يكتب الحب كلمات لا نستطيع ان نعبّر بها عمّا بداخلنا , و عمّا تحمله قلوبنا من مشاعر الحب و الوفاء و الإخلاص و التضحية.. فهذه القصة لشابة تدعى رزان , كانت في سنتها الأولى
الجامعية .. تميزت بشخصيتها الحزنية و المنطوية , فهي لا تملك أيّ صديق ..كما انها خجولة لدرجة تمنعها من الدفاع عن نفسها...و تعيسة لأنها الأفقر بين زملائها !
و حتى بعد وصولها للمرحلة الثانية , كانت مازالت لم تحظى بأيّ صديق .. و حظّها لم يتغير بل صار اسوء , بعد ان بات الكلّ يلقّبها : بالبنت الفقيرة التي لولا حصولها على المنحة الدراسية , لما تمكّنت ابداً من التسجيل بهذه الجامعة الراقية , و لهذا صارت محطّ سخرية الجميع
و مرّت الأيام بنفس الروتين المملّ , الى ان انتقل حديثاً لجامعتهم , طالبٌ وسيم من عائلة غنيّة يدعى امجد .. و بوقتٍ قياسي صار هو الطالب الأشهر هناك , حيث تسابقت الفتيات لسرقة قلبه
, لكن لم تنجح ايّاً منهنّ في ذلك ..
و في احد الأيام و بينما امجد يمشي في ساحة الجامعة مع اصدقائه , لمح من بعيد فتاةً حسناء , شعرها بلون اشعة الشمس تجلس و هي تقرأ كتاباً فوق احدى المقاعد لوحدها .. فشعر بأنه يريد
الذهاب اليها و محادثتها , الا ان صديقه امسكه بعد ان لاحظ نظرات امجد اليها .. و قال له :
-دعك منها يا امجد .. فهي فتاةٌ فقيرة , و لا تناسب ابداً مستواك
فغيّر امجد رأيه و اكمل طريقه مع اصدقائه ..
و في تلك الليلة , حاول النوم كثيراً الاّ ان باله كان مشغولاً بتلك الفتاة
و في اليوم التالي , وجدها في نفس المكان بحديقة الجامعة .. فأقترب منها و سألها :
-مرحباً ..انا امجد .. هل تسمحين لي بالجلوس بجانبك ؟
فاومأت برأسها ايجاباً بخجل .. و بعد ان جلس سألها :
-هل ستعتبري سؤالي تطفّلاً , ان سألتك عن اسمك ؟
فأجابت بتردّد , و هي ما تزال تضع عينيها في الكتاب الذي تحمله
-رزان
-آه رزان .. كأني سمعت بعض الطلبة يردّدون اسمك اليوم !
-(مقاطعاً) لا تكملي رجاءً !! فأنا لا تهمّني هذه الأمور .. لكني كنت اقصد , بأني سمعت بعض الطلاب يخبرون بعضهم ان غداً هو عيد ميلادك ..اليس كذلك ؟
-(متفاجئة) : و لما يهتمّون بعيد ميلادي ؟!
الاّ ان الإجابة على هذا السؤال كان في اليوم التالي .. حين دخلت رزان قاعة الدراسة , لتتفاجأ بالزينة و تصفيق الطلاب لها , و هم يقولون : كل عام و انت بخير , يا رزان !!!
بينما تجمّدت رزان في مكانها و هي مصدومة تماماً ! و قبل ان تكتمل فرحتها , اقتربت منها نفس الفتاة التي كانت تطلق عليها الشائعات و السخريات طوال سنتين , و قالت لها :
-اريد ان اقدّم لك هدية يا رزان , كيّ اعتذر عن مضايقاتي المتكرّرة لكِ
ثم رفعت الغطاء عن شيٍ كبير , كان موضوعاً فوق الطاولة , لتظهر سلّة مهملات كبيرة مزيّنة , و عليها ورقة مكتوبٌ فيها :
(كل عام و انت بخير , يا فقيرة)
و هنا !! ضحك الجميع ساخراً .. بينما اسرعت رزان بالخروج , لتصطدم بأمجد الذي كان يدخل القاعة ..
-رزان توقفي , مالذي جرى لكِ ؟
الاّ انها اكملت طريقها الى الحديقة و هي تبكي بقهر .. بينما كان امجد يعاتب الجميع بغضب بعد ان رأى فعلتهم الشنيعة..
ثم اسرع الى ساحة الجامعة للبحث عنها , فسمع بكاءً قادماً من الحديقة .. فجلس بجانبها على الأرض العشبية .. و صار يعتذر لها عن حماقات اصدقائه
-لا تعتذر يا امجد , هذا ليس خطأك .. كان اهلي معهم حق !! انا لا انتمي الى هذه الجامعة , و لا الى عالمكم
-سأجيبك على هذا الكلام بعد ايام , انتظريني
- (متفاجئة) ماذا تقصد ؟!
الاّ انه لم يجبها , بل امسك يدها و رفعها عن الأرض .. و قال :
-اليوم عيد ميلادك , دعينا لا نضيع الوقت
ثم اخذها الى مطعمٍ راقي قرب الشاطىء , و جلس يحدّثها بحنان حتى غابت الشمس .. ثم اعادها بسيارته الفارهة الى حارتها البسيطة ..
و في اليوم التالي , انتظر امجد قرب باب الجامعة ..و ما ان رآها , حتى اقترب منها و امسك يدها
-ماذا تفعل يا امجد ؟! هكذا سيرانا الجميع !
بابتسامة حنونة :
-و هذا بالضبط ما اريده !!
-امجد ..الموضوع صعب ..رجاءً اترك يدي
-فقال لها بصوتٍ حاني : تواعدنا ان نبقى سويّاً مدى الحياة ..ان نجعل حبنا يفوق الخيال .. و ان نكتب قصتنا في كل مكان , و نغسل قلوبنا من نهر العذاب.. احبك يا رزان .. احبك حقاً !!
-(بخجل) : و انا ايضاً
-اذاً !! هيا بنا
و هنا ! تفاجأ الطلاب بدخوله ممسكاً بيدها .. و كانت اشدهم غيرة , هي نفس تلك الفتاة صاحبة فكرة عيد الميلاد .. و لذلك اسرعت بنشر الشائعات : بأن الفقيرة تحاول استغلال الغني .. و
بأنها سحرته .. و شائعة اخرى : بأنها حامل منه , و هو خائفٌ عليها من عقاب اهلها .. و غيرها من الشائعات الجارحة ..لكن كل هذا لم يبعد الحبيبين عن بعضهما .. فلم يعد امام تلك الفتاة الغيورة الا ان توصل الخبر الى والده , خاصة بعد ان عرفت بأن امجد طلب يد رزان , و قد ذاع هذا الخبر في كل الجامعة كالنار في الهشيم .. و لذلك ذهبت الحاقدة الى شركة والده و اخبرته برزان , بعد ان شوّهت صورتها تماماً
و في نفس الليلة .. حصلت مشادة عنيفة بين والد امجد و ابنه , الذي رفض تماماً تزويج ابنه الوحيد من فتاة فقيرة ..
-انا احبها يا ابي , و لن اتزوج غيرها !!
- ان تزوجتها , فسأحرمك من الميراث.. اسمعت يا ولد !!
-لا يهم ابي ..حقاً لا يهم
و خرج امجد من منزل والده غاضباً ..
و في اليوم التالي .. التقى الحبيبان .. و اخبرها امجد بما حصل معه البارحة..
-(حزينة) : و كيف سنتزوج الآن , و والدك غير راضي بالموضوع ؟!
-لا يهم يا رزان ..سنتزوج ولوّ لم يكن موجوداً .. هيا لنذهب !!
-الى اين ؟!
-علينا ان نحجز قاعة العرس , و نشتري الخواتم , و ثياب العرس .. امامنا الكثير من العمل ..هيا بنا !!
و بعد اسبوعين .. دخل العريسان صالة الأفراح بزفّة فخمة على وقع الطبل و الزمر .. و بدا كل شيءٍ جميل .. حتى وصلا لنهاية الحفل .. لكن قبل ان يذهبا العريسان الى الفندق , و قبل
خروجهما من الصالة .. تفاجأ الجميع بدخول رجلٍ سكران الى الصالة , و هو يصرخ و يشتم العروس و اهلها بأعلى صوته , حيث كان يحمل بيده زجاجة الخمر , بينما يحمل بيده الأخرى المسدس .. و لم يعرفه احد , قبل ان يصرخ امجد :
-ابي !! ماذا تفعل ؟! اخفض المسدس , رجاءً !!
لكن الأب السكران اكمل كلامه مع العروس , و قال لها مهددّاً و مصوّباً المسدس نحوها :
-سآخد روحك كما أخذتي مني ولدي , ايتها الحقيرة !!
و اطلق النار , الاّ ان امجد اسرع بحماية عروسه ..لتستقرّ تلك الطلقة في قلبه ..فانهار جسده بين احضان رزان التي تلطّخ فستانها الأبيض بدمائه .. و ارتفع الصراخ في ارجاء الصالة , الذي لم يكن كصراخ الأب الذي انهار على الأرض و هو يلعن نفسه و يبكي بقهر.. ثم صرخ قائلاً :
-لن تموت قبلي يا ولدي !!
ثم اطلق النار على رأسه , فمات الوالد منتحراً.. بينما كان امجد يتنفّس بصعوبة , و هو يهمس لزوجته بكلماته الأخيرة :