إن قوامة الرجل على المرأة حق تكليفي وتشريفي أيضاً لا مناص منه، ولا يمكن للرجل أن يتنازل عنه ؛ لأن القوامة مسؤولية تنتظم بها شؤون الأسرة، فمن خلالها تحدد المسؤوليات، وتوزع الواجبات، ويعرف كل فرد في الأسرة مكانه ودوره.
كما أن لكل سفينة رباناً يقودها فلا بد لكل أسرة قواماً أو قيماً يدبر أمرها ويشرف عليها، وإلا عمت الفوضى وظهر الاضطراب، كما هو واقع الأسر في الدول التي ساوت بين المرأة والرجل في كل شئ.
وقوامة الرجل على أهله ليست قوامة تعسف وتجبر وتكبر؛ بل هي قوامة رحمة وعدالة؛ إذ أن من أهم الواجبات المترتبة على هذه القوامة رعايتهم وتوجيههم وإعفافهم وحمايتهم من كل شر وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر: (يأيها الذين ءآمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً).(26)
وكم هو مزر أن تضعف قوامة الرجل على أهل بيته إلى درجة أنه لا يستطيع أمرهم بمعروف ونهيهم عن منكر، ولكن أسوأ من ذلك أن يتنازل هو عن قوامته.
ولقد رأيت صوراً مزرية عديدة تدل على المفاسد العظيمة الناتجة من ضعف قوامة الرجل أو تلاشيها، ولعلي أنقل هاتين الصورتين - على سبيل المثال- واللتين تعكسان شيئاً من هذه المفاسد:
دخلت الزوجة محلاً لبيع "الحلويات" وتبعها زوجها .. كشفت الزوجة شيئاً من حجابها وكأنها دخلت بيتها ... فما حرك الزوج شفتيه بكلمة يأمرها بالاحتشام والاحتجاب؛ بل ظل واقفاً خلفها يحمل طفلاً ويمسك بيده الأخرى طفلاً آخر.. أخذت الزوجة تجادل البائع في سعر البضاعة وتماكسه .. فارتفعت منها قهقهة لفتت أنظار الرجال الذين اكتظ بهم المحل، والزوج "المصون" قد وقف خلفها كأن الأمر لا يعنيه ... وبعد جدال طويل بينها وبين البائع اقتنعت أخيراً بالسعر فاشترت البضاعة .. وذهبت لكي تحاسب ..أخرجت من حقيبتها أوراقاً نقدية دفعتها للمحاسب وخرجت .. والزوج يتبعها.
أما الصورة الثانية فتبدأ عند باب المنزل حيث خرجت تاركة زوجها في فراشه نائماً فقد تأخرت عن موعدها، وكان السائق في انتظارها عند الباب.
الزوجة للسائق: إلى السوق بسرعة ... أدار السائق مفتاح السيارة واتجه حيث أمرته سيدته .. وقبيل المغرب استيقظ الزوج من نومه فنادى الخادمة قائلاً: سيري أين "ماما"؟ فأجابت سيري "ماما يروح للسوق".
لبس الزوج ملابسه دون اكتراث لخروج زوجته دون إذنه وعلمه، فقد اعتاد على ذلك ؛ بل هو الذي عودها عليه يوم أن تنازل عن حقه في قوامته عليها..
إنه ينبغي للرجل والمرأة أن لا يرضيا بهذا الحال، أما الرجل فلأن المرأة عرضه وشرفه فأين دينه؟ وأين رجولته وشهامته؟ وقد ترك لزوجته الحبل على غاربه، وفتح لها الأبواب التي تصفر فيها رياح الشهوات الآثمة والنزوت الفاجرة.
وأما المرأة فلأن الرجل حاميها وراعيها، فأين محبته لها؟ وغيرته عليها؟ وأين اهتمامه بها؟ وأين دفاعه عنها؟ وقد تركها تكشف زينتها للرجال، وتضاحكهم وتمازحهم، كأنه لا يعنيه أمرها، ولا يهمه حفظها.