يهود مصر في العصر الروماني
رحب اليهود بدخول الرومان لمصر في عهد أخر ملوك البطالمة، الملكة كليوبترا السابعة، و قد كافىء أكتافيوس، الذي عرف فيما بعد بإسم أغسطس، اليهود على تأييدهم إياه، بأن أبقى لهم حقهم في مجلس للشيوخ و أكد على إحترام جميع حقوقهم التي كانت لهم في العصر البطلمي. في حين حرم سكان الأسكندرية الذين رفضوا الإحتلال الروماني لمصر، من حقهم في وجود مجلس لهم، بما جعل العلاقة بين اليهود و سكان الأسكندرية متوترة طوال العهد الروماني، و وصلت لحد الصدمات المسلحة الدموية في بعض الأحيان، و رفع أحيانا كل طرف شكواه للعاصمة الرومانية روما. على إن اليهود لم يحافظوا على المزايا التي تمتعوا بها طوال العهد الروماني بمصر، و ذلك لثوراتهم المتعددة على إمتداد القرنين الأول و الثاني للميلاد. و كانت أكبر ثوراتهم في عهد الإمبراطور ترجان عام 115 للميلاد و إستمرت لفترة وجيزة من عهد الإمبراطور هدريان، فبالرغم من إنها أخمدت بسرعة في الأسكندرية إلا إنها ظلت مشتعلة لثلاث أعوام في صعيد مصر من نهاية الدلتا إلى إقليم طيبة بصعيد مصر، و ظل صعيد مصر ميدانا لحرب عصابات خلال تلك الأعوام الثلاثة.
و قد ظل المصريين في بعض مناطق مصر الوسطى، يتذكرون أحداث تلك الثورة بالرغم مرور مائة عام على إشتعالها، و ظل المصريين في تلك المناطق يذكرون الرومان بصدقاتهم عندما حاربوا معهم جنبا إلى جنب ضد اليهود، و ظلت ذكرى إخماد تلك الثورة إحتفالا للمصريين بالرغم من مرور مائة عام على حدوثها، فقد كانت ثورة مدمرة دمرت فيها طرق و أحرقت فيها بيوت و خربت فيها ممتلكات. كانت نتيجة ثورات اليهود، أن قلص الرومان إمتيازتهم، ففي عام 70 للميلاد، و بالرغم من عدم اشتراك يهود مصر في الثورة التي حدثت في فلسطين، فإن السلطات الرومانية أغلقت معبد اليهود بمنف، كما ألزم اليهود بدفع ضريبة قيمتها درخمتان عن كل ذكر بالغ، و التي كانوا يقدمونها من قبل للمعبد الرئيسي ببيت المقدس، و ذلك لبناء معبد للإله الروماني جوبيتر الذي أحرق اليهود معبده في ثورتهم تلك ببيت المقدس. و قد إستمر الرومان في جباية تلك الضريبة حتى بعد إنتهاء بناء المعبد و ذلك حتى القرن الثاني للميلاد. على إن الرومان لم يحاولوا رغم ذلك أن يرغموا اليهود بمصر على التحول عن عاداتهم، فأبقي لهم حق العيش حسب معتقداتهم و عادتهم، و سمح لهم بختان مواليدهم، و هو الأمر الذي حرم منه المصريين فيما عدا الذين يسلكون سلك الكهنوت
أما عن أعداد اليهود في ذلك العصر، فيلاحظ ضخامتها بالمقارنة بالعصور التالية مع إنتشار المسيحية و الإسلام، حيث وصل عدد اليهود في دول حوض البحر المتوسط في العصر الروماني إلى ما لا يقل عن عشرة بالمائة من السكان. و ذكر العهد الجديد الكثير من تلك التجمعات، و أورد فيلون السكندري اليهودي أن تعداد يهود الأسكندرية في حياته كان مليونانسمة و كان الحي اليهودي هو أحد الأحياء الخمسة بالمدينة. على إنه يجب الأخذ في الإعتبار بأن اليهود في العصرين البطلمي و الروماني عرف عنهم نشاطهم التبشيري المحموم، و الذي أشار إليه الإنجيل، بما يعني أن هناك فارق بين اليهودي في العصرين الإغريقي و الروماني و ما سيليهما من عصور، و بين بني إسرائيل الأصليين .
يهود مصر. . من الازدهار إلى الشتات
الكتاب : يهود مصر. . من الازدهار إلى الشتات
المؤلف : محمد أبو الغار
دار الهلال - مصر
قليلة هي الكتب والمراجع التي تحدثت بالتفصيل عن حال اليهود العرب وخاصة اليهود في مصر لكن هذا الكتاب يروي بأسلوب اقرب إلى الحكاية قصة اليهود المصريين في القرن العشرين ويشرح أصولهم ومذاهبهم المختلفة ونشاطهم الاقتصادي بجوانبه المختلفة ونشاطهم السياسي الذي تركز في الانتماء إلى التيارات الشيوعية أو الصهيونية. ولم يغفل الكتاب الذي يقع في 246 صفحة من القطع المتوسط دور يهود مصر الثقافي وعلاقتهم بالفن والصحافة الصاعدة آنذاك في مصر على أنه يلقي الضوء أيضاً على علاقة يهود مصر بالحركة الصهيونية منذ نشأتها وكذلك علاقة بقية الشعب المصري مسلميه ومسيحييه بيهود مصر والتطور المثير في تلك العلاقة من الشراكة في المواطنة إلى العداء.
وإمعاناً في إظهار مكونات يهود مصر يصور الكتاب الحياة الاجتماعية لهذه الأقلية المتغلغلة في النسيج الاجتماعي عبر المدارس والمستشفيات والمعابد والمتاجر الكبرى ووظائف الدولة المرموقة، معرجاً على التطور الهائل الذي حدث في الشخصية اليهودية المصرية وكيف أدى التطور في القضية الفلسطينية إلى إحداث شرخ في علاقة يهود مصر بباقي المصريين.
ما حدث لليهود في مصر خلال عهد ازدهارهم ويشرح أسباب هجرتهم ووجهتهم، لكنه في كل مفاصله تقريباً يشدد على لعب اليهود المصريين دوراً غاية في الانسلاخ من الأمة المصرية بمجرد تشكل بداية دولة لليهود في فلسطين.
كما ناه يركز على حقيقة أن يهود مصر كانوا وجهاء ومثقفين وأغنياء خلافاً للشعب المصري الفقير آنذاك الأمر الذي فاقم من عزلتهم في كانتونات وأحياء خاصة كما هو حالهم دائماً.
حال اليهود المصريين من مذاهب وأصول عرقية إنهم مختلفون ومتفرقون ما بين سكان حارة اليهود في القاهرة ويهود الإسكندرية وما بين السفارديم والاشكناز وطائفتي اليهود القرائين واليهود الربانيين اللتين اختصت بهما مصر دون غيرها من الدول العربية باعتبارهما أكثر الطوائف اليهودية قرباً من المصريين لغة وواقعاً اجتماعياً.
إلى أن ثمة صراعات داخلية بين طوائف يهود مصر.
وبكثير من التفصيل أيضا يجيب الكاتب عن سؤال الجنسية المصرية واليهود في مصر باعتبارهم مصريين أولاً وأخيراً
تلك المرحلة التاريخية التي جمعت وجودهم على أرض مصر وصعود "مصر الفتاة" و" الإخوان المسلمين " وكنوع من التاريخ يقسم الكاتب تاريخ يهود مصر إلى فترتين: الأولى قبل الخمسينيات والثانية من عام 1957 إلى نهاية الستينيات حيث انتهى الوجود اليهودي في مصر تماماً
أهم الشخصيات اليهودية التي لعبت دورا مهما في تاريخ مصر من أبي حصيرة و "موسي قطاوي" باشا و"يعقوب صنوع" و"فكتور نحمياس" كرموز اقتصادية وسياسية مروراً برموز الفن كـ"ليلى مراد" و"توجو مزراحي" وانتهاء بعشرات العائلات المصرية اليهودية الشهيرة مثل: "شملا"، و"حاييم" و"نجار" و"سموحة" وغيرها...
وحول مشاركة اليهود في الحياة السياسية في مصر
إن يهود مصر لعبوا أدواراً معلنة وأخرى مستترة في السياسة المصرية منذ القرن التاسع عشر ومن ضمن الأدوار المعلنة تأييد ثورة عرابي ومن ثم ثورة سعد زغلول، والمثير أن اليهود كانوا على علاقة بالحكم في مصر منذ عهد محمد علي حتى الملك فاروق وحتى بعد ذلك بكثير.
أما الصحافة اليهودية فقد كان لها صولات وجولات في مصر حيث أنشأ اليهود خلال ستة عقود أكثر من 50 صحيفة بلغات متعددة خاصة الفرنسية منها حيث كانت لغة التخاطب والدراسة لأغنياء يهود مصر.
ومن هذه الصحف صحيفة " إسرائيل" التي صدرت عام 1920 بثلاث لغات: العربية والعبرية والفرنسية لصاحبها اليهودي المصري ألبرت موصيري.
والأكثر غرابة من إنشاء صحف يهودية في مصر في وقت مبكر هو تعاطف صحف مصرية غير يهودية مع "الصهيونية" ومع اليهود آنذاك.
هو الذي يحدث عن يهود مصر ودورهم ومواقفهم داخل الكيان المصطنع والدولة العبرية وصولاً إلى حقيقة تاريخية تقول إن أكثر اليهود عداءً للعرب هم اليهود العرب!
اليهود فى مصر بعد انقلاب 23 يوليو 1952
ثلاثة انفجارات مدوية هزت اوضاع اليهود في مصر بعد الثورة وجعلتهم يغلقون ابوابهم على انفسهم، وينتظرون اللحظة المناسبة للهرب الى اسرائيل، كان الانفجار الاول المانياً في صحراء مصر الغربية، والثاني مصرياً عالمياً عقب اشتعال حرب 56، اما الانفجار الثالث فقد كان يكمن في شخصية اليهود انفسهم الذين كان من السهل عليهم ان يتحولوا الى طابور خامس لاسرائيل.
تعددت الاسباب والنتيجة واحدة وهو خروج اليهود من مصر ولكن يظل السؤال معلقا الى الان: هل خسرت مصر بخروج اليهود، وكسبت اسرائيل؟
قبل ان نصل لمرحلة الثورة كان لابد من الرجوع الى حقيقة وضع اليهود في مصر قبل قيام ثورة يوليو 1952 وبداية هجرة اليهود الى مصر بتشجيع من محمد علي. وقد تمتع اليهود الذين زادت هجرتهم الى مصر في عهد الخديوي اسماعيل بكل الامتيازات الاجنبية، وحسب تعداد السكان لعام 1917 فقد بلغ عدد افراد الجالية اليهودية في مصر 59.581 نسخة، وكان التطور الاقتصادي في مصر هو عامل الجذب الاساسي لقدومهم واستيطانهم فيها.
سيطرة اليهود على البنوك
ويرتبط تاريخ البنوك في مصر بإنشاء اليهود لها، وقد نجح اليهود بعقليتهم الاقتصادية المشهورين بها في احتكار هذا المجال. واشتهرت عائلات بعينها في عالم البنوك مثل عائلة: قطاوي والموسيري وسوارس.
كان البنك العقاري المصري والذي تأسس عام 1880 اول بنوك مصر واسسته ثلاث عائلات يهودية سوارس ـ رولو ـ قطاوي. كان رأسمال البنك عند تأسيسه 40 مليون فرنك فرنسي، وصل الى 8 ملايين جنيه عام 1942 وقد لعب هذا البنك دورا خطيرا في الاقتصاد الزراعي المصري فنتيجة القروض التي منحها للملاك الزراعيين اصبح يتحكم في اكثر من مليون فدان مصري.
وفي عام 1898 تم انشاء البنك الاهلي المصري والذي لعب دورا هاما في تاريخ مصر الاقتصادي، كان رأسماله 3 ملايين جنيه استرليني، وقد تحول الى بنك مركزي عام 1951، وكان «روفائيل سوارس» هو صاحب امتياز التأسيس يشاركه «ميشيل سلفاجو» و«ارنست كاسل».
كذلك البنك التجاري المصري والذي عرف وقت تأسيسه عام 1905 باسم بنك التسليف الفرنسي ثم تحول الى شركة مساهمة مصرية باسم البنك التجاري المصري عام 1920 وكان رأسماله مليون و200 الف جنيه استرليني.
هذه البنوك الثلاثة كانت اشهر البنوك التي سيطر عليها يهود، وكان هناك بنوك اخرى صغيرة ساهمت في تشكيل الحياة الاقتصادية في مصر.
سيطرة اليهود على الاقتصاد المصرى
والى جانب البنوك امتدت سيطرة اليهود لمجالات اخرى هامة مثل قطاع البترول فقد قام اميلي عدس بتأسيس الشركة المصرية للبترول برأسمال 75000 جنيه في بداية العشرينات، في الوقت الذي احتكر فيه اليهود «ايزاك ناكامولي» تجارة الورق في مصر.
كما اشتهر اليهود في تجارة الاقمشة والملابس والاثاث حتى ان شارع الحمزاوي والذي كان مركزاً لتجارة الجملة كان به عدد كبير من التجار اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة شملا: وهي محلات شهيرة اسسها «كليمان شملا» كفرع لمحلات شملا باريس، وقد تحولت الى شركة مساهمة عام 1946 برأسمال 400.000 جنيه مصري.
شيكوريل: اسستها عائلة شيكوريل عام 1887 ورأس مجلس ادارتها «مورنيو شيكوريل» عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000جنيه، وعمل بها 485 موظفاً اجنبياً و142 موظفاً مصرياً.
بونتر يمولي: اشهر شركات الديكور والاثاث، اسسها هارون وفيكتور كوهين.
جاتينيو: سلسلة محلات اسسها موريس جاتينيو الذي احتكر تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديدية وقد كان لموريس جاتينيو دور في دعم الحركة الصهيونية ومساعدة المهاجرين اليهود.
وكانت عائلة «عدس» من العائلات اليهودية الشهيرة في عالم الاقتصاد واسست مجموعة شركات مثل بنزايون ـ عدس ـ ريفولي ـ هانو ـ عمر افندي.
كما احتكر اليهود صناعات اخرى مثل صناعة السكر ومضارب الارز التي اسسها سلفاتور سلامة عام 1947 برأسمال 128.000 جنيه مصري، وكانت تنتج 250 طن ارز يوميا، وشركة الملح والصودا التي اسستها عائلة قطاوي عام 1906.
كذلك وصلت سيطرة اليهود الى قطاع الفناق فقد ساهمت موصيري في تأسيس شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال ـ ميناهاوس ـ سافوي ـ سان ستيفانو.
نشط اليهود ايضا في امتلاك الاراضي الزراعية وتأسست شركات مساهمة من عائلات احتكرت بعض الزراعات مثل شركة وادي كوم امبو التي تأسست عام 1904 بامتياز مدته 99 عاماً، ورأسمال 300.000 جنيه مصري وامتلكت 30.000 فدان في كوم امبو غير 21.000 فدان وشقت 91كم من المصارف والترع و48 كم من السكك الحديدية.
كذلك شركة مساهمة البحيرة التي تأسست في يونيو 1881 برأسمال 750.000 جنيه مصري وامتلكت 120.000 فدان.
وعلى هذا الاساس استطاع اليهود في مصر تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بلغت اقصاها في الفترة من 1940 وحتى 1946 في الوقت الذي كان الاقتصاد العالمي يعاني ركودا نتيجة ظروف الحرب العالمية الثانية واستطاع يهود مصر ان يصبحوا اغنى طائفة يهودية في الشرق الاوسط، ولم يتأثروا بالغاء الامتيازات الاجنبية عام 1937 أو انخفاض م
عدلات الهجرة الى مصر، أو حتى صدور قانون الشركات رقم 138 والذي صدر في يوليو 1947 لتنظيم الشركات المساهمة.
يتبع