السبع الموبقات
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، الحمد الله الذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحواء، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيرا, والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً, ومبشراً, ونذيراً، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
نص الحديث:
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إلَّا باِلْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّباَ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَناَتِ الغَافِلاَتِ)(1)
معاني الكلمات:
قوله :" السبع الموبقات": أي المهلكات.
قوله:"الشرك بالله": أي أن يتخذ معه إله غيره.قال المناوي: الشرك إما أكبر، وهو إثبات الشريك لله تعالى، أو أصغر وهو مراعاة غير الله في بعض الأمور"(2).
قوله:"السحر": لغة صرف الشيء عن وجهه، وقال ابن قدامة-رحمه الله-: "هو عقد ورقى يتكلم به، أو يكتبه الساحر أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له".
قوله:"قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق":أي قتل النفس بدون سبب شرعي كالقصاص.
قوله: "أكل مال اليتيم": اليتيم هو الذي مات أبوه وهو دون البلوغ، أي بدون حق شرعي.
قوله: "التولّي يوم الزحف": أي الفرار عن القتال يوم ازدحام الطائفتين.
قوله: "قذف المحصنات": بفتح الصاد اسم مفعول اللاتي أحصنهن الله تعالى وحفظهن من الزنا والقذف هو الرمي ومعناه أن يرمي النساء المحصنات بالزنا.
قوله: "المؤمنات": احترز به عن قذف الكافرات.
قوله:"الغافلات": بالغين المعجمة والفاء أي عما نسب إليهن من الزنا(3).
شــرح الحديــــــث:
قوله-صلى الله عليه وسلم-:" اجتنبوا السبع الموبقات" بموحدة وقاف أي: المهلكات. قال المهلب: سميت بذلك؛ لأنها سبب لإهلاك مرتكبها قلت(أي ابن حجر): "والمراد بالموبقة هنا الكبيرة, كما ثبت عن أبي هريرة رفعه: "الكبائر الشرك بالله وقتل النفس... الحديث", مثل رواية أبي الغيث إلا أنه ذكر بدل السحر الانتقال إلى الأعرابية بعد الهجرة, وعن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (ما من عبد يصلي الخمس ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة... الحديث)(4), ولكن لم يفسرها, والمعتمد في تفسيرها ما وقع في رواية سالم عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: "كتب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كتاب الفرائض, والديات, والسنن, وبعث به مع عمرو بن حزم إلى اليمن الحديث... بطوله, وفيه وكان في الكتاب, (وإن أكبر الكبائر الشرك) فذكر مثل حديث سالم سواء(5).
قوله-صلى الله عليه وسلم-: " الشرك بالله". وهو أن تجعل لله نداً وهو خلقك، وتعبد معه غيره من حجر أو بشر أو شمس أو قمر، أو نبي، أو شيخ، أو جني، أو نجم، أو ملك، وغير ذلك.
قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48). وقال -تعالى-إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72). وقال سبحانهإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان: من الآية13).فمن أشرك بالله تعالى ثم مات مشركاً فهو من أصحاب النار قطعاً، كما أن من آمن بالله ومات مؤمناً فهو من أصحاب الجنَّة وإن عُذِّب.
قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله....)(6)
وقال اجتنبوا السبع الموبقات…)فذكر منها الشرك. وقال -صلى الله عليه وسلم- من بدل دينه فاقتلوه)(7).
عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رجل يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟قالأن تدعو لله نداً وهو خلقك...)(8).
قال ابن بطال -رحمه الله-: "لا إثم أعظم من الشرك"(9).
قال ابن القيم رحمه الله-يصف الشرك:
والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمـن أياً كان مـن حجر ومن إنسان
يدعـوه أو يرجـوه ثم يخافه ويحبه كمحبة الـديان(10)
قال ابن حجر رحمه الله: " الشرك أبغض إلى الله من جميع المعاصي"(11)
قوله-صلى الله عليه وسلم-: " والسحر" لأن الساحر لا بدّ أن يكفر، قال الله -تعالى-
وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)(البقرة: من الآية102).وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به. وقال تعالى عن هاروت وما روت(وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)(البقرة: من الآية102).فترى خلقاً كثيراً من الضلال يدخلون في السحر ويظنونه حراماً فقط، وما يشعرون أنه الكفر، فيدخلون في تعلم السيمياء(12) وعملها، وهي محض السحر، وفي عقد المرء عن زوجته وهو سحر، وفي محبة الزوج لامرأته وفي بغضها وبغضه، وأشباه ذلك بكلماتٍ مجهولةٍ أكثرها شركٌ وضلالُ.
