ما حكم تنظيم الحمل والتوقف المؤقت عن الإنجاب لحاجة
التربية وغيرها؟
الحمد لله
جاءت الأدلة الشرعية تدل على جواز تأجيل الإنجاب والحمل ،
وذلك في قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :
" كُنَّا نَعْزِلُ وَالقُرْآنُ يَنْزِلُ "
رواه البخاري (5208) ، ومسلم (1440)
والعزل هو قذف المني خارج رحم المرأة ، رغبة في اجتناب الإنجاب .
وقد استدل الشيخ ابن باز رحمه الله بهذا الحديث على جواز تنظيم النسل لتحقيق التربية الإسلامية ،
وذلك حيث يقول :
" إذا كانت المرأة لديها أولاد كثيرون ، ويشق عليها أن تربيهم التربية الإسلامية لكثرتهم ، فلا مانع من تعاطي ما ينظم الحمل لهذه المصلحة العظيمة ، حتى يكون الحمل على وجه لا يضرها ، ولا يضر أولادها ، كما أباح الله العزل لهذه المصلحة وأشباهها " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر " (21/394) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" محاولة منع الحمل في الأصل جائزة ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعزلون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يُنْهَوْا عن ذلك ، ولكن هي خلاف الأولى ؛ لأن تكثير الأولاد أمرٌ مشروعٌ ومطلوب " انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (22/ 2، بترقيم الشاملة آليا) .
_فاطمئن إذا قررت أنت وزوجتك تأجيل الإنجاب كما ذكرت في السؤال ، فلن يعد ذلك إثما ولا معصية من حيث الأصل ، إلا لاعتبارات أخرى تتداخل مع هذا الخيار الفردي أو الشخصي ، وهي اعتبارات مهمة فرضتها الظروف المعاصرة :
أولا :
إذا أصبح قرار تأجيل الإنجاب عاما على مستوى المجتمع والدولة والأمة ، ففي هذه الحالة يصبح خيارا مدمرا ومفسدا ، ويغدو حكمه هو المنع ؛ لأنه انتقل من حال طبيعي مباح ، إلى حال طارئ مؤثر ، فصار مذموما .
وانظر : (119955) .
ثانيا :
إذا كان الدافع لتأجيل الإنجاب هو الخوف على رزقهم أو معاشهم ، وذلك ما يمثل اهتزازا حقيقيا لعقيدتنا بقضاء الله وقدره ، وإيماننا بسعة رزق الله وتيسير أمور الساعين في الأرض ، ويمثل خوفا غير مبرر من المستقبل ، وتقاعسا عن الإنتاج والعمل ، ولهذا كان مذموما وممنوعا ، وصدرت الفتاوى الواضحة في شأنه .
ثالثا :
إذا كان سبب ترك الإنجاب هو الشقاق والنزاع بين الزوجين ، أحدهما يرفض الولد والآخر يطلبه، فليس من حق الرافض الرفض ، لأن الإنجاب حق مشترك بين الزوجين ، لا يجوز أن ينفرد أحدهما برفضه لغير عذر ولا سبب .
وقد سبق تغطية هذه الحالة في الفتوى رقم : (190396) .
رابعا :
إذا كان دافع تأجيل الإنجاب أو وقفه هو التبعية الحضارية لغير المسلمين ، والتقليد لهم لأجل التقليد ، إعجابا بثقافتهم ، وافتتانا بطريقة عيشهم ، ولا شك أن الحكم في هذه الحالة المنع أيضا ؛ فمن مقاصد الشرع الجليلة : بناء الفرد المسلم بناء مستقلا ، يقدر المصالح والمفاسد في ضوء المعطيات الموضوعية التي يحياها أو يراها ، ويصدر عن أصوله الشرعية التي يؤمن بها ، ويتربى عليها ، بعيدا عن المؤثرات النفسية الوهمية التي تصنعها الهالة الإعلامية للقوى المادية المعروفة اليوم ، أو الانهزام النفسي أمام ما يلقاه من أخلاق أمم الكفار ، وعاداتهم ، وأعمالهم .
خامسا :
وإذا كانت الوسيلة للوصول إلى تأجيل الإنجاب ، استعمال دواء أو عمليات تقطع النسل بالكلية (التعقيم)، فتفقد المرأة أو زوجها القدرة على الإنجاب إلى الأبد ، فهذا من العدوان ، وكفران لنعمة الله التي أنعم بها على عباده ، وإتلاف لمنفعة جليلة مقصودة ، جعلها الله فيهم ، وخلقهم عليها ، لحكمة بالغة .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك ، وهذه الحالة لا يختلف العلماء في تحريمها ، فهي اعتداء صارخ على مقصد مهم من مقاصد التشريع ، وانتهاك تام لإحدى الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بالمحافظة عليها ، وهي الدين والنفس والعرض والمال والنسل .
هذه الحالات الخمسة التي يقصدها العلماء عند الحديث عن تنظيم النسل أو تحديده ، وهي الذرائع التي جعلتهم يتشددون في العبارة أحيانا كثيرة ، كي لا تستغل فتوى الجواز في غير محلها .
ولذلك ذكَّرنا بهذه الحالات الخاصة هنا ، كي تتنبه إليها ، وما سوى ذلك مما يكون قرارا فرديا للزوجين لحاجة معتبرة ، فلا حرج عليهما فيه .
_ومن تأمل في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 39 (1/ 5) بشأن تنظيم النسل ، تبين له من دقة صياغة القرار ، ما بيناه أعلاه في هذه المسألة ،
حيث جاء في القرار :
" إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 - 6 جمادى الآخر 1409هـ الموافق10 - 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م .
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تنظيم النسل ،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
وبناء على أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية الإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني ، وأنه لا يجوز إهدار هذا المقصد ؛ لأن إهداره يتنافى مع نصوص الشريعة وتوجيهاتها الداعية إلى تكثير النسل ، والحفاظ عليه ، والعناية به ، باعتبار حفظ النسل أحد الكليات الخمس التي جاءت الشرائع برعايتها .
قرر ما يلي :
أولا : لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب .
ثانيا : يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة ، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم ، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية .
ثالثا: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل ، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان ، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعا ، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض ،
بشرط :
_أن لا يترتب على ذلك ضرر ،
_وأن تكون الوسيلة مشروعة ،
_وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم " انتهى.
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب