هل ستنهي العاصفة الشمسية كوكب الأرض ؟
في 21 كانون الثاني من عام 1974 ظهرت بقعة ساطعة على الجانب الغربي من شمسنا وفي غضون دقائق اندفعت تلك البقعة مسافة تزيد على 1500 كيلو متر عبر الشمس ثم توهجت على شكل غمامة ضخمة من الغازات بلغت حرارتها نصف مليون درجة مئوية وانفجرت نحو الخارج في مسار منحن بسرعة مليون كيلو متر في الساعة وبعد ساعتين تبددت الكتلة النارية المتألقة في جو الشمس الخارجي.
في ذلك النهار كان العالم الفضائي { إد غيبسون } يدور حول الأرض في المختبر الفضائي { سكايلاب – 3 } فصور هذا الحدث بواسطة تليسكوبات شمسية خاصة ولما عاد إلى الأرض هتف مبتهجا :
لقد وضعنا يدنا على لغز طالما حيرنا هو انبثاق الوهج الشمسي ومدة استمراره لقد تسنى لنا أن نراقب الوهج على نحو لم يتيسر لنا من قبل .
وأدرك العلماء المهتمون بالشمس الآخرون سر حماسة غيبسون فالتوهجات هي أشد الأحداث عنفا في نظامنا الشمسي وهي مؤشرات الطاقة الهائلة التي يتم اختزانها ثم إطلاقها بسرعة على سطح الشمس والوهج الكبير يولد حرارة لافحة تبلغ عشرات الملايين من الدرجات ويطلق طاقة تعادل قوة نصف مليار قنبلة نووية وتلك التوهجات هي من القوة بحيث تحدث تغيرات على الأرض التي تبعد عن الشمس نحو 150 مليون كم فتتأرجح عقارب البوصلة بجنون وتدب الفوضى في الملاحة وتختل الأجهزة الكهربائية والالكترونية وتتوقف أجهزة اللاسلكي عن العمل وفوق القطبين الشمالي والجنوبي تبدو شرارات الطاقة الذرية ذات القوة الخارقة كأنها تلهب كبد السماء ويشتعل الليل بوهج الشفق القطبي الذي نسبه القدماء إلى الآلهة الغاضبة أو إلى الشياطين.
مازالت المعلومات تتجمع حول وضعنا مع الشمس على الرغم من الكم الهائل من الحقائق التي تجلت للعلماء.يقول يوجين باركر احد البحاثة في هذا المجال أن ريحا شمسية تهب من الشمس في جميع الاتجاهات وهي دفق من أجزاء مشحونة تتحرك إلى الخارج بسرعات تبلغ مليونا ونصف مليون كيلو متر في الساعة وهذه الريح هي المسؤولة عن التأثيرات المغناطيسية على الأرض وهذا هو السبب في أن ذيول المذنبات أينما كان موقعها تتجه بعيدا عن الشمس على نحو دائم.
وقد ثبتت صحة هذه الصيغة التي وضعها باركر بفضل المركبات الفضائية واليوم نعلم أن الشمس تقذف باستمرار غازا رقيقا تتناقص كثافته مع ابتعاده إلى الخارج ونحن نعيش في الغلاف الخارجي مغمورين بمادة الشمس التي تجري حولنا ولا يبعدها عن جونا سوى حقولنا المغناطيسية الخاصة وهذا الجو الشمسي المحيط بنا يتجدد باستمرار من جراء نشاطات سطح الشمس والفكرة السائدة في الوقت الحاضر هي أن هذا الجو يمتد بعيدا حتى إلى كوكب نبتون وهو البعيد عن الشمس بما يفوق بعد الأرض عنها بثلاثين ضعفا
هناك آراء عدة غريبة في تركيب الشمس ففي أوائل القرن التاسع عشر أعلن الفلكي الشهير سير وليم هيرشل أن تحت غلاف الشمس الخارجي الساطع وجها باردا إلى درجة تسمح بالحياة في جوه وقال أنه رأى جبالا ارتفاعها ألف كيلومتر لكن مع بداية القرن الماضي تبدلت الفكرة إلى أن الشمس كتلة ضخمة من غاز الهيدروجين الحار وبعد هذا أدرك العالم أن الشمس آتون نووي.فهي مركبة من مادة في حال رابعة تختلف عن الحالات الأخرى الثلاث الصلبة والسائلة والغازية فهي من بلازما أي مادة كالحساء مؤينة { مشحونة } جردت ذراتها من الالكترونات وتحولت بنيتها إلى مصح نووي للمجانين.
