السلام عليكم و رحمة الله تعالي و بركاته
-------------------------------------
ما معنى الحج في اللغة والشرع؟؟؟
-------------------------------------
الاجابة عن السؤال
تعريف الحج:
الحج [COLOR="blue"]لغةً[/COLOR]: قصدُ الشيء المعظَّم وإتيانه.
وشرعًا: قصْد البيت الحرام والمشاعر العِظام وإتيانها، في وقتٍ مخصوص، على وجهٍ مخصوص.
وهو الصفة المعلومة في الشَّرع من: الإحرام، والتلبية، والوقوف بعرفة، والطَّواف بالبيت، والسَّعي بين الصفا والمروة، والوقوف بالمشاعر ورمْي الجمرات وما يتبع ذلك من الأفعال المشروعة فيه، فإنَّ ذلك كلَّه من تمام قصْد البيت.
حُكم الحج:
الحج أحدُ أركان الإسلام، ومَبانيه العِظام، وهو خاصَّة هذا الدِّين الحنيف، وسرُّ التوحيد، فرَضَه الله على أهل الإسلام بقوله سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].
فسمَّى تعالى تاركَه كافرًا، فدَّل على كُفر مَن ترَكَه مع الاستطاعة، وحيث دلَّ على كُفره فقد دلَّ على آكديَّة ركنيَّته.
وقد جاءت السُّنَّة الصحيحة عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالتصريح بأنَّه أحدُ أركان الإسلام؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((بُني الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام))[1].
وفي حديث جبريل في رواية عمر - رضِي الله عنه - عند مسلمٍ، أنَّه قال للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ما الإسلام؟ قال: ((أنْ تشهد أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إنِ استطعتَ إليه سبيلاً))[2].
وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي هُرَيرة - رضِي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أيُّها الناس، قد فرَض الله عليكم الحج فحجُّوا))[3]، وأحاديث كثيرة - في الصحيحين وغيرهما - في هذا المعنى، وبفرضه كمُل بناءُ الدين وتمَّ بناؤه على أركانه الخمسة.
وأجمَعَ المسلمون على أنَّه رُكنٌ من أرْكان الإسلام وفرضٌ من فُروضه، إجماعًا ضَروريًّا، وهو من العِلم المستفيض الذي توارثَتْه الأمَّة خلفًا عن سَلَفٍ.
وفي مسند أحمد وغيره بسندٍ حسن عن عياش بي أبي ربيعة مرفوعًا: ((لا تزالُ هذه الأمَّة بخير ما عظَّموا هذه الحُرمة - يعني: الكعبة - حقَّ تعظيمها، فإذا ترَكُوها وضيَّعوها هلَكُوا))[4].
قال بعضُ أهل العلم: ((الحجُّ على الأمَّة فرضُ كفاية كلَّ عامٍ على مَن لم يجبُ عليه عينًا)).
فيجب الحجُّ على كلِّ: مسلم، حر، مُكلَّف، قادر، في عُمره مرَّةً واحدة.
وقد حكَى الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ من أهل العلم.
والقُدرة: هي استطاعة السبيل التي جعَلَها الشارع مَناطَ الوجوب، روى الدارقطنيُّ بإسناده عن أنسٍ - رضِي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله تعالى: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97]، قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ قال: ((الزَّاد والرَّاحلة))[5].
وعن أبن عباسٍ عند ابن ماجه، والدارقطني بنحوه[6].
وعن جماعةٍ من الصحابة يُقوِّي بعضها بعضًا للاحتجاج بها؛ ومنها: عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال:
ما يُوجِبُ الحجَّ؟ قال: ((الزَّاد والرَّاحلة)). قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم[7].
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة بعد سرْد الآثار فيه: هذه الأحاديث مُسنَدةٌ من طرق حِسان مُرسَلة وموقوفة تدلُّ على أنَّ مَناطَ الوجوب الزاد والراحلة.
قلت: المراد بالزاد: ما يحتاجُ إليه الحاجُّ في سفَرِه إلى الحج ذهابًا وإيابًا من: مأكول، ومشروب، وكسوة، ونحو ذلك، ومؤونة أهله حالَ غِيابه حتى يرجع.
والمراد بالراحلة: المركوب الذي يمتَطِيه في سفَرِه إلى الحجِّ ورُجوعه منه بحسب حاله وزَمانه.
