أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول

الشفاعة لغة: اسم مشتق من شفع يشفع، وهو ضد الوتر، والشفع: أن تجعل الشيء اثنين، وكأنه مشتق من أن الشافع يضم شفاعته مع سؤال المشفوع له؛ حتى تقبل هذه الشفاعة.




واصطلاحًا هي: التوسُّط من وجيه أو من له وجاهة للغير؛ لجلب منفعة أو دفع مضرة.



التوسط للغير بجلب منفعةٍ مشروعةٍ له، أو دفع مضرة عنه؛ (العقيدة الصافية لسيد عبدالغني، صـ184).



والشفاعة من الأمور التي ثبتت بالكتاب والسنة، وأحاديثها متواترة، قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255] فنفي الشفاعة بلا إذن إثبات للشفاعة من بعد الإذن.



قال تعالى عن الملائكة: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26].



أنواع الشفاعة:

الشفاعة شفاعتان: شفاعة دنيوية، وشفاعة أخروية؛ أما الشفاعة الدنيوية: فهي التوسط من الصالح أو من الوجيه لبعض إخوانه لجلب منفعة أو دفع مضرة.



الشفاعة في الدنيا منها ما هو مشروع، ومنها ما هو غير مشروع، قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ﴾ [النساء: 85].



والشفاعة المشروعة هي التي يترتَّب عليها قضاء حوائج الناس المشروعة، فقد روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: ((اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ)؛ (البخاري حديث: 1432/ مسلم حديث: 2627).



هذه الشفاعة الدنيوية جائزة، بل ويؤجر عليها المرء، ودليلها من الكتاب: ﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ ﴾ [النساء: 85].



الأصل في الشفاعة والتوسُّط للغير أنه لا يجوز للمرء أن يأخذ عليه أجرًا.



ولا تجوز الشفاعة في حَدٍّ من حدود الله، كما حصل مع بعض الصحابة في الشفاعة للمرأة المخزومية حيث قال الرسول لأسامة: ((أتشفع في حَدٍّ من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعْتُ يدها)).



النوع الثاني: الشفاعة الأخروية:
يا رَبِّ إِن عَظُمَتْ ذُنوبي كَثرَةً خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول
فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول

إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلَّا مُحسِنٌ خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول
فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول

أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعًا خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول
فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول

ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَّجا خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول
وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ خلاصة خطبة جمعة: الذين لا يشفع لهم الرسول




شروط الشفاعة المقبولة في الآخرة:

الشفاعة المقبولة عند الله تعالى لا بد أن تتوفر فيها ثلاثةُ شروطٍ؛ هي:

أولًا: إسلام المشفوع له: قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18].



قال الإمامُ البيهقيُّ (رحمه الله): "الظَّالِمُونَ هَا هُنَا هُمُ الْكَافِرُونَ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مُفْتَتَحُ الْآيَةِ؛ إِذْ هِيَ فِي ذِكْرِ الْكَافِرِينَ"؛ (شعب الإيمان للبيهقي جـ1، صـ471).



ثانيًا: رضا الله تعالى عن الشافع والمشفوع له:





قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، وقال جل شأنه: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28].



ثالثًا: إذن الله تعالى بالشفاعة: قال سبحانه: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 3]؛ (الشفاعة لمقبل الوادعي صـ13:12).



وتنقسم الشفاعة الأخروية إلى الشفاعة المنهية التي نهي عنها فلا تكون للمشركين والكفار.



الشفاعة الثانية: الشفاعة المثبتة: وهي التي أثبتها الله جل في علاه، وهي الشفاعة للمؤمنين الموحِّدين فقط.



الحكمة من الشفاعة:

أولًا: إكرام الشافع وإظهار فضله ومكانته وكرامته على الله جل في علاه.



ثانيًا: جلب النفع للمشفوع له، أو دفع الضر عنه.



من دلائل الشفاعة لنبينا محمد الحديث المشهور عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: ((إن لكل نبي دعوة مستجابة، فتعَجَّل كلُّ نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا)).



وفي الحديث: ((أسعدُ النَّاسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ من قال: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ خالصًا من نفسِهِ))؛ (رواه البخاري).



للنبي شفاعة لا يشاركه أحد فيها، وهي خاصة به، وهناك شفاعة يشاركه فيها غيره.



لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم شفاعات متعددة يوم القيامة؛ وهي:

(1) الشفاعة العظمى له صلى الله عليه وسلم للفصل بين العباد، وهي المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به.



وهذه الشفاعة العظمى خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء:٧٩].



فهذا هو المقام المحمود، فلا يشفع أحد من الأنبياء حتى يقول النبي: ((أنا لها)).



قال الطبري: "قال أكثَرُ أهلِ التَّأويلِ: المَقامُ المَحمودُ هو الذي يَقومُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُريحَهم من كربِ المَوقِفِ؛ لحَديثِ ابنِ عَباسٍ: المَقامُ المَحمودُ الشَّفاعةُ، وحَديثِ أبي هُريرةَ في قَولِه تعالى: ﴿ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾ [الإسراء: 79]، قال: سُئِلَ عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((هيَ الشَّفاعةُ))"؛ يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/ 328).



وقال ابنُ حَجَرٍ: "المَقامُ المَحمودُ هو الشَّفاعةُ العُظمى التي اختَصَّ بها، وهيَ إراحةُ أهلِ المَوقِفِ من أهوالِ القَضاءِ بينَهم والفَراغِ من حِسابِهم"؛ يُنظر: ((فتح الباري)) (3/ 339).



قال الخَطابيُّ: "قَولُه: ((أُعطِيتُ الشَّفاعةَ))، فإنَّها هيَ الفَضيلةُ العُظمى التي لَم يُشارِكْه فيها أحَدٌ من الأنبياءِ، وبِها سادَ الخَلْقَ كُلَّهم حَتَّى يَقولَ: ((أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَم))، وذلك في القيامةِ حَتَّى يَشفَعَ للخَلقِ في الحِسابِ، ولا يَشفَعُ غَيرُه"؛ يُنظر: ((أعلام الحديث)) (1/ 335).



وقال النَّوَويُّ: "قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وأُعطيتُ الشَّفاعةَ)) هيَ الشَّفاعةُ العامَّةُ التي تَكونُ في المَحشَرِ بفَزَعِ الخَلائِقِ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الشَّفاعةَ في الخاصَّةِ جُعِلَت لغَيرِه أيضًا"؛ يُنظر: ((شرح مسلم)) (5/ 4).



وهذه الشفاعة خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء والمرسلين.



(2) شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول المؤمنين الجنة:

شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ لأنه لا يدخل الجنة قبله أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أول من يشفع في الجنة)) بعدما يفصل الله بين العباد، ويأمر بأهل النار فيقذفون فيها، يبقى أهل الجنة ينتظرون الإذن بدخول الجنة، يريدون الدخول فلا يستطيعون؛ لأن الملك الذي وقف على باب الجنة لا يفتح إلا لشخص واحد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أول شافع))، وهذه خاصة بالرسول دون سواه.



(3) شفاعته صلى الله عليه وسلم لأقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة.



(4) شفاعته صلى الله عليه وسلم لأقوام من أهل الجنة، وذلك برفع درجاتهم فيها.



فلو كان أحدهم في درجة أقل شفع له النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون في الفردوس الأعلى مثلًا، اللهم اجعلنا جميعًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات أبو سلمة: ((اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين)).



إذًا النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في رفعة الدرجات، وهذا فيه دلالة على أن الأنبياء والمرسلين يشفعون لرفع الدرجات، وكذلك المؤمنون كما ورد في الآية ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور: 21].



(5) شفاعته صلى الله عليه وسلم في إخراج العُصاة مِن الموحِّدين مِن النار، ودخولهم الجنة:

فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي المؤمنون فيشفعون فيهم، فيشفعهم الله في هؤلاء فيدخلهم الجنة ولا يدخلون النار، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما من رجل يموت فيصلي عليه أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه)).



(6) شفاعته صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عَمِّه أبي طالب، فيكون في قليل مِن نار تغلي منها دماغه.



لما قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا فعلت لعَمِّك، فقد كان يناصرك ويحوطك وكان وكان؟ فقال: ((لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار، هو الآن في ضحضاح من نار، له نعلان يغلي بهما دماغه)).



(7) شفاعته صلى الله عليه وسلم لأقوام من الموحِّدين العصاة، وأصحاب الكبائر الذين قد استوجبوا دخول النار، فيشفع لهم ألا يدخلوها:

وهؤلاء هم الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، لكن السيئات غلبت على الحسنات فاستحقوا النار، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((شَفَاعَتِي لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي))؛ صحيح سنن الترمذي 1983.



(8) شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب؛ كعُكاشة بن مِحْصن رضي الله عنه؛ (شرح العقيدة الطحاوية، جـ 1 صـ274، ص 284)، و(النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير، جـ2، صـ202: صـ209).



من أسباب نيل الشفاعة في الآخرة بعض الأعمال؛ ومنها:

(1) تلاوة القرآن:

روى مسلمٌ عَنْ أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ))؛ (مسلم حديث 804).



(2) الصيام:

روى أحمدُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بنِ العَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النُّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ فيُشَفعانِ))؛ (حديث صحيح)، (صحيح الجامع للألباني، حديث: 3882).



(3) صلاة الجنازة على الميت:

روى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِن الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ))؛ (مسلم حديث 947).



وفي رواية: ((مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ))؛ (مسلم حديث 948).



(4) ترديد الأذان والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له:

روى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ))؛ (مسلم حديث: 384).



(5) الشهادة في سبيل الله:

روى أبو داودَ عَنْ أبي الدَّرْدَاءَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يُشَفَّعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث:2201).



(6) من يسكن في المدينة ويصبر على التعب والشدة فيها: فعن أبي سَعيدٍ مولى المَهريِّ أنَّه جاءَ أبا سَعيدٍ الخُدْريَّ لياليَ الحَرَّةِ فاستَشارَه في الجَلاءِ عن المَدينةِ، وشَكا إليه أسعارَها وكَثرةَ عيالِه، وأخبَره ألَّا صَبْرَ له على جَهدِ المَدينةِ ولَأْوائِها. فقال له: ويحَكَ! لا آمُرُك بذلك؛ إنِّي سَمِعتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا يَصبِرُ أحَدٌ على لَأْوائِها فيَموتُ إلَّا كُنتُ له شَفيعًا أو شَهيدًا يَومَ القيامةِ إذا كان مُسلِمًا))؛ أخرجه مسلم (1374).



يقول السفاريني رحمه الله:

"يجب أن يعتقد أن غير النبي صلى الله عليه وسلم من سائر الرسل والأنبياء والملائكة والصحابة والشهداء والصِّدِّيقين والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون، وبقدر جاههم ووجاهتهم يشفعون؛ لثبوت الأخبار بذلك، وترادف الآثار على ذلك، وهو أمر جائز غير مستحيل، فيجب تصديقه والقول بموجبه لثبوت الدليل... والحاصل أن للناس شفاعات بقدر أعمالهم، وعلو مراتبهم، وقربهم من الله تعالى، والقرآن يشفع لأهله، والإسلام يشفع لأهله، والحجر الأسود يشفع لمستلمه، ولكن لا يشفعون ﴿ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28]"؛ انتهى.



وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُخْرِجُ اللَّهُ قَوْمًا مُنْتِنِينَ قَدْ مَحَشَتْهُم النَّارُ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، فَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيُّونَ))؛ رواه أحمد (38/420) طبعة مؤسسة الرسالة، وقال المحققون: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.



وقال صلى الله عليه وسلم: ((يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ))؛ رواه الترمذي (2438) وقال: حسن صحيح غريب.



ونحوها أحاديث شفاعة الشهيد في سبعين من أهل بيته، وأحاديث شفاعة المؤمنين لإخوانهم المعذبين في النار يوم القيامة فيخرجون من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وأحاديث أخرى كثيرة؛ "لوامع الأنوار البهية" (2/209-211)، وانظر باب "شفاعة العلماء والشهداء يوم القيامة" في كتاب "الشريعة" للآجري.



وممن لا يقبل الله شفاعتهم يوم القيامة اللعانون، فقد روى مسلمٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ، وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ (مسلم حديث: 2598).



ثمة أمور تمنع صاحبها استحقاق الشفاعة يوم القيامة، وتحرمه من نيل فضلها، ويمكن حصر هذه الأسباب فيما يلي:

أولًا: الشرك بالله:

فالشرك مانع من حصول الشفاعة لصاحبها ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]، والشرك محبط للعمل مبطل له، فمهما عمل صاحبه من أعمال فلن تقبل منه، وستكون هباءً منثورًا ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، وقال سبحانه: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18].



ثانيًا: ظلم الإمام للعباد، والغلو في الدين:

حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنْفان من أُمَّتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم، وكل غالٍ مارق))؛ رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.



قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يُظِلُّهم الله يوم القيامة في ظِلِّه، يوم لا ظِلَّ إلا ظله: إمام عادل...))؛ رواه البخاري.



ويقال أيضًا: إن الظلم صفة ذميمة لا يجتنى منها سوى الفساد والفتن، والبلايا والمحن، والشرور والسيئات، وهي ظلمات يوم القيامة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره))؛ رواه مسلم.



قال تعالى: ﴿ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ﴾ [النساء: 171]، ونهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين؛ فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين))؛ رواه ابن ماجه.



ثالثًا: التكذيب بالشفاعة:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (من كذب بالشفاعة فليس له فيها نصيب)؛ رواه الآجري في "الشريعة"، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح.



رابعًا: الإحداث في الدين: بالبدع والمخالفات والمنكرات وقد دلَّت النصوص على أنها تمنع من ورود الحوض يوم القيامة، فلا تنفع معه شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا وإنه سيُجاء برجال من أُمَّتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117، 118]))؛ متفق عليه.



ومما أثر في الأسبوع الماضي امرأة في غزة تقول كلمة تهتزُّ لها الجبال قبل القلوب: "يا رسول الله لا تشفع لهم؛ لقد تركونا"، ((فالمؤمن أخو المؤمن لا يخذله ولا يظلمه))، أين نحن اليوم مما يجري لهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فلا ينبغي تركهم، كل واحد حسب قدرته، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلا وسعها.



د. عبدالسلام حمود غالب



شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
يوسف عليه السلام ملك قلبى قصص الانبياء والرسل والصحابه
تفسير سورة القصص امانى يسرى القرآن الكريم
هل تريد الملاييين والملايين بل المليارات من الحسنات بإذن الله تعالى‏ sawsan1 المنتدي الاسلامي العام
رسائل واتس اب جمعة مباركة واتساب يوم الجمعة حالات واتس برودكاست موجه بحر رسائل وتوبيكات
هل تريد حسنات لا حصر لها؟ امانى يسرى السنة النبوية الشريفة


الساعة الآن 12:30 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل