رد: كل يوم قصة قصيرة
أم الأربعة وأربعين
اعتاد التبضع من متجر صغير لامرأة في العقد الرابع من عمرها، متوسطة الطول، نحيفة مثل دمية بامبي. شعرها كستنائي اللون، أملس طويل. ووجهها مدور وبدون تجاعيد. صبغت خدودها باللون الأحمر. بدلت عيناها بفلقتي جوز طلياني.وقفت وجهها للباب ومؤخرتها للرفوف القليلة التي بدت فارغة على عكس كل المتاجر. رف طويل ووحيد اصطفت فوقه زجاجات البيرة المحلية، بعضها بكحول والبعض الآخر لمن هم مثله بلا كحول. خلف صف البيرة وقفت بضع زجاجات لنوع رديء من الفودكا.وفي الصف الأخير زجاجات عصير التفاح. أما الرف المتقدم فقد عج بالخبز الساخن، الطري و الشهي. الذي اعتاد أن يشتريه كل يوم وهو عائد من الجامعة. دخل الدكان وألقى التحية على السيدة التي بدت كراقصة من خلال وقفتها الشمعدانية ويدها المثبتة حول خصرها. ردت عليه بأحسن منها مع بحة مفتعلة في الصوت بعثرت كلماتها على مسامعه. قالت خبزك جاهز، لقد وضعت لك جانباً أشهى رغيف، وزدت فوقه ثلاث خبزات صغيرة لم تأكل مثلها من قبل. جربها اليوم وقل لي غداً رأيك بها. إنها من مخبز معروف في القرية المجاورة.بدأت التعامل مع المخبز الريفي منذ صباح هذا اليوم. خبز الفلاحين فيه الخير، انه ملح البلد، فإذا فسد ملح الريف فسدت البلاد. تناول الخبز بعد أن شكرها. وضع يده في جيبه لكنه لم يجد محفظته. ارتبك قليلا ولم يعد يعرف كيف يتصرف. لاحظت أم الأربعة واربيعن (هكذا كان يلقبها) ارتباك ابن العشرين(هكذا كانت تلقبه). هل نسيت محفظتك أم ترى ضاعت منك؟؟ أو أن احدهم انتشلها وأنت تفكر بدروسك وواجباتك الجامعية في الأوتوبيس اللعين. الذي رغم ضيقه يتسع للعشرات مرة واحدة. هل جلست بالقرب من شخص ما لم يرق لك؟ هل جلست بالقرب منك فتاة ما؟ أم تراك قضيت الرحلة واقفاً بين المسافرين، كأنك في يوم الحشر؟؟؟ على كل حال لا أريد مالاً اليوم، بامكانك تسديده في أي وقت آخر. رغب بشراء زجاجة بيرة بصفات معينة تتفق والمعتقدات التي تربى عليها. لكنه تراجع عن الفكرة بسبب المحفظة.
حين باغته صوتها كان قد التف كي يخرج من الدكان.
ماذا تفعل ليلة السبت؟
رد بصوت خافت لا شيء في برنامجي.
إذا أنت مدعو لسهرة ريفية.. سوف تتعرف على الريف وناسه وعلى عاداتهم وتقاليدهم وأفراحهم.. وستتذوق خبزهم الخارج للتو من الفرن. وستروي عطشك من شرابهم. و و .. ادعوك لحضور زفاف صديقة لي، سوف تكون رفيقي في الحفل.
تلعثم ولم يدر كيف وافقها وقبل الدعوة.هذه إحدى عاداته السيئة، التي لم يتخلص منها، بقيت ملازمه له أينما ذهب.
يوما السبت والأحد تعرف على الفلاحين وأفراحهم، عاش لحظات جميلة وممتعة، ورقص مثل أي فلاح آخر، فهو بالأصل من عائلة قروية، لم يجد صعوبة بالتأقلم مع فلاحي تلك البلدة. تذكر قول جدته "الفلاحين أينما كانوا من نفس الطينة والعجينة"... تملح من ملحهم، أكل من خبزهم، شرب من شرابهم، رقص رقصاتهم، علمهم رقصاته وغنى لهم عالروزنا وعاليادي اليادي وعلى دلعونا ويا ظريف الطول. لم ينس تلك الليلة ان الطريق إلى الجنة أو النار تبدأ بخطوة.وتمكن من حل عقدته مع أم الأربعة وأربعين، قبل أن يجد المكان من حوله يل
ويدور. ++++++
المصيدة
في الطريق الى الجنة هناك ما لا نعرفه ..
حطت الطائرة في المطار، رأى اشياء لم يعرف ما هي بسبب الضباب الذي حجب الرؤية، فقط علم الدولة الذي رفرف بفعل الريح كان استثناءا... سمع عبر الميكروفون صوتا يقول بلغة البلد أشياء لم يفهم منها سوى اسم المطار. ثم عاد الصوت وكرر نفسه بلغة إنكليزية جيدة. فهم أنه في مطار العاصمة. صعد كما بقية المسافرين إلى حافلة الركاب. كانت جديدة وغريبة، إذ أنه لم ير مثلها من قبل.. وصل الصالة، وقف كما الجميع في الطابور، جهز جواز سفره. رفع يده وفي نيته حك أذنه، لم تكد اليد تلامس الأذن، حتى ظهر أمامه رجل أنيق اللباس.حياه بأدب وسأله عن اسمه. أجاب: اسمي فلان الفلاني.. قال له الرجل الأنيق: تفضل معي... سار خلف الرجل، وفي الطريق تساءل: ترى من هو هذا الرجل؟ وهل عرف بأن جواز السفر الذي احمله ليس جواز سفري، وأن الصورة التي فيه ليست صورتي، وأنني لست أوروبياً، وبأنني مجرد لاجئ مشرقي يبحث عن ملاذ آمن... دخلا من باب خلفي.. وجد نفسه أمام شخص لم يره قط. حياه، ضمه إلى صدره، سأله عن أحواله وأخباره و عن الأهل والأصحاب. ذهل مما يحدث هنا.. فهو لا يعرف الرجل السائل ، ومع هذا حضرته الحاسة السادسة فوراً، فتعامل مع ذلك بحذر.. وأجاب بأنه والأهل بخير. بعد هذه المقدمة خرج مع الرجل من المطار من دون ختم في الجواز، وبدون مرور على التفتيش، وبلا سين وجيم.توجه مع مستقبليه إلى مركز المدينة، عند مدخل الفندق كان الخدم بالانتظار. جلس الرجل ومن معه في بهو الفندق.. توجه هو برفقة الخادم إلى الغرفة.ناول الخادم دولاراً أمريكياً واحدا وأمره بالانصراف... عندما فتح الحقيبة ورأى ما بداخلها عرف أنها ليست حقيبته.. وأيقن أنه وقع في مصيدة. هبت نسمات هواء باردة عبر نافذة نصف مغلقة.. توجه إلى النافذة لكنه ارتد صوب الباب عندما تذكر ان غرفته تقع في الطابق العاشر.