كان جل شعرها في الرثاء فلم تبك امرأة على أهلها شعرا كما فعلت وذلك أنهم ماتوا في شرخ الشباب مقتولين في الحرب وكان بين مقتل عمرو وصخر عام واحد فحُق لها أن تتفجع على أهلها, وقتل معاوية على يد هاشم ودريد ابنا حرملة يوم حوزة الأول سنة 612 م، فحرضت الخنساء أخاها صخر بالأخذ بثأر أخيه ، فقام إليهم صخر وكان في الأشهر الحرم فقال لبني حرملة : أيكم قاتل أخي فقال له أحد ابني حرملة : استطردت له فطعنني هذه الطعنة وحمل عليه أخي فقتله فأينا قتلت فهو ثأرك . أما إنا لم نسلب أخاك. قال : فما فعلت فرسه السُّمَّى ؟ قال : هي تلك. فأخذها وانصرف.وقيل لصخر : ألا تهجوهم؟ فقال ما بيني وبينهم أقذع من الهجاء وأنا أصون لساني عن الخنى . ثم خاف أن يُظَن به عيُّ فقال :
وعـاذلـة هـبت على iiتلومني
ألا لا تـلوميني كفى اللوم ما iiبيا
تـقـول ألا تهجو فوارس iiهاشم
ومـا لـي أهـجـوهم ثم ماليا
أبى الذم أني قد أصابوا iiكريمتي
وأن ليس إهداء الخنى من شماليا
فلما انقضت الأشهر الحرم جمع لهم , فنظرت غطفان إلى خيله وقد حمم غرة السمى فقتل دريد بن حرملة ثم غزا صخر بعد ذلك بني أسد بن خزيمة فأوقعوا به وانفض عنه أصحابه فواجههم وحده فطعن في جنبه و ولبث الجرح سنة كاملة، فسمع سائلا يقول لامرأته : كيف صخر؟ فقالت " لا ميت فينعى ولا حي فيرجى " فعلم أنها قد برمت منه ورأى تحرق أمه عليه فقال :
أرى أم صخر لا تمل iiعيادتي
وملت سليمى مضجعي ومكاني
فـأي امـرئ ساوى بأم iiحليلة
فلا عاش إلا في شقى iiوهوان
فعلق امرأته في عمود الخباء حتى ماتت ويئس من نفسه فقطع ما نتأ من جرحه فقال:
جارتنا إن الخطوب iiتنوب
وإنـي مقيم ما أقام iiعسيب
أجـارتنا إنا غريبان ههنا
وكل غريب للغريب نسيب
فما لبث أن مات من ساعته فبكت عليه الخنساء قبل الإسلام وبعده حتى عميت .
ومنه قولها فيه :
قَـذىً بِـعَـيـنِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ
أَم ذَرَفَـت إِذ خَلَت مِن أَهلِها iiالدارُ
تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت
وَدونَـهُ مِـن جَـديدِ التُربِ iiأَستارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـوالِـينا iiوَسَيِّدُنا
وَإِنَّ صَـخـراً إِذا نَـشـتو iiلَنَحّارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـمِقدامٌ إِذا iiرَكِبوا
وَإِنَّ صَـخـراً إِذا جـاعوا iiلَعَقّارُ
وَإِنَّ صَـخـراً لَـتَـأتَمَّ الهُداةُ iiبِهِ
كَـأَنَّـهُ عَـلَـمٌ فـي رَأسِـهِ iiنارُ
أَعَـيـنَيَّ جودا وَلا تَجمُدا
أَلا تَـبكِيانِ لِصَخرِ iiالنَدى
أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ
أَلا تَـبـكِيانِ الفَتى iiالسَيِّدا
يُـكَـلِّـفُهُ القَومُ ما iiعالُهُم
وَإِن كـانَ أَصغَرَهُم iiمَولِدا
طَويلَ النِجادِ رَفيعَ iiالعِمادِ
سـادَ عَـشـيرَتَهُ iiأَمرَدا
وَإِن ذُكِـرَ الـمَجدُ iiأَلفَيتَهُ
تَـأَزَّرَ بِـالمَجدِ ثُمَّ iiاِرتَدى
وقالت في معاوية أخيها وكان كثير المال ويعطيها فيضيعه زوجها رواحة بن عبد العزيز السلمي فلم يزل يعطيها حتى قتله بنو مرة.
فقالت فيه :
أَلا لا أَرى في الناسِ مِثلَ مُعاوِيَه
إِذا طَـرَقَت إِحدى اللَيالي iiبِداهِيَه
أَلا لا أَرى كَالفارِسِ الوَردِ iiفارِساً
إِذا مـا عَـلَـتهُ جُرأَةٌ iiوَعَلانِيَه
وَكـانَ لِزازَ الحَربِ عِندَ iiشُبوبِها
إِذا شَمَّرَت عَن ساقِها وَهيَ iiذاكِيَه
بَـلَـينا وَما تَبلى تِعارٌ وَما iiتُرى
عَـلـى حَدَثِ الأَيّامِ إِلّا كَما iiهِيَه
فَـأَقسَمتُ لا يَنفَكُّ دَمعي وَعَولَتي
عَـلَيكَ بِحُزنٍ ما دَعا اللَهَ داعِيَه
وقيل للخنساء : صفي لنا أخويك صخراً ومعاوية ! فقالت : كان صخر والله جنت الزمان الأغبر وذعاف الخميس الأحمر ، وكان معاوية القائل الفاعل ، قيل لها: فأيهما أسمى وأفخر ؟ قالت : أما صخر فحر الشتاء ، وأما معاوية فبرد الهواء وقيل لها فأيهما أوجع وأفجع ؟ قالت : أما صخر فجمر الكبد وأما معاوية فسقام الجسد .
وأنشأت تقول:
أَسَـدانِ مُـحـمَرّا المَخالِبِ iiنَجدَةً
بَحرانِ في الزَمَنِ الغَضوبِ الأَنمَرِ
قَـمَـرانِ في النادي رَفيعا iiمَحتِدٍ
فـي الـمَجدِ فَرعا سُؤدُدٍ iiمُتَخَيَّرِ
=========