القرآن الكريم كتاب الإسلام الخالد، ومعجزته الكبرى، وهداية للناس أجمعين، قال تعالى:
{الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور (إبراهيم:1) من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم. فيه تقويم للسلوك، وتنظيم للحياة، من استمسك به فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، ومن أعرض عنه وطلب الهدى في غيره فقد ضل ضلالاً بعيداً.
وتلاوة كتاب الله من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، قال تعالى
: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر:29) وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.
والقرآن مأدبة الله لعباده، ورحمة منه للناس أجمعين، وقد صح عند الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: "ألم" حرف، ولكن "ألف" حرف، و"لام" حرف، و"ميم" حرف).
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن ورغب فيها، فقال: (
تعلموا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شافعاً لأصحابه، وعليكم بالزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو فرقان من طير، تحاجَّان عن أصحابهما، وعليكم بسورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة) رواه مسلم.
وبشَّر صلى الله عليه وسلم قارئ القرآن بأنه مع السفرة الكرام البررة فقال:
(الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) متفق عليه. وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم قال: (يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته عامة ولِحَفَظَة كتابه خاصة تعاهد القرآن بشكل دائم ومستمر، فقال
(تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها) رواه مسلم. ولو تأملت -أخي الكريم- في قوله صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا هذا القرآن) لأدركت عِظَمَ هذه الوصية، ولعلمتَ أهمية المحافظة على تلاوة كتاب الله ومراجعته، والعمل بما فيه، لتكون من سعداء الدنيا والآخرة.
وقد جاء في السنة استحباب ختم القرآن في كل شهر، إلا أن يجد المسلم من نفسه نشاطاً فليختم كل أسبوع، والأفضل أن لا ينقص عن هذه المدة، كي تكون قراءته عن تدبر وتفكر، وكيلا يُحمِّل النفس من المشقة مالا تحتمل، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اقرأ القرآن في شهر، قلت: أجدُ قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك) ثم قال عمرو بعد أن أدركه الكِبَرَ: (فليتني قبلتُ رخصة رسول الله).
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، قوله: (
يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووم عليه وإن قَلَّ، وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملاً أثبتوه) رواه مسلم. ومعنى "أثبتوه" كما قال النووي: أي لازموه، وداوموا عليه.
فتنبه لذلك -أخي الكريم- ولا تكن من الذين يهجرون كتاب الله، ولا يذكرونه إلا في مواسم معينة، ولتحرص كل الحرص وأنت تتلو كتاب الله أن تستحضر نية الإخلاص لله سبحانه، وأن تكون على حالة من الخشوع والوقار، لأنك تتلو كتاب رب العالمين. وقد كان من وصية بعض أهل العلم لولده قوله له: (
اقرأ القرآن وكأنه عليك أُنزل)
وأخيراً يا أيها الآباء ويا أيها الأمهات ويا أيها المربون، استوصوا بالأجيال خيراً، نشئوها على حُبِّ كتاب ربها، علموها العيش في رحابه، والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، فالخير كل الخير فيه، وتعاهدوا ما أودع الله بين أيديكم من الأمانات، بتربيتها تربية قرآنية، كي تسعدوا في الدنيا قبل الآخرة، فما هانت أمة الإسلام إلا بهجرها لكتاب ربها وبعدها عنه. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وحبِّب أبناءنا تلاوته وحفظه والتمسك به، واجعله نوراً على درب حياتهم، آمين.
المصدر:إسلآم ويب