بدايةً لابد من تعريف هذا الداء المستشري الذي سيكون حديث موضوعنا هذا (تسوس الأسنان). تسوس الأسنان، هو بحسب التعريف الجديد الذي قام بوضعه المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية: مرض خمجي، قابل للانتقال، ينتج عنه تخربًا في بنية السن بسبب الحموض التي تشكلها الجراثيم المتواجدة في اللويحات السنية على سطوح الأسنان بوجود السكاكر. ويؤدي هذا الخمج الى حدوث فقدان تدريجي للمعادن التي تشكل بنية السن ’’الكالسيوم أو الفوسفات’’ يبدأ من السطح الخارجي للميناء ويمكن أن يتطور الى العاج واللب ويتعرض السن لفقدان حيويته.
وفي مقارنة سريعة حول نسبة تسوس الأسنان لاسيما عند الأطفال بين الدول المتقدمة والدول النامية، نجد أنّ اتّساع الفجوة بينهما، سببه الانجازات الهامة التي توصلت اليها الدول المتقدمة، والتي أدّت إلى الانخفاض الحاد في نسبة تسوس أسنان الأطفال. وهذا الانجاز لم يكن محض صدفة، إنما هو اتباع لمجموعةٍ من الاستراتيجيات التي تمّ تطبيقها، في حين بقيت الدول النامية غارقةً في مستنقع التسوس، حيث ارتفعت النسبة فيها في السنوات الأخيرة بشكل مخيف حسب اخر الاحصاءات.
مما يدعنا أمام مجموعةٍ من التساؤلات حول أسباب ارتفاع هذه النسبة. أهي العادات الغذائية؟ أم قلة الوعي والادراك؟ أم اهمال شخصي ؟ وعلى من يقع الدور الأبرز في التوعية لوأد هذه الافة المتفشية؟ وما هو دور الأم في الحد من مخاطر التسوس لدى طفلها؟ وهل للمدرسة دور مساعد لدور الأم؟ وماهي أبرز التدابير والاستراتيجيات الي يجب علينا اتباعها من اجل أن نحذو حذو الدول المتقدمة في تجاربها الناجحة لتلاشي شبح التسوس؟
الغذاء سلاح ذو حدين
مما لا شك فيه، أن الغذاء هو العنصر الأساسي لنمو الأطفال، لذلك تحرص الأم أشد الحرص على تقديمه لطفلها بكافة أنواعه ومحتوياته خلال يومه.
ولكم غفلت الأمهات عن دور الغذاء في تسبب التسوس، وذلك لقلة الادراك والوعي عندهن، بأن نوعية الغذاء، وقوامه، وعدد الوجبات، إضافة إلى إهمال تنظيف الأسنان، هذه العوامل مجتمعة تؤثر في تسوس الأسنان.
قد يهمك أيضاً: إرشادات في تغذية الرضع والأطفال
دور الأم في انتقاء غذاء طفلها ومراقبة عاداته الغذائية:
نستخلص مما سبق، أن هنالك نوعين من الغذاء، غذاء مفيد يساعد على نمو جسم اطفالنا، وتكوين أسنانهم بشكل سليم، وغذاء ضار، يسبب لهم مشاكل ومخاطر صحية شتى. لذلك يتوجّب على الأم أن تدرك بأن سلامة أو اصابة طفلها تعود الى انتقاء نوعية الغذاء الذي يتناوله، ومراقبة العادات الغذائية التي يمارسها.
نوعية الغذاء: إن الأم التي تزوّد طفلها بكميات كبيرة من الكربوهيدرات، والحلويات المحتوية على كميات عالية من السكر، تعرض طفلها للإصابة بم
عدلات تسوّس أعلى من الطفل الذي يتناول منتجات الألبان، والألياف، الموجودة في الفاكهة والخضار، والتي تزوّده بالفيتامينات المساعدة على تكوين الأسنان وزيادة مقاومتها ضد التسوس. بالإضافة الى تحفيزها إفراز اللعاب الذي يغسل الأسنان من الأحماض.
قوام الغذاء: إن الخبز القاسي المحفز على المضغ، يؤدي الى تقوية عضلات الفكين وعدم ضمورها من جهة، ويحتك بالأسنان مؤديًا الى فركها من جهة.خرى لذلك هو أفضل من الخبز الطري. لأن هذا الأخير يتفكّك بسرعة أكبر عبر أنزيمات اللّعاب إلى سكّرياتٍ أحادية، ويلتصق أكثر على سطح الأسنان مُحدثًا تسوّسًا فيها. فيجب على الأم أن تعي، أنّ السكاكر التي تلتصق على الأسنان (سكاكر دبقة، شوكولا محشيّة، كراميل، غزل البنات، الحلويات المخبوزة، النوغا، والزبيب) تشكّل خطورةً أكبر في إحداث التسوّس.
عدد مرات تناول الغذاء: إن الطفل الذي يتناول السّكاكر ولو بكمياتٍ كبيرة، في وجبةٍ واحدةٍ ثمّ ينظّف أسنانه بعدها، هو أقل عرضةً للإصابة بالتسوّس من الطفل الذي يتناولها بكميةٍ قليلة ولكن على فترات متقاربة خلال اليوم. وذلك لأن البكتيريا يصلها باستمرار إمدادات من السّكر، لتتابع عملها في نخر السّن، بينما في الحالة الأولى، فإن البكتيريا لا تجد السّكريات اللازمة لعملها في إنتاج الأحماض بعد تفريش الأسنان.
المشروبات الغازية (الخطر اللذيذ): ولا نتناسى الضّرر الكبير الذي تسبّبه المشروبات الغازية، التي لا يستطيع البالغ منا مقاومة اغراءاتها - من شكل عبوة أو ترويج دعائي أو طعم محلى – فكيف بالطفل؟
لو أدركنا جميعًا نسبة الخطورة الكامنة في هذه المشروبات، لكنا حتمًا امتنعنا عن شربها. ولكن وبالرغم من وضع الشركات المنتجة، للمحتويات على هذه العبوات، إلا أنّنا وللأسف نتغاضى عن قراءتها، مما يجعلنا شديدي البعد عن معرفة أضرارها التي لاتعد ولا تحصى، والتي أتت على ذكرها الكثير من الدراسات المحذرة لهذه المشروبات والمتمثّلة في:
- خُلوّها من القيمة الغذائية.
- تَسبّبها في هشاشة العظام.
- اِحتوائها على مادة الكافيين التي تسبّب مشكلة امتصاص الحديد المؤدي لفقر الدم.
- تَسبّبها في قطع الشّهية.
- تَعرقلها لعملية الهضم.
- تَسبّبها بالسمنة.
- تَسبّبها باضطرابات في دور الأنزيمات الهضمية التي تفرزها المعدة.
- تَسبّبها بتكوين الحصى عبر تأثيرها في وظائف الكِلى.
- تَسبّبها بالأمراض المسرطنة، وغيرها الكثير.
- تُسبّب خطرًا على الأسنان. فحال ارتشاف الطفل لهذه المشروبات الغازية، تبدأ أضراره، فهو يسبّب مشكلتين في الفم، وهما التآكل الكيمائي للسن بفعل المياه المكربنة، وتسوّس الأسنان نتيجة احتوائها على السّكر الذي تتغذى عليه بكتيريا الفم، فتفرز الأحماض مُفكِّكةً بنيان السّن.
بدائل صحية وأساليب مشوّقة:
ما أحوجنا في بلداننا النامية لبناء جيل سليم خالٍ من شبح التسوّس. فكوني أنتِ (الأم) المرشدة الأولى في الحدّ منه، والمساهمة الأولى في نشر التوعية بدءاً بطفلك. فعلّميه ممارسة العادات الغذائية السليمة، باستبدالكِ الأطعمة المضرة بأخرى مفيدة، واشرحي له الفرق بينها، وما الذي يمكن أن تسبّبه له الأطعمة المضرة من أخطار على جسده، وبالأخص على أسنانه. واتّبعي لذلك أساليب مشوّقة، كأن تقطّعي الخضار والفاكهة بأشكال متنوعة، مستخدمة ألوانًا عدّةً للفت انتباهه وتشويقه. كما بإمكانكِ تشكيل بعض المجسمات من هذه الأطعمة، والتي ستكون حتمًا عامل جذبٍ له.
استبدلي كذلك المشروبات الغازية (الخطر اللذيذ)، بمشروبات طبيعية كالماء بين الوجبات، وعصائر الفاكهة الطازجة، بالإضافة إلى الزهورات والشاي الغير محلاة، والحليب الغني بالكالسيوم الذي يساعد على تقوية العظام والأسنان.
ولا تغفلي عن تنبيه طفلكِ للمحافظة على نظافة فمه وأسنانه، وغالبًا ما يرفض الأطفال تنظيف أسنانهم بشكل دائم ومنتظم، لذلك عليكِ بابتكار طرقٍ عديدة لجذبه لهذا الأمر. كأن تتّبعين
أسلوب اللّعب، كالسباق مثلاً حيث تقومان بالرّكض معًا للوصول الى نقطةٍ معينة. ثمّ يأتي دور الطّعام، فتبدئين بالعدّ( 1،2،3) ثمّ تسألينه من سينهي طعامه اولاً؟ والأن حان وقت تفريش الأسنان، من سينهي بسرعة ليفوز؟ هذه الطريقة تحفّز الطفل على تنظيف أسنانه دون ملل. إضافة إلى اللّعب، لابد لكِ من اتباع
أسلوب الترغيب من خلال احضاركِ له فرشاةَ أسنانٍ بلونٍ يختاره بنفسه، أو لإحدى الشخصيات الكرتونية التي يحبها، ومعجون يحتوي على منكهات. ولا مانع من استخدام
الأسلوب التشجيعي، كأن تعطيه هديةً رمزيةً ( كالملصقات) في نهاية اليوم، إذا قام بتفريش أسنانه مرات ثلاث، أو بعد كل وجبة طعام، دون أن ينسى، مما يشجعه على ممارسة هذه العادة حتى الكبر.
تابعي نظام طفلكِ الصّحي مع بداية عامه المدرسي الجديد من خلال تحضيركِ لزاده الذي يكفيه، ويبعده عن ارتياد المقصف المدرسي، الذي غالبًا وللأسف لا يخضع لرقابة إدارية لناحيةِ الأطعمة والمشروبات التي تباع فيه، فالشيبس، والمشروبات الغازية، والسكاكر على أنواعها تشكّل سِلعهُ الأساسية.
المدرسة والأم دور مشترك:
وهنا يأتي دور المدرسة المكمل لدور الأم بمراقبة المقصف. فتلزمه بجلب وبيع السلع الغذائية المفيدة، وتمنعه عن بيع السلع المضرة، وبذلك تساهم في الحدّ من ممارسة السلوكيات الغذائية الخاطئة.
ودور المدرسة لا يقف عند هذا الحدّ، فلا بد من إقامة دورات توعية وتثقيف لأولياء الأمور والأطفال على حدٍّ سواء، متّبعةً بذلك الطرق العلمية الحديثة المعتمدة على التّمثيل والتّطبيق.
ولا ننسى الدّور المهم للطاقم التعليمي، في إرشاد الأطفال وتذكيرهم بأهمية المحافظة على نظافة وسلامة أسنانهم، وضرورة الزّيارة المنتظمة لعيادة طبيب الأسنان.
وأخيراً وليس آخراً... مما لاشكّ فيه أنّ تقيدكِ بهذه النّصائح والارشادات جميعها، واتباعكِ لها مع طفلكِ منذ الصّغر، تُجنّبكِ القلق حيال صحته، وتُجنّبه التّعرض لتلف أسنانه اللّبنية، التي هي أساس قوة أسنانه الدائمة. وبالتالي ستنعمين براحةٍ واطمئنان، وينعم هو بالصّحة والسّلامة.