الحرب الباردة هي المخرج الذي وضع حدًا للصراع الذي ازدادت حدته بعد الحرب العالمية الثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وحلفائهما الداعمين لهما. حيث انطلقت شرارتها في ضوء أسبابٍ سياسية واقتصادية ودعائية، وارتباط قليل بقضايا السلاح.
ظهر مصطلح الحرب الباردة لأول مرة في مقال نشره الكاتب الإنجليزي جورج أورويل في عام 1945، أشار فيه إلى توقعاته حول احتمال حصول نزاع نووي بين دولتين أو ثلاث دول من الدول العظمى التي تمتلك هذا السلاح الذي يمكّنها من قتل ملايين البشر في غضون دقائق معدودة.
وكان المستشار المالي والرئاسي الأمريكي _برنارد باروخ_ سبب معرفة الأمريكيين بهذا المصطلح عبر خطابه الذي ألقاه في المبنى الرئاسي في كولومبيا، كارولينا الجنوبية عام 1947.
...................................أسباب الحرب الباردة..................................
بعد استسلام ألمانيا النازية في شهر مايو، 1945 في أواخر الحرب العالمية الثانية، بدأت التحالفات المضطرية غير المستقرة التي كانت قائمة خلال فترة الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى من جهة والاتحاد السوفييتي من جهة أخرى بالانهيار.
ومع حلول العام 1948 أسس الاتحاد السوفييتي حكومة يسارية في جميع الدول الواقعة في أوروبا الشرقية المُحررة من قبل الجيش الأحمر.
خشي الأمريكيون والبريطانيون من هذه السيطرة الدائمة للاتحاد السوفييتي على أوروبا الشرقية، ونظروا بعين الحذر للتهديد المترتب على وصول الأحزاب الشيوعية المتأثرة بالاتحاد السوفييتي إلى السلطة عبر الأنظمة الديمقراطية التي قامت في أوروبا الغربية.
بالمقابل، كان السوفيتيون واضعين نصب أعينهم ضرورة المحافظة على سيطرتهم لدول أوروبا الشرقية بغية تحقيق الحماية من أي تهديد جديد محتمل الحدوث من جانب ألمانيا، إضافة إلى السعي إلى نشر الشيوعية حول العالم لأسباب عقائدية بدرجة كبيرة.
بدأت فترة الحرب الباردة فعليًا بحلول 1947-1948 مع استعادة الولايات المتحدة أوروبا الغربية إلى نفوذها من خلال الإعانة المالية التي خصصتها أمريكا بموجب خطة مارشال لإنعاش أوروبا الغربية، وترسيخ الاتحاد السوفييتي للأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية.
...............................الصراع بين القوى العظمى..............................
في الفترة الممتدة من 1948-1953 كانت الحرب الباردة على أشدها.
حيث أن السوفييت حاولوا دون جدوى فرض حصار على قطاعات العمل في ألمانيا الغربية التابعة للغرب في الفترة بين 1948-1949، في المقابل نظّمت الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين منظمة حلف شمالي الأطلسي (الناتو) _قوة عسكرية موحدة في وجه الوجود السوفييتي في أوروبا (1949)_ أطلق السوفييت قنبلتهم الذرية الأولى في عام 1948، معلنين انتهاء زمن الاحتكار الأمريكي للقنابل النووية، ورافقه وصول السياسيين الشيوعيين إلى السلطة في الصين في عام 1949
واحتلال حكومة كوريا الشمالية الشيوعية المدعومة من السوفييت لكوريا الشمالية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1950 مُطلقةً شرارة الحرب الكورية غير الحكيمة التي دامت لثلاث سنوات حتى عام 1953.
خفّت حدة التوترات في الفترة بين 1953-1957 من الحرب الباردة نتيجة وفاة الرئيس جوزيف ستالين _الدكتاتور الذي حكم السوفييت لفترة طويلة_ في عام 1935، ولكن مع ذلك بقي التوتر والخلاف قائم بين الاطراف.
في المقابل أنشأت الدول الواقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي قوة عسكرية موحدة الذي عُرف بحلف وارسو في عام 1955 ، وتزامن ذلك بانضمام ألمانيا الغربية إلى صفوف الدول الأعضاء في حلف الناتو.
تلا ذلك فترة من التوتر الشديد عرفتها الحرب الباردة امتدت بين عامي 1958-1962، بدأت فيها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي العمل على تطوير ما لديهم من الصواريخ الباليستيسة العابرة للقارات.
في عام 1962 انتقل السوفييت إلى مرحلة سرية جديدة قاموا فيها بتثبيت هذه الصواريخ على الأراضي الكوبية التي كان معدًا لها ان تكون مركز انطلاق للهجوم النووي الذي ستشنه ضد الولايات الأمريكية.
وكان من شأن ذلك ان أشعل فتيل أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 _المواجهة التي شارك فيها اثنين من القوى العظمى وكانت على وشك تحولها إلى حرب قبل توصل الطرفين إلى الاتفاق على سحب الصواريخ.
كشفت أزمة الصواريخ الكوبية عدم جهوزية كلا الدولتين _الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي_ لاستخدام الأسلحة النووية خوفًا من رد الطرف الآخر وبالتالي الخوف من حدوث دمار نووي نتيجة الحرب المتبادلة بينهما.
ومع حلول العام 1963 وقع اثنان من الدول العظمى معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية، التي نصت على حظر إجراء أي اختبارات للأسلحة النووية في الغلاف الجوي والفضاء الخارجي.
ولكن كان من شأن الأزمة أيضًا أن عزز موقف الطرف السوفييتي في رفض أي تصرف من شأنه أن يقلل من قوتها العسكرية، ولذلك اهتمت ببناء قواتها العسكرية على المستويين المحلي والدولي بالتوازي التي سيكون على الولايات المتحدة أن تجاريها على مدى السنوات 25 القادمة.
خلال الحرب الباردة، تجنبت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي الانخراط في أي مواجهة عسكرية مباشرة بينهما على قضايا تتعلق بأوروبا، واقتصر الأمر فقط على عمليات اشتباك كان الغرض منها إما الاحتفاظ بالحلفاء والحرص على عدم انضمامهم إلى الطرف الآخر أو القضاء عليهم بعد انتهائهم من تنفيذ المطلوب منهم.
ولذا أرسل الاتحاد السوفييتي جيوشه لتعزيز الحكم الشيوعي في كل من الدول التالية: ألمانيا الشرقية (1953)، هنغاريا (1956)، وتشيكوسلوفاكيا (1968)، وأفغانستان (1979).
من جانبها، ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بالحكومة اليسارية في غواتيمالا (1954)، ودعمت عملية اجتياح كوبا التي انتهت بالفشل (1961)، وغزت جمهورية الدومينيكان (1965)، ودولة غرينادا (1983)، وأخذت على عاتقها مسؤولية منع امتداد الحكم الشيوعي من دولة شمال فيتنام إلى دولة فيتنام الجنوبية، هذا الجهد الطويل والذي باء بالفشل _1964-1975)
...............................بداية تشكيل نظام عالمي جديد.................................
شهدت فترة الستينات والسبعينيات من القرن العشرين _على أي حال_ انتقال الصراع ثنائي القطب القائم بين الحلف الأمريكي والحلف السوفييتي إلى مرحلة أكثر تعقيد على مستوى العلاقات الدولية لم يكن فيها العالم انقسم إلى كتلتين متعارضتين على نحو واضح بعد. فقد حدث الانقسام الأبرز بين الاتحاد السوفييتي والصين في عام 1960، وتعمّق مع مرور السنوات، تاركًا الكتلة الشيوعية تعاني الخلل والتفكك.
وتزامن ذلك، مع تحقيق أوروبا الغربية واليابان نموًا وازدهارًا اقتصاديًا نشط خلال فترة الخمسينيات والستينات من القرن مُقللة بذلك تبعيتها واعتمادها النسبي على الولايات المتحدة الأمريكية.
وأما الدول الأقل قوة فصار بمتناولها حيزًا أكبر للعمل على تعزيز استقلالها، وأظهرت في الكثير من المواقف قدرة على مقاومة الضغط التي تمارسه عليها الدول العظمى.
شهدت سبعينيات القرن العشرين انخفاضًا في مستوى التوتر السائد في فترة الحرب الباردة والذي تجلّى بعقد محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية (SALT) الذي نتج عنها اتفاقيتين في الأعوام 1972، و1979على التوالي.
اتفقت فيهما القوى العظمى على مجموعة من القواعد للحد من استخدامهم للقذائف المضادة للقذائف التسيارية وصواريخهم الاستراتيجية التي تمتلك القدرة على حمل الأسلحة النووية.
ومع بداية ثمانينيات القرن، عاد مشهد التوتر والصراعات نتيجة مواصلة القوى العظمى جمع الأسلحة ذات الحجم الكبير، والمنافسة فيما بينها للسيطرة وامتلاك النفوذ على دول العالم الثالث.
ومع بداية ثمانينيات القرن، عاد مشهد التوتر والصراعات نتيجة مواصلة القوى العظمى جمع الأسلحة ذات الحجم الكبير، والمنافسة فيما بينها للسيطرة وامتلاك النفوذ على دول العالم الثالث.
وختمت فترة الثمانينيات في عهد إدارة الزعيم السوفييتي ميخائيل إس غورباتشوف ببدء انتهاء فترة الحرب الباردة، حيث حل النظام الدكتاتوري السوفييتي وبدأ بتطبيق النظام الديمقراطي في النظام السياسي في الاتحاد السوفييتي.
رضخ غورباتشوف لسقوط الأنظمة الشيوعية في دول أوربا الشرقية التابعة للاتحاد السوفييتي في العامين 1989-1990
جاء اتحاد ألمانيا الشرقية والغربية برعاية الناتو وموافقة السوفييت سريعًا بعد استلام الحكومات الديمقراطية السلطة في ألمانيا الشرقية، وبولندا، وهنغاريا، وتشيكوسلوفاكيا.
ضعف الحزب الشيوعي برئاسة غورباتشوف نتيجة الإصلاحات التي قام بها على الصعيد الداخلي، وأتاحت الفرصة لانتقال السلطة والحكم إلى روسيا والجمهوريات الأخرى المكونة للاتحاد السوفييتي.
انهار الاتحاد السوفييتي في أواخر عام 1991. نتج عن هذا الانهيار ظهور 15 دولة جديدة ذات سيادة من ضمنها روسيا بنظام انتخابي ديمقراطي ورئيس مناهض للشيوعية، معلنةً بذلك انتهاء فترة الحرب الباردة.