كيف يستطيع الأهل والمربّون غرس أركان الإيمان والمحافظة على الفطرة في شخصية الطفل؟
بالتربية الإيمانية نحلّق مع أبنائنا.. والعقيدة جناح .
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذه المقالة سوف نجيب على سؤال مهمّ وهو : كيف يستطيع الأهل والمربّون غرس أركان الإيمان والمحافظة على الفطرة في شخصية الطفل؟ فنتناول جانب البناء العقدي في التربية الإيمانية، على أن نتابع في المقالة القادمة بإذنه تعالى الجانب الآخر، جانب البناء العبادي.
أسس البناء العقدي:
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يستطيع المربي والوالدان غرس أركان الإيمان والمحافظة على الفطرة في شخصية الطفل؟
والجواب يكون من خلال الاقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسننه في التعامل مع أطفاله وأطفال الصحابة. حيث وضع لنا أسس هذه التربية وطرقها من خلال سننه القولية والفعلية والتقريرية.
(انظر بالتفصيل: سهام مهدي: الطفل والشريعة ص 182 مع تحفظنا على بعض المفاهيم العقدية بالكتاب).
1- إحياء بذرة الفطرة من خلال تلقين الطفل كلمة التوحيد بالأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى
يقول الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه. فإن عوّد الخير وعلّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب. وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له.."
وقد شرع الإسلام للمولود الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى وذلك حين الولادة مباشرة، حتى يكون أول شيء يلقن له ويلقى في سمعه، أعذب الكلام وأطيبه، وهو ذكر الله، وسر ذلك أن يكون أول ما يقرع سمع المولود كلمات الأذان المتضمنة لكلمة التوحيد والشهادة التي هي أول ما يدخل بها الإنسان لهذا الدين.
2- تثبيت اعتقادهم بوحدانية الله وترسيخ حب الله تعالى في قلوبهم
إن الطفل يتقنُ أولَ ما يتقن التعلقَ والحب، ولذلك فإن الحرص على غرس محبة الله في نفوس أطفالنا أساس لتوحيده سبحانه. فقد جبل الطفل على التعلق وحب من أحسن إليه. فإذا عرف الطفل أن خالقه هو الله، وأن رازقه هو الله،
وأن الذي يطعمه ويسقيه هو الله.. ازداد حباً له.
وبحب الطفل للخالق يحبّ كلامه (القرآن) وشرائعه والأخلاق التي يرتضيها لعباده. وفي نفس الوقت نغرس في نفوس أطفالنا تنزيه الله عن الشركاء، معترفين بوحدانيته، مقرّين له بجميع صفات الكمال التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- طاعة الله ومراقبته في السر والعلن
إذا وقر لدى الطفل أن الله هو الخالق، وحده لا شريك له، يُعبد وحده، وهو على كل شيء رقيب، فإنّه يبدأ بطاعته ومراقبته في السر والعلن. فالمربّي يشعر أطفاله بأن الله يسمعهم ويراهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون وما يجهرون به من أقوال، ويلقن ذلك من خلال كتاب الله وشرحه. {عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، سواء منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن
هو مستخف بالليل وسارب بالنهار} الرعد / 9 – 10.
لقد كان لقمان الحكيم يعلم ابنه قائلاً: يا بني إذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكاناً لا يراك فيه!! وفي كلامه إشارة
إلى أن الله لا تخفى عنه خافية فلا تعصه.
وكان بعض العلماء يرفع شاباً على تلامذته كلهم، فلامه أولياء أمورهم. فاستدعاهم وأعطى كل تلميذ طيراً وقال: اذبحه في مكان لا يراك فيه أحد، وما هي إلا لحظات حتى عاد الجميع بطيورهم وقد ذبحوها إلا ذلك الشاب، فقد رجع بطائره غير مذبوح. فلما سئل قال: قلت لي لا تذبحه إلا في موضع لا يراك فيه أحد.. فلم أجد مكاناً إلا ويراني فيه الواحد الأحد الفرد الصمد. فقال له العالم: أحسنت! ثم التفت إلى أولياء تلاميذه قائلاً: لهذا رفعته وميزته عن غيره.
إنَّ غرس مراقبة الله في نفوس الأطفال:
- يوقظ لديهم الخوف من الله فيبعدهم عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.
- يؤدي إلى الحياء.
4- حسن الظن بالله واللجوء إليه والخوف منه
إن الطفل الذي استوعب مسألة الإيمان ورسخ في قلبه توحيد الله وحبه في صغره لا يصعب إقناعه ببقية
المسائل الإيمانيّة في الكبر، بل يجدها واضحة ويتبعها بكل جوارحه وكيانه.
5- تنمية الصلة بالله
الأساس في التربية الإيمانية أن يكون بين الإنسان وربه اتصال دائم لا ينقطع، فالعبادة بجميع أنواعها وشتى صورها
تشعر المؤمن أنه موصول بالله يستمد منه الهداية والعون، يدعو فيجيب الله دعاءه.
يعوّد الطفل على الصلاة والصوم وقراءة القرآن.. وكلها صلات بين العبد وربه سبحانه، كما إن الدعاء والاعتراف بنعم الله وشكرها يحقق هذه الصلة.
6- ترسيخ حب النبي صلى الله عليه وسلك في نفوس الأبناء
ويتم ذلك من خلال حث الطفل على اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والمثال الذي يقتدي به، وتشجيعه على امتثال سننه.
7- الإيمان بالملائكة:
عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
ويتم ذلك من خلال شرح بسيط للطفل: من هم الملائكة. مم خلقوا؟ طبيعتهم؟ أعمالهم؟ هذه المعرفة تثمر لدى الطفل عدة لفتات تربوية منها:
- الشعور بالحياء من الملائكة المكلّفين بكتابة الأعمال.
- استشعار حضورهم لمجالس الذكر وشهودهم الصلوات.
8- الإيمان بكتب الله ورسله
ويتمثل في توضيح معنى الكتب والرسالة والنبوة بإعطاء نبذة قصيرة عن أهمها: التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، مع خلاصة حول القرآن الكريم الذي تميز عن باقي الكتب، بكونه تضمن التعاليم الإلهية التي وردت في غيره، وأنه جاء تبياناً لكل شيء وهدى وموعظة للمؤمنين. مع الحديث بأسلوب قصصي عن أنبياء الله ولا سيما الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم وأولو العزم منهم خاصة.
9- الإيمان باليوم الآخر
يبدأ اليوم الآخر بفناء عالمنا هذا، فيموت كل من فيه، وتتبدّل الأرض غير الأرض والسموات، وقد يتبادر إلى ذهن أطفالنا أسئلة كثيرة.. قد يتساءلون عن وضع الأرض أو الشمس أو النجوم والكواكب.. ومن هنا يبدأ ترسيخ معاني اليوم الآخر. ويتم ذلك أيضاً من خلال عرض صور قرآنية عن اليوم الآخر وأسمائه المتعددة: يوم البعث، يوم القيامة، يوم التلاقي، الآزفة، ويوم التنادي،
والصاخّة، والحاقّة، والغاشية، والواقعة..
والذي يجب التركيز عليه أن نعلّم أطفالنا حكمة الاهتمام باليوم الآخر، فهو الذي يعطي
لحياتنا معنى وغاية سامية وهدفاً أعلى، هذه الغاية تتمثل في فعل الخيرات وتنفيذ شرع
الله وتلبية أمره، وترك المنكرات، والتحلي بالفضائل والأخلاق والبعد عن الرذائل والموبقات.
10- الإيمان بالقدر خيره وشره
المربي مهمته تفهيم الأطفال مسألة القضاء والقدر على قدر ما تبلغه عقولهم، فيبدأ
بالشرح البسيط ويتدرج في شرح القضاء والقدر إلى حين التوصل إلى الآتي:
- معنى القضاء والقدر.
- منزلة الإيمان بالقضاء والقدر من عقيدة المسلم.
- الفهم الخاطئ للقدر.
- بيان حكمة الإيمان بالقدر.
- الإيمان بالقدر دافع إلى العمل والتضحية.
- الهداية والضلال.
11- تعليم الطفل القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة
يجب تعويد الطفل حفظ قصار السور من القرآن وبعض الأحاديث النبوية التي تخص السلوك والمعاملة.
فأهميّة حفظ القرآن والحديث للطفل تكمن في مساعدته على النبوغ في مجالات شتى في الحياة، ولا سيما الفكرية والثقافية والأدبية واللغوية. هذا إضافة إلى النواحي العقدية والعلمية الأخرى.
إن البناء العقدي هو الأساس الذي تنطلق منه سائر المجالات الأخرى، وأولها البناء العبادي لتكتمل
التربية الإيمانية أولاً، ثم غيرها.. فالعقيدة أولاً!
د.مصطفى ابوسعد