المقامة الرمضانية
(( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ))
مرحبــــــــا أهـــلا بالصيــــــام يا حبيبـــــــــــا زارنـــــا كل عـام
فـاغـفـر اللهـم ربـي ذنبــــــــنا ثم زدنــــا من عطــــاياك الجـــسام
مرحبا برمضان شهر التوبة والرضوان شهر الصلاح والإيمان شهر الصدقة والإحسان ومغفرة الرحمن وتزيين الجنان وتصفيد الشيطان
هذا شهر العتق والصدق والرفق , رقاب تعتق , ونفوس ترفق , وأياد تتصدق , باب الجود في رمضان مفتوح , والرحمة تغدو وتروح , والفوز ممنوح , فيه ترتاح الروح , لأنه شهر الفتوح , هنيئا لمن صامه , وترك فيه شرابه وطعامه , وبشرى لمن قامه وأتبع إمامه .
القلب يصوم في رمضان , عن اعتقاد العصيان , وإضمار العدوان , وإسرار الطغيان . والعين تصوم عن النظر الحرام , فتغض خوفا من الملك العلام , فلا يقع بصرها على الآثام . والأذن تصوم عن الخنا , واستماع الغنا , فتنصت للذكر الحكيم , والكلام الكريم . واللسان يصوم عن الفحشاء , والكلمة الشنعاء , والجمل الفظيعة , والمفردات الخليعة , امتثالا للشريعة . واليد تصوم عن أذية العباد , ومزاولة الفساد , والظلم والعناد , والإفساد في البلاد . والرجل تصوم عن المشي إلى المحرم , فلا تسير إلى إثم ولا تتقدم .
اما آن للعصاة أن يغمسوا في نهر الصيام ليطهروا تلك الأجسام من الآثام . ويغسلوا ما علق في القلوب من الحرام . أما آن للمفطرين أن يدخلوا من باب الصائمين , على رب العالمين , ليجدوا الرضوان في مقام أمين .
أن رمضان فرصة العمر السانحة , وموسم البضاعة الرابحة , والكفة الراجحة , يوم تعظم الحسنات , وتكفر السيئات , وتمحى الخطيئات . أما أن لثياب العصيان أن تخلع في رمضان , ليلبس الله العبد ثياب الرضوان وليجود عليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان .
في رمضان نزل الذكر الحكيم , على رسولنا الكريم , وهو سر مجدنا العظيم .
في رمضان كانت فتوحاتنا , وإشراقاتنا , وغزواتنا , وانتصاراتنا .
في رمضان التقى الجمعان , جمع الرحمن وجمع الشيطان , في بدر الكبرى يوم رجح ميزان الإيمان , ونسف الطغيان , وانهزم الخسران .
في رمضان فتحت مكة بالإسلام , وتهاوت الأصنام , وارتفعت الأعلام , وعلم الحلال من الحرام .
في رمضان كانت حطين العظيمة , يوم انتصرت رايات صلاح الدين الكريمة , وارتفعت الملة القويمة , وذلت راية الصليب اللئيمة .
صيام النفس في رمضان عزوف عن الانحراف والانصراف والإسراف والاقتراف , فالنفس تعلن الرجوع , والقلب يحمل الخشوع , والبدن يعلوه الخضوع , والعين تجود بالدموع .
لشهر رمضان وقار فلا سباب ولا اغتياب , ولا نميمة ولا شتيمة , ولا بذاء ولا فحشاء , وانما أذكار واستغفار , واستسلام للقهار .
مردة الشياطين في رمضان تصفد بالقيود , فل تقتحم الحدود , ولا تخالط النفوس في ذلك الزمن المعدود .
إذا سابك أحد في رمضان فقل أتي صائم , ولست لك بمخاصم , وما عندي زمن لسيئ الكلام , لأن النفس خطمت على الخطيئة بخطام , وزمت عن المعصية بزمام .
إذا قاتلك احد في رمضان فقل : أي صائم فلن أحمل السلاح , لأنني في موسم الصلاح وفي ميدان الفلاح , وفي محراب حي على الفلاح .
كان السلف إذا دخل رمضان , أكثروا قراءة القرآن , ولزموا الذكر كل آن , ورقعوا ثوب التوبة بالغفران , لأنه طالما تمزق بالعصيان .
هذا الشهر هو غيث القلوب , بعد جدب الذنوب , وسلوه الأرواح بعد فزع الخطوب .
رمضان يذكرك بالجائعين , ويخبرك بأن هناك بائسين , وأن في الأرض مساكين , لتكون عونا لإخوانك المسلمين .
فرحة لك عند الإفطار , لأن الهم ذهب وطار , وأصبحت على مائدة الغفار , بعد أن أحسنت في النهار .
وفرحة لك عند لقاء ربك إذا غفر ذنبك , وأرضي قلبك .
بعض السلف في رمضان لزم المسجد , يتلو ويتعبد , ويسبح ويتهجد .
وبعضهم تصدق في رمضان بمثل ديته ثلاث مرات , لأنه يعلم أن الحسنات يذهبن السيئات .
وبعضهم حبس لسانه عن كل منكر وأعملها في الذكر وأشغلها بالشكر .
هذا شهر الآيات البينات , وزمن العظات , ووقت الصدقات , وليس لقراءة المجلات , والمساجلات , وقتل الأوقات , والتعرض للحرمات
سلام على الصائمين إذا جلسوا في الأسحار , يرددون الاستغفار , ويسحون الدمع المدرار .
وسلام عليهم إذا طلع الفجر , وطمعوا في الأجر , تراهم في صلاتهم خاشعين , ولمولاهم خاضعين .
وسلام عليم ساعة الإفطار , بعد التسيار , وقد جلسوا على مائدة الملك الغفار , يطلبون الأجر على عمل النهار .
سبحان من جاعت في طاعته البطون , وبكت من خشيته العيون , وسهرت لمرضاته الجفون , وشقيت بقربه الظنون .
ما أحسن الجوع في سبيله , ما أجمل السهر مع قيله , ما ابرك العمل بتنزيله , ما أروع حفظ جميله .
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن , هداية للبشرية , وصلاح للإنسانية , ونهاية للوثنية .
بالقران أصلح الله القلوب , وهدى الشعوب , فعمت بركته الأقطار , ودخل نوره كل دار .
((من مقامات عائض القرني))