حكم الساحر:
وحدُّ الساحر القتل؛ لأنه كَفَرَ بالله أو ضارع الكفر. قال النبي-صلى الله عليه وسلم-
اجتنبوا السبع الموبقات...)فذكر منها: السحر. فليتق العبد ربه ولا يدخل فيما يخسر به الدنيا والآخرة, وجاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (حد الساحر ضربة بالسيف) والصحيح أنه من قول جندب، وعن بجالَة ابن عبدة أنه قال أتانا كتاب عمر-رضي الله عنه-قبل موته بسنة: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة".
وعن أبي موسى-رضي الله عنه-:أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:" ثلاثةٌ لا يدخلون الجنَّة: مدمنُ خمرٍ، وقاطعُ رحمٍ، ومصدق بالسحرِ)(13), وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- مرفوعاً قال: (الرقا(14), والتمائم(15), والتِّوَلَة(16) شرك).
قال النووي: "عمل السحر حرام, وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي-صلى الله عليه وسلم-من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً, ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة, فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا, وأما تعلمه وتعليمه فحرام. فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه, ولا يقتل فإن تاب قبلت توبته, وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر.
وعن مالك-رحمه الله-: "الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب بل يتحتم قتله كالزنديق".
قال عياض-رحمه الله-: "وبقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين". وفي المسألة اختلاف كثير وتفاصيل ليس هذا موضع بسطها(17).
قوله-صلى الله عليه وسلم-:" وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" : قد جاء في القرآن ما يدل على ذلك، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93)
وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (الفرقان:67-69).
وقال تعالى
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة:32).وقال تعالى
وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) (التكوير:8).
وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (اجتنبوا السبع الموبقات...) فذكر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. وقال رجل للنبي-صلى الله عليه وسلم-:" أي الذنب أعظم عند الله-تعالى-قال: (أن تجعل لله نِدَّاً وهو خلقك). قال: ثم أيّ؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك). قال: ثم أي؟ قال: (أن تزانيَ حليلة جارك)(18). فأنزل الله-تعالى-تصديقها(وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) وقال-صلى الله عليه وسلم-
إذا التقى المسلمان بسيفيْهما فالقاتلُ والمقتولُ في النَّار). قيل يا رسولَ الله! هذا القاتل فما بالُ المقتول؟! قالَ: (إنَّه كانَ حريصاً على قتلِ صاحبه)(19) قال الإمام أبو سليمان-رحمه الله-: "هذا إنما يكون كذلك إذا لم يكونا يقتتلان على تأويل إنما يقتتلان على عداوة بينهما, وعصبية, أو طلب دنيا, أو رئاسة, أو علو, فأما من قاتل أهل البغي على الصفة التي يجب قتالهم بها, أو دفع عن نفسه, أو حريمه؛ فإنه لا يدخل في هذه؛ لأنه مأمور بالقتال للذب عن نفسه غير قاصد به قتل صاحبه, إلا إن كان حريصاً على قتل صاحبه, ومن قاتل باغياً أو قاطع طريق من المسلمين, فإنه لا يحرص على قتله إنما يدفعه عن نفسه, فإن انتهى صاحبه كف عنه ولم يتبعه, فإن الحديث لم يرد في أهل هذه الصفة, فأما من خالف هذا النعت فهو الذي دخل في هذا الحديث الذي والله أعلم".
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)(20) , وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)(21) وقال-صلى الله عليه وآله وسلم-
أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)(22) وفي الحديث أن رسول-صلى الله عليه وسلم-الله قال: (لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)(23) وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين ...)(24) وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل)(25), وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاما)(26) فإذا كان هذا في قتل المعاهد وهو الذي أعطى عهداً من اليهود والنصارى في دار الإسلام فكيف يقتل المسلم؟!. وقال- النبي-صلى الله عليه وسلم-
ألا ومن قتل نفساً معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا)(27) وقال-عليه الصلاة والسلام-
من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله-تعالى-)(28) وعن معاوية-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً)(29).
يتبع