وتُعتَبر الراحلة مع بُعد المسافة فقط، وهو ما تقصرُ فيه الصلاة لا فيما دُونها، والمُعتَب
ر شرعًا في الزاد والراحلة في حَقِّ كلِّ أحدٍ ما يليق بحاله عُرفًا وعادةً؛ لاختلاف أحوال الناس.
ويُشتَرط للوُجوب سَعَةُ الوقت عند بعض أهل العِلم، لتَعذُّر الحجِّ مع ضيقه، واعتبر أهل العلم من الاستطاعة أمْن الطريق بلا خفارة، فإنِ احتاجَ إلى خفارةٍ لم يجبْ، وهو الذي عليه الجمهور.
قلت: وقد أوضح الله - تبارك وتعالى - في سِياق ذِكر فرْض الحجِّ على الناس وإيجابه عليهم بشرْطه، محاسن البيت وعظم شأنه بما يدعو النُّفوس الخيِّرة إلى قصْده وحجِّه؛ فقال سبحانه: ﴿
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 96، 97] الآية، وفي موضع آخر أخبَر سبحانه أنَّه إنما شرَع حجَّ البيت: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ... ﴾ [الحج: 28] الآية، وكلُّ ذلك ممَّا يدلُّ على الاعتناء به والتنويه بذِكره والتعظيم لشأنه، والرِّفعة من قدْره، ولو لم يكنْ إضافته إليه سبحانه بقوله: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾ [الحج: 26]، لكفى بذلك شَرَفًا وفَضْلاً.
فهذه النُّصوص وأمثالها هي التي أقبَلتْ بقُلوب العالمين إليه حبًّا له وشوقًا إلى رُؤيته فلا يرجع قاصدُه منه إلا وتجدَّد حنينُه إليه وجَدَّ في طلَب السبيل إليه.
أمَّا مَن كفَر بنعمة الله في شرعه وأعرَضَ عنه وجَفاه فلا يضر إلا نفسه، ولن يضرَّ الله شيئًا:
﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، فله سبحانه الغِنَى الكاملُ التام عن كلِّ أحدٍ من خَلقِه من كلِّ وجه وبكلِّ اعتبار، فإنَّه سبحانه هو: ((الغني الحميد)).
الفورية في أداء الحج:
مَن اكتملت له شُروط وجوبِ الحج، وجَب عليه أداؤه فورًا عند أكثر أهل العلم.
والفوريَّة: هي الشُّروع في الامتثال عقب الأمر من غير فصْل، فلا يجوزُ تأخيره إلا لعذرٍ، ويدلُّ على ذلك ظاهرُ قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97].
وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
: ((أيُّها الناس، إنَّ الله فَرضَ عليكم الحج فحجُّوا))؛ رواه مسلم، فإنَّ الأمر يقتَضِي الفوريَّة في تحقيق المأمور به، والتأخير بلا عُذر عُرضة للتأثيم.
ورُوِيَ عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (
(تعجَّلوا إلى الحجِّ - يعني: الفريضة - فإنَّ أحدكم لا يدري ما يعرض له))[8].
وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - أنَّه قال:
((لقد هممت أنْ أبعَثَ رجالاً إلى هذه الأمصار، فيَنظُروا كلَّ مَن كان له جِدَةٌ ولم يحجَّ ليَضرِبوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين))[9].
ورُوِي عن عليٍّ - رضِي الله عنه - قال: (
(مَن قدَر على الحجِّ فترَكَه فلا عليه أنْ يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا))[10].
وعن عبدالرحمن بن باسطٍ يرفعه:
((مَن مات ولم يحجَّ حجَّةَ الإسلام لم يمنَعْه مرضٌ حابسٌ، أو سُلطان جائر، أو حاجةٌ ظاهرة، فليَمُتْ على أيِّ حالٍ يهوديًّا أو نصرانيًّا))[11]، وله طرقٌ تُوجِبُ أنَّ له أصلاً.
وممَّا يدلُّ على أنَّ وجوب الحجِّ على الفَوْرِ حديثُ الحجاج ابن عمر الأنصاري - رضِي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:
((مَن كسر أو عرج - يعني: أحصر في حجة الإسلام بمرض أو نحوه - فقد حَلَّ، وعليه الحجُّ من قابلٍ))؛ رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم[12]، قال فيه النووي: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم بأسانيد صحيحه.
فالحديث دليلٌ على أنَّ الوجوب على الفور، وهناك أدلَّة أخرى عامَّة من كتاب الله دالَّة على وُجوب المبادرة إلى امتثال أوامره - جلَّ وعلا - والثَّناء على مَن فعَل ذلك؛ مثل قوله سبحانه: ﴿
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقوله سبحانه: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾[البقرة: 148].
ولا شكَّ أنَّ المسارعة والمسابقة كلتَيْهما على الفَوْرِ، ويدخُل في الاستِباق إلى امتِثال أوامره تعالى؛ فإنَّ صيغة (افعَلْ) إذا تجرَّدت من القَرائن اقتضَتِ الوجوب، كما هو الصحيح المقرَّر في علم الأصول، وممَّا يُؤكِّد ذلك تحذيرُه سبحانه من مخالفة أمرِه بقوله: ﴿
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، فصرَّح سبحانه أنَّ أمرَه قاطعٌ للاختيار مُوجِب للامتثال.
وكم في القُرآن من النُّصوص الصريحة الحاثَّة على المبادرة إلى امتثال أوامره سبحانه، والمحذِّرة من عَواقِبِ التَّراخي والتثاقُل عن فعْل ما أمر الله به، وأنَّ الإنسان قد يُحال بينه وبين ما يُريدُ بالموت أو غيره؛ كقوله سبحانه: ﴿
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ﴾ [الأعراف: 185]، فقد يقتربُ الأجل فيضيع عليهم الأجْر بعدم المبادرة قبلَ الموت، حيث يُعاجِلهم الموت ولمَّا يفعَلُوا فيُصبِحوا من الخاسرين النادمين، ففي الآية دليلٌ واضحٌ على وُجوب المبادرة إلى الطاعة خشية أنْ يعاجل الموتُ الإنسانَ قبل التمكُّن منها.
فهذه الأدلَّة العامَّة مع ما سبق من الأدلَّة الخاصَّة تفيدُ وجوبَ الحج على الشخص فَوْرَ استطاعتِه، وأنَّه إذا تأخَّر عن ذلك كان في عداد المفرِّطين الجديرين بفَوات الخير، إلا أنْ يتَدارَكهم الله برحمةٍ منه وفضْل، فاغتَنِموا فُرصةَ الاستطاعة والإمكان على هذه الفريضة قبل فَواتها وعجزكم عن أدائها بحادثِ موتٍ أو غيره من العَوارِض المانعة، ولأحمد عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((
تعجَّلوا إلى الحجِّ فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرض له)).
وكان فرضُ الحج على الصحيح سنة تسعٍ من الهجرة، ولكن لم يتمكَّن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الحج تلك السَّنة لأسبابٍ ذكَرَها أهل العلم؛ منها:
1
- أنَّ الله تعالى كَرِهَ له أنْ يحجَّ مع أهل الشِّرك وفيهم الذين يطوفون بالبيت عُراةً؛ ولهذا بعَث الصِّدِّيق - رضِي الله عنه - تلك السنة يقيمُ الحج للناس ويُبلِّغهم ألَّا يحج العام مشركٌ ولا يطوف بالبيت عارٍ.
2- أنَّ ذلك من أجل استدارة الزمان حتى يقع الحجُّ في وقته الذي شرَعَه الله.
3- أو لعدم استطاعته - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحجَّ تلك السَّنة لخوف مَنعِه ومنع أكثر أصحابه.
4- أو لأجل أنْ يتَبلَّغ الناس أنه سيحجُّ العام القادم ويجتمع له الجمُّ الغفير من الناس ليُبيِّن لهم المناسك ويُوضِّح لهم الأحكامَ، ويضع أُمور الجاهليَّة، ويودِّعهم ويُوصِيهم في خاصَّة أنفُسِهم وأهليهم وذَوِيهم... وغير ذلك.
قلت: ولعلَّ هذه الأمورَ كلها مُرادة له - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن ذلك أنْ يُوسِّع على الناس، ويبيِّن لهم جوازَ التأخير مع العُذر؛ رحمةً بهم وشفقة عليهم، والله أعلم.
-------------------------------------
المراجع
اسلام ويب