أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير قصة داود المذكورة في سورة ص

تفسير قصة داود المذكورة في سورة ص


يقول الله تعالى: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ * وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ * يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 17 - 26].


تَفسيرُ الآياتِ:
﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾:
أي: اصبِر يا محمد على ما يقول مشركو قومك من التكذيب بالحق والاستهزاء بك، واذكر عبدنا داود ذا القوة على عبادة الله وجهاد أعدائه.

إن نبينا داودَ كان كثيرَ التوبة والدعاء، والرجوع إلى الله في جميع أموره، واقفًا عند حدوده.
يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 40، 42)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 158)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 57)، و((تفسير الشوكاني)) (4/ 487)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 227).

آية وحديثان فيها ما يتعلق بتفسير الآية:
من قوة داود ما ذكره الله في قوله تعالى: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ﴾ [البقرة: 251].
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((أحَبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ عليه السلام، وأحَبُّ الصيام إلى الله صيامُ داود، وكان ينام نصف الليل، ويقوم ثُلُثَه، وينام سُدُسه، ويصوم يومًا، ويُفطِر يومًا))؛ رواه البخاري (1131) واللفظ له، ومسلم (1159).

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن النبي داود عليه الصلاة والسلام: ((كان أعبدَ الناس))؛ رواه مسلم (1159).

﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾:
أي: إنا سخرنا الجبال يُسبِّحْنَ الله وينزِّهْنَه عمَّا لا يليق به بصوت يسمعه منهُنَّ داود كلما سبَّح الله وقت العصر إلى الغروب، ووقت الضُّحَى حين تَبْيَض الشمس ويصفو شعاعُها بعد طلوعها.

يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 43)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 159)، و((تفسير البيضاوي)) (5/ 26)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 57)، و((تفسير الشوكاني)) (4/ 487)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 228).

آيات كريمة تتعلق بتفسير الآية:
قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 79].
وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ: 10].

وقال عز وجل: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44].

﴿ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ﴾:
أي: وسخرنا الطير مجموعة لداود يُسبِّحْنَ الله معه، كلٌّ من الجبال والطير رجاع إلى عبادة الله، وامتثال أمره بالتسبيح مع داود، وكلُّ الطيور تُكثِر الرجوع إلى داود، وتأتيه من أماكن بعيدة للتسبيح معه.

يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 45)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 161)، و((تفسير البيضاوي)) (5/ 26)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 58)، و((تفسير الشوكاني)) (4/ 488)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 229).

آية كريمة تتعلق بتفسير الآية:
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ [سبأ: 10].

﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾:
أي: وقوينا ملك داود بالهيبة وكثرة الجنود والنصر حتى ثبت ملكه طوال مدة حكمه، وأعطينا داود النبوَّة، وعلم كتاب الله والسنن، والفهم، والعمل بالصواب في جميع الأمور، وأعطينا داود قطعَ المخاطبة بالكلام البليغ الفاصل بين الحق والباطل، والحكم بالصواب في الخصومات بين الناس، ومن ذلك سؤال المدَّعي البيِّنةَ والمنكِر اليمينَ.

يُنظَر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/ 639)، و((تفسير ابن جرير)) (20/ 48، 52)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 161، 162)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 58، 59)، و((تفسير الشوكاني)) (4/ 488)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 229).

آية كريمة وآثار عن السلف تتعلق بتفسير الآية:
قال تعالى: ﴿ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 251].
وعن مجاهد في قوله: ﴿ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾، قال: "إصابة القضاء وفهمه"؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 49).

وعن ابن زيد في قوله: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ قال: "الخصومات التي يُخاصِم الناسُ إليه؛ فصلُ ذلك الخطاب: الكلامُ الفَهْم، وإصابةُ القضاء والبيِّنات"؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 49).

وعن قتادة في قوله: ﴿ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ قال: "البينة على الطالب، واليمين على المطلوب؛ هذا فصل الخطاب"؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 51).

وعن الشعبي في قوله: ﴿ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ قال: "قول الرجل: أما بعد"؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 51).

﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴾:
أي: وهل أتاك يا محمد نبأ الخصم وأمرهما العجيب مع داود، حين تسلَّق الخَصْمان جِدارَ المحراب - وهو مقدم البيت وأشرفه - ونزلا من الجدار حتى دخلا على داود وهو في مكان عبادته؟!

يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 52، 53)، و((تفسير ابن عطية)) (4/ 497)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 165)، و((تفسير الخازن)) (4/ 35)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 60)، و((تفسير الألوسي)) (12/ 171)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711).

قال البغوي: "إنما جمَعَ الفعلَ وهما اثنان؛ لأن الخَصْم اسمٌ يصلُح للواحد والاثنين، والجمع والمذكر والمؤنث، ومعنى الجمع في الاثنين موجود؛ لأن معنى الجَمْع ضمُّ شيء إلى شيء؛ هذا كما قال الله تعالى: ﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4]"؛ ((تفسير البغوي)) (4/ 60).

وقال ابن عطية: "تحتمل هذه الآية أن يكون المتسوِّر للمحراب اثنين فقط؛ لأن نفس الخصومة إنما كانت بين اثنين، فتجيء الضمائر في: ﴿ تَسَوَّرُوا ﴾ و﴿ دَخَلُوا ﴾ و﴿ قَالُوا ﴾ على جهة التجوز، والعبارة عن الاثنين بلفظ الجمع، ويحتمل أنه جاء مع كلٍّ فرقة، كالعاضدة والمؤنسة، فيقع على جميعهم خصم، وتجيء الضمائر حقيقة"؛ ((تفسير ابن عطية)) (4/ 498).

قال ابن كثير: "ذكر المفسِّرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبُت فيها عن المعصوم حديث يجب اتِّباعه، فالأولى أن يُقتصَر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يُردَّ علمُها إلى الله عز وجل؛ فإن القرآن حقٌّ، وما تضمَّن فهو حقٌّ أيضًا"؛ ((تفسير ابن كثير)) (7/ 60).
قلت: وسنذكر لاحقًا أقوال أشهر المفسِّرين في هذه القصة، والله الموفِّق للصواب.

﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴾:
أي: اذكر حين دخل الخَصْمان على داود بغتةً من غير باب المحراب بلا استئذان؛ فخاف منهما. قال الخصمان لداود حين رأياه فزع من دخولهما عليه: لا تخف، نحن خَصْمان، تعدَّى أحدُنا على الآخر وظلمه بغير حق، فاقض يا داود بيننا بالعدل، ولا تجُرْ في القضاء فتتجاوز الحدَّ بالميل مع أحدنا على صاحبه، وأرشدنا بحكمك العادل بيننا إلى قصد الطريق المستقيم، ولا تخالف بنا إلى غير الحق.

يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 53 -56)، و((الوسيط)) للواحدي (3/ 547)، و((تفسير العليمي)) (6/ 15)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 233، 234).

﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾:
أي: قال أحد الخَصْمين لداود: إن هذا أخي له تسع وتسعون شاة أنثى من الضأن، ولي شاة واحدة، لا أملك غيرها، فقال لي أخي: أعطني شاتَكَ وضُمَّها إليَّ لأتملكها وتكمل عدد نعاجي مائة، وظلمني أخي في مخاطبته إيَّاي، وغلبني وقهرني حين رأى مني تمنُّعًا ليأخذ نعجتي من غير طيب نفسٍ مني!

يُنظر: ((الفصل))؛ لابن حزم (4/ 14)، و((تفسير أبي حيان)) (9/ 149)، و((إعلام الموقعين))؛ لابن القيم (3/ 169)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 60)، و((تفسير النيسابوري)) (5/ 588)، و((تفسير ابن عجيبة)) (5/ 17)، و((تفسير القاسمي)) (8/ 247)، و((تفسير المراغي)) (23/ 109)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 235)، و((التفسير المنير))؛ للزحيلي (23/ 186).

قال أبو حيان: "الظاهر إبقاء لفظ النعجة على حقيقتها من كونها أنثى الضَّأْن، ولا يُكنَّى بها عن المرأة، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأن ذلك الإخبار كان صادرًا من الملائكة على سبيل التصوير للمسألة والفرض لها، من غير تلبُّس بشيء منها، فمثَّلُوا بقصة رجل له نعجة، ولخليطه تسع وتسعون، فأراد صاحبه تتمَّة المائة، فطمع في نعجة خليطه، وأراد انتزاعها منه، وحاجَّه في ذلك مُحاجَّة حريصٍ على بلوغ مراده"؛ ((تفسير أبي حيان)) (9/ 149).

وقد ذهب أكثر المفسرين - ومنهم ابن جرير والواحدي والزمخشري والقرطبي والشوكاني - إلى أن المراد بالنعجة هنا المرأة، والمعنى: ولي امرأة واحدة، فقال لي أخي: انزل عنها لي وضُمَّها إليَّ حتى أكفُلَها، وأصيرُ بَعْلًا لها، وذكروا أن هذا مَثَلٌ ضربَه الخَصْم لداود؛ لأن داود - كما قيل - كان له تسع وتسعون امرأة، فرغب أن يتزوَّج امرأة رجل من قومه.

يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 53، 59)، و((الوسيط)) للواحدي (3/ 547)، و((تفسير الزمخشري)) (4/ 83)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 174)، و((تفسير الشوكاني)) (4/ 489).

وقال البغوي: "قال الحسين بن الفضل: هذا تعريض للتنبيه والتفهيم؛ لأنه لم يكن هناك نِعاجٌ ولا بَغْيٌ، فهو كقولهم: ضرب زيدٌ عَمْرًا، أو اشترى بكرٌ دارًا، ولا ضَرْب هُنالك ولا شِراء"؛ ((تفسير البغوي)) (4/ 60).

وقال ابن القيم: "تخريج هذا الكلام على المعاريض لا يكاد يتأتَّى؛ وإنما وجهه أنه كلام خرج على ضرب المثال؛ أي: إذا كان كذلك فكيف الحُكْم بيننا؟ ونظير هذا قول الملك للثلاثة الذين أراد الله أن يبتليهم: (مسكين وغريب وعابر سبيل، وقد تقطعت بي الحبال، ولا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، فأسألك بالذي أعطاك هذا المال بعيرًا أتبلَّغُ به في سفري هذا)، وهذا ليس بتعريض؛ وإنما هو تصريح على وجه ضرب المثال، وإيهام أني أنا صاحب هذه القضية، كما أوهم الملكان داودَ أنهما صاحبا القصة؛ ليتمَّ الامتحان"؛ ((إعلام الموقعين)) (3/ 169).

فائدة: قال ابن عاشور: "ليس في قول الخَصْمين: ﴿ هَذَا أَخِي ﴾ ولا في فرضهما الخصومة التي هي غير واقعة ارتكاب الكذب؛ لأن هذا من الأخبار المخالفة للواقع التي لا يريد المخبِر بها أن يظُنَّ المخْبَر (بالفتح) وقوعَها إلَّا ريثما يحصُل الغرض من العِبْرة بها، ثم ينكشف له باطنُها فيعلم أنها لم تقع، وما يجري في خلالها من الأوصاف والنسب غير الواقعة؛ فإنما هو على سبيل الفرض والتقدير، وعلى نية المشابهة"؛ ((تفسير ابن عاشور)) (23/ 238).

﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ﴾:
أي: قال داود للخَصْم المتظلِّم من صاحبه: لقد ظلمك أخوك بسؤاله إيَّاكَ أن تُعطيَه نعجتَكَ الوحيدة ليضُمَّها إلى نِعاجه الكثيرة.

وإن عادة أكثر الشركاء في الأموال أن يتعدَّى بعضُهم على بعض بالظلم، إلا الذين آمنوا بالله وعملوا الطاعات ولم يتجاوزوا أمر الله ونهيه، وقليل الصالحون الذين لا يظلمون أحدًا.

وعلم داود بعد قضائه بين الخَصْمين أنما ابتليناه وامتحنَّاه ليتنبَّه، فطلب من ربِّه أن يغفرَ له ذنبه، وسقط ساجدًا، ورجع إلى الله تائبًا.

يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/ 641)، و((تفسير ابن جرير)) (20/ 62 - 64)، و((تفسير السمعاني)) (4/ 436)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 179، 182، 183)، و((مجموع الفتاوى))؛ لابن تيمية (13/ 342)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 60)، و((تفسير النيسابوري)) (5/ 589)، و((تفسير الألوسي)) (12/ 174)، و((تفسير السعدي)) (ص: 711)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 235، 236).

آية وأحاديث تتعلق بتفسير الآية:
قال تعالى: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشَزَّنَ الناس للسجود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما هي توبةُ نبيٍّ؛ ولكني رأيتُكم تشزَّنْتُم للسجود))، فنزل فسجد وسجدوا؛ رواه أبو داود (1410)، وصحَّحه البيهقي في السنن الكبرى (3740)، وابن كثير في تفسيره (7/ 62)، وكذا صحَّحه الألباني.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في "ص"، وقال: ((سجَدَها داودُ توبةً، ونسجُدُها شُكْرًا))، رواه النسائي (957)، وصحَّحه الألباني.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال في السجود في "ص": "ليست من عزائم السجود، وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجُدُ فيها"؛رواه أحمد (3387)، وصحَّحه الأرناؤوط.

وعن ابن عباس في قوله: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ قال: "اختبرناه"؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 63).

فائدة: قال ابن تيمية: "المراد هنا: السجود، بالسنة واتفاق العلماء، فالمراد: خرَّ ساجدًا، وسمَّاه ركوعًا؛ لأن كل ساجد راكع، لا سيَّما إذا كان قائمًا، وسجود التلاوة من قيام أفضل، ولعلَّ داود سجَدَ من قيام، وقيل: خرَّ راكعًا؛ ليُبيِّن أن سجوده كان من قيام، وهو أكمل، ولفظ ﴿ خَرَّ ﴾ يدل على أنه وصل إلى الأرض، فجمع له معنى السجود والركوع"؛ ((جامع الرسائل)) (1/ 36).

وقال ابن عاشور: "قال ابن العربي: لا خلاف في أن الركوع ها هنا السجود، قلت: الخلاف موجود، والمعروف أنه ليس لبني إسرائيل سجود بالجبهة على الأرض، ويحتمل أن يكون السجود عبادة الأنبياء كشأن كثير من شرائع الإسلام كانت خاصة بالأنبياء"؛ ((تفسير ابن عاشور)) (23/ 240)، وينظر: ((أحكام القرآن))؛ لابن العربي (4/ 57)، و((الإجماع في التفسير))؛ للخضيري، (ص 379 -382).

﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾:
أي: فسترنا لداود ذلك الذنب، وعفونا عنه ولم نؤاخذه بخطيئته، وإن لداود عندنا قُرْبة منا ومنزلة عالية يوم القيامة، وحُسْن مرجع في الجنة يرجع إليه في الآخرة.

يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 76)، و((تفسير ابن عطية)) (4/ 502)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 60، 62)، و((تفسير السعدي)) (ص: 712).

حديث يتعلق بتفسير الآية:
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))؛ رواه مسلم (1827).

أقوال المفسرين في ذنب داود عليه الصلاة والسلام:
قال السعدي: "هذا الذنب الذي صدر من داود عليه السلام لم يذكره الله لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرُّض له من باب التكلُّف، وإنما الفائدة ما قصَّه الله علينا من لطفه به، وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها"؛ ((تفسير السعدي)) (ص: 712).

وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بالفتنة ما جرى لداود من رغبته في تزوُّج امرأة رجل من قوادِه، وذكروا قصة طويلة لا تصحُّ؛ يُنظَر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/ 639، 640)، و((تفسير ابن جرير)) (20/ 71، 74، 75)، و((الوسيط))؛ للواحدي (3/ 547، 548)، و((تفسير ابن عطية)) (4/ 498، 499)، و((زاد المسير))؛ لابن الجوزي (3/ 564 -566).

وقد أبطل تلك القصة كثيرٌ من المحقِّقين؛ كابن حزم، والقاضي عياض، وابن كثير، والشنقيطي، ومحمد أبو شهبة، والألباني؛ يُنظر: ((الفصل))؛ لابن حزم (4/ 14)، ((الشفا))؛ للقاضي عياض (2/ 371 -373)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 60)، و((أضواء البيان))؛ للشنقيطي (6/ 339)، و((الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير))؛ لمحمد أبو شهبة (ص: 268 -270)، و((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة))؛ للألباني (1/ 484، 485).

وذهب بعض المفسرين - كالنحاس، والبغوي، والبيضاوي، وابن القيم، والشوكاني، والألوسي، وابن عاشور - إلى صحَّة أصل القصة بما لا يتنافى مع مقام نبوة داود عليه الصلاة والسلام، وإليك أقوالهم:
قال أبو جعفر النحاس: "قد جاءت أخبار وقصص في أمر داود صلى الله عليه وسلم وأوريا وأكثرُها لا يصحُّ، ولا يتَّصِل إسنادُه، ولا ينبغي أن يجترَّأ على مثلها إلا بعد المعرفة بصحَّتها، وأصحُّ ما رُوي في ذلك ما رواه مسروق، عن عبدالله بن مسعود، قال: "ما زاد داود صلى الله عليه وسلم على أن قال: ﴿ أَكْفِلْنِيهَا ﴾؛ أي: انزل لي عنها"، وروى المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "ما زاد داود على أن قال: ﴿ أَكْفِلْنِيهَا ﴾؛ أي: تحوَّل لي عنها وضُمَّها إليَّ"، قال أبو جعفر: فهذا أجل ما روي في هذا، والمعنى عليه: أن داود عليه السلام سأل "أُوريَّا" أن يُطلِّق له امرأته كما يسأل الرجل الرجلَ أن يبيعه جاريته، فنبَّهَه الله جل وعز على ذلك وعاتبَه لمَّا كان نبيًّا، وكان له تسع وتسعون، أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا وبالتزيُّد منها، فأمَّا غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه"؛ ((معاني القرآن)) (6/ 98 - 101).

وقال البغوي: "قال القائلون بتنزيه الأنبياء في هذه القصة: إن ذنب داود إنما كان أنه تمنَّى أن تكون امرأة "أُوريَّا" حلالًا له، فاتَّفق غزو "أُوريَّا" وتقدمه في الحرب وهلاكه، فلما بلغ قتله داود لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده إذا هلك، ثم تزوَّج امرأته، فعاتبه الله على ذلك؛ لأن ذنوب الأنبياء وإن صغُرت، فهي عظيمة عند الله"؛ ((تفسير البغوي)) (4/ 61).

وقال البيضاوي: "﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ ابتليناه بالذنب، أو امتحنَّاه بتلك الحكومة، هل يتنبَّه بها؟ وأقصى ما في هذه القضية الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ودَّ أن يكون له ما لغيره، وكان له أمثاله، فنبَّهَه اللهُ بهذه القصة، فاستغفر وأناب عنه، وما رُوي أن بصره وقع على امرأة فعشقها، وسعى حتى تزوَّجها وولدت منه سليمان، إن صحَّ فلعلَّه خطب مخطوبته أو استنزله عن زوجته، وكان ذلك معتادًا فيما بينهم، وقد واسى الأنصارُ المهاجرين بهذا المعنى، وما قيل: إنه أرسل "أُوريَّا" إلى الجهاد مرارًا، وأمر أن يُقدَّم حتى قُتِل فتزوَّجها، هزء وافتراء"؛ ((تفسير البيضاوي)) (5/ 27)، ويُنظَر: ((معاني القرآن))؛ للزجاج (4/ 328)، و((تفسير الزمخشري)) (4/ 80، 81).

وقال ابن القيم: "نكاح المعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواءً شرعًا، وقد تداوى به داود عليه السلام، ولم يرتكب نبيُّ الله مُحرَّمًا؛ وإنما تزوَّج المرأة وضَمَّها إلى نسائه لمحبَّته لها، وكانت توبتُه بحسب منزلته عند الله وعلوِّ مرتبته، ولا يليق بنا المزيد على هذا"؛ ((الجواب الكافي))؛ لابن القيم، (ص: 237)، ويُنظَر: ((تفسير القاسمي)) (8/ 251).

وقال الشوكاني: "الظاهر من الخصومة التي وقعت بين الملكين تعريضًا لداود عليه السلام أنه طلب من زوج المرأة الواحدة أن ينزل له عنها، ويضُمُّها إلى نسائه، ولا يُنافي هذا العِصْمة الكائنة للأنبياء، فقد نبَّهَه الله على ذلك، وعرض له بإرسال ملائكته إليه ليتخاصموا في مثل قصته حتى يستغفر لذنبه ويتوب منه؛ فاستغفر وتاب"؛ ((تفسير الشوكاني)) (4/ 490).

وقال الألوسي: "عندي أن ترك الأخبار بالكلية في القصة مما لا يكاد يقبله المنصِفُ، نعم لا يُقبَل منها ما فيه إخلال بمنصب النبوَّة، ولا يقبل تأويلًا يندفع معه ذلك، ولا بد من القول بأنه لم يكن منه عليه السلام إلَّا ترك ما هو الأولى"؛ ((تفسير الألوسي)) (12/ 178).

وقال ابن عاشور: "قد حُكِيت هذه القصة في سِفْر صمويل الثاني في الإصحاح الحادي عشر على خلاف ما في القرآن، وعلى خلاف ما تقتضيه العِصْمة لنبوَّة داود عليه السلام فاحذروه، والذي في القرآن هو الحق، والمنتظم مع المعتاد، وهو المهيمن عليه، ولو حُكي ذلك بخبر آحاد في المسلمين لوجب ردُّه، والجزم بوضْعِه؛ لمعارضته المقطوع به من عِصْمة الأنبياء ... أي: علم داود بعد انتهاء الخصومة أن الله جعلها له فتنة ليُشعِره بحال فعلته مع "أُوريَّا"، وقد أشعره بذلك ما دلَّه عليه انصراف الخَصْمين بصورة غير معتادة، فعلم أنهما ملكان، وأن الخصومة صورية؛ فعلم أن الله بعثهما إليه عتبًا له على متابعة نفسه زوجة "أُوريَّا"، وطلبه التنازُل عنها، وعبَّر عن علمه ذلك بالظن؛ لأنه علم نظري، اكتسبه بالتوسم في حال الحادثة، وكثيرًا ما يُعبَّر عن العلم النظري بالظَّنِّ لمشابهته الظن من حيث إنه لا يخلو من تردُّد في أول النظر"؛ ((تفسير ابن عاشور)) (23/ 239).

وذهب بعض المفسرين - كأبي حيان والمراغي وطنطاوي ووهبة الزحيلي - إلى أن ذنب داود هو سوء ظنه بالخَصْمين؛ حيث ظن أنهما أتيا لاغتياله، فلما تبيَّنَ له أنهما جاءا في خصومة استغفر ربَّه من سوء ظنِّه بهما؛ يُنظَر: ((تفسير أبي حيان)) (9/ 151)، و((تفسير المراغي)) (23/ 109، 110)، و((الوسيط))؛ لطنطاوي (12/ 148)، و((التفسير المنير))؛ للزحيلي (23/ 186).

وذهب بعض المفسرين إلى أن ذنب داود أنه حكم بين الخَصْمين بعد سماعه من أحدهما بلا بيِّنة، ولم يسمع من الخَصْم الآخر؛ ليعرف إقراره أو إنكاره، وهذا القول شاذٌّ كما قال مكي بن أبي طالب، ومع هذا رجَّحه بعض المفسرين؛ كأبي بكر الجزائري؛ يُنظَر: ((الهداية))؛ لمكي بن أبي طالب (10/ 6233)، و((أيسر التفاسير))؛ للجزائري (4/ 444).

وذهب ابن عثيمين إلى أن ذنب داود عليه السلام أنه اشتغل بالعبادة الخاصة عن الحكم بين الناس، فأغلق الباب دونهم، وأيضًا حكم للخَصْم دون أن يسمَع حجَّة خَصْمه، وتعجَّل بالحكم قبل سؤال الخَصْم من أجل أن يرجع إلى عبادته، فعلم عليه الصلاة والسلام أن الله اختبره بهذا فخرَّ راكعًا، وأناب تائبًا إلى الله عز وجل؛ هذا النقل موجود في موقع الشيخ ابن عثيمين في الإنترنت.

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾: أي: يا داود، إنا استخلفناك في أرض الشام بعد من كان قبلك من الأنبياء والصالحين لتأمُرَ بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتُدبِّر أمور أهلها الدينية والدنيوية بأمرنا، فاحكم بين الناس بالعَدْل الذي شرعته، ولا تتبع هوى نفسك المخالف لأمر الله في القضاء بين الناس وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، فيضلك الهوى عن دين الله، فتترك الحق والعمل بالعدل، إن الذين يميلون عن العمل بدين الله لهم في النار عذاب شديد بسبب ضلالهم في الدنيا عن العمل بالحق والقضاء بالعدل، وبسبب نسيانهم يوم القيامة وتركهم الإيمان به والاستعداد له بالأعمال الصالحة.

يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 77)، و((تفسير السمرقندي)) (3/ 165)، و((الهداية))؛ لمكي بن أبي طالب (10/ 6237)، و((تفسير البغوي)) (4/ 66)، و((تفسير القرطبي)) (15/ 188، 189)، و((تفسير ابن كثير)) (7/ 62، 63)، و((تفسير أبي السعود)) (7/ 223)، و((تفسير الشوكاني)) (4/ 493)، و((تفسير السعدي)) (ص: 712)، و((تفسير ابن عاشور)) (23/ 242، 244).

تنبيه: قال ابن عطية: "لا يُقال: خليفة الله إلا لرسوله، وأما الخلفاء فكل واحد منهم خليفة الذي قبله، وما يجيء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة الله، فذلك تجوُّز وغلوٌّ"؛ ((تفسير ابن عطية)) (4/ 502).

وقال ابن تيمية: "سُمِّي الخليفة خليفة؛ لأنه يخلف من قبله، والله تعالى جعله يخلفه، كما جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، ليس المراد أنه خليفة عن الله، كما ظنَّه بعض الناس"؛ ((منهاج السنة النبوية))؛ لابن تيمية (5/ 525).

فائدة: قال الشنقيطي: "معلوم أن نبي الله داود لا يحكم بغير الحق، ولا يتَّبِع الهوى فيضله عن سبيل الله؛ ولكن الله تعالى يأمر أنبياءه عليهم الصلاة والسلام، وينهاهم ليشرع لأممهم"؛ ((أضواء البيان)) (6/ 340).

فائدة أخرى: لا يتمكن الإنسان من إقامة العدل إلا بالعلم بالواجب، والعلم بالواقع، والقدرة على تنفيذ الحق؛ يُنظَر: ((تفسير السعدي)) (ص: 712).

من فوائد الآيات وهداياتها:
ذكر السعدي في تفسيره بعض الفوائد والحكم في قصة داود، فقال:
"منها: أن الله تعالى يقصُّ على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم أخبار مَنْ قبلَه؛ ليُثبِّت فؤادَه وتطمئن نفسه، ويذكر له من عباداتهم وشدَّة صبرهم وإنابتهم، ما يُشوِّقه إلى منافستهم، والتقرُّب إلى الله الذي تقرَّبوا له، والصبر على أذى قومه؛ ولهذا - في هذا الموضع - لما ذكر الله ما ذكر من أذية قومه وكلامهم فيه وفيما جاء به، أمره بالصبر، وأن يذكر عبده داود فيتسلَّى به.

ومنها: أن الله تعالى يمدح ويحبُّ القوَّة في طاعته؛ قوة القلب والبدن، فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها ما لا يحصل مع الوهن وعدم القوَّة، وأن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها، وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المخلَّة بالقوى المضعفة للنفس.

ومنها: أن الرجوع إلى الله في جميع الأمور من أوصاف أنبياء الله وخواصِّ خلقه، كما أثنى الله على داود وسليمان بذلك، فليقتدِ بهما المقتدون، وليهتدِ بهُداهم السالكون ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].

ومنها: ما أكرم الله به نبيَّه داودَ عليه السلام، من حسن الصوت العظيم الذي جعل الله بسببه الجبال الصُّمَّ، والطيور البُهْم، يجاوبنه إذا رجَّع صوته بالتسبيح، ويُسبِّحْنَ معه بالعشيِّ والإشراق.

ومنها: أن من أكبر نِعَم الله على عبده أن يرزقه العلمَ النافعَ، ويعرف الحُكْمَ والفَصْلَ بين الناس، كما امتنَّ الله به على عبده داود عليه السلام.

ومنها: اعتناء الله تعالى بأنبيائه وأصفيائه عندما يقع منهم بعض الخَلَل بفتنته إيَّاهم وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذورُ، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لداود وسليمان عليهما السلام.

ومنها: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الخطأ فيما يُبلِّغُون عن الله تعالى؛ لأن مقصود الرسالة لا يحصُل إلا بذلك، وأنه قد يجري منهم بعض مقتضيات الطبيعة من المعاصي؛ ولكن الله يتداركهم ويُبادرهم بلُطْفه.

ومنها: أن داود عليه السلام، كان في أغلب أحواله ملازمًا محرابَه لخدمة ربِّه؛ ولهذا تسوَّر الخَصْمان عليه المحراب؛ لأنه كان إذا خلا في محرابه لا يأتيه أحدٌ، فلم يجعل كلَّ وقته للناس، مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام؛ بل جعل له وقتًا يخلُو فيه بربِّه، وتقرُّ عينُه بعبادته، وتُعينه على الإخلاص في جميع أموره.

ومنها: أنه ينبغي استعمال الأدب في الدخول على الحكَّام وغيرهم، فإن الخَصْمين لما دخلا على داود في حالة غير معتادة ومن غير الباب المعهود، فزع منهم واشتدَّ عليه ذلك، ورآه غير لائق بالحال.

ومنها: أنه لا يمنع الحاكم من الحكم بالحق سُوءُ أدبِ الخَصْم وفعله ما لا ينبغي.
ومنها: كمال حلم داود عليه السلام، فإنه ما غضب عليهما حين جاءاه بغير استئذان، وهو الملك، ولا انتهرهما، ولا وبَّخَهُما.

ومنها: جواز قول المظلوم لمن ظلمه: أنت ظلمتني أو يا ظالم ونحو ذلك أو باغ عليَّ لقولهما: ﴿ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ﴾ [ص: 22].

ومنها: أن الموعوظ والمنصوح، ولو كان كبير القدر، جليل العلم، إذا نصحه أحد، أو وعظه، لا يغضب، ولا يشمئزُّ؛ بل يبادره بالقبول والشكر، فإن الخَصْمين نصَحا داودَ فلم يشمئزَّ ولم يغضب، ولم يُثْنِه ذلك عن الحق؛ بل حكم بالحق الصرف.

ومنها: أن المخالطة بين الأقارب والأصحاب، وكثرة التعلُّقات الدنيوية المالية، مُوجِبة للتعادي بينهم، وبغي بعضهم على بعض، وأنه لا يردُّ عن ذلك إلا استعمال تقوى الله، والصبر على الأمور، بالإيمان والعمل الصالح، وأن هذا من أقل شيء في الناس.

ومنها: أن الاستغفار والعبادة، خصوصًا الصلاة، من مكفِّرات الذنوب، فإن الله رتَّب مغفرة ذنب داود على استغفاره وسجوده.

ومنها: إكرام الله لعبده داود وسليمان بالقرب منه، وحسن الثواب، وألَّا يُظنَّ أن ما جرى لهما منقصٌ لدرجتهما عند الله تعالى، وهذا من تمام لطفه بعباده المخلصين، أنه إذا غفر لهم وأزال أثر ذنوبهم، أزال الآثار المترتبة عليه كلها، حتى ما يقع في قلوب الخلق، فإنهم إذا علموا ببعض ذنوبهم، وقع في قلوبهم نزولهم عن درجتهم الأولى، فأزال الله تعالى هذه الآثار، وما ذاك بعزيز على الكريم الغفار.

ومنها: أن الحكم بين الناس مرتبة دينية، تولَّاها رُسُل الله وخواصُّ خَلْقه، وأن وظيفة القائم بها الحكم بالحق ومجانبة الهوى، فالحكم بالحق يقتضي العلم بالأمور الشرعية، والعلم بصورة القضية المحكوم بها، وكيفية إدخالها في الحكم الشرعي، فالجاهل بأحد الأمرين لا يصلح للحكم، ولا يحل له الإقدام عليه.

ومنها: أنه ينبغي للحاكم أن يحذر الهوى، ويجعله منه على بالٍ، فإن النفوس لا تخلُو منه؛ بل يجاهد نفسه بأن يكون الحق مقصوده، وأن يُلقي عنه وقت الحكم كلَّ محبَّة أو بُغْض لأحد الخَصْمين"؛ ((تفسير السعدي))، (ص: 713).

وذكر أبو بكر الجزائري في تفسيره بعض هدايات الآيات، فقال: "من هداية الآيات:
1- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر على أذى قريش وتكذيبها وعنادها.
2- بيان استهزاء المشركين واستخفافهم بأخبار الله تعالى وشرائعه.
3- مشروعية الأسوة والاقتداء بالصالحين.
4- بيان آية تسخير الله تعالى الجبالَ والطيرَ لداود تُسبِّح اللهَ تعالى معه.
5- حُسْن صوت داود في قراءته وتسبيحه.

6- مشروعية صلاة الإشراق والضُّحَى، [قلت: صلاة الإشراق: هي صلاة الضُّحَى في أول وقت الضُّحَى].
7- فائدة عرض مثل هذا القصص تقوية قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت فؤاده وحمله على الصبر.
8- تقرير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ مثل هذا القصص لا يتأتَّى له قصُّه إلا بوحي إلهي.
9- تقرير جواز تشكل الملائكة في صورة بني آدم.

10- حرمة إصدار القاضي أو الحاكم الحكم قبل أن يسمع الدعوى من الخَصْمين معًا؛ إذ هذا محل الفتنة التي كانت لداود عليه السلام، [قلت: هذا أحد الأقوال كما سبق بيانه].

11- وجوب التوبة عند الوقوع في الذنب.




12- مشروعية السجود عند قراءة هذه الآية ﴿ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].
13- وجوب الحكم بالعدل على كل من حكم، ولا عدل في غير الشرع الإلهي.
14- حرمة اتِّباع الهوى لما يفضي إليه بالعبد إلى الهلاك والخسار.
15- تقرير البعث والجزاء"؛ ((أيسر التفاسير)) للجزائري (4/ 441 - 447).

ومن هدايات الآيات أيضًا ما يلي:
1- في أمر الله لرسوله أن يذكر قصة داود: الحث على ذكر القصص، وبيان أهميتها في الدعوة كما قال تعالى: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176].

2- في وصف الله داود بقوله: ﴿ عَبْدَنَا ﴾ بيان شرف العبودية، وأنها من أعظم ما يُمدح به الإنسان.
3- في الآيات: أن الأنبياء عبادٌ لله، فلا يجوز عبادتهم بأي نوع من أنواع العبادة كالدعاء.

4- فيها: ثناء الله لداود بأنه كثير الرجوع إلى الله، فالله يحب التوَّابين الذين يُكثِرون التوبة والرجوع إليه بالدعاء والاستسلام لحكمه في كل نازلة، وبعد كل زلَّة.

5- في تسخير الجبال والطير يُسبِّحْنَ مع داود بيان أن كل شيء يُسبِّح الله حقيقة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [الإسراء: 44].

6- في ذكر الله للتسبيح في أول النهار وآخره بيان لفضل التسبيح في هذين الوقتين، وبيان لفضل صلاة الفجر وصلاة العصر، وقد خصَّهما الله في آيات كثيرة كقوله: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [طه: 130]، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ صلَّى البردين دخل الجنة))، والبردان: هما صلاة الفجر، والعصر.

7- فيها: بيان أن الملك لله يُؤتيه من يشاء، وينزِعُه ممَّن يشاء، ويشده لمن يشاء بما شاء.

8- فيها: أن من أعظم ما يُؤتيه الله لعبده الحكمة، وهي العلم النافع، والتوفيق للعمل الصواب في كل حال؛ كما قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].

9- فيها: أن البيان والفصاحة والبلاغة من نِعَم الله على عبده، وأنه ينبغي لطالب العلم تعلُّمها، فقد أثنى الله على داود بأنه آتاه فَصْلَ الخِطاب، وقد ذكر المفسِّرون أن من معانيها: بيان الكلام.

10- فيها: فضل الحكم بين الناس بالصواب، وأن طلب الحاكم من المتخاصمَينِ البيِّنة والشهود من الفضائل، كما هو أحد الأقوال في تفسير ﴿ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾.

11- فيها: أن من طرق التعليم السؤال، فقد بدأ الله ذكر قصة داود مع الخَصْم بالسؤال فقال: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ﴾ [ص: 21]، وقد ورد في أحاديث كثيرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الطريقة في تعليم أصحابه اتِّباعًا لطريقة القرآن؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((أتدرُون ما الغيبة؟))، ((أتدرون من المفلس؟))، ((يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟)).

12- يؤخذ من دخول الخَصْمين على داود بالتسوُّر على الجِدار لكون داود مُغلقًا عليه باب المحراب للعبادة: الاحتيال للوصول إلى أهل العلم لسؤالهم إن تعسَّر لِقاؤهم.

13- يُؤخَذ من ذلك أيضًا أن الضرورات تُبيح المحظورات، فلو كان داود عليه السلام لم يجعل وقتًا للحكم بين الناس انشغالًا بالعبادة كما قيل في القصة فهما مضطرَّان للدخول عليه من غير الباب، فقد كانا بحاجة مُلحَّة للسؤال والقضاء بينهما بالحق، وهذا على القول بأنهما كانا خَصْمين من الإنس، وأن الخصومة بينهما كانت حقيقيةً.

14- فيها أنه ينبغي للعبد أن يجعل له وقتًا يخلُو فيه بنفسه لعبادة ربِّه، وتلاوة كتابه، حتى ولو كان من أعلم الناس أو كان من الملوك والأكابر، وحتى لو كان من أكثر الناس انشغالًا، فقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحافظ على الاعتكاف كل عام مع كثرة أشغاله.

15- فيها أن الخوف الطبيعي جائزٌ، وأنه يقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
16- فيها: مشروعية نصح المفضول للفاضل، وأن على الفاضل أن يسمَع النصيحة ممَّن هو دونه، وأن يتقبَّلها منه، وإن لم يكن فيه ما ينهاه عنه.

17- فيها: أن القاضي إذا حكم بين الناس بالعَدْل، فإنه يهديهم إلى الصواب، ويحصل بحكمه العادل خيرٌ كثيرٌ للمتخاصمين في دينهم ودُنياهم.

18- فيها: أنه لا ينفع الإيمان بلا عمل صالح، وقد قرَنَ الله ورسوله بينهما في آيات وأحاديث كثيرة، وقال بعض السلف: ليس الإيمان بالتمنِّي ولا بالتحلِّي؛ ولكن ما وقَرَ في القلب وصدَّقَه العمل.

19- فيها: فضل سرعة فهم الأمثال، وتنزيلها على النفس والواقع؛ فقد مدح الله داود بأنه فهم أنه هو المراد من تلك القصة التي أُريد بها المثال؛ قال تعالى: ﴿ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ [ص: 24]، وهذا على القول بأن الخَصْمين ملَكانِ، وأنه لم تقع بينهما خصومة حقيقية، وأن المقصود بها ضرب المثال لداود عليه السلام.

20- فيها: فضل الاستغفار، وأنه لا يستغني عنه أحد حتى الأنبياء، وقد كان نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم يُكثِر من الاستغفار، وحثَّ عليه في أحاديث كثيرة.

21- فيها: فضل السجود، وفضل الصلاة بعد الذنوب، وأنها من أسباب المغفرة.
22- فيها: سَعة رحمة الله، وقبوله التوبة عن عباده.
23- فيها: سَعة فضل الله على عبده، فهو الذي هداه في الدنيا ووفَّقَه، ثم أعطاه في الآخرة وقرَّبه.
24- فيها: أن على مَنْ مكَّنَ اللهُ له في الأرض أن يحكُم بين الناس بالعَدْل الذي شرعه الله، ولا يتَّبِع هواه فيضل عن سبيل الله.

25- في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [ص: 26] بيان أن سبيل الله واحد لا يتعدَّد، كما قال سبحانه تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]



محمد بن علي بن جميل المطري

شبكة الالوكة



تفسير قصة داود المذكورة في سورة ص







قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
مفاهيم سور القران الكريم الاميرة 1 القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2025 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
مصحف الشيخ ماهر المعيقلي كاملاً بجودة عالية mp3 عاشقة الفردوس القرآن الكريم
تحميل القرآن الكريم كاملاً للقارئ عمر القزابرى | رواية ورش | . حبيبة أبوها القرآن الكريم


الساعة الآن 12:26 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل