، فقبل الشروق حيث الجو النقي، وحيث الجسم ما زال متأثرًا بالنوم، وفي الظهيرة حيث حلَّ بالجسم تعبُ العمل، وفي العصر حيث قارب يوم العمل أن ينتهي، وفي الغروب حيث يبدأ الإنسان استعداده لراحة الليل، وفي العشاء حيث يختم الإنسانُ يومه؛ يقول بعض علماء الطب: لعلَّ الصلاة هي أعظم طاقة مولِّدة للنشاط عُرفتْ إلى يومنا هذا! وكم من أمراضٍ فشلت العقاقير في علاجها، فلما رفع الطب يديه عجزًا وتسليمًا دخلت الصلاة، فبرأتهم مِن عِلَلِهم! ومِن هنا نجد ما يؤكِّد لنا هذا في السنة النبوية وهو حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((يا بلال، أرحنا بالصلاة)).
جِسْمُ الإنسان يستقبل قدرًا كبيرًا مِن الأشعة الكهرومغناطيسية يوميًّا مِن الأجهزة الكهربائية التي يستخدمها الإنسانُ والآلات المتعددة التي لا يُستغنى عنها، ويعتبر جسم الإنسان جهاز استقبال كميات كبيرة مِن الأشعة الكهرومغناطيسية، ويعني ذلك أنك مشحون بالكهرباء وأنت لا تشعر، ومن هنا قدَّم باحثٌ غربيٌّ غير مسلم بحثًا علميًّا مفاده: إن أفضل طريقة لتخلُّص جسم الإنسان مِن الشحنات الكهربائية الموجبة التي تؤذي الجسم - أن يضع جبهته على الأرض أكثر مِن مرة في اتجاه مركز الأرض وهو الكعبة؛ ذلك لأن الأرض سالبة، فهي تسحب الشحنات الموجبة؛ لذا فإنَّ السجودَ في الصلاة هو الحالة الأمثل لتفريغ تلك الشحنات الضارة.
وكذلك فإنَّ السجود مِن شأنه أن يرويَ الدماغ بالدم، خاصة في حالات التيه، وخرف الشيخوخة، الذي مِن بعض أسبابه نَقْص في وصول الدم إلى المخ؛ لذلك فإن السجود يجعل الدم ينصبُّ على أوعية الرأس، وبحكم فِعل الجاذبية أيضًا.
وكذلك يُعالج السجود نظافة الجيوب الأنفية، بسَحْب إفرازاتها أولًا بأول، وبقية الجيوب الأنفية التي بالرأس يزداد تدفُّق الدم إلى المخ والجيوب؛ مما يمدُّه بالأكسجين والمواد الغذائية؛ فيؤدي وظيفته على أحسن وجه.
والسجود أيضًا يساعد على تخفيف الاحتقان بمنطقة الحوض؛ ومن ثَم يساعد على الوقاية من الإصابة بالبواسير وحدوث الجلطات.
والسجود يعالج انقلاب الرحم عند الإناث، وعلاجُه تمرينات تُشبه تمامًا حركات الصلاة.
وكما هو معلوم فإن الإنسان هو قبضة مِن طين، ونفخة من روح، وقد خلقه الله تعالى بصورةٍ تُناسب مهام الاستخلاف في الأرض، فهو صاحب العقل، ميَّزه الله تعالى به عن باقي المخلوقات كي يفكِّر، وجعل الله له عينين ولسانًا وشفتين، وكل الأعضاء الخارجية والداخلية، فلو نقص عضوٌ أو زاد لكان المنظر قبيحًا، ولا يمكن أن يكون في خلق الله نقصٌ ولا زيادةٌ ولا عبثٌ؛ فكل شيء عنده بمقدار، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فهذه آيات محكمات دالة على جليل صُنع الخالق؛ لذا سوف نتوقَّف عند قوله تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]؛ لكي نتعرَّف على بعض الأسرار: فإن هذه الآية التي بها كلمات معدودات تحمل بين طياتها أحلى المعاني، وأدقَّ التعبيرات، ففيها يلفت الله سبحانه وتعالى أنظارنا إلى ما تحتوي عليه أجسامنا مِن الآيات والمعجزات التي تدلُّ على عظمة الخالق وجمال الخَلْق؛ ففي هذه الأجسام البشرية نلمس دقة التكوين، وتماسُك البناء، وحُسن المظهر، وهو ما لا نستطيع إدراكه بالعقل المجرد؛ فالجسمُ البشري بناءٌ ضخمٌ، دقيقُ التركيب إلى درجة تدعو إلى الدهشة والإعجاب، فلم يتوصَّل العلم الحديث إلى بعض أسراره إلا بعد دراسات شاقَّة، وبحوث وتجاربَ كثيرةٍ، قام بها عددٌ كبيرٌ مِن العلماء في مختلف العلوم؛ فنِعَمُ الله علينا كثيرةٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى، فمنها: أن في رأس الإنسان أربعة سوائل: مالح في عينيه يمنعها من اليبس، وعذب في فمه يسوغ به طعامه وشرابه، ومر في أذنه يحميه من الحشرات، ولزج في أنفه يمنع الغبار مِن الدخول إلى رئتيه!
ولو نظرنا إلى تركيب جسم الإنسان لَوَجَدْنا أن الوحدة الأساسية فيه هي الخلية، وتعتبر الخلية المصنع العملاق الذي لا يُرى بالعين المجردة، ويحتوي جسم كل واحد منا على ما يقرب من بليون خلية (ألف مليون خلية)، وتؤدي تلك الخلايا وظائفها الحيوية وفق نظام دقيق جدًّا وضَعه لها الخالق عز وجل، وتوجد هذه الخلايا البشرية في طبقات متزامنة، على أحسن ما يكون البناء، فلو جمعنا مليون خلية مِن هذه الخلايا في مكانٍ واحدٍ، لأصبح حجمُها بقدر رأس الإبرة تقريبًا.
فخلايا جسم الإنسان ليستْ كلها على نمطٍ واحد، مِن حيث الشكل أو الحجم أو الوظيفة؛ بل إنها تختلف فيما بينها اختلافات تُثير الدهشة والإعجاب.
فالخليةُ بإيجاز شديد تُغلَّف مِن الخارج بغشاء رقيق، كما توجد في وسطها نواة، وتسيطر النواة على كل نشاطات الخلية، فهي بمثابة القلب من الجسد، فإذا نُزعتْ من الخلية سرعان ما تموت، وتحيط النواة محتويات أخرى، منها: جهاز جولجي، والجسم المركزي، والسيتوبلازم، وغيرها، فالخلية الواحدة لا تستطيع أن تقوم بوظائفها إلا بالتعاون والتنظيم مع الخلايا المختلفة؛ ليؤدي الإنسان الاحتياجات اليومية، فهذا التنظيم المتجانس يُطلق عليه علماء الأحياء اسم النسيج، ويتركَّب النسيج من ملايين عدة من الخلايا التي تندمج مع بعضها بعضًا، ثم تندمج الأنسجة في تنظيمات أكبر لتكون أعضاءً، ثم تندمج الأعضاء التي تؤدي إلى تكون الجهاز، وهو أكبر التنظيمات الجسدية، وأكثرها تعقيدًا على الإطلاق، فإنَّ الأجهزة الموجودة في جسم الإنسان، هي: الجلد، والجهاز الهضمي، والتنفُّسي، والدوري، والعصبي، والحسي والهيكلي، والعضلي، وجهاز الإفراز الداخلي (الغدد الصماء).
فمجموع هذه الأجهزة التي تختلف في سلوكها ووظائفها وصفتها التشريحية - يتركَّب جسم كل واحد منها مِن الخلايا، الأنسجة، الأعضاء.
أثبتت المعامل والأبحاث أن جسم الإنسان العادي يحتوي على مائة وأربعين رطلًا مِن الماء ومن الدهون، ما يكفي لصنع سبع قطع مِن الصابون، ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص، ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة، ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفي عود ثقاب مِن الكبريت، ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة مِن الأملاح الملينة، ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل، ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال، ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية.
هذا هو الإنسان الذي خُلق مِن تراب، فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلَّل جسمُه إلى هذه العناصر، ودخَل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية، وصدق الله العظيم: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].
وهو آخر عظمة في العمود الفقري ويُسمَّى: العصعص، وقد جاء ذكرُه في الأحاديث النبوية على أنه هو أصل الإنسان، والبذرة التي يُبعث منها يوم القيامة، وأن هذا الجزء لا يبلى، ولا تأكله الأرض!
قال صلى الله عليه وسلم: ((ثم ينزل من السماء ماء، فيَنبتون كما يَنبت البقل، وليس في الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذَّنَب))؛ (أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما).
يظن الناس خطأً أن الزائدة الدودية عضو زائد في جسم الإنسان لا فائدة لها، وقد اكتشفت الأبحاث العلمية الحديثة الدور الحقيقي للزائدة الدودية ومنافعها الهائلة للإنسان، فقد ثبت أنها مسؤولة عن إنتاج وحفظ مجموعة متنوعة مِن البكتيريا والجراثيم التي تلعب دورًا مفيدًا للمعدة.
فإنَّ عدد الجراثيم والبكتيريا التي يحويها جسم الإنسان تفوق عددَ خلاياه، لكن السواد الأعظم من هذه الكائنات الدقيقة يمارس دورًا إيجابيًّا داخل الجسم، ويساعد على هضم الأطعمة.
وتُشير الدراسة إلى أن أمراضًا معينة مثل الكوليرا أو الإسهال الشديد قد تُؤدي إلى إفراغ الأمعاء مِن هذه البكتيريا والجراثيم المفيدة، وهنا يبدأ دور الزائدة التي تقوم في هذه الحالة بالعمل على إعادة إنتاج وحِفْظ تلك الجراثيم.
يعتبر الجلد أكبر عضو في جسم الإنسان؛ إذ تبلُغ مساحته 2 م2! تنمو خلايا الجلد وتموت وتستبدل نفسها باستمرار، ويعتبر الجلد الكاميرا المخفية في جسم الإنسان، فهو ستار محكم للأعضاء؛ حيث لا يسمح للجراثيم بالدخول إلى الجسم، فضلًا عن أنه قادر على تحطيم هذه الجراثيم بمساعدة المواد التي تفرزها غددُه، وكذلك لا يسمح بدخول الماء والغازات، فهو يسمح بخروج الماء ولا يسمح له بالدخول، رغم مسامه التي تساعد على الإخراج.
ومِن أهم وظائف الجلد حِفْظ الجسم عند درجة حرارة ثابتة؛ إذ إنَّ أعصاب الأوعية الدموية في الجلد تنشطها عندما يشتد حرُّ الجو كي تشعَّ منه الحرارة، وتفرز غدد العرَق ما يزيد على لتر مِن الماء، فتخفض درجة حرارة الجو الملاصق للجلد، أما إذا اشتدَّ برد الجو، انقبضت الأوعية الدموية؛ فتحتفظ بحرارتها، ويقل العرَق.
ومِن عِظَم قدرة الخالق في هذا العضو أن انتشار الأعصاب تحت الجلد شيء لا يكاد يُصدَّق؛ حيث تنتهي الألياف العصبية بجسيمات خاصة يختصُّ كل نوع منها بنقل حس معين، فهناك جسيمات تنقل البرد، وأخرى تنقل الحرَّ واللمس والألم... إلخ، وهكذا تتنوَّع الإحساسات وتتباين، فعندما يُصاب المرء بحروق شديدة، فإن بعض وظائف الجلد تتوقَّف أو تتعطَّل، وقد يكون توقُّفُها أخطرَ مِن فَقْد الجلد نفسه؛ لأنه يتعطَّل نقل الإحساس، ولا سبيل لإعادته إلا بتجديد الجلد وتبديل التالف؛ يقول رب العزة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]؛ إذًا فالقرآن قد تكلم عن هذه الحقيقة العلمية قبل أن تصبح حقيقة مستقرة ثابتة.
مِن البدهي أن الإنسان إذا سألته عن فوائد الأظافر لقال لك: إنها للتجميل والتزيُّن والحماية مِن الاحتكاك وتآكل الأصابع... إلخ، ولكن هناك حكمة إلهية أثبَتَها العلمُ الحديث؛ حيث إن الأظافر تغطي شبكة من الشعيرات الدموية التي تعمل بدورها على توازن درجة حرارة الجسم، وهذه الشعيراتُ تعتبر نهاية الدورة الدموية في جسم الإنسان.
شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
عوامل الإصابة بمرض السكري ،مضاعفات مرض السكري،ما هو الفرق بين مرض السكري من أم أمة الله العيادة الطبية
مرض اليد والقدم والفم للاطفال ..الأسباب والمضاعفات ، علاج مرض اليد والقدم أم أمة الله العناية بالطفل
مرض البرص ،ما سبب مرض البرص ، أنواع مرض البرص ،أعراض مرض البرص ،علاج البرص أم أمة الله العيادة الطبية
اعراض مرض السكر ماهو مرض السكر مرض السكر عند الاطفال مرض السكرى المتوسطى ريموووو العيادة الطبية
كل ما تريد معرفته عن مرض السكرى ..عوامل الخطورة و الأعراض و كيفية التعامل فخامة ملكة العيادة الطبية


الساعة الآن 11:23 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل