عمر المختار مازال حيا.. بقلم د جاسم المطوع
قال لي صاحبي أثناء تواجدي في ليبيا وبالتحديد في بنغازي، هل تحب أن ترى المكان الذي كان (عمر المختار) يجاهد فيه ضد الإيطاليين؟ فرحبت بالفكرة وأيدتها، وبالفعل انطلقت السيارة بنا عقب محاضرة ألقيتها لطلبة وطالبات كلية الطب في جامعة بنغازي كان الموقع يبعد عن بنغازي مائتي كيلومتر تقريبا، في مدينة تسمى ( الجبل الأخضر) ومكان اسمه (وادي الكوف) وكما هو معروف.. فقد كان عمر المختار والمجاهدين الذين معه يجاهدون المحتل في معارك بين الجبال ويعيشون في الكهوف.. بعد ساعتين وصلنا إلى المكان فما إن وقع بصري عليه حتى أحسست بقشعريرة تسري في جسدي وتذكرت المواقف البطولية لذالك المجاهد العالم الحافظ للقرآن والذي كان رمزاً من رموز الجهاد مشيت في ذلك المكان الصحراوي وأنا أتذكر كل كلمة قرأتها عن عمر المختار فقلت لصاحبي: لقد أثّرت قصته فيَّ كثيرا وخاصة عندما حُكم عليه بالإعدام وقال لشانقة: " لحظة وضع حبل المشنقة حول رقبته " ( أنا عمري أطول من عمرك ) لقد قالها بثقة كبيرة ونفس مطمئنة، وفعلا فقد تحقق ما قال!! فمن يوم شنقه وحتى هذه اللحظة وذكراه في العالم كله.. فقد أُلفت عنه كتب كثيرة وأُخرج في سيرته فيلم " أسد الصحراء" والذي تُرجم إلى عدة لغات،ولكن من يعرف شانقه اليوم؟ لقد صدق المختار عندما قال له: (إن عمري أطول من عمرك ) مع أنَّ شانقه قد مات بعده باثني عشرة سنة وأثناء طريق العودة قال لي صاحبي هل تحب أن تلتقي بآخر أولاد عمر المختار؟ فقلت له هذا ما أتمناه الآن، وبعد يوم توجهنا إلى (محمد عمر المختار) كان رجلا كبيرا في السن قد تجاوز سنه ثمانين عاما، جلسنا إليه وجعل يحدثنا عن والده البطل وكيف أنَّ شخصية المجاهد الحافظ قد أثرت فيه كثيرا وخاصة في حفظه للقرآن وحرصه على الدين وكان والده قد أرسله إلى مصر مع أمه صغيرا ليتفرغ هو للجهاد وقد شاهدنا عنده عدة صور نادرة لوالده رحمه الله، كما تعرفت على أول حفيدة له وجلست مع أبنائهما وكانت جلسة عن (عمر المختار) شعرت فيها بالقوة والشجاعة والفخر، فلقد كانت في مجملها روايات عن الإقدام والقيادة والتمسك بالدين وبالثوابت كل هذه المعاني وغيرها مرت بخاطري وأحسست بها من خلال تلك الجلسة والحديث معهم.. كان الحوار مؤثرا فقد كانوا يحدثونني عن بطولات المختار بجانب الجبل الأخضر الذي زرته بالأمس وكيف كان يتنقل بين الجبال ويختفي في بطون الوديان والكهوف وبنفس الوقت يدير حلقات تحفيظ القرآن الكريم إن المتأمل في شخصية عمر المختار يجد أنه جمع بين العلم والإعتدال وبين جهاد الذات والعدو، ولما خُيّر بين النفي خارج البلاد أو الاستسلام والإعدام، اختار حبل المشنقة على النفي وقال: (نحن لا نعرف إلا أمرين إما النصر أو الشهادة) مثل هذه الشخصية تستحق أن تكون منهجا في تعليم أبنائنا. د.جاسم محمد المطوع