يصطفون والملابس الثقيلة المتراكمة ما عادت تجدي نفعًا، أمام الساعات الطويلة التي يقضيها المواطنون أمام محطات الوقود ومستودعات البوتجاز، لعل يحدث بعد الوقت الطويل أمر ويحصلون على مرادهم، ويعودون سالمين إلى بيوتهم، دون أن يُصاب أحدهم في "الخناقات" ليحصل كل منهم على "الأنبوبة" أو "يُموّن سيارته" أولًا، أو يكون من بين حالات إغماء التي تصيب السيدات، اللائى يتزاحمن أمام المستودعات.
ورث الرئيس عبدالفتاح السيسي أزمة الوقود من سابقيه، ولم يكن الدكتور خالد حنفي وزير التموين، أسعد حظًا من سابقيه، حيث تسبب تعرض البلاد لموجة من الطقس السيئ في تفاقم أزمة نقص أنابيب البوتجاز بشكل ملحوظ في عدد من المحافظات، ما قابله تصريحات من الوزير بوجود تنسيق مع وزارة البترول ورفع الإنتاج الخاص بأنابيب البوتاجاز إلى 100% لمواجهة الأزمة الحالية، ولكن اشتدت الأزمة، عقب أيام من تلك التصريحات، حتى وصل الأمر إلى وفاة أحد المواطنين فرحا بحصوله على أنبوبة بوتاجاز بعد طول انتظار.
عرض السيسي ما تحتاجه مصر حتى تُحل أزمة الطاقة والوقود، من خلال كلمته التي ألقاها في يوم الفلاح في سبتمبر 2025، وشرح حجم الأزمة، وما تحتاجه مصر لحلها في ظل تفاقمها وشعور المواطنين بالأزمة، بخاصة بعد "المناورة" الشهيرة، وأشار إلى احتياج مصر لـ2500 ميجا من الطاقة كل عام، كما تحتاج 5 مليارات جنيه، كقيمة شهرية.
استمرت أزمة البوتاجاز في القاهرة والجيزة على الرغم من تصريحات المسؤولين بقرب حل الأزمة، ووصل سعر الأسطوانة الصغيرة إلى 50 جنيهًا والكبيرة إلى 80 جنيهًا، وشهدت بعض المناطق طوابير طويلة أمام المستودعات للحصول على أسطوانة البوتاجاز، في ظل انخفاض درجات الحرارة ومعاناة المواطنين من برد الشتاء الماضي، حتى طالبت محافظة القاهرة وزارتَي البترول والتموين بطرح كميات إضافية من أسطوانات البوتاجاز، وتشديد الرقابة على منافذ التوزيع لسد العجز بين الكميات المطروحة بالأسواق واحتياجات المواطنين، خصوصًا بعد تفاقم الأزمة.
وفي أكتوبر 2025، شهدت مختلف المحافظات أزمة حادة في البنزين، وعادت طوابير السيارات للظهور أمام محطات الوقود، واستغل تجار السوق السوداء الأزمة، وباعوا البنزين بأسعار أعلى من المقررة، فيما اشتكى أهالي القرى ببعض المحافظات من اختفاء أسطوانات البوتاجاز في رابع أيام عيد الأضحى المبارك.
وفي يناير 2025، قال المتحدث باسم وزارة البترول المهندس حمدي عبدالعزيز، إن أزمة أنابيب البوتاجاز تسبب فيها توقف حركة الموانئ بسبب سوء الأحوال الجوية، الأمر الذي أدى إلى استهلاك المخزون الإستراتيجي من الأنابيب.
وبتاريخ 12 مايو 2025، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إننا نواجه تحديات ضخمة في مجال الطاقة البترول وتم تنفيذ مشروعات بنحو 31.3 مليار للتنقيب والتكرير ومشروعات البيتروكيماويات وتنمية حقول الغاز. واستكمل، في حديثه الشهري للشعب المصري، "على سبيل المثال في مجال الكهرباء، الأزمة هنا ليس نقص الغاز فقط ولكن قوة ضخ الغاز في التشغيل ومحطات الكهرباء". وأضاف السيسي "لن أفصح عن التفاصيل، لأن أهل الشر لما نشاور لهم على الخير يروحوا عشان يخلوه شر".
وفي كلمته التي ألقاها في القمة العالمية الثامنة لطاقة المستقبل التي انعقدت في الإمارات في يناير 2025، تطرق السيسي إلى الخطة الأستراتيجية الموضوعة لحل أزمة الطاقة والوقود، وأكد أن مصر تضع خطة شاملة لإصلاح الطاقة على مدار 5 سنوات، وتشمل الإستراتيجية تحويل البلاد لمركز محوري لتبادل وتجارة الطاقة، من خلال عدة مشاريع منها توفير البنية التحتية على رأسها قناة السويس، بخاصة في ظل التوسعة الجديدة التي تتم حاليًا، وأضاف "كما تم تنفيذ عدد من المشروعات الناجحة، مثل مشروعات توليد الطاقة في الزعفرانة، وأعمال جبل الزيت وخليج السويس، والطاقة الشمسية"، مؤكدًا أن مصر ستعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 20%، وتابع "خططنا الطموحة تتطلب مشاركة القطاع الخاص، ومصر تسعى لوجود 4000 ميجاوات من محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح خلال الـ3 سنوات المقبلة"، وقال إن تقدم حدث في مجال الطاقة، مضيفًا أن مستقبل الدول المتقدمة يقاس باستخدام الدولة للطاقة النظيفة، مؤكدًا أن مصر تسعى للاستفادة من الزخم الموجود في مجال الكهرباء بعدد من القطاعات من خلال خريطة استثمارية موحدة في مصر.
كما حلت أزمة "الطاقة" ضيفًا أساسيًا على مؤتمر "دعم وتنمية الاقتصاد المصري" الذي انعقد في شرم الشيخ مارس الماضي، وكان لها نصيب كبير من المشاريع، حيث وقّعت وزارة البترول اتفاقية مع شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية بقيمة 12 مليار دولار، تهدف إلى استخراج الغاز الطبيعي من غرب الدلتا، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج من المشروع خلال سنتين، فضلاً عن اتفاقية أخرى مع شركة "بريتش جاز" البريطانية، للتنقيب عن البترول، بحجم استثمار يقدر بأربعة مليارات دولار أمريكي.
من جانبه، قال الدكتور رمضان أبو العلا أستاذ هندسة البترول بجامعة قناة السويس، أن هناك جهودا حثيثة قد بذلت في قطاع الطاقة، لكن جميعها لا ترتقي إلى طموحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، وليست بنفس القوة التي كان يرغبها الرئيس.
وأشار أبو العلا، في تصريح لـ"الوطن"، إلى أنه تم توقيع اتفاقيات عدة مع شركات البترول بنحو 12 مليار دولار، ولكن جميعها إنجازات لا يشعر بها المواطن العادي، لافتًا إلى أن جميعها يستخدم في التنقيب عن البترول واكتشاف الغاز في المياه العميقة.
وأرجع أستاذ هندسة البترول بجامعة قناة السويس، التأخر الشكلي الموجود في مشروعات الطاقة إلى أن العقلية التي تدير القطاع هي نفسها التي كانت تديره خلال السنوات السابقة في الأنظمة السابقة.
وأوضح أن إنجازات الرئيس عبدالفتاح السيسي في مجال الطاقة كبيرة للغاية، ولكن مردودها على المواطن العادي محدود وغير محسوب، مؤكدًا على ضرورة إعطاء الفرص لشركات البترول الوطنية، حتى تدخل القيمة بالكامل داخل الموازنة العامة للدولة عند حال وجود اكتشافات.
وتابع: "مصر لديها إتفاقيات طويلة الأجل لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى بعض الدول في الخارج، لافتًا إلى أن التزام الدولة بتنفيذ هذ الاتفاقيات، لا يمكنها من توصيل الغاز إلى القرى والنجوع والأماكن النائية والبعيدة، بل على العكس فقد توقفت بعض المصانع تمامًا، وهناك مصانع أخرى لم تعد بكامل طاقتها".
كما قال الدكتور ماهر عزيز استشاري البيئة وتغير المناخ والطاقة، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي بذل إنجازات كبيرة في مجال الطاقة، سوف يجني الشعب المصري ثمارها خلال عامين أو ثلاثة، وهذا يعد أسرع بكثيير مما كان يمكن تصوره، لافتًا إلى أن الرئيس "قام بنجاحات كبيرة في أوقات وجيزة".
وأوضح عزيز، في تصريح لـ"الوطن"، أن أهم إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي في مجال الطاقة هو إعلانه عن إستراتيجية للخروج من أزمة الطاقة نهائيًا خلال خطاب الذي ألقاه في مؤتمر الطاقة العالمي يوم 19يناير في أبوظبي.
وأضاف أن الإستراتيجة التي وضعها الرئيس السيسي تتضمن خمسة محاور رئيسية، منها تنويع مصادر الطاقة، وإعادة هيكلة أسعار الطاقة بما لا يمس الفئة محدودة الدخل، بما يعني رفع الدعم تدريجيًا عن الطاقة، وزيادة استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، وتحويل مصر إلى مركز محوري لتجارة وتبادل الطاقة، وتعظيم مشاركة القطاع الخاص وإزالة العراقيل التي تعوق العمل.