قصة رائعة للأطفال ..الرزق الحلال والغراب
قصة أطفال واقعية.
قلنا لجدتي: احكي لنا حكاية.قالت: سأحكي لكم حكايةً عن الرزق الحلال والغراب.يحكى أنه كان في قديم الزَّمان تاجرٌ من التجار، رزقه الله المال، ويسر له الحلال وراحة البال، وكان - كما يحكى - يسكنُ مدينة عكا، وكان تقيًّا ورعًا؛ حجَّ وصلَّى وصام وزكَّى، وما سأله محتاجٌ المساعدة إلا أعطاه
من اللِّيراتِ الذهبية.اعتاد هذا التاجرُ أن يُقرضَ النَّاسَ قرضًا حسنًا؛ لأنَّ الحسنة بعشر أمثالها، ويُؤْثِر ذلك على الصدَقة؛ لأنَّ الصدقةَ وإن سدت رمقًا؛ تذهب في سبيلِها ولا تعودُ، والقرض الحسن في أكثر الأحيان يرجعُه صاحبه فيكون له مردود، فيعطيه محتاجًا آخر، لذا يستمر النفعُ ويتواصل العطاء، وإذا لم يتمكن المحتاجُ من سدادِ الدين واعتذر له مرة أو مرتين، قَبِل عذرَه وسامحه، وطلب من الله أن يكتبَه له صدقة في ميزان حسناته.فزاد مالُه وتحسن حاله، وصلحت زوجته وعياله وارتاح باله، لذا عرفه كلُّ النَّاسِ ودلوا عليه من تعرَّض للخسارةِ والإفلاس؛ لذلك قصده المعسرون من حيفا واللطرون، ويافا والمجدل وقباطية والقسطل - كان التاجر يرجو من الله الثواب، فإنْ دُعي إلى العطاء أجاب، فلا يسأل عن اسمِ من يعطيه، ولا يفتح دفاترَ الحساب، ولا يأخذ رهنًا أو سببًا من الأسباب، فليس هناك شهودٌ أو قيود أو عهود، واستمرَّ الحال زمنًا، واستمرَّ التاجرُ يعطي وكفه هينًا لينًا.سمع بذلك رجلٌ من قريةٍ بعيدة أمرُه قد تعسر، وفاته شراءُ الحبِّ ليبذر، وكان قد حرث أرضَه بعرقِه وكدِّه، وبذل كلَّ جهده، فحزن كثيرًا لأنَّ المصيبةَ ستتكرَّرُ؛ فكلَّما فاتته سنةٌ كانت الخسارة أكبر، وغرق في الدَّينِ أكثر، وساء الحال وتأخر، فمن سيقرضه؟! والكل يطلب منه شيئًا ليرهنَه، وعدا عن ذلك فهناك أناسٌ يتعاطون الرِّبا، ويستغلون من حالُه انقلب، فيقع من بين حجري الطاحون، فيبيع أراضيه وأملاكَه لسداد الديون.شكا الرجلُ همَّه لصديقه وما يعانيه من فقرِه وضيقه، قال الصديق:- سأدلُّك على طريقة، تنجيك من الفقرِ والرِّبا في الحقيقة، ومن الخسارةِ والضيقة.قال المزارعُ، وقد صار كله آذان ومسامع:- وأين هذا المنقذ؟ كاد صبري ينفذ، لا بدَّ أنه رجل تقي خاشع، وعابد طائع.وأعطاه العنوان، ودعا له بالتوفيقِ والأمان.يقدم رجلاً ويؤخر رجلاً، يخاف أن يفشلَ أو يضل، ولما وصل ورأى الرجلَ التقي المبجَّل، حداه الأمل؛ فوجهه يطفحُ بالنورِ ويتهلَّل، تلقاه التاجرُ بترحاب، كأنه من الأحباب، ولما حكى له قصته، أسمعه فورًا الجواب:- إنَّ طلبك مجاب، فأبشرْ بزوالِ الآلام والأتعاب والهم والجوع، والقلة والذلة عند الرُّجوع.فرح الرجلُ وشكره، وذهب التاجرُ ليتدبر أمرَه، كان التاجر لا يملك وقتَها المال؛ لأنَّه صرفه في قروضٍ طويلة الآجال، فصال بفكرِه وجال، ثم خطر له في الحال: أنَّ امرأته عندها ليراتٌ ذهبية تزينُ بها "العقال"، كما تفعل في تلك الأيامِ رباتُ الصون والجمال.ذهب التاجرُ إلى زوجتِه وحكى لها القصة، وفي حلقِه غصة، كيف سيخيبُ أملَ مَن أتى إليه، ليعتمدَ بعد الله عليه؟!قالت الزوجة:- لبيك.وكانت من الخيِّرات، وراحت إلى عقالِها ونزعت منه خمسَ ليراتٍ، ولفتها في "محرمتها"، وكانت قد طرزتها بإبرتها بزهراتٍ ووردات، وربطتها بإحدى "الشبرات" وناولته إياها، فشكر لها دينَها وتقواها، ودعا لها أن تكونَ الجنَّةُ مأواها.ذهب التاجر وأعطى الصرةَ للمزارع، ولما فتحها قال له:- يا سيدي، ما أنا بالرجلِ الطَّامع، يكفيني اثنان من الليرات، لأشتري البذرات والحبات، وسأعيدها عند الموسم من الغلاَّت، قال التاجر:- ومن أين ستعيشُ كلَّ هذه الفترة؟قال المزارع:- على الله السترة.قال التاجر:- والله لتأخذها كلَّها حتى لا تذوق أيامًا مرة؛ فأنت في عسرة، وستردها إن أقبلت الدرة، يسرك الله لليسرى.
ذهب الرجل وأخذ الصرة، وفي الطريقِ وسوس له الشيطانُ أمرًا: إنَّ التاجر رجلٌ سهيان، ما سألك عن اسمٍ ولا عنوان، وأعطاك زيادة ثلاث ليرات، اصرف باقي الليراتِ على الرغبات والشهوات، واستمتع بما تصبو إليه النفسُ من ملذات، من حضورِ حفلاتِ وأكلات طيبات، فقد ذقتَ في أيامِك الماضية الحرمانَ والويلات.مرَّ المزارعُ بأحدِ المطاعم، وكانت رائحةُ الطعامِ تهبُّ مثل النسائم، فتنبَّه الجوعُ النائم، دخل المطعمَ بجرأة وإقدام، وطلب ديكًا مشويًّا للطعام، وكان الدجاجُ في تلك الأيامِ غالي الثمن، عالي المقام، فهو طعامُ الأغنياء والكرام، والقضاة والحكَّام.أعطاه النادلُ المهذب النظيف، ديكًا متبَّلاً ببهار ولفَّه له في رغيف، ناول المزارعُ صاحبَ المطعم ليرة ذهبية، فأخذ ثمنَ الديك وأرجع له البقية، دسَّ الرجلُ ما أرجع صاحبُ المطعم في جيبه، وظلَّ الشيطانُ يشاغله عن عيبه، ويهوِّنُ له ذنبَه، وينسيه عقاب ربه، ذهب المزارع ليأكل الديكَ في ظلِّ شجرة، فوضع على الأرضِ الصرة، وبينما هو يلتهمُ الطعام؛ إذ به بأحدِ الغربان، كان الغرابُ من غربان الهند، وقف ينظر
إلى الطَّعام عن بعد،
رمى له المزارعُ بعضَ قطع اللحم والخبز لم يأكل الغراب، وظلَّ ينظر إلى المزارع بارتياب، وفجأة وعلى حينِ غرة، انقضَّ الغرابُ على الصرة وطار بها في الفضاءِ، فدهش المزارع واستاء، ولام نفسَه على التقصيرِ والأخطاء، وقال:- لو كنتُ خبأت الصرةَ في الجيب، ولكن كيف أعلم ما في الغيب؟! ولا يعلمه إلا الرحمن، الذي خلق الإنسان.وظلَّ يلوم نفسَه ويوبخها مدة من الزَّمان؛ لأنه لم يحسب للغرابِ الحسبان، وكرَّر قولَه:- لو، ولو، ثم فطن أن "لو" مفتاحُ عمل الشيطان، يستدرج بها الغافل، بعد أن يلهمَه النسيان، ثم تعوَّذَ بالله من الشيطان، الذي لولا وسوسته ما كان الذي كان، فهو الذي أخرج آدمَ من الجِنان.لاحق المزارعُ المستاء الغرابَ وهو يحلق فوق الأشجار في الأجواء، ثم رأى أنَّ هذا سخفٌ وهراء، فالغراب يطير في الأجواء، ويختفي في طياتِ السماء.رجع المزارعُ إلى قريتِه، وعدَّ النقود التي في معيته، فكانت أقل من دينار، فاكتوى قلبُه بالنَّارِ، وصحا ضميرُه في الحال، فقال:- إنَّ الله أرسل الغرابَ للجزاء والعقاب.
فعاد إلى رشدِه وتاب، وطلب العفوَ من ربِّ الأرباب: - يا إلهي، لك تبت، وإن شاء الله سأردُّ ما استلفت، فلك ما وهبت، ولن أطيعَ بعد الشيطان الوسواس؛ لأنه عدوُّ الناس.ثم رضي بما هو فيه واشترى بباقي المال بذارًا لأراضيه، ونثر الحبَّ واتكل على الرب واجتهد في العبادة، وطلب الزيادة فما خيبه الله، فرزقه وأعطاه، فكانت سنة خير، تصدق على الغير، وأطعم أحبابَه، فشبع من قمحِه جيرانه وأقاربه، من البرغل والفريكة والطحين والهريسة، وادخر للسنين القادمة، ثم وضع خمسَ ليرات في محرمةٍ وقصد عكا، وتذكر ذنبَه فبكى، فمشى خجلاً مرتبكًا، ثم تعب فاتكأ، فنام نوم الهلك، فرأى في المنامِ الرَّسولَ - عليه الصَّلاةُ والسلام - يطلب منه أن يقرأ التاجرَ منه السَّلام، ويبشرَه بأعلى مقام، فانتبه من النوم، وسار بعض يوم، ولما دخل عكا ووصلَها، قصد تاجرَها، وسلَّم عليه، ووضع الصرةَ بين يديه، وأثنى عليه وشكرَه، ولكنَّ أمرَ التَّاجرِ حيَّره؛ فقد فتح الصرة، وأرجعها إليه بعد أن أخذَ ليرةً، قال الزارعُ:- هنَّ خمس ليرات، ولقد منَّ الله علينا بالخيرات.قال التاجر:- لقد رجعت إلينا أربع ليرات، بعد ذهابك من عندنا بساعات، كانت زوجتي تقفُ في باحةِ الدَّار، عصر ذلك النهار، فإذا بغرابٍ يلقي بجانبها بصرّة من المنقار، ثم رفرف وطار، صاحت زوجتي بدهشةٍ وانبهار:- هذه ليراتي وهذه محرمتي فما الأخبار؟!وعندما عدَّتِ الليرات لقيتها نقصت ليرة عن المقدار، فما هي يا صاحبي الأسرار؟!
قال المزارع: لأنَّك صدقتني سأصدقك، وأطلب مسامحتك لي وعفوك وعفو من خلقني وخلقك، وقد بشرَّكَ سيدُ الأنام، لما رأيته في المنام، وهو يقرؤك السلام، بأنك في الجنَّةِ بأعلى مقام، لقد وسوس لي - يا صاحبي - الشيطانُ في الطَّريق، وأغراني الذهبُ بالبريق، فكدت أتنكرُ لعرفانِك، وأخون فضلَك وإحسانك، فجاء أحد الغربان، وحمل الصرة في ثوان، فعرفت أنها جزاء من الله الدَّيان، فتبت، وإلى الله دعوت، ولعفوه رجوت، فبارك لي في المحصول، وأنا بين يديك أعترف وأقول: الله يبارك لك في أهلِك ومالك، ويكثر من أمثالك، وألهمك حسن أفعالك، وجعلنا على أشكالك.
فهذه القصةُ فيها عبرة وأمثال، وهي ميزانٌ للأعمال والأفعال، وما هي من نسجِ الخيال، لقد حدثت في مدينةِ عكا قبل نكبة فلسطين، ببضع سنين، أعادها الله إلينا ...آمين.والآن يا أعزائي، قوموا إلى النومِ برعاية الرحمن،
لأحكي لكم في الغد:كان في قديمِ الزمان.صفاء أحمد المهواتي.
التوقيع لا يظهر للزوار ..
قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
المجاعات وإشكالية الرزق عند الملاحدة والمشككين | امانى يسرى | العقيدة الإسلامية | 1 | 15-11-2018 06:04 PM |
بالصور أجمل ملابس أطفال بنات شتوية أجمل مجموعة ملابس أطفال بناتى شتوى ، ملابس أطفال | أم أمة الله | ازياء وملابس الاطفال | 8 | 05-10-2018 11:52 PM |
قصة مصورة واقعية، قصة التاجر الأمين ،أجمل قصة واقعية ،قصة حكاها النبي صلى الله عليه | أم أمة الله | حواديت وقصص الاطفال | 12 | 27-03-2018 07:02 PM |
أرقى الملابس الشتوية للأطفال2024 ملابس أطفال شتوية للبنات أجمل مجموعة ملابس أطفال بن | أم أمة الله | ازياء وملابس الاطفال | 3 | 29-01-2018 12:18 PM |
قصة الكلب الذكي قصة جميلة وقصة البلبل والغراب بقلم جاسم محمد صال قبل النوم للأطفال | بياض الثلج | حواديت وقصص الاطفال | 4 | 06-12-2017 05:18 PM |
جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع