الرسول صلى الله عليه وسلم جاءنا بالهدى ودين الحق، جاءنا يدلنا على الطريق إلى الله سبحانه وتعالى ، نعم لكن ماذا أضاف رسول الله إلى هذا العالم من قيم وأخلاقيات؟
لقد أضاف رسول الله الكثير والكثير…. فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحرر الإنسان من عبودية الإنسان، جاء ليعبد الخلق إلى الله عز وجل….. هذه الكلمات التي رددها سمع الزمان على لسان ربعي بن عامر حينما سأله قائد الفرس قبل معركة القادسية ما الذي أتى بكم؟
قال الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
هذا هو الملخص في كلمات…. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحرر الناس من العبودية لبعضهم. هذه العبودية إما سببها العبودية الحقيقية. مسألة العبيد والإماء ، وكانوا يباعون في الأسواق بلا كرامة ولا آدمية ويعاملون معاملة البهيمة -أعزكم الله- وكان العبد يوّرث شأنه شأن أي متاع يورث لا حق له في كرامة ولا آدمية ولا عيش يليق بنفسه وذاتيته كإنسان.
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم الذي حل مشكلة العبيد وحررهم ورغب في تحريرهم وعتقهم.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم من باب التكريم: “لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، إنما ليقل فتاي وفتاتي.” حتى في التعبيرات !!
نعم حتى لا يشعر العبد أنك أن متعال أو مترفع عليه ( فتاي وفتاتي). هكذا بهذا التعبير ، ولذلك جاء القرآن الكريم بهذا اللفظ قال : ” وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ … ” يعني من لم يستطع القدرة المالية أن ينكح امرأة حرة فله أن ينكح امرأة من الإماء ، قال : (من فتياتكم ) لم يقل من إمائكم إنما قال من فتياتكم المؤمنات. سبحان الله!
والنبي صلى الله عليه وسلم قال عن هؤلاء : “ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم .”
(خَوَلكم ـ بفتح الواو ـ أي خدمكم وعبيدكم الذين يتخولون أموركم، أي يصلحونها ، ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان)
هكذا جاء الأمر النبوي أن تحسن المعاملة وأن لا يساء أبدا معاملة أي إنسان أيا كان … سبحان الله العظيم !!!
وكان صلى الله عليه وسلم يعامل الجميع بهذه المبدأ، مبدأ أنك عبد حر، عبد لله وحده لا لبشر، لا عبودية من بشر لبشر إنما لله خالصة لله وحده لاشريك له. سبحان الله !
الناس جميعا سواسية :
وجاء الأمر النبوي بأن يكون الناس جميعا سواسية، لا يستعلي جنس على جنس…. العرب في مكة كان عندهم مسألة الأنساب والأحساب والكبر والعلو والزهو بالقبيلة والإفتخار بالآباء والأجداد والتكاثر بالمفاخر…. جاء الإسلام ليقول لا فرق لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى….. لا يوجد واحد يفضل الثاني أبدا.
إذا كان الفضل بأنك أنت من عائلة كذا أو من قبيلة كذا أو أنت عربي والآخر أعجمي، هذا ليس بفضل .
الخالق لنا جميعا هو الله وحده والتفاضل لا يكون بذاك أبدا ؛ إنما التفاضل عند الله بالتقوى. “… إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ …”.
بلال يؤذن فوق الكعبة :
ولذلك عندما صعد بلال رضي الله عنه على ظهر الكعبة يؤذن يوم فتح مكة تكلم بعض الناس فيه…. سيدنا بلال طبعا نحن نجله ونعظمه لكن -حتى نفهم – أصله كان عبدا يقولون عليه قن. قن يعني مورث يعني أبوه عبد وأمه أمة ثم ولداه فكان عبدا من صغره، رضع العبودية من صغره.
فشاء الله أن يعز بالإسلام وقصته وثباته حينما كان يؤذى في الله معلومة ومشهورة. … فالمجتمع ما زال يعاني من رواسب الجاهلية … بلال العبد الحبشي يصعد فوق ظهر الكعبة ويؤذن!
حتى أن أحدهم قال الحمد لله أن مات أبي قبل أن يرى هذا اليوم. ليتنزل الوحي من الله عز وجل ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ …”
ليس أغناكم ولا أرفعكم نسبا ولا الحاصل على شهادة كذا ولا الذي يملك أموال كذا وكذا… أبدا. “… إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” لأن التقوى ليست شيء ظاهر…. التقوى ليست عمامة تلبس ولا لحية طويلة ولا جلباب بشكل معين ولا ثوب…. لا لا لا لا… التقوى أمر قلبي لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى .
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين العظيم ليقول لأي إنسان : لك مكانة في هذا الدين ولك قدم ثابتة راسخة لا فضل لأحد عليك إنما الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء…. إنما الفضل بيد الله يكرم به من يشاء ألا وهو (التقوى) وهي شيء قلبي، شيء أنا لا أطلع عليه ولا أنت يعني لا يستطيع إنسان أن يقول أنا عندي مقاس التقوى رقم كذا وأنت عندك مقاس أقل وهذا مقاس أكثر. …هذا أمر لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يلغي هذه الفوارق العنصرية، يلغي صلى الله عليه وسلم هذه الأمور التي تستبشعها البشرية الآن.
الآن في كندا يحتفلون بوضع صورة لامرأة قامت وانتفضت ضد العنصرية لما رفضت أن تقوم في الباص لأحد البيض. إمرأة سوداء رفضت أن تقوم لأحد البيض وأخرى رفضت أن تقوم من مقاعد السينما المخصصة للبيض فخلدوا الآن هذا الإسم وجعلوها على العملة الآن في الطبعة الجديدة لأنها أول امرأة ثارت على العنصرية وكان لها أسبقية في ثباتها وتضحيتها في هذا الأمر. سبحان الله!!
فكان الإسلام سباقا في هذا الأمر أنه لا مكانة لهذه النظرة أن يتفاضل الناس بألوانهم أو أشكالهم أو أجناسهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للناس : (كلكم لآدم وآدم من تراب. )
ضبط الموازين المقلوبة :
حتى لما طلب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهم مجلسا ، الأغنياء من المشركين قالوا : لا يليق بنا أن نكون السادة وأن نكون الأغنياء والوجهاء ونجلس مع الفقراء من الصحابة، لا نريد هذا… خصص لنا مجلسا، مكانا نجلس فيه.
وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يصحح هذه المعني في نفوس الناس….حينما مر أحد الرجال لعله كان من الفقراء الضعفاء قال ما قولكم في هذا؟
فأجابوا : هذا رجل فقير لا حول له ولا قوة، حري به إن قال أن لا يسمع له. لو تكلم لا أحد ينتبه لكلامه… سبحان الله! وإذا نكح أن لا ينكح. لو طلب بنت للزواج ما يزوجوه وإذا شفع أن لا يشفع لو طلب واسطة في شيء أو طلب قضاء مصلحة لا يسمع له ، يعني ليس له قيمة في المجتمع….
مر رجل آخر لعله من الأغنياء والوجهاء، قال و ما قولكم في هذا؟
قالوا هذا! هذا إن قال فحري له أن يسمع. الكل يقول له يا سلام على الحكم. ما شاء الله على وجهة النظر الناضجة. أنت شخصية ملهمة. أنت عبقري. أنت فلتة. أنت أنت… ويا سلام على كلمات النفاق لما تنال مكانها من غني أو صاحب سيادة…. حري إن قال أن يسمع وإن خطب أن ينكح… يا سلام من السعيد الذي يزوج ابنته من هذا الشخص! وإن شفع أن يشفع.
قال رسول الله هذا (أشار إلى الأول) خير من ملء الأرض من مثل هذا.
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلغي هذه النظرة المجتمعية الظالمة، أن يتفاضل الناس لا بانجازاتهم وأعمالهم إنما يتفاضلون بأجناسهم وأموالهم ووجاهتهم…. فلغى رسول الله هذا الأمر وجاء الإسلام ليخرج رجالا لا يعتقد لأحد فضلا منه على أحد ، حتى كان عمر رضي الله عنه وهو من هو في مكانته وقدمه الراسخة في الإسلام يقول عن بلال وأبي بكر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا (لأن أبا بكر هو الذي اشترى بلال وأعتقه لوجه الله).
هكذا خرج رسول الله هؤلاء الرجال الكرام الذين لا يرى أحدهم لنفسه فضلا على أحد أبدا…. تربوا على هذه المعاني.
جبلة بن الأيهم:
ولذلك حدث في زمان عمر بن الخطاب أن أحد الأمراء كان في شمال الجزيرة إمارة صغيرة تابعة للرومان إسمها إمارة غسان، فأمير الغساسنة اسمه جبلة بن الأيهم جاء وأعلن إسلامه بين يدي أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. سبحان الله !!!
الرجل وهو يطوف بالكعبة داس أحد عامة الناس على إزاره…. الإزار ربما كان طويل فداس على إزاره ؛ فما كان منه إلا أن رفع يده وصفعه…. طبعا هذا أمير غسان، هذا رجل له شأن أما الأعرابي الغلبان الطيب يعني ما يملك شيئا (يقولها الشيخ مستنكرا)لا هذا في دولة الظلم، هذا في دولة الجاهلية إنما والآن أنت في دولة العدل، في دولة الحق.
ذهب إلى أمير المؤمنين يشكو إليه وبسرعة تم استدعاء جبلة بن الأيهم. أأنت فعلت؟
قال نعم.
قال إما أن ترضيه وإما أن يقتص منك.
الرجل اندهش. قال نعم! أتسوي بين الأمراء والسوقة؟ أنت ستسوي بيني وبين هذا الرجل؟
ماذا قال عمر؟ قال الإسلام سوى بينكما.
فقال أمهلني (وجد أنه ليس هناك حلا مع عمر رضي الله عنه). قال أمهلني إلى الغد.
ماذا فعل؟ فر في الظلام هاربا حتى لا يقع في هذا الأمر وارتد عن الإسلام وبقي حتى هلك.
فالشاهد يا إخواني أن التربية التي جاء بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاء لينزع هذه النعرة من الجميع نهائيا ، ما في شيء اسمه فوارق طبقية ولا إجتماعية .
متى استعبدتم الناس ؟ !
وكلمة عمر بن الخطاب التي خلدها التاريخ لما سبق أحد المصريين ابن عمرو بن العاص (يعني أهل مصر يسمون الأقباط في التاريخ) سبق ابن عمرو بن العاص وكان حاكم مصر سبقه قبطي فضربه وقال أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟ استعز الولد بوالده أن أبوه أمير مصر فماذا فعل الرجل ؟
الرجل يعلم يقينا أن حقه لن يضيع ويذهب إلى عمر بن الخطاب مسافة شهر كامل سفر ، لكن يعلم أن حقه لن يضيع …. ويذكر لعمر بن الخطاب القصة ثم بعد ذلك تكون رسالة عمر ويرسل في طلب عمرو وابنه ويقول من عمر بن الخطاب إلى العاصي إبن العاصي، غضبا لما فعله ابنه وقوله أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟ ويأخذ الرجل حقه ويقول عمر بن الخطاب كلمته :
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ !
هذه هي القيم التي جاء بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
لا عبودية لا لحاكم ولا لغني…لا عبودية لهؤلاء.
السلام عليك أيها الأجير!!
كان الرجل يدخل على الخليفة على الحاكم يقول السلام عليك أيها الأجير.
فعلها رجل لما دخل على معاوية رضي الله عنه قال السلام عليك أيها الأجير.
فأحد الواقفين قال قل يا أيها الأمير -ربما أخطأ الرجل في اللفظة –
قال بل السلام عليك أيها الأجير.
قال يا رجل تأمل ما تقول.
قال له معاوية دعه فقد صدق. دعه فقد صدق !!
لأن الحاكم أجير عند الأمة، الحاكم موظف عند الأمة ليس إلها ولا من فصيلة من لا يخطئ ….ولا يسأل عما يفعل…. ليس من فصيلة العباقرة الأفذاذ.
أبدا هو بشر يصيب ويخطئ. هو أجير عند الأمة.
هذه كانت نظرتهم وهذه كانت واقعيتهم لا يرون أبدا أنهم يربون قطيعا مطيعا حيثما وجه الحاكم وجهته يتبعونه.
حرية التعبير عن الرأي :
الرسول يا إخواني جاء في زمن ما كان أحد يجرؤ مجرد جرأة على أن يخالف ملكه أو سيد القبيلة في كلمة. ما يجرؤ… ما يجرؤ أبدا حتى في واحد الرسول سماه الأحمق المطاع.
لماذا يا رسول الله؟ قال هذا يحرك إثنا عشر ألف سيفا لا يسألونه فيم (يعني ما هو السبب). مجرد ما يشير إليهم يتحركون هكذا هو الأمر، طاعة عمياء.
ما يجرؤ أحد أن يخالف الحاكم أو أن يعارضه، لا العقوبة القتل (يعني ما في كلام في هذا).
لكن جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليربي رجالاعلى العزة يربي فيهم العزة والكرامة .
ما كان أحد أبدا يستحي أن يراجع الرسول أو يراجع من خلفه من الحكام والولاة.
فتجد (مع أدب طبعا) يعني هذه معارضة مع أدب يقول يا رسول الله أمنزل أنزلكه الله (الحباب بن المنذر في غزوة بدر) أم هو الرأي والحرب والخديعة؟.
لا يتعالى أبدا عن أن يأخذ بمشورة أصحابه صلى الله عليه وسلم. …سلمان الفارسي يقول كنا إذا جاء العدو تخندقنا فيأخذ الرسول بمشورته بحفر الخندق في غزوة الأحزاب الشهيرة.
ومثل هذا كثير يا إخواني في أحوال كثيرة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم متعاليا عمن حوله.
قصة زاهر مع رسول الله :
كان هناك أحد الأعراب من البادية اسمه زاهر كان يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ببعض الهدايا ويأت ببعض الأشياء يبيعها في السوق والنبي يبادره ببعض الهدايا….. فجاء إلى النبي فسأل عليه؛ فلم يكن النبي ببيته فذهب إلى السوق فلما علم النبي بحضوره تبعه حتى جاء من خلفه وجعل يده على عينه -يداعبه أو يمازحه صلى الله عليه وسلم- طبعا أهل البادية فيهم خشونة في بعض الأمور.
قال دعني، أتركني وجعل يهز نفسه ويدفع من وراءه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول من يشتري العبد؟ من يشتري العبد؟
حتى عرف الصوت (زاهر عرف صوت رسول الله)
قال: تجدني كاسدا والله (أنا لا أساوي شيئا).
ولم يكن رضي الله عنه حسن الخلقة أو وسيما. قال تجدني كاسدا ما أساوي شيئا.
قال : ولكنك عند الله لست بكاسد.
قصة سواد بن غزية :
لما سواد بن غزية رضي الله عنه في غزوة بدر، الرسول صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف وسواد تقدم عن الصف قليلا.
الرسول يريد الإنضباط العسكري لبدء المعركة…. سواد متقدم….. الرسول يقول استو يا سواد ويمضي الرسول إلى نهاية الصف فيرجع فيجد سواد كما هو وفي يده عصا قضيب صغير يشير به فضربه على بطنه. قال لقد أوجعتني يا رسول الله. أوجعتني بهذه الضربة!!!
هل يجرؤ أحد جندي من الجنود أن يقول هذه الكلمة لقائده؟
أبدا ما يجرؤ، ما يجرؤ على هذا… لكن كما قلت ما كان رسول الله يربي عبيدا، كان يربي سادة، كان يربي أعزة، كان يربي رجالا بمعنى الكلمة.
قال خذ العصا أو القضيب واقتص مني. خذ حقك.
قال لقد ضربتني وبطني عارية. الله أكبر! الله أكبر سبحان الله!
فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه ليقوم سواد بن غزية فيمرغ وجهه في بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبلها والنبي يقول كفى يا سواد، كفى يا سواد.
يقول يا رسول الله قد حضر ما ترى ولعله آخر عهدي بالدنيا فأردت ألا أفارقها حتى يمس جلدي جلدك يا رسول الله.
هكذا كانوا يا إخواني، هكذا كانوا…
أصابت امرأة وأخطأ عمر:
يخطئ الحاكم فيردونه، يعارضونه. … يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف على المنبر ويقول لو أن المهور والمغالاة في المهور بلغت حد أربعمائة أوقية سأجعل الباقي في بيت المال. فقامت إمرأة (النساء تصلي في آخر المسجد) قالت كيف تقول ذلك ورب العزة يقول :” … وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ …”.
هل سكتها الرجال وقالوا أسكتي يا إمرأة كيف تردين على الخليفة؟
هل أخذت هذه المرأة في ظلام الليل هي وزوجها وأهلها وغيبوا في السجون؟
أبدا…
بعد أن نزل عمر صعد المنبر وألغى القانون وقال أصابت امرأة وأخطأ عمر.
إنتهى الأمر، ليس شيئا يستحى منه أبدا.
لا سمع اليوم ولا طاعة :
لما صعد عمر وكان من عادته يقول أما بعد فاسمعوا وأطيعوا فقام أحد المصلين وقال لا سمع اليوم ولا طاعة.
اسمعوا يا إخواني كيف تربى الناس على العزة ؟
لا سمع اليوم ولا طاعة. قال ولم؟
قال وزعت علينا الأكسيات. (بيئة فقيرة وصعبة فأول ما جاء بعض الملابس قام عمر بن الخطاب بتوزيعها على الناس.) قال جاءت الأكسيات فأعطيت كل واحد ثوبه فما جاوز ركبتيه يعني بالكاد يجاوز الركبة. أما أنت ثوبك قد جاوز إلى نصف ساقك.
يحاسبونه على عشرة عشرين سنتيمترا يا إخواني وليس على مليارات ولا على خزائن الأرض، يعني سبحان الله أكلها وصادرها وحرم الناس منها.
والله أعجب لهؤلاء اللصوص الذين يعيشون مع شعوبهم في فقر ويجعلون أموالهم في بنوك العالم لا يستمتعون بها ولا يستمتع بها شعبهم.
عندنا فائض كبير في اللصوص بصورة عجيبة عيشوا الأمة في فقر مدقع رغم ثرواتها الكثيرة ورغم خيراتها التي حباها الله بها. مليارات كل عام تذهب إلى دول العالم إلى البنوك في سويسرا وهنا وهنالك.
لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم ماذا؟
حالة الناس الكرب والعيش الضنك الذي هم فيه الآن. … الرجل يحاسب الخليفة على عشرين سم. لماذا؟
لأنهم أعزة. كانوا كراما!!!
قصة حدثت أيام الهالك عبد الناصر:
كنت أسمع مقطعا على اليوتيوب، الزعيم الهالك عبد الناصر أيام الوحدة بين سوريا ومصر حصل أن بعض الضباط السوريين لم يعجبهم الحال فأرادوا عمل ما يشبه الانفصال أو الإنقلاب ؛ فوقف في مجلس الأمة وقتها وقال :
وبناء على ما حدث فإني قد وجهت الأسطول المصري للقضاء على هذه المهزلة!!
وصفقت القاعة وضجت بالتصفيق. ضجيج كبير. يحاول أن يسكتهم ما شاء الله كله مؤيد للزعيم العبقري الملهم الموهوب صاحب القرار الفذ الفلتة… الرجل يسكت فيهم ما يسكتوا… يعني ثلاث أربع دقائق تصفيق تصفيق تصفيق… حتى هدؤوا.
قال وفي نصف الطريق قلت إن العربي لا يقتل عربيا أبدا فأصدرت أوامري بأن يرجع الأسطول مرة أخرى !!!
فقاموا بالتصفيق وضجت القاعة بالتصفيق.
سبحان الله أي رأي تؤيدون؟ لا شيء، نحن تبع للقائد للزعيم الملهم.
ومن هنا لما بدأ النفاق وظهرت هذه الألسن وهذه الأيادي التي كأنها ما خلقت إلا للتصفيق ضاعت الأمة، سلبت خيراتها، تولى من تولى هذه الأمة فضيعها وسرقها وبدد أموالها وثرواتها.
يحاسبون الخليفة على عشرين سم. يحاسبون الخليفة على طول ثيابه. لا إله إلا الله…
ما كان من عمر إلا أن قال قم يا عبد الله بن عمر فارو لعمك ما حدث.
قال يا معشر المؤمنين تعلمون أن أبي رجلا طوالا (سيدنا عمر ما شاء الله كان طويل القامة) فلما جاءت الأكسيات، (الملابس لما جاءت) لبس ثوبه فما بلغ أنصاف فخذيه. سيدنا عمر طويل الثوب يعني بالكاد لا ينفعه.
قال : فوهبته ثوبي فوصله به فصار كما ترون.
قال الرجل اليوم نسمع ونطيع.
فنظرية الناس الأذلاء للحاكم أو الأذلاء لطبقة من طبقات الأغنياء أو ما يعرف الآن برجال الأعمال أو رجال الحزب الحاكم أو رجال الأسرة الحاكمة… هذا كله كان معدوما.
هذا كله نشأ لما سكت الناس عن حقوقهم، لما استمرأ الناس الظلم، لما بقي في الناس قابلية لهذا الظلم بمذلة .
كما كان يقول الشيخ محمد الغزالي : الناس من خوف المرض في مرض ومن خوف الفقر في فقر ومن خوف الذل في ذل.
فسبحان الله الحرص ذل أعناق الرجال.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليربي الناس على هذا المعنى، معنى أن الناس كلهم سواسية.
أن الناس جميعا لا تفاضل بينهم، لا فضل لعربي على عجمي، لا فضل لأحمر على أسود، لا فضل لأبيض… أبدا لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. التقوى شيء يعلمه الله فمن هنا كانت عظمة هذا الدين.
لا يضام فيه أحد.
لا يظلم فيه أحد.
لا يضيع فيه حق أحد.
الحاكم أجير عند الأمة.
الحاكم موظف عند الأمة.
الحاكم لا ينبغي أبدا أن يغتر بسلطانه أو أن يغتر بما آتاه الله عز وجل في جباية أموال الناس.
“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.
خلاصة كلامنا في عدة نقاط:
-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بقيم وأخلاقيات عظيمة سادت الدنيا وربى المؤمنين على أن كل من دخل هذا الدين هو وغيره سواء. لا عنصرية، لا طبقية، لا علو لأحد على أحد بمال ولا بجاه ولا بنسب ولا بشيء ؛ إنما العلو عند الله وذلك أمر لا يطلع عليه إلا هو. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
-ربى رسول الله أصحابه على حرية الرأي والتعبير.
رباهم على العزة والكرامة.
لم يربهم قطيعا مطيعا.
لم يربهم أذلاء جبناء بل رباهم أعزة كرماء.
رباهم على أن يقولوا كلمة حق لا يخشون في الله لومة لائم.
رباهم على السمع والطاعة فإن رأوا عوجا تكلموا. لا يصمتون ولا يسكتون عن ذلك أبدا.
وسبحان الله بقيت هذه المثل وهذه القيم في ورثة هذا الأمر من بعده فيمن ولي إمارة المسلمين أو حكمهم فقا عمر كلمته: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار.
وصار هذا الأمر علامة مميزة لهذا الدين العظيم في الآفاق حتى ملأ الدنيا سمعا وبصرا وإنتشر الإسلام في بقاع الأرض لهذه القيم العظيمة والتي سيكون إن شاء الله لنا بقية في الحديث عنها.