السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انك في هذه الحياة الدنيا من حين استقرت قدمك على الأرض وأنت مسافر إلي الله عز وجل ، مسافر إلى الدار الآخرة ، وان مدة سفرك هي عمرك الذي كتبه الله عز وجل لك ، والأيام والليالي مراحل هذا السفر ، فكل يوم وليلة مرحلة من هذه المراحل ، فلا تزال تطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر
قال تعالى (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) وقال أيضا (كل نفس ذائقة الموت) وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا). وفي رواية (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، فالموت نهاية المطاف في هذه الدنيا التي يستطيع الإنسان فيها أن يعمل ويقبل الله عمله ولكن بعد الموت لا يستطيع ذلك، فإن كان مقصرا فإنه يتمنى لو كانت له حسنة ترجح ميزان حسناته، وقد يأتي الموت فجأة فعلى المسلم أن لا يؤخر العمل الصالح حتى لا يضيع وقته ويندم.والموت لا يستثني أحدا حتى لو كان أقرب المقربين فالرسل والملائكة وسائر الخلق يموتون ، قال تعالى (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ومهما تأخر الموت فلا بد له أن يأتي ، قال تعالى (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذ؟ا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر)
ودخل عمرو بن العاص على معاوية في مرضة مرضها، فقال له: أعائذ أنت أم شامت؟ فقال له عمرو: ولم تقول هذا، والله ما كلفتني رهقاً ولا أصدعتني زلقاً ولا جرعتني علقاً، فلم أستأصل حياتك ولم استبطئ وفاتك. فأنشد معاوية يقول:
فهل من خالدين إذا هلكنا ...
وهل في الموت بين الناس عار
وقيل لما دنا منه الموت تمثل بهذا البيت:
هو الموت لا منجي من الموت والذي ...
نحاذر بعد الموت أدهى وأقطع
ثم قال: رفع يديه وقال: اللهم أقل العثرة وأعف عن الزلة وعد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا يثق إلا بك، فإنك واسع المغفرة وليس لذي خطيئة منك مهرب.. وذكر أبو العباس الشيباني قال: وفد على أبو دلف عشرة من أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في العلة التي مات فيها فأقاموا ببابه شهراً لا يؤذن لهم لشدة العلة التي أصيب بها، ثم أفاق فقال لخادمه بشر: إن قلبي يحدثني أن بالباب قوماً لهم إلينا حوائج فافتح الباب ولا تمنعن أحداً، قال: فكان أول من دخل آل علي رضي الله عنه فسلموا عليه ثم ابتدأ الكلام رجل منهم من ولد جعفر الطيار فقال: أصلحك الله أنا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا من ولده وقد حطمتنا المصائب وأجحفت بنا النوائب، فإن رأيت أن تجبر كسيراً وتغني فقيراً لا يملك قطميراً فافعل. فقال لخادمه خذ بيدي وأجلسني. ثم أقبل معتذراً إليهم ودعا بدواة وقرطاس وقال: ليكتب كل منكم بيده إنه قبض مني ألف دينار، قالوا: فبقينا والله متحيرين فلما أن كتبنا الرقاع ووضعناها بين يديه قال لخادمه: علي بالمال. فوزن لكل واحد منا ألف دينار ثم قال لخادمه: يا بشر إذا أنا مت فاعرج هذه الرقاع في كفني، فإذا لقيت محمداً صلى الله عليه وسلم في القيامة كانت حجة لي أني قد أغنيت عشرة من ولده ثم قال: يا غلام ادفع لكل واحد منهم ألف دينار ينفقها في طريقه حتى لا ينفق من الألف دينار شيئاً حتى يصل إلى موضعه، قال: فأخذناها ودعونا له وانصرفنا ثم مات رحمه الله. وقيل: لما
دفن عمر بن عبد العزيز نزل عند دفنه مطر من السماء، فوجدوا بردة مكتوباً فيها بالنور بسم الله الرحمن الرحيم أمان لعمر بن عبد العزيز من النار وقيل لأعرابي: إنك تموت، قال: وإلى أين أذهب؟ قالوا: إلى الله تعالى، فقال: لا أكره أن أذهب إلى من لا أرى الخير إلا منه، وبكى الخولاني عند موته فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلة الزاد، وقد سلكت عقبة ولا أدري إلى أين أهبط وإلى أي مكان أسقط. ودخل ملك الموت على داود عليه السلام فقال له: من أنت؟ قال: أنا الذي لا يهاب الملوك ولا تمنع منه القصور ولا يقبل الرشا، فقال: إذن أنت ملك الموت، وإني لم أستعد بعد، فقال له: يا داود أين فلان جارك أين فلان قريبك؟ قال: ماتا، قال: أما كان لك في موت هؤلاء عبرة لتستعد بها؟، ثم قبضه عليه السلام وقيل بينما حسان جالس وفي حجره صبي يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبي فمات. فقال:
اعمل وأنت صحيح مطلق فرح ...
ما دمت ويحك يا مغرور في مهل
يرجو الحياة صحيح ربما كمنت ...
له المنية بين الزبد والعسل
هنـــا باوربوينـت للـدار أربعـة حــدود
وقيل: إن المأمون لما قربت وفاته دخل عليه بعض أصدقائه فوجده قد فرش له جلد دابة وبسط عليه الرماد وهو يتمرغ فيه ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.
ولما احتضر عمرو بن العاص دعا بغل وقيد وقال: ألبسوني إياهما فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن التوبة مقبولة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه " ، ثم استقبل القبلة، وقال: اللهم إنك أمرتنا فعصينا فارتكبنا، وهذا مقام العائذ بك فإن تعف فأنت أهل العفو، وإن تعاقب فبما قدمت يداي. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ثم مات وهو مغلول القيد..