فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)
العافية بعد المصيبة فتنة، يختبر الله الشاكر من الكافر (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة) / الشيخ عبد العزيز الطريفي
﴿قال إنما أوتيته [على علم] بل هي فتنة﴾ ما أعظمها من فتنة، الاغترار بالعلم، والاعتداد بالرأي وحدّة الذكاء والفهم. إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول مـا يجني عليه اجـتهـاده . . / تدبر
”ثُمّ إذا خولناهُ نِعمةً مِنّا قال إنّما أُوتيتُهُ على علمٍ بل هي فتنه” الرزق الذي يأتيك أحياناً يكون استدراج من الله ليرى من يشكُر ومن يكفُر، فلا تغتر بالنعم طويلاً، وألزم الحمد على كُل حال .. / ياسمين العنزي
4-من ضروب هذا الطغيان؛ أنَّ هذا المنعَم عليه ينسى فضل المنعِم -جل في علاه-، فينسِب النعمة إلى غير مسديها، ويضيفها إلى غير موليها؛ هذه حالٌ - غالبةٌ على كثير من الناس، قال الله تبارك وتعالى: (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الزمر:49-50]؛ (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي مثل قارون وأضرابه ومَن هم على شاكلته القائل (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[القصص:78].
,,,,,,,,,,,,,,,,,
تفسير الشيخ الشعراوي
(فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ )٤٩(قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )٥٠-الزمر
ر أينا المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة أخرى وقالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زُلْفى .. إذا ما طرأ لهم طارئ أو جَدَّ في حياتهم شيء فوق طاقة أسبابهم لا يلجئون الأصنام، ولا إلى الآلهة التي عبدوها من دون الله، إنما يلجئون إلى الله ويضرعون إليه سبحانه ليكشف عنهم ما هم فيه، وليرفع عنهم البلاء، لماذا؟
لأن هذه هي الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسَ عليها، والعهد الذي أخذه الله علينا جميعاً ونحن في عالم الذرِّ حين قال سبحانه: { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] والإنسان لا يخدع نفسه ولا يسلمها، فإذا أحاط به شر لا تنهض الأسباب لدفعه قال: يا رب وعندها ينسى كبرياءه، وينسى عناده، وينسى تكذيبه للرسل ولا يجد إلا ربه وخالقه وإلهه الحق.
وصدق الله: { { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } [الإسراء: 67].
ونلاحظ أيضاً أن الإنسان حينما يقع في كرب لا يقدر على دفعه بنفسه ينادي مَنْ حوله، فإذا لم يُجِبْه أحدٌ يقول يا هوه، ومعناها: يا هو يا مَنْ ليس هناك غيره، والمراد الله سبحانه وتعالى.
وقوله { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ } [الزمر: 49] أي: أعطيناه { نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } [الزمر: 49] يعني: إنْ أعطيناه نعمة بعد هذا الضر الذي مسَّه سرعان ما ينسى ويعود إلى صَلَفه وغروره الحياتي، لأنه يخاف أن مسألة رفع الضر عنه تُقربه من ربه الذي دعاه، وأن هذا الجميل الذي ساقه إليه ربُّه يعيده إلى الجادة وإلى الاستقامة.
فالاستقامة تكاليف ومسئولية هو يكرهها، ولا يريد أنْ يُقيّد نفسه بها، لأن التكليف معناه مَنْع النفس عن شهواتها، وحملها على الطاعات فهو يخاف أن تأسره هذه المسألة، أو تقيد حريته في الشهوات، لذلك قال الحق سبحانه عن الصلاة: { { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } [البقرة: 45].
وقوله: { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } [الزمر: 49] لها وجهان: إما على علم من الله أنِّي أستحق هذا الخير وإلا ما أعطاني - هذا إنْ كان يعتقد أن الله هو الذي يعطي - أو على علم مني، لأن عندي دقَّةً في التعامل ويقظة، وعندي تجربة ودراية بالأمور ودراسة للنتائج.
وهنا يصحح له ربه { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ .. } [الزمر: 49] يعني: هذه النعمة فتنة من الله، فلا هي لعلم الله أنك تستحق، ولا هي نتيجة لعلمك ومهارتك { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ .. } [الزمر: 49] يعني: ابتلاء واختبار. كما قال سبحانه: { { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً } [الأنبياء: 35] نبلو بالشر لنرى مَنْ يصبر، ونبلو بالخير لنرى مَنْ يشكر ومَنْ يطغى.
وفي موضع آخر قال تعالى: { { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } [الفرقان: 20].
يعني: كلُّ بعض منا فتنة للبعض الآخر، فالغني فتنةٌ للفقير، والقويُّ فتنة للضعيف، والعكس صحيح ليختبر الحق سبحانه خَلْقه: مَنْ يصبر ومَنْ يجزع، مَنْ يشكر ومَنْ يكفر، مَنْ يرضى ومَنْ ينقم.
إذن: ينبغي على الإنسان أنْ يقوم في حركة حياته ما أقامه الله، فكل ما يُجْريه عليه خير، فإذا رأيتَ نعمة عند غيرك وليست عندك فاعلم أن الله ما فضّل هذا عليك، وأنت بصبرك على ما قُدِّر لك وعدم حقدك على أخيك تستطيع أنْ تكون أفضل منه.
وتختم الآية بقوله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الزمر: 49] أي: هذه الحقائق التي ذُكِرتْ لا يعلمها الكثيرون، وهذا يعني أن القلة تعلم.
ثم يوضح الحق سبحانه أن هذه المسألة ليست كلمة نظرية، إنما هي حقيقة لها واقعٌ في تاريخ السابقين، فيقول: { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الزمر: 50] نعم قالها قارون { { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [القصص: 78].
ونقول: ما دمتَ قد أوتيته على علم، سواء علم من الله أنك أهلٌ لهذا الخير أو علم عندك ومهارة في العمل والتناول، فها هي النعمة بين يديك، وما عليك إلا أنْ تحفظها، وحِفْظ الشيء الموجود بين يديك أيسَرُ من إيجاده من العدم، فهل تستطيع؟
والمعنى أنني لا أقول لكم كلاماً نظرياً، بل هو واقع يؤيده التاريخ، فقد قالها قارون واغترَّ بها، ثم خسفنا به وبداره الأرض وهنا نشأتْ قضية: إذا كنتَ قد أوتيته على علم فاحفظه أيضاً على علم، لكن ما دام الأمر قد تخلَّى عنك في الحفظ وهو يسير، فأنت في الإيجاد أشدّ تخيلاً.
نعم { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الزمر: 50] لأن الله خسف بقارون وبداره أيضاً، فلم تذهب النعمة والثروة فحسب، بل طال الانتقام حتى الأرض والمكان الذي يعيش عليه ويبيت فيه ويستريح عليه.
التفاسير العظيمة