أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء

هذه فوائد لطيفة، ومعانٍ عظيمة، ومنقولات نافعة، ومواعظُ سديدة، انتقيتُها واختصرتها من كتاب (الداء والدواء)، للعلَّامة ابن القيم رحمه الله خلال قراءتي له، وقد غطَّت هذه الفوائدَ والخرائد، وهذه اللطائف والعِبر، نحوَ 100 صفحة من الكتاب المذكور، من طبعة دار ابن الجوزي، بتحقيق الشيخ علي بن حسن الحلبي الأثري رحمه الله، أسأل الله تعالى أن ينفعني بها والمسلمين.



فإلى الدفعة الأولى من هذه الدرر والفوائد، وسَتَلِيها الدفعة الثانية والثالثة إلى انتهاء الكتاب إن شاء الله تعالى.





1-كلمة (من) في قوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ ﴾ [الإسراء: 82]:

قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82].



كلمة (من) ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض؛ فإن القرآن كله شفاء ورحمة للمؤمنين، فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشَّكِّ والرَّيب، ولم ينزل الله تعالى من السماء شفاءً قط أعمَّ ولا أنفع، ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن؛ [ص: 13].




2-التداوي بالفاتحة:

ولو أحسن العبدُ التداويَ بالفاتحة، لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء؛ [ص: 14].





3-الدعاء من أنفع الأدوية في إزالة الدَّاءِ:

الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوُّ البلاء، يُدافعه ويُعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن؛ [ص: 16].




4-من أسرار الدعاء:

كثيرًا ما نجد أدعيةً دعا بها قومٌ فاستُجيب لهم، ويكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه، وإقباله على الله، أو حسنة تقدَّمت منه جَعَلَ الله سبحانه وتعالى إجابة دعوته شكرًا لحسنته، أو صادفت وقتَ إجابة، ونحو ذلك، فأُجيبت دعوته، فيظن الظَّانُّ أن السرَّ في لفظ ذلك الدعاء، فيأخذه مجردًا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي؛ [ص: 25].




5-الدعاء بمنزلة السلاح:

والأدعية والتعوُّذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحدِّهِ فقط؛ فمتى كان السلاح سلاحًا تامًّا لا آفة به، والساعد ساعدًا قويًّا، والمانع مفقودًا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلَّف واحد من هذه الثلاثة، تخلَّف التأثير، فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح، أو كان ثَمَّ مانعٌ من الإجابة، لم يحصُلِ الأثر؛ [ص: 26].




6-الاستنصار على العدو بالدعاء:

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستنصر بـ(الدعاء) على عدوِّه، وكان أعظم جنده به، وكان يقول لأصحابه: "لستم تُنصَرون بكثرة، وإنما تُنصرون من السماء"، وكان يقول: "إني لا أحمل هَمَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء، فإذا أُلهمتم الدعاء فإن الإجابة معه"؛ [ص: 28].




7-الأسباب الجالبة للخير:

دلَّ العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم - على اختلاف أجناسها ومِلَلِها ونِحَلِها - على أن التقرُّب إلى رب العالمين، وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خَلْقِه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استُجْلِبت نِعَمُ الله تعالى، واستُدْفِعت نِقْمته، بمثل طاعته والتقرب إليه، والإحسان إلى خلقه؛ [ص: 29].




8-حسن الظن بالله هو حسن العمل:

من تأمَّل حقَّ التأمل، علِم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حُسْنُ ظنِّه بربِّه أن يجازيه على أعماله، ويُثيبه عليها، ويتقبلها منه، فالذي حمله على حسنِ العمل حسنُ الظن، فكلما حسُن ظنُّه بربه، حسن عمله، وإلا فحُسْنُ الظن مع اتباع الهوى عجز؛ [ص: 39].




9-بين عفو الله وأمره:

كثيرٌ من الجُهَّال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، وضيَّعوا أمره ونهيه، ونسُوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يُرَدُّ بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب، فهو كالمعاند؛ [ص: 41].




10-خير الناس وشر الناس:

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كما أن خير الناس الأنبياء؛ فشرُّ الناس من تشبَّه بهم من الكذَّابين، وادَّعى أنه منهم وليس منهم، فخير الناس بعدهم: العلماء، والشهداء، والمتصدقون المخلصون، وشر الناس من تشبَّه بهم، يُوهِم أنه منهم وليس منهم؛ [ص: 52].




11-الاستدراج بنِعَمِ الله:

قال بعض السلف: "إذا رأيت الله يتابع عليك نِعَمَه، وأنت مقيم على معاصيه، فاحذره؛ فإنما هو استدراج يستدرجك به".



وقال بعض السلف: "رُبَّ مُستدْرَجٍ بنعم الله عليه وهو لا يعلم، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم"؛ [ص: 54، 55].




12-الفرق بين حسن الظن والغرور:

إنَّ حُسْنَ الظن إنْ حُمِلَ على العمل، وحثَّ عليه، وساق إليه، فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور؛ [ص: 59].




13-الإتيان بالأسباب من لوازم الرجاء وحسن الظن:

الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه، وقدره، وثوابه، وكرامته، فيأتي العبد بها ثم يُحْسِن ظنه بربه، ويرجوه ألَّا يَكِلَه إليها، وأن يجعلها موصلة لما ينفعه، ويصرف عنه ما يعارضها ويبطل أثرها؛ [ص: 60].




14-العمل مع الخوف:

من تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم، وجَدَهم في غاية العمل مع غاية الخوف، فكان الصِّدِّيق رضي الله عنه إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل، وكان عمر رضي الله عنه يمر بالآية في وِرْدِهِ بالليلة فتُخيفه، فيبقى في البيت أيامًا يُعاد يحسبونه مريضًا، وهذا عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبتلَّ لحيته، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يشتد خوفه من طول الأمل واتباع الهوى؛ فيقول: "فأما طول الأمل فيُنسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألَا وإن الدنيا قد ولَّت مُدْبِرة والآخرة مُقْبلة، ولكل واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل؛ [ص: 63، 64].




15-ضرر الذنوب والمعاصي:

الذنوب والمعاصي تضر ولا بد، وإنَّ ضَرَرَها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي؟



فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دارِ اللذة والنعيم، والبهجة والسرور، إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟



وما الذي أخرج إبليسَ من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟



وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟



وما الذي سلط الريح على قوم عاد، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية؟



وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطَّعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟



وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، وأتبعهم حجارة من السماء؟



وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظُّلَلِ، وأمطر عليهم نارًا تلظى؟



وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح؟ وأهلك قوم صاحب يس بالصيحة؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قومًا أولي بأس شديد؟ [ص: 66، 67].




16-ضياع أمر الله سبب للهوان والهلاك:

أورد الإمام أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، قال: "لما فُتِحت قبرص، ففرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره! بينا هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك، تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى"؛ [ص: 67، 68].




17-الحسنات يولد بعضها بعضًا، وكذلك المعاصي:

المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضًا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، وكذلك الحسنات تدعو إلى حسنات أخرى؛ [ص: 88].




18-جنود الطاعة وجنود المعصية:

ما يزال العبد يعاني الطاعة ويألفها، ويحبها ويُؤثِرها، حتى يرسل الله تعالى برحمته إليه الملائكة تَؤُزُّه إليها أزًّا، وتُحرِّضه عليها، وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها.



وما يزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها، حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه إليها أزًّا.



فالأول قوَّى جند الطاعة بالمدد، فصاروا من أكبر أعوانه، وهذا قوَّى جند المعصية بالمدد، فكانوا أعوانًا عليه؛ [ص: 88، 89].




19-التعود على المعاصي تسلخ القلب عن استقباحها:

المعاصي تسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادةً، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له كلهم، ولا كلامهم فيه.



وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التَّهتُّك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان، عملت كذا وكذا؛ [ص: 89، 90].




20-المعاصي سبب لهوان العبد:

ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، وسقوطه من عينه؛ قال الحسن البصري: "هانوا عليه فعصَوه، ولو عزُّوا عليه لَعَصَمَهم".



وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، وإن عظَّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم، أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه؛ [ص: 91].




21-المعاصي تُورِثُ الذُّلَّ:

المعصية تورث الذل ولا بد، فإن العزَّ كلَّ العز في طاعة الله؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]؛ أي: فليطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعته، وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك، ولا تُذِلُّني بمعصيتك.



قال الحسن البصري: "إنهم وإن طَقْطَقَت بهم البغال، وهَمْلَجَت بهم البَراذِينُ، إن ذُلَّ المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يُذِلَّ من عصاه"؛ [ص: 92].




22-المعاصي سبب للفساد:

من آثار الذنوب والمعاصي: أنها تُحدِث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار، والمساكن؛ قال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].



قال عكرمة: "ظهر الفساد في البر والبحر، أمَا إني لا أقول لكم: بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء"؛ [ص: 99].




23-المنع من دخول ديار ثمود إلا وهم باكون:

من تأثير المعاصي في الأرض: ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شُرْبِ مياههم، ومن الاستقاء من آبارهم، حتى أمَرَ أن يُعلَف العجين الذي عُجِن بمياههم للنواضح، لتأثير شؤم المعصية في الماء، وكذلك تأثير شؤم الذنوب في نقص الثمار وما ترمى به من الآفات؛ [ص: 100، 101].



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


.................



هذه هي الدُّفْعةُ الثانية من الفوائد والخرائد، ونفائس الدُّرر والجواهر، استخرجتُها ولخَّصتُها من الكتاب النافع الماتع (الداء والدواء)، للعلامة الإمام الهُمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، وقد غطَّت هذه المنقولات والكلمات حوالي مائة صحفة أخرى من الكتاب المذكور، من طبعة دار ابن الجوزي، بتحقيق الشيخ علي بن حسن الحلبي الأثري رحمه الله، أسأل الله تعالى أن ينفعني بها والمسلمين.




فمع الدفعة الثانية من هذه المختارات والروائع، وستليها الدفعة الثالثة إلى انتهاء الكتاب، إن شاء الله تعالى.




1- أشرف الناس هِمَّةً أشدُّهم غَيرةً:

أشرف الناس وأجدُّهم وأعلاهم هِمَّةً أشدُّهم غَيرةً على نفسه وخاصته وعموم الناس؛ ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغيرَ الخلق على الأمة، والله سبحانه أشد غيرةً منه؛ كما ثبت في الحديث الصحيح؛ [ص: 102].




2- الحياء مشتق من الحياة:

الحياء مشتق من الحياة، والغيث يسمى حَيَا - بالقصر - لأن به حياةَ الأرض والنبات والدواب، وكذلك سُمِّيت بالحياء حياة الدنيا والآخرة، فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقيٌّ في الآخرة؛ [ص: 106].




3- العلاقة بين الحياء والمعصية:

من استحيى من الله تعالى عند معصيته، استحيى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستحِ من معصيته لم يستحِ من عقوبته؛ [ص: 107].




4- من عقوبات المعاصي:

من عقوبات المعاصي على العبد أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفوا به، كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظِّم الناس حرماته؛ [ص: 107].




5- الخيرات المترتبة على الإيمان:

رتَّب الله تعالى في كتابه على الإيمان نحو مائة خَصلةٍ، كل خصلة منها خيرٌ من الدنيا وما فيها:


فمنها: الأجر العظيم: ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 146].




ومنها: الدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38].



ومنها: استغفار الملائكة وحَمَلَةِ العرش لهم: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 7].



ومنها: موالاة الله لهم، ولا يذل من والاه الله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 257].



ومنها: أمره ملائكته بتثبيتهم: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12].



ومنها: العزة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].



ومنها: معية الله لأهل الإيمان: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 19].



ومنها: الرفعة في الدنيا والآخرة: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].



ومنها: الود الذي يجعله الله سبحانه لهم، وهو أنه يحبهم ويحبِّبهم إلى ملائكته وأنبيائه وعباده الصالحين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].



ومنها: أمانهم من الخوف يوم يشتد الخوف: ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأنعام: 48]؛ [ص: 110، 111].




6- فوائد في حديث: ((أعوذ بك من الهم والحزن)): استعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء في قوله: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضَلَع الدين وغلبة الرجال))؛ [رواه البخاري: 6008].




وكل اثنين من هذه الثمانية قرينان:

فالهمُّ والحزن قرينان؛ فإن المكروه الوارد على القلب إن كان من أمرٍ مستقبل يتوقعه، أحدَث الهمَّ، وإن كان من أمرٍ ماضٍ قد وقع، أحدَث الحزن.



والعجز والكسل قرينان؛ فإن تخلَّف العبد عن أسباب الخير والفلاح، إن كان لعدم قدرته فهو العجز، وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل.



والجبن والبخل قرينان؛ فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل.



وضَلَع الدين وقهر الرجال قرينان؛ فإن استعلاء الغير عليه إن كان بحقٍّ، فهو من ضلع الدين، وإن كان بباطل، فهو قهر الرجال.



والمقصود أن الذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الأشياء الثمانية؛ [ص: 112].




7- المعاصي تُزيل النعم وتُحِلُّ النِّقم:

من عقوبات الذنوب: أنها تُزيل النعم وتُحِلُّ النِّقم، فما زالت عن العبد نعمةٌ إلا بذنب، ولا حلَّت به نقمة إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاء إلا بتوبة؛ كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِعَ بلاء إلا بتوبة".



وقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]؛ [ص: 113].




8- المعاصي سببُ الخوف والرعب في القلب:

من عقوبات المعاصي ما يُلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا مرعوبًا؛ فإن الطاعة حصنُ الله الأعظم الذي مَن دَخَلَهُ كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب؛ فمن أطاع الله، انقلبت المخاوف في حقه أمانًا، ومن عصاه انقلبت مآمِنُه مخاوفَ؛ [ص: 115].




9- إن الأبرار لفي نعيم، المراد به نِعَمٌ كثيرة:

لا تحسب أن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار: 13، 14] مقصورٌ على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دُورِهم الثلاثة هم كذلك - أعني: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار - فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ وأي عذاب أشد من الخوف والهم والحزن، وضيق الصدر، وإعراضه عن الله والدار الآخرة، وتعلُّقه بغير الله، وانقطاعه عن الله؟ [ص: 116].




10- الذكر الجميل في خَلْقِ الله وعباده:

من أعظم نِعَمِ الله على العبد: أن يرفع له بين العالمين ذِكْرُه، ويُعلي قدره؛ ولهذا خصَّ أنبياءه ورسله من ذلك بما ليس لغيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص: 45، 46]؛ أي: خصصناهم بخصيصة؛ وهي الذِّكر الجميل الذي يُذكَرون به في هذه الدار، وهو لسان الصدق الذي سأله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث قال: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84]، وقال سبحانه وتعالى عنه وعن بنيه: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم: 50]، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 4]، فأتباع الرسل لهم نصيب من ذلك بحسب ميراثهم من طاعتهم ومتابعتهم، وكل من خالفهم فاته من ذلك بحسب مخالفتهم ومعصيتهم؛ [ص: 120، 121].




11- المعاصي تمحق بركة الدين والدنيا:

من عقوبات المعاصي: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة؛ تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما مُحقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق.


قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96]، وفي الحديث: ((وإن العبد لَيُحرم الرزق بالذنب يُصيبه))؛ [مسند الإمام أحمد: 5/277]؛ [ص: 124، 125].




12- سَعَةُ الرزق بالبركة فيه:

ليست سعة الرزق والعمل بكثرته، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق بالبركة فيه، وإن مدة عمر العبد هو مدة حياته، ولا حياةَ لمن أعرض عن الله واشتغل بغيره، ومن كل شيء يفوت العبد عِوَضٌ، وإذا فاته الله، لم يعوِّض عنه شيء ألبتة؛ [ص: 125].




13- العمر الحقيقي للإنسان:

للمعاصي أعظم تأثير في محق بركة العمر والرزق، والعلم والعمل، وكل وقت عُصِيَ الله فيه، أو مال عُصِيَ الله به، أو بدن أو جاهٍ، أو علم أو عمل، فهو على صاحبه، ليس له، فليس له من عمره وماله، وقوته وجاهه، وعلمه وعمله، إلا ما أطاع الله به.


ولهذا فمن الناس من يعيش في هذه الدار مائة سنة أو نحوها، ويكون عمره لا يبلغ عشر سنين أو نحوها، كما أن منهم من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ويكون ماله في الحقيقة لا يبلغ ألف درهم أو نحوها، وهكذا الجاه والعلم؛ [ص: 127].



14- الطاعة تُنوِّر القلب:

الطاعة تنوِّر القلب وتَجْلُوه، وتَصقُله، وتقوِّيه وتثبِّته، حتى يصير كالمرآة المصقولة في جلائها وصفائها، فيمتلئ نورًا، فإذا دنا الشيطان منه، أصابه من نور ما يُصيب مُسترِق السمع من الشُّهب الثواقب، فالشيطان يفرَق من هذا القلب أشدَّ من فَرَق الذئب من الأسد، حتى إن صاحبه لَيَصرع الشيطان فيخِرُّ صريعًا، فيجتمع عليه الشياطين، فيقول بعضهم لبعض: ما شأنه؟ فيقال: أصابه إنسيٌّ، وبه نظرة من الإنس!


فيا نظرةً من قلب حرٍّ منور = يكاد لها الشيطان بالنور يُحرقُ؛ [ص: 138].



15- الحسنات تقرِّب الملائكة من العبد:

لا يزال الْمَلَكُ يقرب من العبد حتى يصير الحكم والغلبة والطاعة له، فتتولاه الملائكة في حياته، وعند موته، وعند بعثه؛ كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [فصلت: 30، 31].



وإذا تولَّاه الْمَلَكُ تولَّاه أنصح الخلق له وأنفعهم وأبرهم له، فثبَّته وعلَّمه، وقوى جَنانه، وأيَّده؛ قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12]؛ [ص: 155، 156].




16- فوائد قرب الْمَلَكِ من العبد:

إذا اشتدَّ قربُ الْمَلَكِ من العبد، تكلم على لسانه، وألقى على لسانه القول السديد، وإذا بعُد منه وقرُب منه الشيطان، تكلم على لسانه، وألقى عليه الزور والفحش، حتى يُرى الرجل يتكلم على لسانه الملك، والرجل يتكلم على لسانه الشيطان؛ وفي الحديث: ((إن السَّكينة تنطق على لسان عمر))؛ [مجمع الزوائد: 9/67]؛ [ص: 156].




17- دعاء الملائكة للمؤمنين:

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7].



تضمَّن هذا الخبر عن الملائكة من مدحِهم بالإيمان، والعمل الصالح، والإحسان إلى المؤمنين بالاستغفار لهم، وقدَّموا بين استغفارهم توسُّلَهم إلى الله سبحانه بسَعَةِ علمه، وسعة رحمته، فسعة علمه تتضمن علمه بذنوبهم وأسبابها، وضعفهم عن العصمة، واستيلاء عدوهم وأنفسهم، وهواهم وطِباعهم، وما زُيِّن لهم من الدنيا وزينتها، وعلمه السابق بأنهم لا بد أن يعصوه، وأنه يحب العفو والمغفرة، وغير ذلك من سعة علمه الذي لا يحيط به أحدٌ سواه.


وسعة رحمته تتضمن أنه لا يهلِك عليه أحد من المؤمنين به، من أهل توحيده ومحبته، فإنه واسع الرحمة لا يخرج عن دائرة رحمته إلا الأشقياءُ، ولا أشقى ممن لم تَسَعْهُ رحمته التي وسِعت كل شيء.



ثم سألوه أن يغفر للتائبين الذين اتبعوا سبيله، وهو صراطه الموصِّل إليه؛ الذي هو معرفته ومحبته وطاعته، فتابوا مما يكره، واتبعوا السبيل الذي يحبها، ثم سألوه أن يقِيَهم عذاب الجحيم، وأن يُدخِلَهم والمؤمنين - من أصولهم وفروعهم وأزواجهم - جنات عدن التي وعدهم بها؛ [ص: 168].




18- العقوبات المترتبة على الذنوب:

رتَّب الله تعالى عقوباتٍ عديدة على الذنوب، وهي أدعى للنفس لهجرانها؛ فمن ذلك:


الختم على القلوب والأسماع.



والغشاوة على الأبصار.



والإقفال على القلوب.



وجعل الأكِنَّة عليها.



والرِّين عليها والطَّبع.



وتقليب الأفئدة والأبصار.



والحيلولة بين المرء وقلبه.



وإغفال القلب عن ذكر الربِّ.


وإنساء الإنسان نفسَه.

وترك إرادة الله تطهيرَ القلب.

وجعل الصدر ضيقًا حرجًا كأنما يصعَّد في السماء.

وصرف القلوب عن الحق.

وزيادتها مرضًا على مرضها.

وإركاسها ونكاسها بحيث تبقى منكوسة.

والتثبيط عن الطاعة والإقعاد عنها.

وجعل القلب أصمَّ لا يسمع الحق، أبكم لا ينطق به.

والخسف بالقلب كما يخسف بالمكان وما فيه.

والبعد عن البر والخير، ومعالي الأعمال والأقوال والأخلاق.

ومسخ القلب كما تُمسخ الصورة.

وكل هذا من عقوبات الذنوب الجارية على القلوب؛ [ص: 170 – 172].




19- كم من مغرور بستر الله عليه!

فسبحان الله! كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر، وقلب ممسوخ، وقلب مخسوف به، وكم من مفتون بثناء الناس عليه، ومغرور بستر الله عليه، ومُستدرَج بنِعَمِ الله عليه!

وكل هذه عقوبات وإهانات، ويظن الجاهل أنها كرامة؛ [ص: 172].



20- فإن له معيشةً ضنكًا:

قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]، وفُسِّرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، ولا ريب أنه من المعيشة الضنك، والآية تتناول ما هو أعم منه، وإن كانت نكرةً في سياق الإثبات، فإن عمومها من حيث المعنى، فإنه سبحانه رتَّب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذِكْرِه، فالْمُعْرِض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعَّم في الدنيا بأصناف النعم، ففي قلبه من الوحشة والذُّلِّ والحَسَرات التي تُقطِّع القلوب.


والمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في دنياه، وفي البرزخ، ويوم معاده؛ [ص: 173].




21- الحياة الطيبة:

ولا تَقَرُّ العين، ولا يهدأ القلب، ولا تطمئن النفس إلا بإلهها ومعبودها الذي هو حقٌّ، وكل معبود سواه باطل، فمن قرَّت عينه بالله، قرَّت به كلُّ عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله، تقطَّعت نفسه على الدنيا حَسَراتٍ، والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحًا؛ كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]، فضمِن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاءَ في الدنيا بالحياة الطيبة، وبالحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين، وهم أحياء في الدارين؛ [ص: 173، 174].




22- القلب السليم:

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 88، 89]، والقلب السليم هو الذي سلِم من الشرك والغِلِّ، والحقد والحسد، والشُّحِّ والكِبْرِ، وحبِّ الدنيا والرياسة؛ فسلِم من كل آفة تُبعده عن الله، وسلِم من كل شُبهة تُعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله؛ فهذا القلب السليم في جنة معجَّلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي جنة يوم المعاد.



ولا تتم سلامته مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد. وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوًى يناقض التجريد والإخلاص؛ [ص: 175].




23- أعدل العدل هو التوحيد:

قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25].



فأخبر سبحانه أنه أرسل رُسُلَه، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط؛ وهو العدل، ومن أعظم القسط التوحيدُ، وهو رأس العدل وقِوامه، والشرك أعظم الظلم، والتوحيد أعدل العدل؛ [ص: 183].




24- إذ نُسوِّيكم برب العالمين:

قال تعالى عن أصحاب الشرك لآلهتهم وقد جمعتهم الجحيم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97، 98].


ومعلوم أنهم ما سوُّوهم به سبحانه في الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والْمُلك، والقدرة، وإنما سووهم به في الحب، والتأله، والخضوع، والتذلل لهم، وهذا غاية الجهل والظلم؛ فكيف يُسوَّى التراب بربِّ الأرباب؟ وكيف يُسوَّى العبيد بمالك الرِّقاب؟ وكيف يسوَّى الفقير بالذات، الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم، بالغنيِّ بالذات، القادر بالذات، الذي غِناه وقدرته، ومُلكه وجوده، وإحسانه وعلمه، ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟!



فأي ظلم أقبحُ من هذا؟ وأي حكم أشدُّ جورًا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه؛ [ص: 190، 191].




25- المقصود بكلمة (ما ينبغي) في كلام الله ورسوله:

وإنما تجيء "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للذي هو في غاية الامتناع شرعًا؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم: 92]، وقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس: 69]، وقوله عن الملائكة: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ [الفرقان: 18]؛ [ص: 192].




شمعة أخيرة:

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.



,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

هذه هي الدفعةُ الثالثة من الفوائد المستنبطة والدُّرر المستخرجة من كتاب "الداء والدواء" للإمام المحقِّق العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، غطَّت الصفحات من 200 إلى 280 من الكتاب المذكور، من طباعة دار ابن الجوزي، بتحقيقِ الشيخ علي بن حسن الحلبي الأثري رحمهُ الله، أسألُ الله تعالى أن ينفعني بها والمسلمين، وستليها الدفعة الرابعة والأخيرة إن شاء الله تعالى:



1- معرفة قدر الرب سبحانه:

لم يقْدرِ الله حقَّ قدرِهِ مَنْ هان عليه أمرُهُ فعصاهُ، ونهيُهُ فارتَكَبهُ، وحقُّهُ فضَيَّعَهُ، وذِكْرُهُ فَأهملَهُ، وغفلَ قلبُه عنه، وكان هواهُ آثرَ عنده مِنْ طلب رضاه، وطاعةُ المخلوقِ أهمَّ عندهُ مِنْ طاعتِهِ، فللّهِ الفَضْلَةُ مِنْ قلبِهِ وقولهِ وعلمهِ، وسواه المقدِّمُ في ذلك؛ لأنَّهُ المهمُّ عندَه؛ (ص: 202).




2- داء التعطيل هو الداء العضال:

داءُ التَّعطيلِ هو الداءُ العُضالُ الذي لا دواء له؛ ولهذا حكى الله ُعنْ فرعونَ أنَّهُ أنكرَ على موسى ما أخبرَه به مِنْ أنَّ رَبَّهُ فوقَ السماواتِ، فقال: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [غافر: 36، 37].



واحتجَّ الشيخ أبو الحسن الأشعري في كُتُبه على المعطِّلة بهذه الآية؛ (ص: 205).




3- بين البدعة والمعصية:

قال بعضُ السلف: "البدعةُ أحبُّ إلى إبليسَ من المعصية؛ لأنَّ المعصيةَ يُتابُ منها والبدعةُ لا يُتابُ منها.

أ- وإنَّ المذنبَ ضررُهُ على نفسِه، وأمَّا المبتدعُ فضرره على النوعِ.

ب- وفتنةُ المبتدعِ في أصل الدِّين، وفتنةُ المذنبِ في الشهوةِ.

ج- والمبتدعُ قد قعدَ للنَّاسِ على صراطِ الله المستقيمِ يصدُّهم عنه، والمذنبُ ليس كذلك.

د- والمبتدع قادحٌ في أوصاف الربِّ وكمالهِ، والمذنبُ ليس كذلك.

هـ- والمبتدعُ مناقضٌ لما جاءَ به الرسولُ، والعاصي ليس كذلك.

و- والمبتدعُ يقطعُ على الناسِ طريقَ الآخرةِ، والعاصي بطيءُ السيرِ بسببِ ذنوبهِ؛ (ص: 205- 206).




4- الفهم عن الله ورسوله:

ما أُوتي أحَدٌ - بعدَ الإيمانِ- أفضلَ مِنَ الفهمِ عنِ اللهِ ورسولِهِ صلى الله عليه وسلم، وذلك فضلُ الله يؤتيهِ مَنْ يشاءُ؛ (ص: 210).




5- الرباط على ثغور النفس:

من حفظَ هذه الأربعةَ أحرز دِينَهُ: اللَّحَظَاتِ، والخَطَرَاتِ، واللَّفظاتِ، والخُطُواتِ. فينبغي للعبدِ أن يكونَ بَوَّابَ نفسهِ على هذه الأبوابِ الأربعةِ، يُلازمُ الرباطَ على ثغورها، فمنها يدخلُ عليه العدوُّ فيجوسُ خلالَ الدِّيارِ ويُتَبّرُ ما علا تَتْبِيرًا؛ (ص: 215).




6- خطورة الأماني الكاذبة:

أخسُّ الناس هِمَّةً، وأوضعهم نفسًا مَنْ رضيَ مِنَ الحقائِقِ بالأمانيِّ الكاذبةِ، واستجلبَها لنفسهِ، وتحلَّى بها، وهيَ - لَعَمْرُ الله- رؤوسُ أموالِ المفْلِسينَ، ومتاجرُ الباطلين، وهي قوتُ النفسِ الفارغةِ التي قد قنعَتْ مِنَ الوصلِ بزورةِ الخيالِ، ومنَ الحقائقِ بكواذبِ الآمال؛ كما قال الشاعر:

أَمَاِنيّ مِنْ سُعْدَى رُوَاءٌ على الظَّمَا روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء

سقَتْنَا بِهَا سُعْدى عَلَى ظَمإٍ بَرْدا روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء

مُنًى إنْ تَكُنْ حَقًّا تَكُنْ أَحْسَنَ المُنَى روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء

وإِلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغْدًا؛(ص: 219). روائع الانتقاء من كتاب الداء والدواء





7- محاسبة النفس:

مِنْ طُرُقِ محاسبةِ النَّفْسِ الفكرةُ في عيوبِ النفسِ وآفاتِها، وفي عيوبِ العملِ، وهذه الفكرةُ عظيمةُ النَّفْع، وهي بابٌ لكلِّ خيرٍ، وتأثيرُها في كسرِ النَّفْسِ الأمَّارَةِ بالسوءِ، ومتى كُسِرَتْ عاشتِ النَّفْسُ المطمئنَّةُ وانتعَشَتْ وصارَ الحكمُ لها، فحييَ القلبُ، ودارَتْ كلمتُهُ في مملكتِهِ، وبثَّ أمراءهُ وجنْدَهُ في مصالحِهِ؛ (ص: 221).




8- الفرقُ بين وُرودِ الخَاطر واستدعائه:

اعلمْ أنَّ ورودَ الخاطِر لا يَضُرُّ، وإنَّما يضرُّ استدعاؤهُ ومحادثتُهُ، فالخاطرُ كالمـارِّ على الطريقِ، فإن لم تستدعِهِ وتركتهُ مرَّ وانْصرَفَ عنكَ، وإنِ استدعيتَهُ سَحَرَكَ بحديثهِ وخِدَعِهِ وغُرُورِهِ، وهو أخفُّ شيءٍ على النفسِ الفارغةِ الباطلةِ، وأثقلُ شيءٍ على القلبِ والنفسِ الشريفةِ السماوية المطمئنَّة؛ (ص: 223).




9- القلب لوحٌ فارغٌ والخواطر تُنْقَشُ فيه:

القلبُ لوحٌ فارغٌ، والخواطرُ نقوشٌ تُنْقَشُ فيه، وكيفَ يليقُ بالعاقلِ أنْ تكونَ نقوش لوحِهِ ما بين كذبٍ وغرورٍ وخدعٍ، وأمانيّ باطلةٍ، وسرابٍ لا حقيقة له؟ فأيُّ حكمة وعلمٍ وهُدًى ينتقشُ مع هذه النقوش؟



وإِنْ لم يُفرَّغِ القلبُ مِنَ الخواطرِ الرديّةِ لم تستقرَّ فيه الخواطرُ النافعةُ، فإنَّها لا تستقرُّ إلَّا في محلٍّ فارغٍ؛ (ص: 223).




10- القلوبُ كالقُدورِ:

قال يحيى بنُ معاذ: "القلوبُ كالقُدورِ تَغْلِي بما فيها، وألسنتها مغارِفُها؛ فانظرْ إلى الرجل حينَ يتكلَّمُ؛ فإنَّ لسانَهُ يغترفُ لك به ممَّا في قلبِهِ، حُلوٍ وحامضٍ، وعَذْبٍ وأُجاجٍ، وغيرِ ذلك، ويُبيْنُ لكَ طعمَ قلبِهِ اغترافُ لسانِهِ"؛ أي: كما تَطْعَمُ بلسانِكَ طعْمَ ما في القُدورِ من الطعامِ، كذلك تطعَمُ ما في قلب الرَّجل منْ لسانه؛ (ص: 225).




11- حفظ اللسان عن الفضول:

مِنَ العجَبِ أنَّ الإنسانَ يهونُ عليه التحفُّظُ والاحترازُ من أكلِ الحرامِ والظُّلمِ والزِّنا والسرقةِ وشربِ الخمرِ، ومِنَ النَّظرِ المُحرَّمِ وغير ذلك، ويصعُبُ عليه التحفُّظُ مِنْ حركةِ لسانهِ، حتى ترى الرجلَ يُشارُ إليه بالدِّينِ والزُّهدِ والعبادةِ، وهو يتكلَّمُ بالكلماتِ مِنْ سخطِ الله لا يُلقي لها بالًا ينزلُ بالكلمةِ الواحدَةِ منها أبعدَ ما بينَ المشرقِ والمغربِ؛ (ص: 227).




12- أيسر حركات الجوارح:

أيسرُ حركاتِ الجوارحِ حركةُ اللسانِ، وهي أضرُّها على العبدِ؛ (ص: 230).




13- عثرة الرِّجل وعثرة اللسان:

ولمَّا كانتِ العثرةُ عثرتين: عثرةَ الرِّجْلِ، وعثرةَ اللسانِ، جاءتْ إحداهُمَا قرينةَ الأخرى في قوله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، فوصفَهم بالاستقامةِ في لفظاتِهم وخطواتِهم، كما جمعَ بينَ اللحظاتِ والخطراتِ في قوله تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]؛ (ص: 231).




14- عذاب اللوطية:

اللوطية عكسُوا فِطرةَ الله التي فَطَرَ عليها الرجال، وقَلبُوا الطَّبيعةَ التي ركَّبَها الله في الذكور- وهي شهوةُ النِّساءِ دونَ شهوة الذكور- فقلبوا الأمرَ وعكسوا الفطرةَ والطبيعةَ، فأتَوُا الرجالَ شهوةً من دون النساء؛ ولهذا قلبَ اللهُ عليهم ديارَهم فجعل عاليَها سافلَها، وكذلك قلوبَهم، ونُكسوا في العذاب على رؤوسهم؛ (ص: 245).




15- النظرة سَهْمٌ مسمومٌ:

إنَّ النظرةَ سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليسَ، ومَنْ أطلقَ لَحَظَاتِهِ دامَتْ حسراتُهُ؛ (ص: 255).




16- عشر منافع لغضِّ البصر:


الأولى:
أنَّه امتثالٌ لأمرِ الله الذي هو غايةُ سعادةِ العبدِ في معاشهِ ومعادهِ.




الثانية: أنَّهُ يمنعُ مِنْ وصولِ أثرِ السهمِ المسمومِ - الذي لعلَّ فيه هلاكَهُ- إلى قلبِهِ.



الثالثة: أنه يُورثُ القلبَ أُنْسًا باللهِ وجمعيّةً عليه؛ فإنَّ إطلاقَ البصرِ يُفرِّقُ القلب، ويُبْعدُه عن الله تعالى.



الرابعة: أنَّه يقوِّي القلبَ ويُفْرِحُه، كما أنَّ إطلاقَ البصرِ يُضعفُه ويُحزِنُهُ.



الخامسة: أنَّهُ يُكسِبُ القلبَ نورًا كما أنَّ إطلاقَهُ يُكسبهُ ظُلْمةً؛ ولهذا ذكرَ اللهُ آيةَ النُّور عقيب الأمرِ بغضِّ البصرِ، فقال: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور: 30]، ثم قال: إثرَ ذلك: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ [النور: 35]؛ أي: مَثَلُ نورهِ في قلبِ عبدهِ المؤمن الذي امتثلَ أوامرَهُ واجتَنَبَ نواهيهِ.



السادسة: أنَّهُ يُورِثُ فراسةً صادقةً يميِّزُ بها بينَ الحقِّ والباطلِ، والصادقِ والكاذبِ.



السابعة: أنَّه يُورِثُ القلبَ ثباتًا وشجاعةً وقوَّةً، فجمعَ الله له بينَ سلطانِ النصرة والحجَّة وسلطانِ القدرة والقوَّة.



الثامنة: أنَّه يسدُّ على الشيطانِ مدخَلَه إلى القلب، فإنَّه يدخل مع النَّظرةِ وينفذُ معها إلى القلب أسرعَ مِنْ نفوذِ الهواء في المكانِ الخالي.

التاسعة: أنَّه يفرِّغ القلبَ للفكرة في مصالحِه والاشتغال بها.



العاشرة: أنَّ بين العينِ والقلبِ منفذًا وطريقًا، فإذا فسدَ القلبُ فسدَ النظر، وإذا فسد النظر فسدَ القلبُ؛ (ص: 255- 258).




17- نور القلبِ:

إذا استنارَ القلبُ أقبلتْ وفودُ الخيراتِ إليه مِنْ كلِّ ناحيةٍ، كما أنَّهُ إذا أظلمَ أقْبَلتْ سحائبُ البلاءِ والشرِّ عليه مِنْ كلِّ مكانٍ؛ (ص: 255).




18- من أسباب الفراسة:

كانَ ابنُ شجاع الكرمانيّ يقولُ: مَنْ عَمَّرَ ظاهرَهُ باتِّباعِ السُّنَّةِ وباطنَهُ بدوامِ المراقبةِ، وغضَّ بصرَهُ عن المحارمِ، وكفَّ نفسَهُ عن الشبهاتِ، واغتذى بالحلالِ، لم تُخْطئ له فراسةٌ.



واللهُ سبحانهُ يجزي العبدَ على عملهِ بما هو مِنْ جنس عملهِ، فإذا غضَّ بصرَه عن محارمِ الله عوَّضَه اللهُ بأن يُطلِقَ نورَ بصيرَته عِوَضًا عن حَبْس بصرهِ لله؛ (ص: 256).




19- جزاء الإعراض عن محبة الله تعالى:

منْ أعرضَ عن محبَّةِ اللهِ وذِكرِه والشوقِ إلى لقائهِ ابتلاهُ الله بمحبّةِ غيرهِ؛ فيعذِّبُهُ بها في الدنيا وفي البرزخِ وفي الآخرة، فإمَّا أن يعذِّبهُ بمحبَّةِ الأوثان، أو بمحبَّةِ الصُّلبانِ، أو المُردانِ، أو محبَّةِ النِّيران، أو محبة النّسوانِ، أو محبَّةِ الأثمانِ، أو محبَّةِ العُشَراءِ، أو محبَّةِ الخِلَّانِ، أو محبَّةِ ما دون ذلك ممَّا هو في غاية الحقارةِ والهوانِ؛ (ص: 260).




20- العشق لا يُوصَف به الربُّ سبحانه وتعالى:

العشقُ إفراطُ المحبَّةِ؛ ولهذا لا يُوصَفُ به الربُّ سبحانه، ولا يُطلقُ في حقِّه؛ (ص: 261).




21- ماهي الحياة الطيبة؟

وأطيبُ العيشِ وألذُّهُ على الإطلاقِ عيشُ المحِبِّينَ المشتاقينَ المُستأنسينَ (بالله تعالى)، فحياتُهم هي الحياةُ الطيِّبَةُ في الحقيقةِ، ولا حياةَ للقلبِ أطيبُ ولا أنعمُ ولا أهنأُ منها، فهي الحياةُ الطيبةُ المذكورةُ في قوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]؛ (ص: 263).








22- المعيَّة الخاصة للمؤمنين:

قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]، فمتى كانَ العبدُ باللهِ هانَتْ عليه المشاقُّ، وانقَلَبَتْ المخاوِفُ في حقّهِ أمانًا، فباللهِ يهونُ كلُّ صعبٍ، ويسهلُ كلُّ عسيرٍ، ويقربُ كلُّ بعيدٍ، وباللهِ تزولُ الهمومُ والغمومُ والأحزانُ؛ فلا همَّ مع اللهِ، ولا غمَّ، ولا حُزن؛ (ص: 267).




23- أشرف أحوال العبد مقام العبودية لله تعالى:

ذكرَ اللهُ تعالى أكرَم الخلقِ عليه وأحبَّهم إليه، وهو رسولُه محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالعبوديةِ في أشرفِ مقاماتِهِ، وهو:



1- مقامُ الدعوةِ إليه: فقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19].





2- ومقامُ التحدِّي بالنبوَّةِ: فقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23].





3- ومقامُ الإسراءِ: فقال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1]؛ (ص: 268).





24- الفرق بين المحبَّة والخُلَّة:

الخُلَّةُ تتضمَّنُ كمالَ المحبَّةِ ونهايَتَها، بحيثُ لا يبقى في قلبِ المحبِّ سَعَة لغيرِ محبوبِهِ، وهي منصبٌ لايقبلُ المشاركَة بوجه ما، وهذا المنصبُ خاصٌّ للخليلَيْنِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهما: إبراهيمَ ومحمَّدٍ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ اتَّخذَنِي خليلًا كما اتَّخذَ إبراهيمَ خليلًا».



وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: «لو كُنتُ مُتَّخِذًا مِنْ أهلِ الأرضِ خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكنَّ صاحِبَكُم خليلُ اللهِ»؛ (ص: 271- 272).





25- أعقل الناس وأسفه الناس:

أعقلُ النَّاسِ مَنْ آثَرَ لذَّتَهُ وراحتَهُ الآجلةَ الدائمةَ على العاجلةِ المنْقَضِيَةِ الزَّائلة، وأسفَهُ الخلقِ مَنْ باعَ نعيمَ الأبَدِ وطيبَ الحياةِ الدائمةِ واللَّذةِ العُظْمى التي لا تَنْغِيصَ فيها ولا نقصَ بوجهٍ ما بلذَّةٍ مُنقضيةٍ مشوبةٍ بالآلامِ والمخاوفِ، وهي سريعةُ الزَّوالِ وشيكةُ الانقضاءِ؛ (ص: 275).





26- كلام نفيس عن كلمة التوحيد:

كلمة "لا إله إلَّا الله"، هي الكلمةُ التي قامت بها الأرضُ والسماواتُ، وفطر الله عليها جميعَ المخلوقاتِ، وعليها أُسِّستْ المِلَّةُ، ونُصِبَتِ القِبْلةُ، وجُرِّدَتْ سيوفُ الجهادِ، وهي محضُ حقِّ الله على جميعِ العبادِ، وهي الكلمةُ العاصمةُ للدَّمِ والمالِ والذُّرِّيةِ في هذه الدارِ، والمنجيةُ من عذاب القبرِ وعذاب النارِ، وهي المنشورُ الذي لا يدخل أحدٌ الجنة إلَّا به، والحبلُ الذي لا يَصلُ إلى الله مَنْ لم يتعلَّق بسببه، وهي كلمةُ الإسلامِ، ومِفْتاحُ دارِ السلامِ، وبها انقسمَ الناسُ إلى شقيٍّ وسعيدٍ، ومَقْبولٍ وطريدٍ، وبها انفصلتْ دارُ الكفرِ من دار الإيمان، وتميَّزتْ دارُ النَّعيمِ من دار الشقاءِ والهوانِ، وهي العمودُ الحاملُ للفرضِ والسُّنةِ «ومن كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة»؛ (ص: 279).



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلِّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



د. سعد الله المحمدي

شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
لطائف من كتاب الداء والدواء امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
فوائد من كتاب " 1000 سؤال وجواب فى القرآن " لقاسم عاشور امانى يسرى القرآن الكريم
الأحاديث الصحيحةالتى اتفق عليها الشيخان كتاب: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق علي أم أمة الله السنة النبوية الشريفة
موسوعة كتب الطبخ متجدده على روابط mediafire عـدلات كتب طبخ


الساعة الآن 12:31 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل