في عصرٍ امتلأ بالدعاوي الزائفة للحريات الشخصية، ويحق فيه للجميع فعل ما يحلو لهم سواءًا أكان ذلك يؤذي الآخرين أم لا ..
إلا الأخت التي تسعى للتحلي بحلية أمهات المؤمنين والتقرُب إلى ربِّها برداء الحيـــاء والستر، فإنها تتعرض للقهر من الأهل والأصحاب والمجتمع ككل وتُتهم بالتشدد والرجعية .. بينما التي خلعت عنها رداء الحيـــاء وتبرجت تبرج الجاهلية، فمن تسول له نفسه بالإعتراض عليها فقد تعدى على الحريــــات الشخصيـــة !!!
يــــا أختــــاه، إن النقاب هو رمز العفة والحيـاء والعزة وهو شعار الصالحــــات في كل زمانٍ ومكـــان .. فلا تخافي ولا تحزني من كل هذا الهجوم ضدك، وتحلي بالصبر والاحتســاب والتوكل على الله تعالى فهو حسبنا ونعم الوكيـــل .. {..وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]
إن الله عزَّ وجلَّ يمتحن ثبــــاتِك، فماذا أنتِ فاعلة؟
يقول تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: 2,3]
فاثبتي أختــــــاه ولا تخافي في الله لومة لائم ..
فإن النصر مع الصبر، ومع كل عسرٍ وبلية نعمة خفيِّة ..
والله تعالى يبتلينا كي يداوينا .. ومع البلاء ستتعرفين على نفسك وآفاتها، يقول ابن القيم "أن ابتلاء المؤمن كالدواء له يستخرج منه الأدواء التى لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء ويستعد به لتمام الأجر، وعلو المنزلة" [إغاثة اللهفان (2/188)]
فيا أختاه، توكلي على الله؛ كي لا تعصف بكِ ريـــــاح الفتن .. يقول تعالى {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}[الفرقان: 58]
واعلمي أن نقابك هو نعمة وفضل عظيم قد أمتن به ربَّ العالمين عليكِ ..فلا تفتري عن شكر هذه النعمة العظيمة، التي لا يشعر بها إلا من فقدها .. وتذكري كم جاهدتي وعانيتي كي تنالي هذا الشرف العظيم، وكم كان ربِّك عليك حليمًا وكريمًا وكم كان بكِ رحيــــمًا ..
فإيـــــاكِ أن يهتز يقينك في ربِّك أو تميل قدمك وتغرس في الوحل مرة أخرى ..
إيـــــاكِ أن تضعفي مهما أشتدت الفتن وعظم البلاء ..{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة: 214]
وإليكِ أدلة النقــــاب لكي يزداد يقينك وتتسلحي ضد الشبهات التي يُلقيها المبطلون ..
أدلة النقاب من القرآن الكريم ..
وردت ثلاث آيات في القرآن الكريم تأمر المؤمنـــــات بالحجــــاب ..
الدليل الأول: قال تعالى {..وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ..}[الأحزاب: 53] .. هذه الآية تدل دلالة محكمة على التغطية، وهذا لا خلاف فيه عند جميع العلماء، حيث اجتمع قولهم على هذهالدلالة، وخلافهم إنما جاء من جهة تعلق حكمها:
فالموجبون التغطية على سائر النساء،مذهبهم في حكم الآية أنه عام .. وأما المستحبون للتغطية، فإن مذهبهم فيالآية أنها خاصة بأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم.
فإذا كانت أمهات المؤمنين مأمورات بتغطية وجوههن لتحصيل طهارة القلب لهن ولمن يخاطبهن، على الرغم من اصطفائهن وحرمتهن على رجال المسلمين .. فسائر النساء من باب أولى؛ لأنهن أحوج لطهارة القلب كما إن للرجال فيهن مطمع.
الدليل الثاني: قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 59] .. وهذه الآية دلالتها محكمةعلى التغطية ..
يقول الزمخشري في تفسير هذه الآية "يرخينها عليهن، ويغطين وجوههن، وأعطافهن، يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك إلى وجهك" .. ويقول أبو حيان الأندلسي "{عليهن} شامل لجميع أجسادهن، أو {عليهن}، على وجوههن؛ لأن الذي كان يبدومنهن في الجاهلية هو الوجه"
وذهب إلى القول بدلالة الإدناء على التغطية كل من: ابن عباس، وعبيدة السلماني، ومحمد بن سيرين، وابن علية، وابن عون .. قال ابن عباس رضي الله عنهما "أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة"
الدليل الثالث: قال تعالى {.. وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ..}[النور: 31] .. هذه الآية دلالتها محكمة على التغطية أيضا، لأن الاستثناء في الآية يعود إلى ما يظهر من المرأة، من زينتها، بدون قصد .. فلا يحمل على الوجه إذًا؛ لأن الوجه يظهر بقصد .. كما أن الزينة في لغة القرآن والعرب، تطلق على ما تزينت به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها كالحلي واللباس، فتفسير الزينة بالوجه والكف خلاف القرآن وكلام العرب.
وممن قال بدلالة الآية على التغطية جمع من السلف، منهم: ابن مسعود، والنخعي، والحسن، وأبو إسحاق السبيعي، وابن سيرين، وأبو الجوزاء.
وهكذا يتبيَّن بأدلة القرآن أن تغطية الوجه واجبـــة، وقد جاءت النصوص المحكمة والأصول الثابتة على ذلك.
ولم يختلف علماء الأمة حول النقـــاب، إلا في الوجوب والاستحبــــاب ..
ومن أخذ باستحبـــاب تغطية الوجه .. يعني أن الستر أفضل من الكشف ومن يفعله يزداد أجرًا، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي "..وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .." [رواه البخاري] .. ولكن لم يقل أحد العلماء قط أن النقاب مباحًا فقط، أي يستوي فاعله وتاركه في الأجر.
وقد أجمع علماء المسلمين على ثلاث إجماعــــات ..
الإجماع الأول: أن أزواج النبي صل الله عليه وسلم كلهن كن منتقبات .. وهن القدوة لنســاء المسلمين، وقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم"من تشبه بقوم فهو منهم"[رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني]
الإجماع الثاني: وجوب تغطية الوجه حال الفتنة .. والفتنة هي: حسن المرأة، وصغر سنها (أن تكون شابة)، وكثرة الفساق .. فمتى وجدت إحداها فالواجب التغطية.
الإجماع الثالث: إجماع عملي على منع خروج النساء سافرات على مر عصور الإسلام السالفة ..
وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ أن الحكمة من فرض الحجــاب ـ بشروطه الصحيحة ـ هي حماية المرأة من الأذى ..فقال تعالى{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 59]
وبعد أن علمتي أن النقاب أمر من الله تعالى للمسلمات، لصيانتهن وحفظهن .. فتيقني أن الله عزَّ وجلَّ الذي أمرك بالنقاب لن يُضيِّعك ..
فاثبتي أختــــاه، ولا تغفلي فيتعطل نصر الله لعباده بالغفلة والتقصير .. يقول العزيز الحكيــم{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال: 45]
إنَّ الله عزَّ وجلَّ يحب أن يسمع أنينك، وأن يرى قوتك في طاعته، و ثباتك على التزامك ودينك ..
فإلى كل أخت مكروبة، عليكِ بدعـــــــاء الكرب ..
فالله وحده مُفرِّج الكرب وكاشف الضُر ومُزيل الهمَّ .. قال عليه الصلاة والسلام"كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم" [رواه ابن أبي الدنيا وصححه الألباني، صحيح الجامع (4571)]
واصبري لحكم ربِّك تكونين في معيته، فإن الله مع الصابرين .. {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[الروم: 60]
م/ن