لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو على وجه العموم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) (1)
وثبت أن الغلو في الصالحين كان هو أول وأعظم سبب أوقع بني آدم في الشرك الأكبر، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه أخبر عن أصنام قوم نوح أنها صارت في العرب، ثم قال: (أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسخ العلم، عبدت) (2) .
ولذلك ينبغي للمسلم أن يحذر من التساهل في هذا الباب؛ لئلا يؤدي به أو يؤدي بمن يراه أو يقلده أو يأتي بعده إلى الوقوع في الشرك الأكبر.
ومن أنواع الغلو المحرم في حق الصالحين والذي يوصل إلى الشرك:
أولاً: المبالغة في مدحهم، كما يفعل كثير من الرافضة، وقلدهم في ذلك كثير من الصوفية، وقد أدت هذه المبالغة بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في الشرك الأكبر في الربوبية، وذلك باعتقاد أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون، وأنهم يسمعون كلام من دعاهم ولو من بعد، وأنهم يجيبون دعاءه، وأنهم ينفعون ويضرون، وأنهم يعلمون الغيب، مع أنه ليس لديهم دليل واحد يتمسكون به في هذا الغلو، سوى أحاديث مكذوبة أو واهية ومنامات، وما يزعمونه من الكشف إما كذباً، وإما من أثر تلاعب الشيطان بهم، وقد أدى بهم هذا الغلو إلى الشرك في الألوهية أيضاً، فدعو الأموات من دون الله، واستغاثوا بهم، وهذا والعياذ بالله من أعظم الشرك.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في مدحه عليه الصلاة والسلام، فقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، فإنما أنا عبد فقولون: عبد الله ورسوله)) (3) ، رواه البخاري، وإذا كان هذا في حقه صلى الله عليه وسلم فغيره من البشر أولى أن لا يزاد في مدحهم، فمن زاد في مدحه صلى الله عليه وسلم أو في مدح غيره من البشر فقد عصى الله تعالى، ومن دعا إلى هذا الغلو وأصر عليه بعد علمه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم فقد رد سنته صلى الله عليه وسلم، ودعا الناس إلى عدم اتباعه عليه الصلاة والسلام، وإلى اتباع وتقليد اليهود والنصارى في ضلالهم وغلوهم في أنبيائهم، والذي نهاهم الله تعالى عنه.
والنبي صلى الله عليه وسلم له فضائل كبيرة ثابتة في كتاب الله تعالى وفي صحيح سنته عليه الصلاة والسلام، فهو عليه الصلاة والسلام ليس في حاجة إلى أن يكذب ويزور الناس له فضائل صلوات ربي وسلامه عليه.
ثانياً: تصوير الأولياء والصالحين: من المعلوم أن أول شرك حدث في بني آدم سببه الغلو في الصالحين بتصويرهم، كما حصل من قوم نوح عليه السلام، ...
ولخطر التصوير وعظم جرم فاعله وردت نصوص شرعية فيها تغليظ على المصورين، وتدل على تحريم التصوير لذوات الأرواح بجميع صوره وأشكاله.
ومن النصوص الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)) (4)
رواه البخاري ومسلم، وروى البخاري ومسلم أيضاً عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه أتاه رجل فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها، فقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً فتعذبه في جهنم)) (5)
وقال: إن كنت لابد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له.
وثبت عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) (6) . رواه مسلم
ولذلك فإنه ينبغي للمسلم أن لا يتساهل في أمر التصوير بجميع أنواعه، سواء منه ما كان مجسماً، كالتماثيل وغيرها مما له ظل – وهو أشد حرمة وأعظم إثماً – أم ما كان على ورق, أو جدار, أو خرقة أو غيرها، ويعظم خطر التصوير إذا كان المصور من كبار أهل العلم، أو ممن لهم منزلة كبيرة في قلوب الناس.
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (التصوير معناه نقل شكل الشيء وهيئته بواسطة الرسم أو الالتقاط بالآلة أو النحت، وإثبات هذا الشكل على لوحة, أو ورقة, أو تمثال، وكان العلماء يتعرضون للتصوير في مواضيع العقيدة؛ لأن التصوير وسيلة من وسائل الشرك، وادعاء المشاركة لله بالخلق أو المحاولة لذلك، وأول شرك حدث في الأرض كان بسبب التصوير... فالتصوير هو منشأ الوثنية؛ لأن تصوير المخلوق تعظيم له، وتعلق به في الغالب، خصوصاً إذا كان المصور له شأن من سلطة, أو علم, أو صلاح، وخصوصاً إذا عظمت الصورة بنصبها على حائط, أو إقامتها في شارع أو ميدان، فإن ذلك يؤدي إلى التعلق بها من الجهال وأهل الضلال ولو بعد حين، ثم هذا فيه أيضاً فتح باب لنصب الأصنام والتماثيل التي تعبد من دون الله)
@
أم أمة الله;