الفصل الثاني عشر والثالث والرابع والخامس والسادس
(الفصل الثاني عشر / الجندي 77)
الكاتبة : شهد حسين الخطيب
استيقظت في صباح يوم كئيب , بعد أن وجدت رسالة وضعها ساعي البريد قرب الباب فأخذتها بقلق شديد وبعد أن فتحتها بدأت دموعي تنهمر بغزارة ولم استطع عندها الكلام أو حتى شرح الموضوع لرامز الذي كان واقفا إلى جانبي ينتظر معرفة سبب هذا البكاء الحار.
ثم تناول رامز الرسالة من يدي وبدء بقراءتها بصوت عالي على مسامع كل العائلة :
"من الجنرال محمد إلى رامز : بلغنا منذ فترة أن دولة ما تخطط لاستعمارنا وعليه فانه سيتم إلحاق جميع شبان الدولة إلى الجيش لتدريبهم وتجهيزهم قبل بدء الحرب حتى لا نخسر دولتنا الحبيبة وسيتم إرسال سيارة بعد خمسة أيام لنقلكم إلى القاعدة
مع كامل تحياتي لجنود الوطن "
أنهى رامز قراءة الرسالة ولم يبدو على وجهه أي علامات حزن أو تعاسة بل زاد من اطمئناني بقوله : لا مشكلة يا عزيزتي فأنا رجل ومن واجبي حماية بلدنا حتى النهاية صحيح ؟
- ( أجبته بتلعثم والدموع تملأ وجهي ) : نعم , لكن.. يا رامز هل ستعود ؟
- نعم يا عزيزتي لا تقلقي .
- لكن ماذا لو خسرنا الحرب ؟ ماذا لو أصابك مكروه ؟
- اهدئي يا عرين أعدك سنربح هذه الحرب وسأعود إليك ثقي بي يا عزيزتي .
توقفت عن البكاء لوهلة حتى رأيت خالتي والدة رامز وهي تحاول إخفاء دموعها لتهدئني ,ثم ضمني رامز بقوة وكنت اشك بأنها أخر مرة يضمني فيها
وفي ساعات المساء جلست مع خالتي نتحدث في الموضوع ونساند بعضنا البعض لنخفف عن أنفسنا قليلا .
وبعد خمس أيام ......
جهز رامز نفسه مرتديا بدله عسكرية ثم التفت ألي وقال : ما رأيك ألا أبدو أوسم بهذا الزى ؟
ضحكت وأنا امسح الدموع عن وجهي وقلت : نعم كثيرا ,لكن لدي شيء لأريه لك انتظرني هنا .
عندها توجهت إلى الخزانة وتناولت حذاء اسود داكن اشتريته من احد المحلات التي تبيع مستلزمات عسكرية وأعطيته لرامز , فقام بارتدائه وهو يمشي ذهابا وإيابا داخل الغرفة منصتا إلى صوت الطقطقات فيه ثم قال : شكرا لك يا عرين إنها هدية رائعة فعلا ,وألان علي الذهاب فالسيارة تنتظرني في الأسفل تعالي معي هيا.
نزلنا الدرج إلى ساحة المنزل حينها ودع رامز عائلته وقبل يدي أمه مرارا طالبا منها الدعاء له في غيابه وقبل أن يركب السيارة مسح بيده على رأسي وابتسم لي, ثم مضى في طريقه إلى المعسكر وكانت تلك لقطة وداع أثرت في نفسي كثيرا وبقيت ابكي على السرير بصوت مرتفع جعل العائلة تقلق علي كثيرا .....
( نستكمل في الفصل الثالث عشر )
(الفصل الثالث عشر/ الجندي77)
الكاتبة : شهد حسين الخطيب
كانت ليلة قاسية جدا .. مر الوقت بطيئا وأنا أتأمل عقارب الساعة كل حين .. انتظر اليوم الذي سيعود به رامز إلي .. أتخيل لو أني اسمع خبر استشهاده فأبكي بحرقة ثم أواسي نفسي بكلمات قليلة وأتذكر إخباره لي بأنه سيعود .. غفوت على السرير وجسدي مرهق وعيوني منتفخة من شدة البكاء ...
استيقظت لأجد نفسي في غرفة أخرى وعلى سرير يصدر صرير مزعج , تأملت سقف الغرفة الغريب وفكرت كيف ستكون حياتي بعد اليوم .. ولكن انقطعت أفكاري فجأة عندما دخل القائد بصفارته العالية وقال : تحركوا حان وقت التدريب لم نحضركم هنا لترتاحوا , قفزت عن السرير بسرعة وارتديت الحذاء الذي أهدتني إياه عرين وتوجهنا إلى ساحة التدريب مصطفين خلف بعضنا البعض عندما همس لي جندي يقف أمامي في الصف : مرحبا
- أهلا
- ما اسمك ؟
- أنا رامز وأنت ؟
- أنا عامر سررت بالتعرف أليك
- وأنا أيضا
وفي هذه الأثناء سمعنا القائد يقرأ علينا قواعد وقوانين ثم قال لنا : من اليوم سأعطي كل منكم اسمه الجديد .. بدأ إعطائنا الأرقام وبصوته المرتفع كان ينادي على كل جندي منا ويعطيه اسمه الجديد .. تقدم إلينا القائد ونظر إلى زميل يقف أمام عامر ثم مشى بنظراته ألينا ثم قال لذاك الشاب : أنت الجندي 75 .. وخاطب عامر : وأنت 76 ثم نظر لي وقال : من ألان ستكون أنت ( الجندي 77 ) مفهوم !!
من هنا بدأت التدريبات القاسية ,استيقاظ في الساعة الرابعة صباحا , وتمارين الضغط والزحف حتى منتصف الليل ثم العودة إلى الثكنة العسكرية ونحن لا نشعر بأطرافنا .. نذهب لنستحم وتلميع أحذيتنا للتفتيش غدا , وهكذا استمرت المعاناة في أول أسبوع لي , بالإضافة إلى الطعام الروتيني المكون من حبة بطاطس مسلوقة وكوب حليب في كل صباح .
وفي صباح اليوم التالي .... حضر القائد للتفتيش على اللباس الكامل واصطففنا قرب الباب وبدأ تفتيش الواحد تلو الأخر ,حتى وصل إلي وبدء ينظر إلى ذقني الذي أتقنت حلاقته والى زيي النظيف والمكوي ثم أحنى ظهره ليرى مدى نظافة حذائي عندها أذن لي بالخروج للتدريب , وانتقل إلى الجندي التالي وعندما رآه .. علا صراخه ليفزع جميع الجنود في الصف وقال : ما هذا ؟ هل تظن حذائك نظيف هكذا ؟
- سيدي ... لقد سهرت الليل عليه ليصبح هكذا , وعندما نظرت إلى الحذاء كان نظيفا للغاية فاستغرب الجميع , كيف يمكن أن يبدو أنظف ؟ عندها أكمل القائد كلامه قائلا : اليوم سأتغاضى عن هذا لكن غدا علي أن أرى انعكاس صورتي فيه .. مفهوم ؟
- مفهوم سيدي
كانت كل هذه القوانين الصارمة بمثابة درس علمنا نظاما لن ينسى أبدا ....
( نستكمل في الفصل الرابع عشر )
(الفصل الرابع عشر / الجندي77)
الكاتبة : شهد حسين الخطيب
مرت الأيام والشهور ومع اعتيادي على هذه القوانين ,بدأت أتأقلم مع هذا المكان وصادقت جنديا اسمه عامر كان بمثابة أخ لي يدافع عني وأدافع عنه ,حتى لا يعاقب احدنا بتلك العقوبات القاسية ...... فلا احد منا يود أن يزج في السجن لاقترافه خطأ بسيط .........
وفي ليلة الخميس كان عامر يجهز نفسه لتفتيش يوم غدا ,وقد قام بغسل ملابسه بمادة "الكاز "والماء حتى يتأكد بأنها نظيفة للغاية بعد ممارسة تمارين الزحف والضغط ,ولمع حذائه بإحدى المطهرات حتى أصبحت قادرا على رؤية انعكاس صورتي فيه, وبعد أن قاربت الساعة الثانية صباحا طلب "عامر" بأمر عسكري للحراسة .
وكان الجو غاية بالبرودة فارتدى بذلته الرطبة وجلس يتدفىء قرب كومة من الحطب..... عندها استيقظ الجميع على صوت صراخه ,بعد أن رأيناه والنار تشتعل به ,
فأسرع الجميع بركض لمحاولة إطفائه, لكن وللأسف كان قد فات الأوان ومات اعز صديق على قلبي في حادث مأساوي وقد شعرت بالأسى الشديد عليه واحدث في داخلي جرح عميق هز رجولتي .
....لكن لا مجال للحزن أو البكاء في المكان كهذا ,فنحن رجال الوطن وعلينا إكمال التدريبات حتى النهاية وعدم التوقف أمام أول عقبة ......
وبعد أن هدئ الوضع ,لم يستطع احدنا النوم مع ضرورة ذلك ... فانا لن أقوى على قضاء يوم شاق دون أن أنام أو اخذ قسط من الراحة .
وفي كل محاولة إقفال عيناي اسمع شهيق احد الجنود الذين يحاولون كبت مشاعرهم حتى يقال عنهم رجالا رغم وجود طفل صغير داخله يبكي اثر ما جرى أمام أم عينه من حوادث مؤلمة .
وأصبحت في نفس كل منا شعور بأنهم لن يعيشوا حتى الغد !!!!
( نستكمل في الفصل الخامس عشر )
(الفصل الخامس عشر / الجندي77)
الكاتبة : شهد حسين الخطيب
انتهت مأساة عامر وعدنا بكد لإكمال التدريبات ...... وكل منا يرغب بكوب من الماء البارد بعد ركضنا تحت أشعت الشمس حارقة حتى الساعة الرابعة مساء , وفي هذه الأثناء سمعنا صوت الطاهي "خالد" ينادينا لتناول الغداء , فبث بداخلنا الحياة من جديد وتحركنا إلى الثكنة العسكرية ليحضر كل منا صحنه ومنشفته واصطففنا خلف بعضنا البعض متجهين إلى المطبخ لتناول الطعام ..........
وعندما دخلت المطبخ لأخذ طعامي تفاجئنا برؤية قطة صغير قرب الموقد !! مختبئة خوفا منا , فحاول الطاهي إخراجها بعنف وهو يرفسها بقدمه ويضربها بملعقة الطعام ساخنة وبعد أن لامست الملعقة جسد القطة المسكينة قفزت من مكانها بسرعة لتسقط في قدر الطعام المليء بالحساء الساخن !!
بعدها اخرج الطاهي القطة الميتة من القدر وأكمل طهوه بدون أي مشاكل ,ثم قدمه لنا وكأن شيء لم يكن ....!!
كان ابتلاع الطعام صعبا جدا, ونحن نعلم حقيقة إعداد هذا الطبق ,لكن عدم تناولنا إياه يمكن أن يؤدي إلى هلاكنا فلن نستطيع البقاء صامدين للغد مع ممارسة التمارين المرهقة ,اظنن أن معدتي ستبدأ بهضم نفسها ذلك الحين .
وبعد إنهاء تلك الوجبة خرجت للحراسة ليلا وأنا امشي ذهابا وإيابا لأحمي المعسكر حتى الصباح .......وفجأة سمعت صوت انفجار مدوي قادما من بعيد فتحركت لأرى سبب ذلك الانفجار وقد خرج كل الجنود من المعسكر حاملين البنادق ومجهزين أنفسهم.
عندها جاء جندي من أخر المعسكر وهو يصيح بأعلى صوته : لقد بدأت الحرب ! لقد بدأت الحرب ! والمستعمرين أصبحوا داخل البلد !! تحركوا يا جنود.... بسرعة !!
(نستكمل في الفصل السادس عشر )
(الفصل السادس عشر/ الجندي77)
الكاتبة :شهد حسين الخطيب
تجمعنا مع كل تلك الفوضى لنسمع أوامر القائد قبل انطلاقنا إلى مصرعنا وقال : الحرب بدأت وألان علينا حماية وطننا حتى النهاية , مفهوم يا جنود ؟
- ( الجميع بهمة عالية ) : نعم يا سيدي
- وألان سيتم توزيعكم إلى مجموعة من الفرق وكل منكم مسئول عن منطقة ما في هذا البلد , فليحمل الجميع البندقيات وليملأ جيوبه بالرصاص ومهما حصل سننتصر في هذه الحرب ولن نتراجع أبدا .
- (صرخ الجميع بأعلى صوت ): نعم يا سيدي
- سأعطي كل منكم شارة تحمل اسمه العسكري الصقوها أعلى بذلتكم وبعد ذلك سأبدأ بتوزيعكم هيا .
ألصقت الشارة على كتفي وملئت جيوبي بذخيرة من الرصاص وانتظرت توزيع الفرق وأنا آمل أن أكون من الجنود الذين يحمون قريتنا حتى أبقى إلى جانب عائلتي وزوجتي , ثم عاود القائد ندائنا لتقسيم وللأسف لم يختارني لحماية قريتي وسأبقى في مناطق قرب المعسكر حتى نهاية الحرب .
وبعد ربع ساعة .....
تحركت الدبابات وانطلقنا خارج المعسكر وكل منا اخذ موقعه الذي أعطاه إياه القائد وصوت القنابل والانفجار العنيف لم يهدأ حتى صباح اليوم التالي وأنا أحاول النظر إلى منزلي إذا كان قد صمد أو لا ..
وفجأة تقدمت مجموعة من جنود المستعمرين حاملين البنادق ويطلقون علينا عندها بدأنا بإطلاق النار عليهم تارة ونختبئ تارة أخرى وقد أجدى ذلك بنفع فقد أصبنا الكثير منهم رغم خسارتنا جنديين من صفوفنا ,وفجأة انطلقت رصاصة طائشة محاولتا قتلي بعد أن اخترقت كتفي ممزقة معها بذلتي عندها اختبأت خلف مجموعة ن الصناديق وخلعت قميصي وقمت بربطة على ذراعي لأخفف من نزيف وأكملت إطلاق النار لأحمي وطني وعائلتي !!! ثم لم اعد احتمل أكثر وكان علي الجلوس لارتاح ومعالجة نفسي قبل أن يفوت الأوان !!!
( نستكمل في الفصل السابع عشر )