الجبل الذي لا يمل الناظر اليه من مشاهدته
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تكون في المدينة النبوية –وفي أي مكان منها- وتتجه بنظرك إلى الشمال فإنك تشاهد على بُعد خمسة كيلومترات الجبل التاريخي الشهير -أحد- بمنظره الجذاب الجميل الأحمر المكسو بقليل من السواد، ولا يمل الناظر إليه من مشاهدته، وقد كان يستأنس برؤيته عند قدومه للمدينة النبوية، ولأهل المدينة به ولع وحب، وهم يسمونه: "حن" من باب التدليل!
وجبل أحد من أهم المعالم الطبيعية وأظهرها في المدينة المنورة، ويقع في الجهة الشمالية منها، وهو في الحقيقة سلسلة متصلة من الجبال يمتد من الشرق إلى الغرب، ويميل نحو الشمال قليلا، يبلغ طوله سبعة كيلومترات وعرضه ما بين 2- 3 كيلومترات.
ومعظم صخور جبل أحد من الجرانيت الأحمر، وفيه أجزاء تميل ألوانها إلى الخضرة الداكنة والسواد. وتتخلله تجويفات طبيعية تتجمع فيها مياه الأمطار، وتبقى معظم أيام السنة؛ لأنها مستورة عن الشمس، وتسمى هذه التجويفات
ويرتبط اسم هذا الجبل بموقعة تاريخية وقعت في السنة الثالثة للهجرة، وسميت باسمه وهي "غزوة أحد"، وكان ميدانها الساحة الممتدة ما بين قاعدته الجنوبية الغربية وجبل عينين الذي يبعد عنه كيلومترا واحدا تقريبًا، ويسمى أيضاً "جبل الرماة"؛ فقد زحفت قريش وحلفاؤها إلى المدينة لتنتقم من المسلمين وتثأر لقتلاها في غزوة بدر التي وقعت في السنة الثانية للهجرة، وتصدى لهم المسلمون في هذا المكان، ووضع رسول الله الرماة على جبل عينين وأوصاهم ألا يغادروه مهما كانت الظروف حتى يأتيهم أمره.
ودارت المعركة ورجحت كفة المسلمين وبدأ المشركون بالهرب، وظن معظم الرماة أن المعركة حُسمت لصالح المسلمين فنزلوا من الجبل ولم يلتفتوا لنداءات أميرهم وتبعوا المشركين وبدءوا يجمعون الغنائم.
وانتهز قائد فرسان المشركين خالد بن الوليد -ولم يكن قد أسلم بعد- الفرصة والتف بفرسانه بسرعة من حول الجبل، وفاجئوا بقية الرماة فقتلوهم، ثم هاجموا المسلمين من خلفهم فتشتت صفوفهم، واستشهد منهم سبعون، وكان منهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله ، ثم انسحب المشركون، ودفن الشهداء في موقع المعركة عند قاعدة جبل أحد وهي بينه وبين جبل عينين، وأصبح مدفنهم مزارًا يقصده الناس أسوة برسول الله الذي زارهم ودعا لهم.
ولا تزال معالم موقع غزوة أحد موجودة حتى الآن (1424هـ)، إلا أن جبل الرماة أصبح أصغر مما كان عليه نتيجة لبناء بعض البيوت عليه زمن الدولة العثمانية ، ثم هدمها بعد ذلك في العهد السعودي ، إضافة إلى عوامل التعرية التي لحقت به عبر التاريخ الطويل ، وتفيد بعض الروايات أيضاً أن وادي قناة كان يمر بين جبل عينين وجبل أحد ، أي: في شمال جبل عينين ، وقد تغير مجراه الآن إلى جنوبه
ولجبل أحد مكانة كبيرة في نفس رسول الله ، وفي نفوس المسلمين؛ فقد وردت في فضله أحاديث عدة منها: عن عباس بن سهل عن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول الله في غزوة تبوك ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى فقال رسول الله : إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء منكم فليمكث، فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة فقال: هذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه. وعن قتادة عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله : "إن أحد جبل يحبنا ونحبه"، وفي رواية قال: نظر رسول الله إلى أحد فقال: "إن أحد جبل يحبنا ونحبه". وعن أبي عبس بن جبر مرفوعاً: "جبل أحد يحبنا ونحبه، وهو من جبال الجنة".
غار جبل أحد
يوجد في جبل أحد غار صغير مساحته (2م ´ 1م ) تقريباً. يقع في شمال المسجد الذي استراح مكانه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أنتها معركة أحد ، وقيل أنه صلى فيه الظهر والعصر .
ويبعد الغار عن المسجد المذكور (100م ) وعن جبل الرماة شمالاً ( 1000م ) وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختفى فيه وهذا غير صحيح ولم يرد فيه شيء ، بل إنه من يرى الغار من الداخل يجد أن أرضيته الضيقة غير مستوية ، وصخوره غير منتظمة ولا يرتاح عليها من يدخله وقد حاول بعض الناس جمع حجارة ورصفها لتسوية أرضيته إلا أنه لم يستطيع إصلاحه .
وذكر السمهودي عن ابن النجار قوله : (( في جبل أحد غار يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم اختفى فيه ، ومسجد يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه وموضع فيه الجبل أيضا منقور في صخرة منه على قدر رأس الإنسان يذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد على الصخرة التي تحته ، وأدخل رأسه هناك ، كل ذلك لم يرد فيه نقل ، فلا يعتمد عليه )) قلت : أما المسجد اللاصق به ، فقد ثبت النقل به ، ولم يقف علي ابن النجار وأتبعه .
وأما الغار : فلابن شبه عن عبد المطلب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الغار الذي بأحد ))
مقبرة شهداء أحد
تقع مقبرة شهداء أحد في شمال المسجد النبوي، وعلى بعد أربعة كيلومترات منه، وتضم بين جنباتها سبعين من أصحاب رسول الله استشهدوا في معركة أحد، وفي مقدمتهم عمه حمزة بن عبد المطلب (سيد الشهداء)، ومصعب بن عمير، وعبد الله بن جحش، وحنظلة بن أبي عامر (غسيل الملائكة)، وعبد الله بن جبير، وعمرو بن الجموح، وعبد الله بن حرام (رضي الله عنهم أجمعين).
وكان رسول الله يتعهدهم بالزيارة بين الحين والآخر، فعن طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) قال: "خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرة واقم فإذا قبور: فقلنا يا رسول الله أقبور إخواننا هذه؟ قال قبور أصحابنا. فلما جئنا قبور الشهداء قال: هذه قبور إخواننا". رواه أحمد وأبو داود.
وروى البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صلّى رسول الله على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات.
منقووووووووووول