ويحك أتدري ما الله
لتعلم أن من الأمور المهمة لك معرفة صفات و أسماء ارب جل جلاله كما وردت في الكتاب والسنة .. و بعد معرفتها .. عليك تذكرها باستمرار .. حتى تصير لقلبك بمنزلة المرئي .. فتحقق بذلك مرتبة الإحسان فتعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك و بهذا تحيا القلوب الميته و تنقشع الغفلة و تنشرح الصدور بنور التوحيد
والرسل كلهم عرفوا بالله سبحانه من خلال التعريف بأسمائه و صفاته وأفعاله تعريفا مفصلا حتى كن العباد يشاهدونه سبحانه و ينظرون اليه و قد استوى على عرشه فوق سماواته عال على خلقه قاهرا لكل شيء يدبر أمر مملكته آمرا ناهيا .. باعثا لرسله ..منزلا كتبه .. فينزل الأمر من عنده بتدبير مملكته .. فيكلم عبده جبريل و يرسله الى من يشاء بما يشاء .. ملائكته يخافونه من فوقهم , و ينفذون أوامره في أقطار ملكه في السماوات والأرض و ما بينهما .. تصعد الأمور اليه و تعرض عليه .. له الامر و ليس لاحد معه شيء بل الامر كله له معبود مطاع لا شريك له و لا مثيل و لا عدل موصوف بصفات الكمال ... منعوت بنعوت الجلال .. منزه عن العيوب والنقائص قائما بالملك والتدبير فلا حركة ولا سكون و لا نفع ولا ضر و لا عطاء و لا منع و لا قيض ولا بسط الا بقدرته و تدبيره فقيام الكون كله به و قيامه سبحانه بنفسه فهو القائم بنفسه .. المقيم لكل ما سواه (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ويقول صلى الله عليه وسلم (مفاتح الغيب خمس : إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) رواه البخاري
وهو يتكلم سبحانه و تعالى يأمر و ينهى و يتأذى و يفرح و يسمع ويبصر و يرصى و يغضب و يحب و يسخط و يجيب دعوة المضطر من عباده و يغيث ملهوفهم و يعين محتاجهم و يجبر كسيرهم و يغني فقيرهم و يميت و يحيى و يمنع و يعطي و يثيب و يعاقب مالك الملك يؤتي الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء بيده الخير و هو على كل شيء قدير (إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يغفر ذنبا و يفرج كربا و يفك عانيا و ينصر مظلوما و يقصم ظالما و يرحم مسكينا و يغيث ملهوفا و يسوق الأقدار الى مواقيتها و يجريها على نظامها و يقدم ما يشاء تقديمه و يؤخر ما يشاء تأخيره فأزمة الأمور كلها بيده و مدار تدبير الممالك كلها إليه فله الجلال والجمال والكمال والعزة والسلطان.
يرحم إذا استرحم و يغفر اذا استغفر و يعطي إذا سئل و يجيب إذا دعي و يقيل إذا استقيل قال صلى الله عليه وسلم (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : أنا الملك أنا الملك .. من يدعوني فأستجيب له .. من يسألني فأعطيه .. من يستغفرني فأغفر له ) متفق عليه
هو سبحانه و تعالى أكبر من كل شيء و أعظم من كل شيء و اعز من كل شيء و أقدر من كل شيء و اعلم من كل شيء و أحكم من كل شيء... بصير بحركات العالم علويه وسفليه و أشخاصه و ذواته سميع لأصواتهم رقيب على ضمائرهم و أسرارهم ويرى أفعالهم و حركاتهم يشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
سميع يسمع ضجيج لأصوات باختلاف اللغات على تنوع الحاجات فلا يشغله سمع عن سمع و لا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين سواء عنده من أسر القول و من جهر به فالسر عنده علانيه والغيب عنده شهادة يرى و يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء و يرى و يسمع نبض عروقها و مجاري الطعام في أعضائها
يمسك السماوات و الأرض أن تزولا و يمسك البحار أن تغيض أو تفيض على العالم و يمسك السماء أن تقع على الأرض و يمسك الطير في الهواء صافات و يقبضن
يجعل سبحانه و تعالى السماوات يوم القيامة على أصبع والارضين على أصبع والجبال والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع ثم يهزهن فيقول انا الملك أنا الملك .. الكبرياء رداءه و العظمة إزاره يقول سبحانه و تعالى في الحديث القدسي (فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار) رواه مسلم
ملكه عظيم عظيم يقول سبحانه و تعالى ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ... و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني .... يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . رواه مسلم .
فهو حي لا يموت قيوم لا ينام عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن لا تتحرك ذرة إلا بإذنه والخلق مقهورين تحت قبضته و هو رب العالمين و أرحم الراحمين و أقدر القادرين وأحكم الحاكمين الذي له الخلق والأمر المعروف بالفطره الذي أقرت به العقول و دلت عليه كل الموجودات و شهدت بوحدانيته و ربوبيته جميع المخلوقات
فإذا علمنا أنه لا رب غيره و لا يملك الضر و النفع والعطاء والمنع إلا هو فعليك بالسعي في طلب الوصول أليه بفعل الواجبات وال نوافل ... و ترك المحرمات والغفله فإنك إن فعلت فتح لك أبواب الخير والإيمان والتقوى و بتذكرك أسماء الله و صفاته و أفعاله دائما بالليل والنهار ينشأ نور الايمان في قلبك ... يريك ذلك النور أنك واقف بين يدي ربك عز و جل فتستحي منه في خلواتك و جلواتك و ترزق عند ذلك دوام المراقبه للرقيب و دوام التطلع الى حضرة العليم العظيم حتى كأنك تراه و تشاهده من فوق سماواته مستويا على عرشه ناظرا الى خلقه سامعا لأصواتهم مشاهدا لبواطنهم فاذا استولى عليك هذا الشاهد أزال عنك هموم الدنيا كلها و تعلقت بربك واتخذته وحده وكيلا فسمت روحك و دخلت جنته في هذه الدنيا قبل جنته التي في الآخره
فتأمل و تفكر واقرأ هذا الكلام لتشاهد ربك في الدنيا بعيني قلبك و سوف تراه يوم القيامه ببصرك فإنه (إذا دخل أهل الجنة يقول الله تبارك و تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض و وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنه و تنجنا من النار ؟ فيكشف سبحانه و تعالى الحجاب , فما أعطوا شيئا أحب أليهم من النظر الى ربهم عز و جل ) رواه مسلم
وأما من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا فإنها لا تعمى الإبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور