بناءً على التأثيرات العضوية السلبية الناجمة عن الأمراض والضغوطات النفسية للمريض المصاب بالقلب ، والمضاعفات النفسية المعروفة ما بعد الإصابة القلبية من كآبة ،وقلق، ونوبات فزع ، ووسواس ، فإن العناية السليمة الصحية لا تقتصر فقط على الإجراءات الطبية والعقاقير الخاصة بالقلب ، بل تستدعي التدخل العلاجي النفسي وتصويب الضغوطات الإجتماعية الضاغطة نفسياً على المريض ، لتفادي المزيد من المضاعفات ، وتحسين حالته المرضية .
" الاضطرابات النفسية وآثارها الجلدية "
يحفل التاريخ الطبي بالدراسات التي أثبتت إرتباط العديد من الأمراض الجلدية بالإضطرابات النفسية، وكذلك الحال للإصابات الجلدية كمسبب للمعاناة النفسية ؛ خاصة البهاق ، والصدفية ، والثعلبة , وحالات سقوط الشعر الصلع المبكر ، وحب الشباب ، والاكزيما . إذ تبيّن أن هذه الإصابات مرتبطة بإضطرابات نفسية متعددة أهمها القلق ، والكآبة ، والوسواس القهري ، وإضطراب الشخصية .وأظهرت الدراسات علواً في نسبة المعاناة النفسية لتصل إلى (40%) من مرتادي عيادات الجلدية.
فالتشوه الناجم عن هذه الإصاب الجلدية ، والوصمة الإجتماعية ، ونتائج المعالجة طويلة الأمد غير المرضية لرغبات المريض ، وتغيّر نمط الحياة الإجتماعية للمصاب ( مثل الحرج من الظهور أمام الناس أو الخوف من التقدم للزواج أو التعارف على الآخرين أو التقدم للعمل في مجال يحتاج إلى الظهور بجاذبية ، وحب الانغلاق على الذات والميول للعزلة الإجتماعية خاصة إذا كانت الإصابة في منطقة مرئية كالوجه ، او اليدين أو الرقبة ) ، أو لازمها أعراض الحكة ، أو قابلية النزيف مما يؤدي إلى المعاناة النفسية عبر وسائل متعددة أهمها القلق، والكآبة ،والوسواس .
وكثيراً من هذه الحالات الجلدية تظهر بعد ضغوطات نفسية حادة ( صدمة ) أو مزمنة وشديدة، أو أثناء القلق والإكتئاب الشديدين ذلك من خلال وسائل عديدة أهمها إختلال جهاز المناعة العصبي وظهور ما يعرف ب ( نيوروببتايد) لمهاجمة الخلايا الجلدية السليمة ، كما تؤكد دراسات علم ( نيوروبيولوجي ) . فالجلد مرآة النفس ، فهو في المراحل التكوينية الجنينية ينفصل عن الدماغ ، ولعل في قوله تعالى " وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " {سورة فصلت 21 } ما يؤكد هذه الحقيقة الطبية (بشهادة نطق الجلد) على (النفس – العقل ) ولذلك فإننا نرى أن التغيرات الجلدية السريعة بعد الخوف ً ( كإحمرار الوجه أو التعرق أو الشحوب أو القشعريرة ) أو ظهور البثور أو الحكة في حالات القلق ، او تغير لون الجلد بما يعرف (بالبهاق) بعد التعرض ( للصدمة ) النفسية الشديدة .
إن التأثير النفسي للإصابات الجلدية لا يعتمد فقط على المنطقة التي يظهر فيها ، ولا على شدته بل أيضاً على قدرات وطاقات الشخص النفسية والاجتماعية للتكيف الايجابي، وعلى ثقافة المجتمع حول هذه الحالات المرضية (كالنظرة العيبية) أو (الوصمة الاجتماعية) فالاشخاص ذوي الروح المعنوية العالية والثقة بالنفس المتينة يتعاملون بشكل إيجابي ،وعلى النقيض من ذلك أولئك اللذين تتدنى معناوياتهم وثقتهم بانفسهم هم أكثر عرضه للسقوط في منتجع الأمراض النفسية ،ولذلك فإن درجة الروح المعنوية والثقة بما يقابلها من ( وصمة ) إجتماعية كما هو سائد في معظم المجتمعات مفصل الانزلاق في المعاناة النفسية المرضية او الظهور عليها وكذلك الحال لاستدامة هذه الامراض الجلدية .
فالمصاب بهذه الاصابات لا يعاني فقط من التشوهات الجلدية وما يحيط بها من نواحي تجميلية ، في المجتمعات التي تعير إنتباهاً كثيراً للمظهر الخارجي ، والتي غالباً ما يجد المصاب الحواجزالاجتماعية، وضياع الفرص، وإختلال علاقاته الاجتماعية، بل أن مضاعفات الاصابة الجلدية والاعراض الاخرى مثل كثرة الحك ، والحرقة ، والالم والنزيف أيضاً تزيد من حدة المعاناة النفسية ،ولذلك فأن أكثر من ثلثي
( 65%) المصابين جلدياً يعانون من الاحباط النفسي وبالتالي الكآبة نتيجة لتثبيط قدراتهم الحياتية .
وأن الأطفال أكثر تأثراً بهذه الاصابات اللتي تؤدي إلى إعاقة النمو الذهني ، والعاطفي ، والسلوكي ، والاجتماعي وبالتالي التأثير على قدراتهم وخبراتهم الشخصية والنفسية والاجتماعية والتعليمية ، وقد ينعكس ذلك على بناء شخصيتهم المستقبلية ، وعند أقترابهم من سن البلوغ يظهر عليهم القلق الشديد ، وخوف المواجهة .
ومن الملفت للتمعن أن كثيراًٍ من الدراسات الطبية تؤكد سبق المعاناة النفسية والعاطفية وعبء الضغوطات الإجتماعية عند او ما قبل الاصابة الجلدية . ويبدو ان الشعور بالوصمة الاجتماعية ، والحرج من الاخرين يأتي من مجموعة المفاهيم ،والبناء الفكري والنفسي للشخص قبل الاصابة، فلنظرة المصاب إلى ذاته والاخرين أهمية كبيرة في مسيرة المرض ومدى إستقرار حياته الاجتماعية والنفسية . وليس السبب الاصابة الجلدية فقط ، فنوعية وكيفية التفكير ، وطريقة التفسير ، والاستقبال النفسي للإصابة هي التي تقود او تحجب المعاناة النفسية التي تؤثر على مسيرة المرض والكيان النفسي الاجتماعي ، فأحياناً تكون الاصابة خفيفة غير مرئية للآخرين ولكن بسبب إضطراب الشخص نفسياً تصبح شغله الشاغل فتكبر (عشرات المرات) لتصبح وسواساً قهرياً وهاجساً لحياته ، وفي ظل هذه الوضعية النفسية المأزقية يظهر العقل الباطن ( عالم اللاشعور ) بوسائل دفاعاته الاولية من (إزاحات وإسقاطات) واللذي يجد من هذه الاصابة إناء مناسباَ لإستقبالها ، فكأنما إقتطع من جسده هذا الجزء المصاب ليصبح (مشروعاً) يسلب جُلّ اهتمامه . تلك هي الميكانيكية التي تعمل عليها هذه الوسائل الدفاعية لتعطيه نوعاً ما من (التوازن النفسي الوهمي) مخلـّفة بذلك أنماطاً سلوكية سلبية تواكب الاصابة الجلدية من حرج ، وخجل ، وتدني المعنويات وعزلة إجتماعية .
وبسبب الاجماع على عدم وجود علاج جذري شافي يشبع طموحات و آمال المصاب ، وغياب المعالجة المنفردة ، لذلك من الطبيعي أن نجد مجموعة من الانماط العلاجية المتعددة معاً بطريقة عشوائية ( معالجة نفسية + جلدية + أعشاب + شعوذة ) .
ولذلك فإن للطاقم الطبي أهمية كبيرة في تغيير سيرة المرض ، من خلال تقييم وضعية المصاب بإستشعار مدى قبوله لصورته الجسدية ، وطيف ردود فعله النفسية اللذي يمتد من القلق الطبيعي المتلائم مع الاصابة إلى الوسواس القهري المنغمس بصور الجلد إنتهاءً بحالات الكآبة الشديدة والإنتحار احياناً .
فعلاج هذه الاصابات الجلدية تحتاج الى تعاضد منظم من إختصاصي الجلدية ، والامراض النفسية ( العمل كفريق ) ، لتصويب النظرة النفسية إلى الذات ، وتقديم الدعم النفسي ، ومعالجة القلق والاكتئاب والصعوبات العاطفية والضغوطات النفس إجتماعية الملازم أو الناجم عن الحالة ، وكذلك تغيير التصّور النفسي لدى المصاب بخصوص جاذبيته الاجتماعية والجنسية ، لإن طبيعة ( التصورالنفسي) للهيئة الجسدية ذات أهمية في تكوين الشخصية ، وإقامة العلاقات الاجتماعية السليمة من صداقات ، وزمالة ، وشركاء عمل وعلاقات عاطفية وزوجية ، فالتغيير السلبي لهذا التصور يؤدي إلى الخوف من الرفض وعدم القبول من المحيطين ، وكذلك الحال فان هذه الاصابات قد تخلق حاجزاً وفجوه كبيرة بين المصاب والمجتمع تعطل به طموحاته ، وقدراته ، وتغيير نمط حياته الاجتماعية والعملية ، والمزاجية ، والفكرية بشكل سلبي ومن الثابت طبيا ان التحسن النفسي يؤدي الى تحسن الحالة المرضية الجلدية والعكس صحيح .
" الأطياف الجسدية للأمراض النفسية "
تظهر الحالات النفسية عبر اختلال المشاعر أو الأفكار أو السلوك ، ولكن وفي كثير من الحالات تصاحبها أو تبدأ بأعراض جسدية ، وهذا ما تبين من خلال العديد من الدراسات الطبية النفسية لدى المرضى الذين يرتادون لعيادة الطبيب العام نسبة ( 40 % ) وفي عيادات الأمراض الصدرية والقلب ( 20 ـ 40 % ) الجهاز الهضمي ( 50 % ) ، الغدد (20 % ) ، وإختصاصي المفاصل ( 30 % ) ، وعيادات الآلام ( 60 % ) ، وعيادات الاسنان ( 10 % ) ، والأمراض الجلدية ( 25 ـ 40 % ) ، وفي عيادات الأعصاب ( 40 ـ 50 % ) ، وعيادات النسائية ( 20 ـ 25 % ) ، وعيادات التجميل ( أكثر من 50% ) .