سيدنا عمر رضي الله عنه كان له اخ فى الله فذهب الأخ الذي آخاه في الله إلى بلاد الشام فسأل عنه فجاء من يخبره بأنه يتعاطى الخمر ، فقال عمر: أعطوني ورقة وقلماً وكتب إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم
{حم{1} تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{2} غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ{3} غافر
وتحت الآية كتب إذا بلغك كتابي هذا فانزع عما أنت فيه وتب إلى ربك عز وجل، لماذا؟ كانوا جميعاً يقولون
، سيدنا أنس وسيدنا أبو هريرة وسيدنا أبو الدرداء ، كانوا يقولون
: "أخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننصح لكل مؤمن" لماذا نتآخى إذاً؟ لكي ننصح بعض
هل ننصح بعض بالدنيا؟ إن الدنيا لا تحتاج من أحد أن ينصح الآخر فيها فلو ترك الإنسان أمر الدنيا لنفسه فإن نفسه تعرف حيل الدنيا وخدعها جيداً ، لكن يجب أن تكون النصيحة في التعريف بالدنيا ، حتى لا تضحك علينا وتشغلنا عمن يقول للشيء كن فيكون ونقول كما قال الله في شأن قوم
{رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} المؤمنون
أو يقول الإنسان عند خروجه من الدنيا
{يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} الزمر56
فالمهم أن تعرف منزلتك عند خروجك من الدنيا؟ فإذا كان معك خمسين دكتوراه من الدنيا فإنها كلها زائلة وباطلة لكنك عند خروجك من هنا وعند باب جمارك البرزخ تجد مكتوباً
{هُمْ دَرَجَاتٌ} آل عمران163
ما درجة هذا القادم لكي يستقبلوه؟ يا ترى هل يأتي الجماعة المخبرين لكي يقبضوا عليه؟ وهذا وارد؟ أو يا ترى هل سيأتي جماعة من ملائكة الرحمة ليستقبلوه؟ أو يا ترى هل سيأتي زعماء الملائكة لكي يعظموه؟ أو يا ترى هل سيأتي الصالحين والنبيين لكي يبشروه؟ أو يا ترى سيأتي الأمين جبريل والحَبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم لكي يهنئوه؟ وكل واحد على حسب درجته ومنزلته
{هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ}
فدرجتك هي ما قدمت يداك وما قدمته لمولاك
{وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ} البقرة110
فقد أخذوا العهد على بعضهم أن ينصحوا بعضهم البعض ، لكن من يقول لا شأن لي فهذه ليست إخوة في الله ولله ولكنها أحوال البطالين وقريباً والعياذ بالله من أحوال المنافقين ، ولكن أحوال المؤمنين هي:
"الدين النصيحة" ومن لا يقبل النصيحة فليس منهم
{وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} الأعراف79
فإن هذا والعياذ بالله ليس من صفوف المؤمنين لأن المؤمن يقبل النصيحة من أخيه حتى ولو كان أقل منه ، وكان سيدنا عمر يقول:
"رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوب نفسي"
ولذلك عندما ذهبت النصيحة لمن يتعاطى الخمر قال: جزى الله عمر عني خيراً تبت إلى الله ورجعت إلى الله وأنبت إلى الله وعاهد الله ألا يعود لهذا الذنب مرة أخرى أبداً ، وهذه كانت أحوال أصحاب رسول الله ولهم في هذا المجال أمثلة لا تعد ولا تحد يضيق عن ذكرها المقال ولكنها موجودة في
صحف السيرة العطرة وطبقات الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
ولما جاء السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين أداموا هذا الأمر وقالوا نمشي على العهد عملاً بقول الله
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام90
ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يجلسون مع بعضهم ، وهذه المجالس كانت تخلو من الغيبة والنميمة ولا تجد فيها قيل ولا قال ،
ولا ذكر الدنيا ولا الأمور الفانية ، إنما تذكير بالآخرة والأعمال الصالحة والأخلاق الراقية ليعينوا بعضهم البعض على السير إلى الله لكي يخرج الواحد منهم من الدنيا ومعه شهادة تقدير من العلي القدير