إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
جلس طلاب السنة الثانية بكلية الآداب جامعة القاهرة بقاعة المحاضرات وهم يتطلعون بلهفة وشوق إلى باب الدخول كلهفة مسلمي الأرض لرؤية هلال رمضان والعيد..
هلت عليهم الدكتورة أحلام السخاوى أستاذة علم النفس كالبدر في تمامه ..
ألقت تحية الصباح مع إبتسامتها الرقيقة المحببة إلى كل من ينظر إلى وجهها الجميل الملامح في رقة ورقى ..
أخذت الدكتورة أحلام تتنقل ببصرها بين طلابها إلى أن إلتقت عيناها بعينى أميرة..
أميرة أحب وأقرب طلابها إلى قلبها رغم فارق الجيل الذى يفصل بينهما ..
تخطت الدكتورة الثلاثين عاما.
أميرة في العشرين من عمرها ..
حدثت كيمياء بينهما أذابت الفوارق السنية والاجتماعية والعلمية والطبقية..
عندما ألتقت عيناهما زادت إبتسامتها وحيتها بإيماءة رقيقة من رأسها ردتها أميرة بإشارة من يدها بحماس وحب..
ثبتت الدكتورة على السبورة لوحة مكتوبا عليها العناوين الرئيسية لمحاضرتها..
الحاجات والسلوك الصحي ..
تعريف الحاجة وطبيعتها..
هل الحاجة سيكولوجية أو فسيولوجية ..؟؟
هل هي غريزية أم مكتسبة..؟؟
تستدير مواجهة طلابها ثم تبدأ في إلقاء محاضرتها وهى تشير بيدها في إتجاة اللوحة وفى صوت رقيق ملىء بالثقة وقوة الشخصية رغم رقته..
-محاضرتنا اليوم عن الحاجات والسلوك الصحى
ورأى مورفي وتعريف مورى عن وجود قوى في المخ تنظم الإدراك الحسى و..
ترفع أميرة يدها عاليا ..
بإبتسامة ودودة توجة لها الدكتورة وجهها وفى لهجة معاتبة..
- نحن لم نبدأ محاضرتنا بعد يا أميرة ..حتى ترفعى يدك للسؤال
تقف أميرة منتصبة فى حماس..
- حضرتك وعدتينا في المحاضرة الماضية أننا سوف نكمل
مناقشه أهم حاجة يحتاجها الإنسان ..
الحب ...
على الرغم من أن جيلنا يؤمن أن الحب الرومانسى لعصر الفرسان وأمير الأحلام على حصانه الأبيض وروميو وجوليت..
قد دخلا المتحف وحلت مكانهما فى زماننا هذا ..
المصلحة بين الولد والبنت.....
وقف أحد الطلاب متحدثا في لهجة حادة .يدل مظهره على عسر حالته واضحا على ملابسه الرخيصة ونحافة جسده..وفى غضب
- حضرتك الأهم من الحب والكلام الفارغ هذا ..
وضحى لنا عملية الخلق اللي حضرتك ذكرتيها في كتابك.
على الأقل نستفيد منه في المقرر ..
ينقسم الطلاب إلى فريقين فريق يؤيد التحدث عن الحب كأهم
حاجات الإنسان ..
والآخر يريد مناقشة عملية الخلق من كتاب الدكتورة..
أشارت الدكتورة بيدها طالبة منهم الهدوء ..
وفى نبرة هادئة..
- نعم ..بالفعل لقد قلت أن أهم حاجة فى حياة الإنسان السوى
هو الحب..
لكن هناك شرط وجوبى.. هام وجوهري لا يمكننا إغفاله..
وهو وجوب إشباع رغبات الإنسان المادية أولا ..
من مأكل ومسكن وملبس ..
لكن جيلكم للأسف الشديد..
إنحصرت طموحاته عند إشباع رغباته المادية..
وحصر الحب ..فى إشباع رغباته الجنسية فقط ..
يصرخ الطالب في لهجة استهزأية مريرة .
- وهل وجد جيلنا المأكل والملبس والمسكن ...
ولم يحب ..
ردت ولم تفارقها إبتسامتها وبعد أن أشارت للطالب بالجلوس .
- لأن جيلكم بالغ في طلباته وطموحاته المادية ...السيارة
والموبيل .. و ... و...ويكفى هذا ...
دعونا نكمل محاضرتنا أولا..
بعدها نفتح باب المناقشة الحرة ..
أتفقنا ..
صمت جميع الطلاب على مضض و لهفة في إنتظار اللحظة التي ستُعلن فيها الدكتورة عن إنتهاء محاضرتها ..
وعندما أعلنت عن إنتهاء المحاضرة ..
إنقلبت قاعه المحاضرات إلى صراخ وهرج ومرج وإنقسم الطلاب مرة أخرى إلى عدة فرق ..
فرقة وعلى رأسها أميرة تطلب مناقشة حاجة الإنسان الملحة للحب ..
و أخرى تريد مناقشة عملية الخلق ..
وثالثة تريد مناقشة إحتياجات الإنسان الوجوبية لحياة سوية فوجيء الجميع بصوت طالبة عالي النبرة ....حاد.....واضح صارخ ...جلجل في القاعة وسمعة الجميع..
- نريد مناقشة نظرية الأضلاع المتجاذبة في رواية حضرتكالأخيرة ..
إنفجر جميع من بقاعة المحاضرات في ضحك هيستيرى .. وإزدادت إبتسامة الدكتورة أحلام وانتظرت إلى أن هدأ الجميع ......
نظرت إلى الفتاة فى ود قائلة ..
- هذا ممكن أن يكون مدخلََ ممتاز للمناقشة ..
نبدأ بعمليه الخلق كمقدمة طبيعية لنظرية الأضلاع المتجاذبة .
من منكم قرأ الرواية ولديه فكرة عن النظرية .
تقفز أميرة واقفة في حماس ونبرة قوية..
- أنا.أنا يا دكتورة أحفظُها عن ظهر قلب..
ويمكننى سردها لحضرتك كاملة ..
تشير لها الدكتورة أن تبدأ .
تبدأ أميرة في لهجة واثقة وفى لغة خطابيه دون أن تتلعثم......
- نظريه الأضلاع المتجاذبة .
من رواية الدكتورة أحلام السخاوى ..الأضلاع المتجاذبة.
ونصها كالآتى ...
خلق الله آدم ثم خلق أنيسة له من ضلعه هي حواء..
وأن كل رجل له حواءه التي خُلقت من ضلعه فإذا إلتقيا في أى
مكان أو زمان يحدث تجاذب بينهما في اللاشعور وينجذب
الضلع إلى باقي أضلاعه ويحدث الإكتمال والإندماج بين
الأضلاع ويُخلق ساعتها كيان واحد كما خُلق في البدء..
لكن في صورة جسد رجل وجسد إمرأة ...
ولا يمكن لهذا الكيان بعد أن إكتملت أضلاعه أن يَفصل بينهما
شيئا..تحت أى ضغوط دنيوية ..أو مادية مهما كانت قوتها..
أوشراستها ..
لا يفرق بينهما ألا الموت .
تبتسم الدكتورة فى سعادة وفخر بتلميذتها النجيبة ..
- برافو عليكى يا أميرة ...
أنتى تحفظينها عن ظهر قلب أيتها الشقية.
- لست أحفظها فقط ..بل أنا مؤمنة بها جدا جدا أيضا ..
تجلس أميرة وقد أحمرت وجنتاها خجلا .. ونظرات أحلام وأبتسامتها التى تلاحقها تزيدها خجلا وإرتباكا..
- أجلسى يا أميرة ..
والآن عرفتم النظرية والتى ستكون المدخل لنا لندخل منها
بإختصار على عمليه الخلق ..
فبعد أن خلق الله الكون ..
خلق الملائكة ووضع على رأسهم جبريل وجعلهم الله
رمزا للخير الخالص والطاعة ..
ثم خلق الجن والشياطين وكان على رأسهم إبليس
وجعله الله رمزا خالصا للشر والعصيان ..
ثم خلق الأنسان ووهبه القدرةعلى فعل الخير والشرثم ترك له الأختيار. وغرس فيه القدرة على التفريق بينهما ..
يسمع الجميع رنين الجرس معلنا إنتهاء وقت المحاضرة .
تلملم الدكتورة أحلام أوراقها بسرعة وهى تنظر في ساعتها . وتغادر مسرعة قاعه المحاضرات..
تتجه إلى سيارتها وتلحق بها أميرة فى محاولة مواصلة النقاش تعتذر لها أحلام برقة ..
وأنها على موعد..بنادى اليخوت لأنها المسئولة عن إدارة ندوة عن أحد الأفلام السينمائية والتى ستحضرها نجمة السينما المشهورة.
سهير حمدي.
ويجب أن تكون في شرف إستقبالها وإدارة الندوة .
عرضت الدكتورة على أميرة أن تأتى معها فوافقت أميرة على الفور لولعها وحبها الشديد للنجمة سهير حمدي وأفلامها .
دارت حول السيارة مسرعة وجلست بجانبها .
فى الطريق إلى النادى أخذت بنات حواء يتبادلون حديث المجاملة في حب وود أذاب ما بينهما
من فارق فى السن والمركز الاجتماعى والعلمى والطبقى .