الكل يبحث عن السعادة، والكل مجمع على البحث عنها، ولكن اختلف الناس في الوسائل المحصلة لها، فذاك يظنها في المال والثرى، وذاك يزعم أنها في تمكين النفس من الملذات والشهوات، وذاك يظنها في مشاهدة القنوات، ومعانــآة الفتيات، وتناول المسكرات، وذاك يظن أنها في منصب وجاه وسلطان، وتلك امرأة تظنها في لبس الضيق من الثياب أو في نزع الحجاب، أو التعلق بأحد الفتيان أو الفتيات..
وليس الأمر كذلك، فليست السعادة في مال يجمعه الإنسان وإلا لسعد قارون، وليست السعادة في الوزارة والمنصب ولو كانت كذلك لسعد هامان وزير فرعون، وليست السعادة في لذة وشهوة يقضيها الإنسان، ولا في أي أمر مما سبق ذكره، بل السعادة الحقيقة في طاعة الله، والبعد عن معصيته التي هي سبب في الفوز الأبدي:
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ سورة آل عمران(185)،
وذلك بأن يسير الإنسان في هذه الدار على الصراط المستقيم، وأن يتبع الرسول الكريم، وأن يتقي الله ويراقبه في السر والعلانية، والغيب والشهادة، فبذلك يفوز الإنسان ويسعد..
ولست أرى السعادة جمع مالـآ ولكن التقي هو السعيد1
تنال السعادة بالإقبال على الله بالطاعات، ودوام التقرب إليه سبحانه وتعالى بكثرة النوافـل، والإنابة إليه عزَّ وجل؛ فإن ذلك يوصلك إلى حلاوة الإيمان وجنة الدنيا، كما قال رب العزة والجلال:
"مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما هو؟ قال: "معرفة الله"،
وقال آخر: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف"2..
أخي المسلم: إنك لن تنال السعادة إلا في قراءة القرآن، فهو كتاب الحياة، وباب السعادة، كلما نظرت إليه أشرق في قلبك نور الإيمان،
قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا سورة التغابن(.
أخي المبارك:
إنَّ القرآن علاج الهموم، ومُزيل الغموم، ومُذْهِب الحسرات، وكاشفُ للبليَّات، فيا من أحاطت به هموم الدنيا، وأزعجـته المصائب ، أُوصِيك بأن تجلس مع القرآن في كل يوم ولمدة ساعة تقرأ فيه، وتتأمل معانيه، وتعرض نفسك عليه، فوالله سوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة..
تنال السعادة إذا كنت تاركاً للذنوب، مبتعدا عن الشهوات، وإما إذا كنت على الع***- * فإن ذلك طريقك إلى الشقـاء في الدنيا والآخرة،
وليس معنى العناية بالقرآن والأعمال الصالحة أن يترك المؤمن أعمال الدنيا التي لا بد له منها، بل إن السعيد من وفق لخيري الدنيا والآخرة..
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من أسباب السعادة والراحة المرأة الصالحة والجار الصالح والمسكن الواسع والمركب الهنيء، والإسلام لم يرفض الدنيا جملة، إنما يرفضها عندما يستغرق فيها الإنسان وقته وينسى الله واليوم الآخر، فتكون حينئذ لعنة عليه ونقمة، وتتحول لذاتها إلى شقاء ونكد إذا كانت بلاد دين ولا عقيدة.
ولا يعني القول: إن السعادة ليست في المال والجمال والشهوات المختلفة، لا يعني ذلك أن تلك أمور لا تجلب السعادة للمرء، بل إنها تجلب له السعادة ما دامت في إطار الشرع وفي دائرة الحلال والمباح إذا اجتمعت مع الدين وصلاح القلب..