أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ....)

تفسير الشيخ الشعراوي

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}الاحزاب

♥الشاهد: هو الذي يؤيد ويُثبِّت الحق لصاحبه؛ لذلك يطلب القاضي شهادة الشهود ليأتي حكمه في القضية عن تحقيق وبيِّنة ودليل؛ لذلك يقولون إن القاضي لا يحكم بعلمه، إنما بالبينة حتى إنْ علم شيئاً في حياته العامة، ثم جاء أمامه في القضاء يتركه ويتنحَّى عنه لقاضٍ آخر يحكم فيه حتى لا يبني حكمه على علمه هو.
وحين نتأمل هذه المسألة تجد أن الله تعالى يريد أنْ يُوزِّع مسئولية الحكم على عدة جهات، حتى إذا ما صدر الحكم يصدر بعد تدقيق وتمحيص وتصفية لضمان الحق.

فنرى مثلاً إذا حدثتْ حادثة نذهب إلى القسم لعمل(محضر) بالحادث،(المحضر) يحيله ضابط الشرطة إلى النيابة، فتحيله النيابة للقاضي ليحكم فيه، ثم يُعَاد مرة أخرى للسلطة التنفيذية ليُنفَّذ، كل هذه الدورة يُراد بها تحري الحق ووضعه في نصابه.
فما بالك إذا كان الحق سبحانه هو الذي يشهد، وهو الذي يحكم، وهو الذي يُنفِّذ الحكم؟ لا شكَّ أن العدالة هنا ستكون عدالة مطلقة. فإنْ قلتَ: إذن عَلاَم يشهد رسول الله؟





قالوا: يشهد رسول الله أنه بلَّغ أمته، كما يشهد الرسل جميعاً أنهم بلَّغوا أممهم كما قال سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً} [النساء: 41].
إذن: كل رسول شهيد على أمته، وأنت شهيد على هذه الأمة أنك قد بلَّغتها، لكن ميْزتُك على مَنْ سبقك من إخوانك الرسل أن تكون خاتمهم، فلا نبيَّ بعدك؛ ولذلك سأجعل من أمتك من يخلف الأنبياء الذين يأتون بعد الرسل في مهمتهم.

إذن: ضمن الحق سبحانه في أمة محمد أنْ يوجد فيه مَنْ يقوم بمهمة الأنبياء في البلاغ، وهذا معنى {لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس...} [البقرة: 143].
وكلمة الناس هنا عامة، تشمل آدم عليه السلام وذريته إلى قيام الساعة، فإنْ قلتَ كيف؟ نقول: يشهدون على الناس بشهادة القرآن أن الرسل قد بلَّغَتْ أممها، هذا بالنسبة لمن مضى منهم، أما مَنْ سيأتي فأنتم مطالبون بأن تشهدوا عليهم أنكم قد بلَّغتموهم، كما يشهد عليكم رسول الله أنه قد بلَّغكم.
إذن: فأمة محمد أخذت حظاً من النبوة، وهو أنها ستُسْتدعي وتشهد على الناس.
لذلك يُعِدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لهذه المهمة، فيقول: (نضَّر اللهُ امرءاً، سمع مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى مَنْ يسمعها، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع).الراوي : - | المحدث : الألباني

واقرأ أيضاً في ذلك قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً...} [البقرة: 143] لماذا؟ {لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً...} [البقرة: 143] فهذه الأمة في الوسط، بحيث لا إفراط ولا تفريط، وما أشبهها بالميزان الذي لا تميل كفة عن الأخرى إلا بما يُوضعَ فيها، فهي كالميزان العادل الذي لا يميل هنا أو هناك.
وقوله سبحانه: {وَمُبَشِّراً...} [الأحزاب: 45] لمن استجاب لك بثواب الله، والبشارة هي الإخبار بالخير قبل أوانه {وَنَذِيراً...} [الأحزاب: 45] أي: منذراً لمن لم يُصدقك بعقاب الله، والإنذار هو التخويف بشرٍّ لم يأْت أوانه {وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ...} [الأحزاب: 46] أي: بأمر منه، لا تطَوُّعاً من عندك، فقد يأتي زعيم من الزعماء أو مصلح من المصلحين بمنهج أو بأفكار من عنده ويبثُّها في مجتمعه.
فقوله تعالى: {بِإِذْنِهِ...} [الأحزاب: 46] يبين الفرق بين الرسول والمصلح من البشر، فهذا الذي جاء به محمد من عند الله، وما بلَّغكم به إلا بأمر الله.

♥ويُشترط فيمَنْ يدعو إلى منهج الخير ثلاثة شروط:
الأول: ألاَّ ينتفع بشيء مما يدعو إليه، وهذا لا يوجد في بشر أبداً، وقد رأينا: حينما قنَّنَ الرأسماليون غَبَنُوا العمال، وحينما قنَّنَ الاشتراكيون غبنوا الرأسمالين.. وهكذا.
وذلك لأن البشر لهم أهواء مختلفة متعددة، وكلٌّ يريد أنْ يُقنِّن على هواه، وبما يخدم مصالحه، يريد أنْ يُسخِّر غيره لخدمة هواه، وبعد فترة قد تطول تفضحهم التجارب، ويفضحهم الواقع، وتُظهِر لهم أنفسهم مساويء ما قنَّنُوا حتى يثوروا هم على قوانينهم، وينتفضوا على أنفسهم، ويعودوا إلى تعديل هذه القوانين.
الشرط الثاني: أن يكون على علم بالأحداث المحتملة بعد أنْ يُقنِّن، وألاَّ تغيب عنه جزئية من جزئيات الموضوع، فيحتاج إلى تعديل القانون أو الاستدراك عليه.
ثالثاً: يُشترط فيمَنْ يُقنِّن أن يكون حكيماً فيما يُقنِّن، بحيث يضع الأمر في موضعه، فلا ينصف جماعة على حساب أخرى، وأن يكون الجميع أمامه سواء.
وحين تتأمل هذه الشروط الثلاثة تجدها لا تتوفر إلا في الحق سبحانه وتعالى، إذن: ينبغي ألاَّ ييُقنِّن للبشر إلا ربُّ البشر، وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بمثال من المحسوسات، فالناس في الظلمة يحتاجون لبعض النور؛ ليهتدوا به إلى قضاء مصالحهم في الليل، فينير كلٌّ منا ليله بما يناسبه من وسائل الإضاءة، فواحد يشعل شمعة، وآخر لمبة(نمرة خمسة) وآخر لمبة(نمرة عشرة)، وبعد ما استخدمنا الكهرباء رأينا اللمبة العادية والفوروسنت والنيون والكرستال... إلخ.
إذن: أنتم تنيرون ظلمتكم على قدر إمكاناتكم، فإذا ما أشرقتْ شمس الصباح، أَتُبْقون على هذه الأنوار؟ لا بل يطفيء الجميع أنواره؛ لأن نور الشمس يأتي على قدر إمكانات خالقها عز وجل، لذلك نقول: أطفئوا مصابيحكم، فقد طلعت شمس الله، فإذا كان ذلك في النور الحسيِّ فهو أيضاً ومن باب أَوْلَى في النور المعنوي، فإذا جاءك نور التشريع ونور المنهج من الله، فأطفيء ما عداه من تشريعات ومناهج.

♥وقوله تعالى: {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} [الأحزاب: 46] شبّه الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بالسراج، ولا تستقلّ هذا الوصف في حقِّ رسول الله، فليس معنى السراج أنه كالسراج الذي يضيء لك الحجرة مثلاً، إنما هو كالسراج الذي قال له عنه: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ: 13] والمراد: الشمس.
فإذا قُلْتَ: فلماذا لم يُوصفَ النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شمس، وقد قال تعالى عنها: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً...} [يونس: 5].
والشمس أقوى من السراج؟ قالوا: الكلام هنا كلام ربٍّ والأسلوب دقيق معجز، صحيح أن الشمس تنير الدنيا كلها، إنما أمة محمد مُكلَّفة أن تقوم بدعوته من بعده، فكأن رسول الله سراج، والسراج تأخذ منه النور دون أنْ ينقص نورُه، لكن لا تستطيع أنْ تأخذ من الشمس.
وحين سطعتْ أنوار الهداية على لسان رسول الله محمد لم يَعُدْ للشرائع الأولى أنْ تتدخل على حدِّ قول المادح:
كَأنَّكَ شَمْسٌ والملُوكُ كَواكِبُ ** إذَا طلعَتْ لم يَبْدُ مِنْهُنَّ كوكَبُ



نداء الايمان





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
قصص القرآن الكريم .. حبيبة أبوها القرآن الكريم
كتيب جوامع الدعاء..لكل من تريد الدعاء في أوقات الاستجابة ولا يحضرها دعاء أم أمة الله العقيدة الإسلامية
بعض جوانب الإعجاز العلمي في سورة يوسف ملك قلبى القرآن الكريم
الإيمان باليوم الآخر والحساب بشرى على العقيدة الإسلامية
القرءان الكريم مكتوب ومقسم بالاجزاء,الجزء الاول والتانى والتالت شقاوة آنثى القرآن الكريم


الساعة الآن 04:11 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل