تدخل الحملة الفرنسية التي نزلت شواطئ الأسكندرية من ناحية الغرب في أول يوليو 1798 م في دائرة التنافس الفرنسي الإنجليزي علي المستعمرات في الشرق.
و قد بدأ هذا التنافس في القرن السابع عشر و استمر طوال القرن الثامن عشر،
ثم أتخذ بعداً جديداً بعد قيام الثورة في فرنسا.
كان البحث عن المستعمرات خارج أوروبا أحد خصوصيات العصر الحديث في تاريخ أوروبا بعد انتهاء الإقطاع و قيام الدولة القومية و وجود الرأسمالية التجارية.
و بعد قيام الثورة الصناعية أصبحت الحاجة إلي الأسواق و المستعمرات أمر أكثر حيوية للدول الرأسمالية الأوربية في فرض النفوذ و السيادة علي
مناطق مختلفة في العالم الجديد و الشرق للحصول منها علي موارد طبيعية رخيصة ثم بيع المنتجات الأوروبية في أسواقها.
علي أن فكرة احتلال فرنسا لمصر في العصر الحديث و بعد انتهاء الحروب الصليبية في العصور الوسطي ترجع إلي القرن السابع عشر أيام حكم لويس الرابع عشر سنة 1672.
و كان الغرض ضرب التجارة الهولندية في الهند التي تمر عن طريق مصر.
و تجددت الفكرة مرة أخري أيام لويس الخامس عشر في القرن الثامن عشر سنة 1769 م ،
و لكن ليس عن طريق إرسال حملة عسكرية ،
و إنما كان ملك فرنسا يطمع أن تتنازل الدولة العثمانية لفرنسا عن مصر.
و تكررت الفكرة مرة ثالثة أيام لويس السادس عشر لتسهيل اتصال تجارة فرنسا في شرق آسيا عن طريق مصر بدلاً من الدوران حول إفريقية.
و في الأيام الأولي للثورة تجددت الفكرة من خلال تقارير القنصل الفرنسي في مصر حيث كان يحث حكومة الثورة الفرنسية علي إرسال حملة عسكرية لإنقاذ التجارة الفرنسية و تأمين تجار فرنسا في المنطقة من خطر المماليك.
و كانت حكومة الثورة الفرنسية تفضل ضرب إنجلترا في عقر دارها بدلاً من ضرب مصالحها في الهند عن طريق مصر، إلا أن نابليون بونابرت كان يري صعوبة الدخول في معركة بحرية مع إنجلترا. ومن ثم فقد انتصر مشروع غزو مصر بهدف تسهيل مرور التجارة الفرنسية إلي الشرق بدلاً من طريق رأس رجاء الصالح الذي يسيطر عليه الأسطول الإنجليزي.
وجد بونابرت أن خير وسيلة لتوطيد سلطة فرنسا في مصر أن يعمل علي مجاملة الدولة العثمانية بقدر المستطاع ،
و اجتذاب المصريين إلي صفه ، و ذلك بإفهامهم أنه إنما جاء لمحاربة المماليك الغرباء عن البلاد و الذين يستنزفون ثروة مصر و يظلمون أهلها،
و أنه يرمي إلي إنشاء حكومة أهلية يكون الحكم فيها للمصريين و قد عبر عن ذلك في منشوره بتاريخ 27 يونيه 1789 م ووزعه في مصر قبل وصول الحملة إلي الشواطئ المصرية.
فوجئ حكام المماليك بنزول الحملة علي شواطئ الأسكندرية في أول يوليو 1798 م و كانت قوتهم قد استهلكت في النزاعات الداخلية فيما بينهم ،
فلم يوجهوا اهتماماتهم إلي تحصين حدود البلاد تجاه الأخطار المحتملة.
و قبل أن تصل قوات الماليك من القاهرة بقيادة مراد بك لملاقاة الفرنسيين ، كان أهالي الأسكندرية بزعامة السيد محمد كريم حاكم المدينة قد واجهوا قوات الغزو ، و لهذا أعتقلته القوات الفرنسية ثم أعدم رمياً بالرصاص في 6 سبتمبر 1798 م .
واصلت القوات الفرنسية زحفها في طريقها إلي العاصمة فالتقت بقوات مراد بك بالقرب من شبراخيت في البحيرة في 13 يوليو 1798 م ، و هزم جيش المماليك و تقهقر للدفاع عن القاهرة و رابط عند امبابة.
واجه جيش المماليك القوات الفرنسية مرة أخري عند إمبابة و هُزم مرة أخري ، و فر مراد بك إلي الصعيد و هرب إبراهيم بك و الوالي العثماني من مصر.