قرأت حديث رسول صلى الله عليه وسلم: أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ. وأشكلت عندي بعض النقاط.
أولاً: أغلب أعمار البشر اليوم تتجاوز الستين والسبعين. فهل معنى الحديث أن أعمار هذه الأمة طبيعية دون تدخل طبي؟
ثانياً: قول العلماء بإمكانية زيادة العمر البشري إلى 300 أو حتى 400 سنة مستقبلاً.
ثالثاً: الجن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعمارهم تصل للمئات من السنين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم. وقال ابن حجر في فتح الباري:أخرجه الترمذي بسند حسن.
والمراد بهذا الحديث: أن غالب من يعمر من الأمة فإنه لا يتجاوز السبعين.
جاء في حاشية السندي على سنن ابن ماجه: قوله: (أعمار أمتي) أي: أعمار المعمر منهم غالباً. اهـ.
وجاء في مرقاة المفاتيح: (عمر أمتي) أي: غالبا (من ستين سنة إلى سبعين)، قيل: معناه آخر عمر أمتي ابتداؤه إذا بلغ ستين سنة، وانتهاؤه سبعون سنة. وقلَّ من يجوز سبعين، وهذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال، فإن منهم من لم يبلغ ستين، ومنهم من يجوز سبعين، ذكره الطيبي -رحمه الله-، وفيه أن اعتبار الغلبة في جانب الزيادة على سبعين واضح جداً، وأما كون الغالب في آخر عمر الأمة بلوغ ستين في غاية من الغرابة المخالفة لما هو ظاهر في المشاهدة، فالظاهر أن المراد به أن عمر الأمة من سن المحمود الوسط المعتدل الذي مات فيه غالب الأمة ما بين العددين منهم سيد الأنبياء وأكابر الخلفاء، كالصديق، والفاروق، والمرتضى، وغيرهم من العلماء والأولياء مما يصعب فيه الاستقصاء، ويعسر الاستحصاء.
وفيه أيضا: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين)، أي:
نهاية إكثار أعمار أمتي غالبا ما بينهما (وأقلهم من يجوز ذلك).
أي: السبعين، فيصل إلى المائة وما فوقها، وأكثر ما اطلعناه على طول العمر في هذه الأمة من المعمرين في الصحابة والأئمة سن أنس بن مالك، فإنه مات وله من العمر مائة وثلاث سنين، وأسماء بنت أبي بكر ماتت ولها مائة سنة، ولم يقع لها سن، ولم ينكر في عقلها شيء، وأزيد منهما عمراً حسان بن ثابت، مات وله مائة وعشرون سنة، عاش منها ستين في الجاهلية وستين في الإسلام، وأكثر منه عمراً سلمان الفارسي فقيل: عاش مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة، والأول أصح. والله تعالى أعلم .اهـ.
_وأما قولك: (اغلب اعمار البشر اليوم تتجاوز الستين والسبعين ) فهو لا برهان عليه، بل الذي يبدو أن العكس هو الصحيح، ولو سلمنا جدلاً بصحة زعمك هذا، فلا يشكل على هذا الحديث، فأمة النبي صلى الله عليه وسلم ليست محصورة في هذا العقد أو القرن من الزمان، فالمقصود بالحديث أمة النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعثته إلى قيام الساعة، فكون الناس في زمن من الأزمان يكون غالب أعمارهم أكثر من السبعين لا يقتضي أن غالب أعمار الأمة كذلك.
وهذا هو جواب الشق الثاني من سؤالك أيضاً.
وأما ما يتعلق بالجن: فقولك: إن أعمارهم تصل إلى مئات السنين، لا برهان عليه.
جاء في كتاب عالم الجن والشياطين للدكتور عمر الأشقر: أعمار الجن وموتهم: لا شك أن الجن -ومنهم الشياطين- يموتون؛ إذ هم داخلون في قوله تعالى: (كلٌّ من عليها فانٍ * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام * فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان) [الرحمن: 26-28] . وفي صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أعوذ بعزتك، الذي لا إله إلا أنت، الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون).
أما مقدار أعمارهم فلا نعلمها، إلا ما أخبرنا الله عن إبليس اللعين، أنه سيبقى حيّاً إلى أن تقوم الساعة: (قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنَّك من المنظرين) [الأعراف: 14-15] .أما غيره فلا ندري مقدار أعمارهم. اهـ.
بل ذهب بعض العلماء إلى أنهم داخلون في عموم هذا الحديث، فقد سئلت اللجنة الدائمة: هل الجن يموتون كالإنس ويدفنون؟ وهل يشملهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين..........إلخ؟
فأجابت: الجن يموتون كالإنس؛ لعموم قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وأما تقدير أعمارهم فالظاهر أنه يعمهم الحديث المذكور؛ لأنهم من جملة الأمة في عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لعموم قوله: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وقوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا... إلخ السورة. اهـ.
وقد ذهب بعض العلماء إلى خلاف ذلك، وأن الجن كلهم منظرون، ولكنه قول مرجوح، جاء في آكام المرجان في أحكام الجان للشبلي:
الباب الثالث والثمانون في بيان هل الجن كلهم منظرون؟ قال ابن ابي الدنيا: عن قتادة قال: قال الحسن: الجن لا يموتون، قال: قلت: قال الله تعالى: {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس} قلت: ومعنى قول الحسن أن الجن لا يموتون أنهم منظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه، وظاهر القرآن يدل على أن إبليس غير مخصوص بالإنظار إلى يوم القيامة، وأما ولده وقبيله فلم يقم دليل على أنهم منظرون معه، وظاهر قوله تعالى: {فإنك من المنظرين} يدل على أن ثم منظرين غير إبليس، وليس في القرآن ما يدل على أن المنظرين هم الجن كلهم، فيتحمل أن يكون بعض الجن منظرين، وأما كلهم فلا دليل عليه، وقد قدمنا في أمر الجن الوافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخباراً تدل على موتهم، وكذلك في غضون الأبواب المتقدمة، وقد صرح ابن عباس بذلك، وأن إبليس مخصوص بالإنظار.
قال أبو الشيخ عن زرعة بن ضمرة قال: قال رجل لابن عباس: أتموت الجن؟ قال: نعم، غير إبليس. اهـ. باختصار.
والله أعلم. اسلام ويب