"السياسة الخارجية"، ملف معقد واجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ الأيام الأولى لتوليه حكم البلاد في 8 يونيو الماضي، حيث كان التوتر سمة حاضرة في علاقات مصر الثنائية مع العديد من دول العالم، في أعقاب ثورة 30 يونيو التي رفضت العديد من الدول الاعتراف بشرعيتها بعد مرور عام كامل عليها، إلى جانب دعم دول أخرى جماعات ترتكب عمليات إرهابية غادرة في البلاد، فضلا عن تجميد الاتحاد الإفريقي عضوية مصر ردا على ما وصفوه "الإطاحة بالحكومة المنتخبة".
الاحتفالية الكبرى التي أقيمت بقصر القبة لتنصيب المشير عبدالفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، ربما كانت الانفراجة الأولى في العلاقات المصرية مع دول العالم، حيث شهدت حضور ما يزيد على 55 ملكا ورئيسا عربيا وإسلاميا وإفريقيا، كان على رأسهم ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، والعاهل الأردني عبدالله بن الحسين، وأمير دولة الكويت صباح الجابر الصباح، والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن)، إلى جانب رئيس جمهورية الصومال، وولي عهد المملكة العربية السعودية، وولي عهد إمارة أبوظبي، إضافة إلى رؤساء وممثلين عن 24 دولة إفريقيةـ على رأسهم رئيس جمهوريات غينيا الإستوائية، وتشاد وإريتريا ومالي، ونائب الرئيس السوداني، ونائب رئيس جمهورية جنوب السودان.
علاوة على رئيس برلمان عموم إفريقيا، ومفوضة الشؤون السياسية بالاتحاد الإفريقي، ممثلةً عن رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، والسكرتير العام لتجمع الكوميسا، فضلا عن رئيس جمهورية قبرص، ورئيس البرلمان الروسي، ونائب رئيس الوزراء ووزير خارجية اليونان بوصفها (الرئيس للاتحاد الأوروبي) آنذاك، ورئيس الاتحاد البرلماني الدولي، ووكيل سكرتير عام الأمم المتحدة، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المعلوماتية الصيني، ونائب وزير خارجية إيران لشؤون الشرق الأوسط، ومستشار وزير الخارجية الأمريكي ممثلا عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
20 يوما فقط كانت كافية لاستعادة جانب كبير من علاقة مصر بقارتها الإفريقية، فشهدت غينيا الإستوائية حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي للقمة الإفريقية التي انعقدت بـ"مالابو" عاصمة غينيا الإستوائية، بصفته رئيسا لدولة من الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي وليس كضيف شرف، بعدما اعتمد مجلس السلم والأمن الإفريقي على مستوى الرؤساء قرارا صدر بعودة مصر إلى أنشطة الاتحاد الإفريقي، ليكون السيسي على موعد مع كلمة ألقاها في 28 يونيو 2025، أمام القمة الأفريقية أكد فيها على عدم توقف مصر عن الانشغال بهموم قارتها السمراء، مشددا على عدم انفصالها عن واقعها أو وجودها في القارة الإفريقية.
الوجود المصري في الملفات الإقليمية كان حاضرا بقوة في العام الأول لتولي السيسي رئاسة البلاد، حيث استضافت مصر العديد من المؤتمرات وتبنت العديد من المبادرات بشأن قضايا تخص دول المنطقة، كان أولها مؤتمر "إعادة إعمار غزة" الذي انعقد في 11 أكتوبر 2025، وانتهى إلى تعهدات من الدول المشاركة بالمؤتمر تفيد بتقديم 5.4 مليار دولار للفلسطينيين من أجل إعادة إعمار القطاع الذي تعرض للدمار بشكل كامل جراء الحرب التي قادها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار 50 يوما، ثم استضافت مصر جلستين لتقريب وجهات النظر بين الطوائف السورية من أجل إيجاد حل سياسي يحقن دماء الشعب السوري ويوافق كافة الأطراف المتناحرة.
إلى جانب، عقد جلسات مماثلة للقبائل الليبية بهدف الوصول لحل سياسي شامل في ليبيا يكفل القضاء على الجماعات الإرهابية هناك، فضلا عن استضافة مصر للقمة العربية السادسة والعشرين بشرم الشيخ في 29 مارس، التي خرجت بقرارات حاسمة أبرزها دعم الشرعية في اليمن والاتفاق على تكوين قيادة عسكرية عربية موحدة برئاسة قادة أركان حرب القوات المسلحة في كل الدول العربية.
توطيد العلاقات الثنائية بين مصر ودول العالم السمة الطاغية على جولات الرئيس عبدالفتاح السيسي الخارجية، حيث أجرى على مدار عام كامل 27 زيارة خارجية لدول عربية، على رأسها المملكة العربية السعودية ودول الكويت والإمارات العربية المتحدة والأردن والجزائر والسودان، علاوة على زيارته العديد من الدول الكبرى من أمثال روسيا الاتحادية وألمانيا وإسبانيا والمجر والصين وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا لعقد العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية الثنائية الناجحة.
إلى جانب زيارات متبادلة تمت بينه وبين رؤساء جمهورية قبرص واليونان لإتمام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع مصر، فضلا عن زيارته التاريخية لإثيوبيا التي جاءت بعد 30 عاما من الانقطاع، وشهدت توقيع اتفاقية لحل أزمة سد النهضة وضمان حصة مصر من نهر النيل، علاوة على استقبال السيسي 15 رئيس وملك الدول الصديقة لبحث العلاقات الثنائية مع مصر، ومناقشة العديد من الأزمات التي تحيط بالمنطقة، وأهمها مكافحة الإرهاب في مصر وليبيا وسوريا والعراق وغيرها.
مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري "مصر المستقبل"، الذي انعقد بشرم الشيخ في الفترة ما بين 13 و15 مارس الماضي، كان من العلامات البارزة في ملف السياسة الخارجية لمصر خلال العام الماضي، فشهد حضور وفود 36 دولة يترأسها ملوك ورؤساء دول عربية وإفريقية وأوروبية، وبلغ إجمالي الاتفاقيات التي وقعت بالمؤتمر 130 مليار دولار، حيث بلغت قيمة الاتفاقيات التي أسفرت عن توقيع عقود للاستثمار 15 مليار دولار، بينما وصلت قيمة الاتفاقيات الخاصة لنظام التنفيذ والتشغيل والتمويل إلى 18 مليار دولار، فيما بلغت قيمة المنح والقروض 5 مليارات و200 مليون دولار مع وزارة التعاون الدولي، في الوقت الذي بلغت قيمة مذكرات التفاهم التي تتحول إلى عقود خلال مدة زمنية معينة 92 مليار دولار.
الحضور المصري في المحافل الدولية الكبرى لم يتوقف، وبدأت بحضور السيسي فعاليات الدورة العادية لاجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك سبتمبر الماضي، وإبداء مصر رغبتها الترشح للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن، ثم كانت لقاءاته بالعديد من الرؤساء والملوك والمسؤولين الأممين ورجال الأعمال، وطلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مقابلته عقب انتهاء فعاليات اجتماعات الأمم المتحدة، إلى جانب حضور مصر مؤتمري "دافوس" الاقتصاديين في جينيف والأردن أكتوبر ومايو الماضيين، علاوة على استضافة مصر للقمة الإفريقية التي تنعقد خلال يونيو الجاري، واستضافتها لأعمال مؤتمر "دافوس" الاقتصادي في مايو المقبل.
"لم ننجح في توصيل صورتنا الحقيقية للخارج"، اعتراف أقره الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقده مع المستشارة الألمانية أنجلا ميركيل، عكس عدم فهم العديد من الدول لطبيعة الأوضاع في مصر بعد ثورة 30 يونيو، رغم عشرات الجولات التي أجراها الرئيس خلال عام حكمه الأول، ومساعي وزارة الخارجية الدؤوبة لتوضيح حقيقة ما يجري في مصر إلى كل دول العالم.
من جانبه، قال الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن العلاقات المصرية بالدول الكبرى باتت تسير في الاتجاه الصحيح، إلا أن السياسة الخارجية لم تسعى حتى الآن لبناء سياسة قوية مع دولة الولايات المتحدة الأمريكية.
صورة للتكامل بين القوى الكبرى يراها الدكتور علوي، في تصريحاته لـ"الوطن"، يسعى لها الرئيس بعد إتمام تصليح العلاقات المصرية مع باقي دول العالم، كما أنه بات من الضروري أن تسعى سياسة مصر الخارجية إلى التنوع والتعدد مع باقي الدول الأجنبية، مضيفًا أن الاتجاهات والسياسات المتبعة حاليا تسعى لرأب الصدع بين الدول التي خسرتها مصر من قبل.
أكد أستاذ العلوم السياسية، أن ما حدث في المؤتمر الاقتصادي بمدينة شرم الشيخ كان جهدا كلل بالنجاح وشهد به العالم أجمع، مضيفا أنه من الضروري حاليا بذل مزيد من الجهد لتغيير الصورة النمطية الشائعة عن مصر لأمريكا ودول أخرى أجنبية، حد تعبيره، مشيرًا إلى عدم تفهم الدول الأجنبية قرارات وأحكام الإعدام مثل لمصر تدخلا بالشؤون الداخلية ما يحتاج إلى تفاعل فوري مع الدول الغربية لتصحيح الصورة المغلوطة.
ويرى علوي، أن جميع الزيارات التي أجراها الرئيس السيسي خلال فترة رئاسته هامة جدا، بينما لا تزال العلاقات بين مصر وأمريكا يشوبها عددا من المشكلات ما يجعل من زيادة الجهد المصري للتعاون شرطا أساسيا، بشرط أن تدرك الولايات المتحدة أن ما حدث في مصر ليس انقلابا لكن ثورة سلمية.