حكاية تحكى عن طلب العلم والحرص علية
نبدا باسم الله الرحمن الرحيم
كانَ في قَديمِ الزّمانِ رجلٌ يُقالُ لهُ (يَحْيى النَّحويّ)، وكانَ يعملُ ملاّحاً يحملُ النّاسَ في مَرْكبهِ الصَّغيرِ وينقُلُهُمْ عَبْرَ النّهرِ مِنْ ضِفّةٍ إلى أُخْرَى ..
وكانَ عمرُهُ قدْ بلغَ أربعينَ سنةً، واعْتادَ أنْ يركبَ معَهُ في قَاربِهِ عالمانِ يَجْلِسانِ في مُؤخّرتِهِ، ويَحْيى يُجدّفُ بعَصَا التّجديفِ الطّويلةِ، وخِلالَ التّجديفِ يسْتمِعُ لحَديثِهِما وهُما يَنظرَانِ في كُتُبهمَا ويتبادَلانِ الحديثَ ..
وذاتَ مرّةٍ قالَ لهُمَا : كلامُكُما رَائِعٌ جدّاً، وقدْ أعْجبَني.. وأنَا أُحِبُّ أنْ تَركَبَا معيَ كُلّ يومٍ لأستفيدَ مِنْ عِلمِكُمَا ..
ردَّ عليْهِ أحدُهُمَا قائلاً: هذَا حسنٌ يا أخِي .. وعليْكَ ألاّ تتردَدَ في طَلبِ العلمِ..
وبعْدَ إيصَالِهِما وعوْدتهِ جلسَ على ضِفّةِ النّهرِ يتأمَّلُ ويُفكّرُ في كلامِ الرّجُلِ العَالمِ ..
قالَ يُحدّثُ نفْسَهُ : إلى مَتَى أُضَيّعُ عُمْرِي هكَذَا .. لا بُدَّ أنْ أتعلّمَ .. فالعلمُ زينةُ الرّجالِ ..
ثُمَّ قال: ولكنِّي أصْبَحْتُ كبيراً في سنّ الأرْبَعين .. فكيفَ أتعلّمُ ؟ لا لا .. لنْ أسْتطيعَ طلبَ العلمِ في مِثْلِ هذهِ السِنِّ ..
وفي أثْناءِ ذَلِكَ مرَّتْ بالقُربِ منْ يحيَى نملةٌ تحملُ نواةَ تمرةٍ، وتُحاولُ الصعودَ بِهَا عَلى صَخْرةٍ .. فنظَرَ إليْهَا يحيَى وجعلَ يتأمّلُهَا، ويقولُ: يَا لَهَا مِنْ نَملةٍ نَشِيطةٍ .. إنّها تُحاولُ رفعَ شيءٍ أثقلَ مِنْ وزْنِها مئاتِ المرَّات ، وكُلّمَا سقَطَتِ النَّواةُ عادتْ لترْفَعَهَا مرَّةً أُخْرَى ..
وفي اليومِ التَّالي انطلقَ يحيَى لطلبِ العِلمِ تاركاً قاربَهُ قابعاً مكانَهُ .. وهو يقول : يجبُ أنْ أطلبَ العلمَ .. فالعلمُ لا يعرفُ صغيراً ولا كَبيراً .. والكلُّ أمامَ العلمِ سَوَاء ..
وهكَذا صارَ يحيَى يتردَّدُ على حلقاتِ العِلمِ مع النَّاسِ يستمعُ لشيخٍ هُنَا وشيخٍ هُناكَ ويدوّنُ مَا يتعلّمُهُ في كَرّاستهِ ..
وفي جَلسَةٍ عِلميَّةٍ سمعَ الشّيخَ وهُوَ يقولُ لتلاميذِهِ: واعْلمُوا يَا أعزّائِي أنَّ أغْلبَ أصحابِ النبيّ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ تعلّمُوا العلمَ وهُمْ كِبارٌ في السنّ ..
شعرَ يحْيى بالسّعَادةِ لذلكَ، وواصلَ طلبَهُ للعلمِ حتّى صارَ يُعلّمُ الناسَ، وقد أصبحَ عَالِماً مَشْهوراً ..
وفي إحْدى جلْساتهِ العلميّة كانَ يُلقي على طُلابِهِ دُروسَهُ فقالَ: الحمدُ لله الذي علّمَ بالقلم، علّمَ الإنسانَ مَا لمْ يعلَمْ .. اطلبُوا العلمَ ما دُمْتُم أحياءَ .. ولا تقولُوا : أصْبَحْنا كِباراً ولَسْنا أهْلاً للعِلْمِ ..
وهكَذا فإنّ طلبَ العِلمِ واجبٌ على كلّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ، وأخذُهُ في الصّغرِ أفضلُ، وصدقَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل حينَ قال: مع المِحْبرةِ إلى المَقْبرَة.