السؤال:-
ما صحة الحديث : " ثلاث جدُّهن جدٌ وهزلهُنَّ جدٌ : النكاح ، والطلاق ، والرجعة " .
الاجابة :-
الجواب : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..
أما بعد :
هذا الحديث مما أختلف العلماء في ثبوته ، فقد أخرجه :
أبوداود (2194) ، والترمذي (3/ 490 )رقم (1184) ، وابن ماجه (2039) ، وسعيد بن منصور في " السنن " ( 1/ 369) رقم (1603) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " (3 / 98 ) ، وابن الجارود (712) ، والدار قطني ( 3/ 256 ، 257 و 4/ 18 ـ 19) ، والحاكم (2/ 198) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (7/ 341) ، والبغوي في " شرح السنة " ( 9/ 219 ) رقم (2356) ، والمزي في " تهذيب الكمال " (17/ 53) من طريق عبدالرحمن بن حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن ماهك ، عن هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث جدُّهن جدٌ وهزلهُنَّ جدٌ : النكاح ، والطلاق ، والرجعة " .
قال الترمذي :
" هذا حديث حسن غريب ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم " .
قلت : قوله ( حسن غريب ) قد يراد منه ما كان فيه نكاره ، وقد يراد منه بمعنى أنه حسن لذاته ، وغريب أي ليس له سوى هذا الطريق ، وأما قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ففي ثبوت هذه الروايات عن الصحابة نظر .
وقال الحاكم :
" صحيح الإسناد ، وعبدالرحمن من ثقات المدنيين " .
فتعقبه الذهبي في " تلخيص المستدرك " بقوله : " فيه لين " .
قال أبو عبدالرحمن : وهو كما قال ، بل هو ضعيف ، فإنه قد جرحه النسائي فقال : " منكر الحديث " ، وهذا مقتضاه أنه كثير المخالفة .
وقال ابن حزم :
" منكر الحديث مجهول ؛ لأن قوماً قالوا : عن عبدالرحمن بن حبيب ، وقوماً قلوا : حبيب بن عبدالرحمن وهو مع ذلك متفق على ضعف روايته " .
وقاابن القطان :
" لا تعرف حاله " .
وقال ابن حجر في " التقريب " :
" لين الحديث " . وقال في " التلخيص " (3/ 210) :
" وهو مختلف فيه ، قال النسائي : منكر الحديث ، ووثقه غيره ، فهو على هذا حسن " .
فتعقبه شيخناالألباني في " أرواء الغليل " (6/ 225) بقوله :
" قلت : فليس بحسن ، لأن المشار إليه إنما هو ابن حبان لا غير ، وتوثيق ابن حبان مما لا يوثق به إذا انفرد به كما بينه الحافظ نفسه في مقدمة " اللسان " ، وهذا إذا لم يخالف ، فكيف وقد خالف هنا النسائي في قوله : منكر الحديث . ولذلك رأينا الحافظ لم يعتمد على توثيقه في كتابه الخاص بالرجال : " التقريب " فالسند ضعيف وليس بحسن عندي . والله أعلم " أ.هـ .
والحاكم مشهور بالتساهل . فالقول قول النسائي وابن حزم .
وقد اختلف في هذا السند على عطاء بن أبي رباح .
فأخرجه عبدالرزاق في " مصنفه " (6/ 133) رقم ( 10243) :
عن ابن جريج ، عن عطاء به من قوله .
وابن جريج حافظ كبير ، وهو من أخص أصحاب عطاء بن أبي رباح ، وروايته هذه هي الأصوب ، وعلى هذافالرواية المرفوعة التي من طريقه منكرة ، وهذا يتناسب مع قول النسائي وابن حزم في عبدالرحمن بن حبيب : " منكر الحديث " ، فإنه معروف برواية هذا الحديث ، وقد خالف فيه ابن جريج .
فإن قال قائل : ولكن قد روي هذا الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة .
وهو ما اخرجه ابن عدي في " الكامل " (6/ 2033) من طريق :
غالب بن عبيدالله ، عن الحسن ، عن أبي هريرة به .
الجواب : هذا إسناد مطرح ، وله ثلاث علل :
الأولى : غالب بن عبيدالله وهو العقيلي الجزري : ساقط ، قال ابن معين :
" ليس بشي " . وقال أبو حاتم الرازي والدار قطني والأزدي :
" متروك " . وقال ابن حبان :
" كان ممن يروي المعضلات عن الثقات ، حتى ربما يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها ، لا يجوز الاحتجاج بخبره " .
وأورد له الذهبي في ترجمته جملة أحاديث مما أنكر عليه ، قال في أحدها : " هذا حديث موضوع " !
الثانية : رواية الحسن البصري عن أبي هريرة مرسلة على الصحيح من أقوال أهل العلم ونقاد الحديث .
الثالثة : فإن هذا السند منكر أيضاً كسابقه ، فقد اختلف فيه على الحسن ، فرواه غير واحد منهم يونس بن عبيد ، عن الحسن ، عن أبي الدرداء موقوفاً (1) ، وهو الأصح ، وهو المحفوظ عن الحسن البصري .
وللحديث شواهد فينبغي الاطلاع عليها والنظر بدقة في أسنانيدها :
أولاً : عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يجوز اللعب في ثلاث : الطلاق ، والنكاح ، والعتاق ، فمن قالهن ، فقد وجبن " .
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسندة " (162 رقم 501 ـ بغية الباحث ) : حدثنا بشر بن عمر ، حدثنا عبدالله بن لهيعة ، حدثنا عبيدالله بن أبي جعفر ، عن عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قال أبو عبدالرحمن : وهذا إسناد ضعيف ، وله علتان :
الأولى : الانقطاع بين عبيدالله بن أبي جعفر وعبادة بن الصامت ، فإنه لم يصح لعبيدالله سماع من الصحابة .
الثانية : عبدالله بن لهيغة صدوق ، خلط بعد احتراق كتبه ، وكانت تُقرأ عليه أحاديث ليست من أحاديثه فيجيزها ، وليس هذا الحديث من رواية من روى عنه قبل الاختلاط من كبار أصحابه كالعبادلة ويحيى بن إسحاق وعبدالرحمن بن مهدي والليث بن سعد وقتيبة بن سعيد ونحوهم .
وأخرجه أحمد بن منيع في " مسنده " كما في " المطالب العالية " (4/ 394) رقم (1848) وابن مردويه في " تفسيره " كما في تفسير ابن كثير (1/ 394) من طريق أبي معاوية ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن عبادة بن الصامت ، قال : كان الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلق امرأته ويقول : كنت لاعباً ، ويعتق مملوكه ويقول كنت لاعباً ، ويزوج ابنته ويقول : كنت لاعباً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ثلاث من قالهن لاعباً فهي جائزات عليه : الطلاق والعتاق والنكاح " .
فأنزل الله عز وجل في ذلك ( ولا تتخذوا آيات الله هزواً ) .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ، وفيه علل :
الأولى : إسماعيل بن مسلم وهو المكي البصري ، وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه بل تركه بعضهم .
الثانية : الانقطاع بين الحسن البصري وعبادة بن الصامت ، فإنه لم يسمع منه ، قاله البزار كما في " تهذيب التهذيب " ( 2/ 269 ) .
ثانيا : عن فضالة بن عبيد الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :
" ثلاث لا يجوز اللعب فيهن : الطلاق والنكاح والعتق " .
أخرجه الطبراني في " الكبير " (18/ 304) رقم (780) : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثني أبي ، ثنا ابن لهيعة ، حدثني عبيدالله بن أبي جعفر عن حنش بن عبدالله السبأي ، عن فضالة بن عبيد الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
وهذا اسناد ضعيف ؛ ابن لهيعة ضعيف ؛ لسوء حفظه . ويمكن يقال أن العهدة في هذا الخبر على عثمان بن صالح فهو وإن كان صدوق في نفسه إلا أنه ابتلي بخالد بن نجيح فكان معهم ، يملي عليهم مالم يسمعوا ، وخالد هذا وضاع يفتعل الحديث ، فهذا الوجه عن ابن لهيعة والذي قبله غير محفوظين .
ثالثاً : عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من طلَّق وهو لاعب فطلاقه جائز ، ومن أعتق وهو لاعب فعتاقه جائز ، ومن أنكح وهو لاعب فنكاحه جائز " .
أخرجه عبدالرزاق في " المصنف " (6/ 134 ـ 135) رقم (10249) : عن إبراهيم بن محمد ، عن صفوان بن سليم ، أن أبا ذرّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قال أبو عبدالرحمن : وهذا السند ساقط جداً ؛ فإنه من رواية إبراهيم بن محمد وهو ابن أبي يحيى الأسلمي ، قال مالك ويحي بن سعيد وابن معين وابن حزم : هو كذاب ، وقال أحمد : قد ترك الناس حديثه ، وقال الدار قطني وابن حجر : متروك .
ورواية صفوان بن سليم عن أبي ذرّ مرسلة .
قال أبوداود السجستاني :
" لم ير أحداً من الصحابة إلا أبا أمامة وعبدالله بن بسر " .
رابعاً : عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من طلّق أو نكح أو أعتق وزعم أنه لاعب فهو جدّ " .
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (5/ 1761) : حدثنا عبدالوهاب بن أبي عصمة ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا يحيى بن عبدالله الأواني ، ثنا إبراهيم بن أبي يحيى ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : وهذا إسناد واهٍ بالمرة ، وفيه علل :
الأولى : إبراهيم وهو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو متهم متروك .
الثانية : عمرو بن عبيد هو المعتزلي المشهور وهو متهم متروك .
الثالثة : الانقطاع ، فإن الحسن لم يسمع من أبي الدرداء .
قال أبو زرعة الرازي كما في " مراسيل " ابن أبي حاتم (148) :
" الحسن عن أبي الدرداء مرسل " .
خامساً : عن ابن عباس ، قال :
" طلَّق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق ، فأنزل الله : ( ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُوَا ) فألزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الطلاق " .
أخرجه ابن مردويه في " تفسيره " كما في تفسير ابن كثير (1/ 393) : حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا أبو أحمد الصيرفي ، حدثني جعفر بن محمد السمسار ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد عن ابن عباس قال : فذكره
قلت : وهذا السند ساقط ، آفته إسماعيل بن يحيى وهو ابن عبيدالله بن طلحة ، قال صالح جزرة :
" كان يضع الحديث " . وقال أبو علي النيسابوري ، والدارقطني والحاكم :
" كذاب " .
سادساً : عن الحسن ، قال :
" كان الرجل في الجاهلية يطلِّق ثم يرجع يقول : كنت لاعباً ، ويعتق ثم يرجع ، يقول : كنت لاعباً ، فأنزل الله : ( ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من طلَّق أو حرَّر أو أنكح أو نكح فقال : إني كنت لاعباً فهو جائز " .
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4/ 119) رقم (18400) ، قال : نا عيسى بن يونس ، عن عمرو عن الحسن ، قال : فذكره .
قال أبو عبدالرحمن : وهذا إسناد ضعيف جدا، عمرو بن عبيد هو المعتزلي المشهور وهو متهم متروك .
وله طريق آخر عن الحسن عند ابن جرير في " جامع البيان " (2/ 653) رقم (3887) من رواية سليمان بن أرقم ، عن الحسن بنحوه .
وهذا إسناد ساقط ، سُليمان بن أرْقَم هو البصري ، قال عنه أحمد بن حنبل وابن معين :
" ليس بشيء " . وقال عمرو بن علي :
" ليس بثقة ، روى أحاديث منكرة " . وقال البخاري :
" تركوه " . وقال مسلم :
" منكر الحديث " . وقال أبوزُرعة :
" ضعيف الحديث ، ذاهب الحديث " . وقال الجوزجاني :
" ساقط " . وقال ابن حبان :
" كان ممن يقلب الأخبار ويروي عن الثقات الموضوعات " . وقال ابن عدي :
" عامة مايرويه لا يُتابع عليه " . وقال ابن حزم :
" مذكور بالكذب " . وفي موضع آخر قال :
" لا خير فيه " . وقال الترمذي :
" وهو ضعيف عند أهل الحديث " .
وقال أبو حاتم والنسائي ، وعبدالرحمن بن خراش وأبو احمد الحاكم والدار قطني :
" متروك " .
وله طريق آخر أيضاً عن الحسن عند ابن أبي حاتم في " تفسيره " (2/ 425) رقم (2248) من رواية المبارك بن فضالة ، عن الحسن بنحوه .
قلت : المبارك بن فضالة هو البصري وقد وثقه غير واحد على ضعف فيه لكنه يدلس ، ولم يذكر سماعه في هذا الحديث .
ويجدر بيّ التنبيه على أنه قد خولف عمرو وسليمان والمبارك في رواية هذا الخبر ، فرواه غير واحد منهم يونس بن عبيد ، عن الحسن عن أبي الدرداء ، انظر الحاشية رقم (1) .
سابعاً : عن ابن جريج ، قال : أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من طلَّق أو نكح لاعباً فقد أجاز " .
أخرجه عبدالرزاق في " المصنف " (6/ 135) .
وهذا معضل ( وهو ماسقط منه اثنان فأكثر في موضع أو مواضع )، والمعضل شديد الضعف .
ثامناً : عن أبي بُردة ابن أبي موسى الأشْعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" مابال رجال يلعبون بحدود الله يقول أحدهم قد طلقت ثم راجعت " .
قلت : ذكره ابن حزم في " المحلى " (10/ 204) من طريق وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عنه ، وقال عقبه :
" وهذا مرسل ولا حجة في مرسل " .
قال الأستاذ الفاضل مراد شكري في كتابه الماتع " المنخلة النونية في فقه الكتاب والسنة النبوية وشرحها " (161) :
" وشواهده لا تنهض لتصحيحه ؛ لسببين :
الأول : ضعفها الشديد .
والثاني : عدم كونها في محل الشاهد ؛ ففرق بين قوله : " ثلاث هزلهنَّ جدٌّ " ، وقوله : " ثلاث لا يُلعَب بهن " ؛ فالأولى إثبات للطلاق ، والثانية نهي عن اللعب فيه ، والنهي لا يفيد الوقوع ، بل يفيد الإثم فقط " أ.هــ .
وجملة القول أن هذا الحديث ضعيف لا تقوم به الحجة . والله المستعان لا رب سواه .