منذ خمسة مليارات سنة تكونت الشمس على حافة ذراع لولبية من مجرتنا { درب التبانة } فقد اندفعت سحابة هائلة من الهيدروجين في دوامة ثم لعبت الجاذبية دورها ولما كان الغاز ينهار الى وسط السحابة فقد تولدت ضغوطات وحرارات هائلة ثم اتقدت النار النووية
ومازال هذا المرجل النووي في غليان منذ ذلك الحين وهو يحول كل ثانية نحو 600 مليون طن من الهيدروجين الى هيليوم وتنعدم في هذه العملية خمسة ملايين طن من الهيدروجين بغية توليد فيض من أشعة { اكس } وأشعة { غاما } وإشعاعات أخرى عظيمة الطاقة قصيرة الموجة وكذلك لإيجاد حقول هائلة الاتساع من الطاقة الكهرومغناطيسية ثم تتحول هذه المادة إلى طاقة تسبح في الفضاء ومنها نور الشمس الجميل.
تواجهنا البقع الشمسية بلغز من الدرجة الأولى فهي تدل أن كرة الشمس الغازية تدور إلا أن أجزاءها المختلفة تدور بسرعات متباينة. إن خط الاستواء الشمسي يدور على محوره مرة كل 25 يوما في حين تستغرق دورة المناطق المجاورة للقطب نحو 34 يوما وذلك لا يشبه أرضنا الصلبة أبدا ثم أن عدد البقع الشمسية يتبع دورة معينة فيتزايد أو يتناقص خلال فترة 11 عاما ثم تحدث عملية غامضة فتعكس الحقول المغناطيسية في البقع الشمسية اتجاهها وتتكرر الدورة فكأن للشمس قلبا ينبض كل 22 سنة وهي العاصفة التي تأتي إلى كوكبنا بتلك الفترة ولن تتسبب في إحراقه كما يشاع .
إن سعي الإنسان لفهم غوامض الشمس لا يتوقف ذلك لأن معرفة الشمس هي معرفة الطاقة الرئيسية التي تؤمن لعالمنا الحياة وقد برزت حقيقة واحدة ناصعة لا مجال للجدال حولها هي أن شمسنا نجمة والنجوم ليست أبدية وشمسنا في منتصف عمرها أي أن أمامها نحو خمسة مليارات سنة من الإشراق.
إن التوازنات النووية الشمسية ستتغير بلاشك وسوف يستهلك الهيدروجين ليتحول إلى هيليوم فتبدأ نواة الشمس إحراق الهليوم في صراعها من أجل البقاء فتزداد الحرارة لتزيد الشمس احمرارا وتتضخم كتلة الشمس في مرحلة تحولها إلى نجم أحمر جبار فتحمل النيران إلى الكواكب التي تسير في ركابها ويبدأ كوكبا عطارد والزهرة بالذوبان ويسقطان في البلازما المتمددة وتتلاشى الحياة على الأرض قبل أن تغلي المحيطات وتتبخر وقبل أن تذوب الصخور بزمن طويل
ولابد لهذا التضخم من أن ينتهي يوما وخلال ساعات تتحول الشمس إلى نجم قزم ابيض وصلب في حجم الأرض وتحرق وقود الهيليوم النهائي قبل أن تتحول إلى جمرة مطفأة
ولا يمكن الحؤول دون هذا المصير وحتى فيض المعلومات الحديثة لن يستطيع أن يحقق ذلك فالفصل الأخير من قصة الشمس قد كتب . !!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