.
الصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه
لما استقر النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك جعل ينظر في أصاحبه ويقول : ماذا فعل كعب بن مالك ؟
قال واحد من الجالسين : حبَسَه بُرداه والنظر في عِطفيه
فقال له سعد بن معاذ رضي الله عنه : بئسَ ماقلت
وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : والله يارسول الله ماعلمنا عنه الا خيرا
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم
ومضت الأيام على كعب بن مالك وهي ثقيلة
ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في تبوك ثلاثة أشهر وقال كعب : حضرني ماقرب ومابعد ورحت أستشير كل ذي رأيٍ برأيه من أقاربي وأنا تخلفت عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورجع النبي صلى الله عليه وسلم واذ بالناس يأتون إليه ويعتذرون ومنه من يكذب على رسول الله وبقي دون عذر ومنهم بقي وله عذر والنبي صلى الله عليه وشلم يستغفر لهم ويكل سرائرهم لله تعهالى
فأقبل كعب رضي الله عنه الى النبي صلى الله عليه وسلم ولما رآه تبسم تبسم المغضب وقال كعب : السلام عليك يارسول الله
فقتال له النبي : اجلس
فجلس
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ماحملك على ان تتخلف اوما كنت قد ابتعت ظهرك اي اشريت الناقة
فقال له كعب : والله يارسول الله لوجلست عند غيرك لقبل عذري وانت يارسول الله نبي وإن كذَبتُ سيطلعك الله على الحقيقة
يارسول الله والله ماكان لي من عذر يارسول الله
فما كنت احسن حال الا في ماصرت اليه في هذا المكان
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما هذا فقد صدقكم
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : قم حتى يقضي الله فيك
لأنه كان امر من الجهاد واب على الجميع
قال رضي الله عنه : فخرجت وجعلت أمشي واجتمع عليي قومي وقالوا لي : ياكعب كل الناس ألفو واختلقو الأعذار كي يستغفر لهم رسول الله إلا أنت لم تفعل مثلهم
يقول : فلم يزالوا يلومونني حتى هممت فأكذب نفسي
لكني سألتهم : هل لقي أحد هذا الحال مثلي
قالوا : نعم وهم هلال ابن أمية ومُرارة ابن الربيع وكلاهما قيل لهما مثل ماقيل
وهؤلاء شخصين كريمين شهدوا بدراً وقالوا مثل ماقال كعب
يقول كعب : ثم مضيتُ إلى بيتي
ولما مضت أيام نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا
فأخذ يمشي في السوق فلا أحد يكلمه
وجعل يدخل المسجد ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتنكرت له المدينة وممنوع أحدٌ أن يتكلم معه
فمضت أيام فلما أتممنا شهراً والناس لايتكلمون معنا حتى ضاقت بيَّ الأرضُ ذَرعاً
وإذا برسولٍ من عند النبي صلى الله عليه وسلم يقول له : رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تُفارق امرأتك
فقال لها : إلحقي بأهلك دون طلاق ولكن حتى يقضي الله أمراً
ويقول رضي الله : حتى أنَّ صاحباي جلسا في بيوتهم يبكون
وحتى أقبلت زوجةُ هلال ابن الربيع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : يارسول الله إنَّه رجلٌ كبيرٌ في السن أتأذن لي أن أخدُمَه وأبقى عنده وقال نعم ولكن لايقربَنَّك وقالت والله يارسول الله والله لايقربني منذ ان هجره الناس
فقال كعب : وإذا بي أمشي في الطريق وحيداً إذ بشخصٍ في المدينة من الشام آتٍ فيقول : من يدلُ على كعبٍ بن مالك من يدل على كعبٍ بن مالك
فأشار الناس إليَّ فأقبلَ إليَّ
وأقبل من عند ملك الغساسنة وقال له : أنت كعب بن مالك؟
قال له : نعم أنا كعبُ بن مالكٍ وهو لم يكلمه شخص منذ شهر
فأعطاه صحيفة أي رسالة من ملك الغساسنة لكعب بن مالك
وإذا فيه
أما بعد قد بلغني أن صاحبك قد جفاك أي غاضبك ولايجالسك ولايتكلم معك ولم يجعلك الله بدار هوانٍ ولامضيَعة
فالحق بنا تعالَ نُواسيك
فحبُ الله ومن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلبه ولايتغير في قلب كعب بن مالك ولاتغريه الأعطيات ولا الهدايا
يقول كعب فلما قرأت هذا ذهبت بها إلى التنور وألقيتُها في الداخل تحترق
ثم استمر في المدينة والناس لايتكلمون معه ويدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وينظر إليه وضاقت عليه الأرض
ويقول : فخرجت من بيتي يوماً وذهبت إلى أبي قتادة رضي الله عنه وطرقت عليه الباب فسمع صوتي ولم يفتح لي وهو ابن عمي وجعلت أتسور الجدار ونظرت إليه
وقلت له : السلام عليك يا أبا قتادة
فما ردَّ عليه رضي الله عنه
فقال له : أنشدك الله أتعلم اني أحب الله ورسوله
فمار رد عليه مرة أخرى
فقال له : أنشدك الله أتعلم اني أحب الله ورسوله
فقال له : الله ورسوله أعلم
فبكى وذهب إلى بيته وكما وصفهم الله تعالى
( حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ )
وحتى أتموا خمسين ليلةً ونزلت الآيات والرسول صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة ونزلت في الثناء على المسلمين الذين كانوا في الغزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثلاثة الذي تخلفوا قال الله فيهم
( لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ )
------------------------------
( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )