الربع السادس من سورة آل عمران
الآية 93: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا ﴾: أي: حلالاً ﴿ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ لِمرضٍ نَزل به، وذلكَ ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ﴾، فلما نُزِّلت التوراة، حَرَّم اللهُ فيها - على بني إسرائيل - بعض الأطعمة التي كانت حلالاً لهم، وذلكبسبب ذنوبهم وظُلمهم، ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ في دعواكم الكاذبة (مِن أن الله هو الذي حَرَّمَ على يعقوب هذه الأطعمة، وأنه أنزل في التوراة هذا التحريم على يعقوب)، وذلك حتى تعلموا صِدْقَ ما جاء في القرآن مِن أن الله لم يُحَرِّم على بني إسرائيل شيئًا قبل نزول التوراة، لا على يعقوب ولا على غيره، إلا ما حرَّمه يعقوب على نفسه).
الآية 94: ﴿ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾: أي: فمَن كذبَ على اللهِ بعدَ قراءة التوراة ووضوح الحقيقة: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.
الآية 95: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ ﴿ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾: أي: فإن كنتم صادقين في مَحبتكم وانتسابكم لإبراهيم عليه السلام، فاتبعوا مِلَّتَهُ التيشرعها الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها الحق الذي لا شك فيه، وقد كانَ إبراهيم عليه السلام ﴿ حَنِيفًا ﴾: أي: مائلاً عن أي دينٍ باطل، فكانَ عليه السلام مُسلماً لله تعالى، ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
الآية 96: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾: أي: بُنِيَ لعبادة الله في الأرض: ﴿ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾: أي: لَهُوَ بَيتُ اللهِ الحرام الذي بمكة، ﴿ مُبَارَكًا ﴾: يعني: وهذا البيت مُبارك تتضاعف فيه الحسنات، وتتنزَّل فيه الرحمات، ﴿ وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾: أي: (وفي استقباله فيالصلاة، وكذلك في قصْدِهِ لأداء الحج والعمرة): صلاحٌ وهداية للناس أجمعين).
الآية 97:﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾: أي: في هذا البيت دلالاتٌ ظاهراتٌ على أنه مِن بناء إبراهيم، فمِن هذه الدلالات: مَقامُ إبراهيم عليه السلام، وهو الحَجَر الذي كان يَقف عليه حين كان يَرفعالقواعد مِن البيت، هو وابنه إسماعيل، ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ ﴾: أي: ومَن دخل المسجد الحرام: ﴿ كَانَ آَمِنًا ﴾: أي: كان حقاً عليكم أن تؤَمِّنُوه، فلا يَحِلّ أنيَناله أحدٌ بسُوء، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾: يعني: وقد أوْجَبَ الله قَصْدَ هذاالبيت على المستطيع (بمالِهِ وبدنه) لأداء مناسك الحج، ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾: أي: ومَن جحد فريضة الحج فقد كفر، ومَن كفر ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ﴾ عنه وعن حجِّه وعمله، و ﴿ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.
الآية 99: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ ﴾: أي: لم تصدون مَن أراد الدخولفي سبيل الله (وهو دين الإسلام)، و﴿ تَبْغُونَهَا ﴾ له ﴿ عِوَجًا ﴾: يعني: وتريدون له زَيغًا ومَيلا عن الاستقامة والهدى، وذلك بتشكيكه وتضليله، حتى يَضِلّ، ﴿ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾: أي: وأنتم تعلمون أن ما جئتُ به هو الحق؟، ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.
♦ واعلم أن الهاء التي في كلمة: (تبغونها) عائدة على (سبيل الله)،لأن كلمة: (السبيل) تؤنَّث وتُذَكَّر، وبذلك يكون المعنى: (وتَبغون العِوَجَ لِسالِكِها (أي: سالِك سبيل الله)).
الآية 100: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾:أي: يُضِلُّوكم، ويُلقوا إليكم الشُبُهات فيدينكم، لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين به، فلا تأمَنوهم على دينكم،ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مَشورة).
الآية 102: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾، وذلكبأن يُطاع فلا يُعصَى، وبأن يُشكَر فلا يُكفَر، وبأن يُذكَر فلا يُنسَى، ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾: أي: وداوِموا على تمَسُّكِكُم بإسلامكم إلى آخر حياتكم، لتلقوا اللهَ وأنتم عليه).
الآية 103: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾: أي: وتَمَسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهَدْي نبيكم، ﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾: أي: ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فُرقَتِكم، ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴾ ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ﴾: أي: بفضله ﴿ إِخْوَانًا ﴾، ﴿ وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ﴾: أي: على حافة نار جهنم، ﴿ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ﴾ بأنْ هَداكم للإسلام، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: أي: وكما بَيَّنَ الله لكم مَعالم الإيمان الصحيح: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ إلى كل ما فيه صلاح دينكم ودنياكم).
الآية 104: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾:أي: جماعة ﴿ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ ﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ وهو ماعُرفَ حُسْنُهُ (شَرعًا وعُرفاً بين الناس)، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ وهو ما عُرف قُبْحُهُ (شرعًا وعُرفاً بين الناس)، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾: أي: الفائزون بجنات النعيم).
الآية 105: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا ﴾ شِيَعًا وأحزابًا،ة ﴿ وَاخْتَلَفُوا ﴾ في أصول دينهم ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾: أي: من بعد أن اتضح لهم الحق، ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.
♦ واعلم أن كلمة: (البيّنات) ليست مُؤنّثاً حقيقياً، بمعنى أنه يجوز تذكيرها ويجوز تأنيثها، فيجوز أن تأتي مع الفِعل المُذَكَّر: (جاءهم)، كما يجوز أن تأتي مع الفِعل المُؤنَّث: (جاءتهم)، ولذلك نجد أن الله تعالى أحياناً يقول: (جاءهم البيّنات)، وأحياناً يقول: (جاءتهم البيّنات).
الآية 107: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ﴾ وهم أهل السعادة، الذين آمنوا بالله ورسوله، وامتثلواأمْرَه: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ ﴾: أي: فأولئك فيجنة الله ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
الآية 108: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾:أي: بالصِدق واليقين، ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾: أي: وما اللهُ بظالمٍ أحدًا مِن خَلقِه، ولا بمُنقِصهم شيئًا من أعمالهم).
الآية 110، والآية 111: ﴿ كُنْتُمْ ﴾: أي: كَتَبَ الله أنكم ستكونونَ ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾: أي: خُلِقَت لِنفع النَّاسِ، وذلك لأنكم ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ ﴿ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ إيماناً صادقاً يُؤّيِّدُهُ العمل، ﴿ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ ﴾ بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به مِن عندِ الله، كما آمنتم ﴿ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ في الدنيا والآخرة، ﴿ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ برسالة محمد صلى اللهعليه وسلم العاملون بها، وهم قليل، ﴿ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ الخارجون عن دين الله وطاعته، وهؤلاء ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾: أي: إلا ما يُؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾، ﴿ وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ﴾: أي: يُعطونكم ظهورهم فِراراً منكم، ﴿ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ عليكم).
الآية 112: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ﴾: يعني: أحاطت بهم ﴿ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا ﴾: أي: فهم أذِلاَّءُ مُحتقَرونأينما وُجِدوا، فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين، تُؤخَذ منهم الجِزْيَة ويُسْتَذَلُّون، أو تحت أحكام النَصارَى، ﴿ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ﴾: أي: إلا بعد أن يُوفوا بعهد الله الذي أخذه عليهم مِن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم متى بُعِث، والدخول في الإسلام، فبذلك يَزول ذلك الذل عنهم، ﴿ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾: يعني: أو بعهدٍ من الناس يأمَنون به على أنفسهم وأموالهم، كحماية دولة قوية لهم، أو مُعاهَدةٍ يفعلونها، أو غير ذلك).
﴿ وَبَاءُوا ﴾: أي: ورجعوا ﴿ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ﴾ مُستحقين له، ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ﴾: وهي فقر النفوس، فلا ترى اليهوديَّ إلاوعليه الخوف والرعب مِن أهل الإيمان، ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي جعله الله عليهم، ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾: أي: ظلمًا واعتداءً، ﴿ ذَلِكَ ﴾: أي: الجُرأة على قتل الأنبياء كانت ﴿ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾: أي: بسبب ارتكابهم للمعاصي، وتجاوُزِهِم لحدود الله).
الآية 113: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً ﴾: أي: ليس أهل الكتاب متساوين، فإنَّ ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ﴾: يعني: مستقيمة على أمر الله، مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ ﴾: أي: وهم يقومون الليل مُرَتِّلينَ آيات القرآن الكريم، (وغالباً يَكتُمُ هؤلاء إيمانهم، خوفاً من بطش أعدائهم)،﴿ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾: أي: وهم خاضعون لله، ذليلون له،مُقبلون على مُناجاتِهِ في صلواتهم).
الآية 115: ﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾: يعني: فلن يَضِيعَ ثوابه عند الله، بل يُشكَرُ لهم، ويُجازونَ عليه، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾.
..........
من سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف أ.د. التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف) واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
رامى حنفى محمود
شبكة الألوكه الشرعية