أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي خواطرى : أرواحنا الهاربة

خواطرى :  أرواحنا الهاربة
من يعش بلا ماءٍ أو صديقٍ فهو على شفا هلكة ؛ الماءُ يجري في الجسد ، والصديقُ يسري في الروح !
فسلامٌ يملأ الأفقَ لأولئك الأطهارِ الذين حَلُّوا بينَ الجوانحِ فأحالوا الظُّلمةَ صباحا ، والوحشة ارتياحا ، ورعى الله غُدُوَّهم ورَوَاحَهُم ، وسدَّدَ في دروبِ الخيرِ ممشاهُم !
***- ***- *

الأصدقاء الصادقون : ذواتُنا انفصلتْ عن أجسادِنا ، وسكنتْ بين جلالِهِم وروعةِ حديثِهِم ؛ نحنُ نَضمُّهم ، ونشتاقُ لـمرآهم لأننا نَشَمُّ في أرديتهم أنفاسَنا ، ونسمعُ بين حروفِهِم وقعَ أرواحِنا الهارِبَةِ !

الحياة أصعبُ ودروبُـها أوعرُ من أن تعبرَها بلا صديق ، والصداقةُ ميثاقٌ غليظٌ في الفؤادِ ، ونهرٌ دفاقٌ زاخرٌ بمعاني الطُّهرِ والنقاءِ ، وقصةٌ مثيرةٌ مُؤَثِّرَةٌ ؛ مَشَاعِرُ الإنسانِ تَنْدَلِقُ كالبراكينِ دونَ سَابِقِ إنذارٍ بين فوَّهَاتِ النفسِ ، وتثورُ بلا رحمةٍ في فتوقِ القلبِ حيْنَما يَشِعُّ أحدُ الأوفياءِ ، وتظلُّ الروحُ تَسْبَحُ في عوالمَ مضيئةَ كلما حقَّقَ الأصدقاءُ ما لم نحقِّقْهُ بِسَبَبِ عجزِنا ، أو فتورِ هِمَمِنا ، قلتُها مرةً لصديق - من أعماقِ قَلْبي - : أَنْتَ تحقِّقُ في دأبِكَ وحرصِكَ في هذا المشروعِ ما لم أحقِّقْه ، وصدِّقني : أشعرُ أنَّكَ تَـخْطو بِقَدَمي ، وتَصْعَدُ بروحي ! ، وهي مَشَاعِرُهُ أغدَقَهَا عَليَّ ، فسَرَتْ مِنِّي إليه! ، وأحدُهُم في ليلةِ امتحانٍ شديدٍ له ، كان يُهيئُ نفسَهُ له زمنًا طويلا ، أَقسَمْتُ له غيرَ حانِثٍ أنِّي لم تهنأْ عيني بنومٍ طيلةَ البارحةِ ، وسَبَقتُهُ للجامِعَةِ في الصباحِ ، وأنا أَشْعرُ أنِّي سأُمتحنُ بدلا عنه ، ومضى على هذه الحادثةِ سنينُ وما زلتُ أمحضُهُ المودةَ والوفاءَ ، والنَّفسُ كما قيل : تعرف الصِّدقَ في العيونِ ، وترمقُ الخيرَ في الجفونِ ، وتقضي الحوائجَ بالحواجب ! ، فكم مِّن صديقِ عمرٍ أفصحتْ عيناه بالوفاءِ لأولِ وهلةٍ ، وارتاحتْ النَّفْسُ لمرآهُ لأولِ لقاء ، واستقامَ طيلة العُمْرِ على نُبْلِهِ ، وَمَا بدَّل تَبْديلا !

أرواحُنا تظمأُ وتنطرحُ ، ونفوسُنا تَمْرَضُ وتَئِنُّ ، وهي كالجسدِ تُصابُ بالانفلونزا والرشحِ والزُّكامِ ، ولا يعيدُ لها صلابةَ البُنيانِ ، بعدَ اليقينِ والإيمانِ ، سِوى صديقٍ تسقطُ بينَنَا وبينَهُ مَئُونَةُ التَحَفُّظِ ؛ مَنْ أرمقُهُ , وأنا مستقبلٌ محرابَ عينَيهِ ، وأرى حَدَقَتَيهِ شُرفَتَينِ ورديَّتَينِ في ليلِ شتاءٍ قارسٍ ، أُطِلُّ مِنْهُمَا على آفاقِ الضَّوءِ ، ويصلُ إليَّ منهُما خيوطُ الفَجْرِ !





فأبوحُ له ما يَعْتمُلُ في الحنايا ، ويتلَجْلَجُ في الصَّدرِ ، من عقباتِ الزمانِ الصعبِ ، وأمواجِ الحياةِ العاتية ، ومن إذا جلستُ إليه ويا للصَّفَاءِ !
كأنِّـي جالسٌ لوحدي !

لن أنسى موقِفَهُ في الصَّيفِ الماضي لـمَّا رآني ذاتَ مساءٍ ، أشربُ أحزاني ، وأرتشفُ قلقي ، وعلى وجهي عَلائِمُ انتصارِ الهمِّ ، فلم يَمُرَّ بأخيهِ مرَّ السحابِ ، بل هَدَمَ بُنيانَ الضيقِ بمعاولِ البوحِ والتَّشاكي ، وأَجْلسَني إلى جانبِهِ ، يقتسمُ همِّي ، ويقتلعُ الغَمَّ من جذورِهِ السَّحيقةِ في داخلي ، رأيتُهُ بأمِّ عيني يفرشُ لقدمَيَّ دربَ التفاؤلِ ، وبكفَّيهِ الطاهرتين يغرِسُ السَّكينةَ بِقلبي ، لم يقمْ عَنِّي إلا وقد اطمَأنَّ أنَّه أعادَ لوَجْهي ضِيَاءَهُ ، ولثَغْريَ رَونقَهُ ؛ تفجَأُني رسالتُهُ بين الحينِ والحينِ في دَعَوَاتٍ صادِقَةٍ آخرَ الليلِ ، وأخرى في آخرِ ساعةٍ يومَ الجمعةِ ، لو رأيتني أنا وهو يتسع لجسدينا أضيق الأخبية ويضيق عن محبتنا الكون بأسره! ؛ قد بلوتُهُ سِنينا ؛ ليس مِنْ هؤلاءِ رَخيصي الأشواق ، قاطعي العهودِ مع كلِّ عابر ، مِـمَّن تَشتَعلُ عواطفُهُم كالبركانِ ، ثُمَّ تَخْبو ، ويَخنُقُكَ بقايا الدخانِ! ، ، مِـمَّن يغوصُ في أعماقِكَ حينا ، متلبسًا بالوفاءِ ، متلفعًا بالصِّدقِ ، ثم يطفو على السَّطحِ كشوائبِ البحرِ الضارَّةِ ، فيصْدُقُكَ يومًا ، ويُخْلِفُكَ آخَرَ ؛ الصديق عند هؤلاء غيومٌ تطردها غيوم ، وحذاءٌ يُستبدل على حسب المزاج ، لا ، هُوَ نَمَطٌ مختلفٌ ؛ عَرَفَني بِـمَساوئي ومَـحَاسِني ، واختارَ أن يظلَّ رُكنًا شَديدا كما أكونُ لهُ! ، بعثت له يوما رسالةً أُبَشِّره بتحقُّقِ سعيٍ لي ، وكان الوقت هجيرا ، والهواء سعيرا ، فما راعني إلا طرقُهُ بابَ منزلي مُبارِكا مُهَلِّلا يقتسم معي فرحتي ، له اللهُ كادَ ينسى نفسه !

وآخَرُ ائتلفتْ روحُهُ بروحي ، وشَبَبْنَا سويَّــا عن طوقِ الطفولةِ والصِّبا ، رفيقُ سَفَرٍ في مرحلةِ الشَّبَابِ ، لصوتِهِ الحادِّ في أُذُني نُعُومَةٌ لا تُضاهى ، ولاسْمِهِ مَهْمَا تطاولَ الزَّمنُ رنينٌ في النفسِ ، وجَلْجَلَةٌ في الرُّوحِ ، لم تَـمُرَّ بخاطِرِهِ يوما غيرةُ الأقرانِ ، ولم يعرفْ لها طعمًا ولا لونــًا ، كان يُكَمِّلُني دومًا ، فهو مُسَكِّنٌ لعواصفي ، ومثبٍّتٌ لزلازلي ، وقورٌ ناضجٌ يبثُّ الرَّزانةَ والسُّكونَ حيثما حلَّ ! ، وسخيُّ كريم ؛ ينفِقُ وينسى ، يَبْذلُ ولا يذكرُ ( بعضُ المواقفِ نسيانُها أصعبُ من تذكُّرِها ) .

والأيامُ ما أقْساها تُنَبِّؤكَ دوما وهي خبيرةٌ- بأن لَّا تركنَ لجميعِ الوُجوهِ التي تعبُرُكَ ، وأن لَّا تمنحَهَا (كلَّها) أوسمةَ التَّفانيَ والفِدَاءِ ، فاحفظْ قلبَكَ الأبيضَ لخلِّكَ الأطيبِ ؛ فغباءٌ أن تَحسِبَ هؤلاء الذين يجدونَ الوقتَ بأن يثرثروا معكَ طيلةَ المساءِ ، هم أصدقاءَ وفاءٍ ، ورجالَ مواقفٍ ، وأنْ تتوقعَ أن لا ينقلبَ عليك ذاكَ الخلُّ الودودُ انقلابَ الأفعى ، ويتملصَ منك تملُّصَ الـحِرباءِ ، وأنه لن يُلقيَكَ يومًا مِنَ الدَّهْرِ وراءَ ظهرِهِ كما يُلقى المتاع ؛ وأنا لا زلتُ مقتنعًا بوجودِ رجالٍ من ذهبٍ ، لكنِّي أردِّدُ دومًا : احفظْ نفسَكَ من أن تسافرَ عواطفُكَ باتجاهِ مَن لا يستحقُّها ، أمسكها من الهرولة ( وراءَ كلِّ قيبحٍ وَجهُه حَسَنُ ) ، فالمشاعرُ الصادقةُ ديونٌ مُعلَّقةٌ على رقبةِ المحبوبِ ، قد تدفعُهَا من رصيدِ الكراهيةِ والبغضِ ذاتَ ليلةٍ كالحةٍ ، والمرخي لصفاءِ قَلْبِهِ العنانَ ، راكبٌ على ظهرِ أسدٍ هائجٍ ، لربَّما انقلبَ عليه في أيِّ لحظةٍ والْتَهَمَهُ.

خواطرى :  أرواحنا الهاربة



إظهار التوقيع
توقيع : زاهرة الياياسمين
#2

افتراضي رد: خواطرى : أرواحنا الهاربة

رد: خواطرى :  أرواحنا الهاربة
إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
خواطرى : مشتَّتُ العزَمات! زاهرة الياياسمين منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة
خواطرى : تؤام الروح زاهرة الياياسمين المنتدي الادبي
تلوح أرواحنا للبعيد للأمل المستحيل صفاء الحياة المنتدي الادبي
يارب كلما أمطرت السماء أمطر أرواحنا اماني 2011 رسائل وتوبيكات
من خواطرى سكاسك مدونآت الاعضآء!


الساعة الآن 01:22 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل